مدارس الأداء التمثيلي في المسرح المصري

مدارس الأداء التمثيلي في المسرح المصري

العدد 744 صدر بتاريخ 29نوفمبر2021

في ذكري رحيل الفنان (عبد الرحيم الزرقاني) يناير 1913  -  نوفمبر 1984  واحد من أبرز ممثلي  مدرسة الأداء التمثيلي المنهجي.
ولد عبد الرحيم الزرقانى بالقاهرة فى يونيو عام 1913 وكانت أولى وقفاته المسرحية من خلال الخطابة فى مدرسة الجمعية الخيرية الابتدائية بالقاهرة عام1922. ومن ثم خلال المسرح المدرسى حين أدى الدور الذى لعبه (جورج أبيض) فى مسرحية «المائدة الخضراء« التي قام بإخراجها جورج أبيض لفريق التمثيل بالمدرسة .
فى عام 1930 يحاول (جورج أبيض) أن يضمه إلى فرقته وهو طالب فى مدرسة الخديوية الثانوية فيسند إليه دور (براباتسو) والد ( ديدمونة) فى مسرحية «عطيل»، وكذلك دور (أوليفييه) في مسرحية «لويس الحادى عشر« .. لكنه لا يستطيع دخول الفرقة المصرية للتمثيل بسبب صغر سنه ولم يكن أمامه سوى طريق واحد .. وهو الاشتراك مع شقيقه (على الزرقانى) - الذى أصبح فيما بعد من أكبر كتاب السيناريو - فى تكوين فرقة للهواة ضمت فريد شوقي وصلاح سرحان وشكرى سرحان وكمال حسين وكمال إسماعيل وأحمد الجزيرى وسعيد أبو بكر وعبد العزيز خورشيد، فاختاروه ليقوم بإخراج أول مسرحية لهذه الفرقة وهى مسرحية الأرملة» من تأليف (على الزرقانى) وتوالى بجاح الفرقة الوليدة فتم تغيير اسمها عام 1942. وأصبحت ب (فرقة العشرين) وكانت تقوم بنشاطها فى المعهد

البريطانى وتمثل بالإنجليزية وبالعربية .
اشتهرت (فرقة العشرين ) عن طريق تفديم تمثيليات إذاعية وعن طريق اشتغال الكثير من أعضائها في السينما إلى أن أخرج لهم (أنور وجدى) إحدى مسرحياتهم نظير مبلغ خمسة جنيهات
وإذا كان صغر سن عبد الرحيم الزرقانى فد حال دون انضمامه ( للفرقة المصرية ) فإن كبر سنه قد حال دون دخوله معهد التمثيل 1944 إذ كان فى الثلاثين من عمره فيتحمس له (زكى طليمات) عميد المعهد بعد أن كان قد شاهده فى مسرحية «العرش« كمخرج وممثل ويتم قبوله طالبا بالمعهد فيترك (فرقة العشرين) ويتفرغ للدراسة، وطوال سنوات دراسته بالمعهد كان يعمل مساعدا لزكى طليمات فيدرب الطلبة كما يساعد فى إخراج المشاهد والمسرحيات التى كان يقدمها الطلبة وكان يقوم بالتدريس لطالبات المعهد أثناء العطلة الصيفية ومن أيرز الطالبات يوم ذاك «نعيمة وصفى« و»سميحة أيوب« و»سناء جميل« و»زهرة العلا« و»فاتن حمامة« إذ كان (زكى طليمات) يرى أن عبد الرحيم الزرقانى (هو الطالب العجوز الذى خلق ليكون ممثلا وأنه الممثل الذى خلق ليكون مدرسا) .
ويفخر (عبد الرحيم الزرقانى) بأن (سناء جميل) الطالبة التى كانت لا تستطيع أن تقرأ أوتكتب باللغة العربية (كانت تكتب أدوارها بحروف لاتينية وتقرأها بالعربية) .. فيظل يعلمها إلى أن أصبحت س ملامح النهضة المسرحية الحديثة كما أصبحت تقرأ الأدب العربى بشكل عميق وواع .. وكان يقوم بالتدريس لرفيق دراسته «فريد شوقى»، فكان يداعبه قائلا: انت فاكر نفسك إيه ؟ الفرق بينى وبينك (فقى) بثلاثين قرشا !!
فور تخرجه من المعهد عام 1947 يعين معيدا به لكن ..كان ذلك سببا فى حرمانه من السفر ضمن بعثة للخارج لحاجة المعهد إليه فيسافر زميلاه (نبيل الألفى وحمدى غيث) إلى باريس فى بعثة دراسية، ويبقى هو بطلب من (زكى طليمات) الذى سر عان ما أنشأ عام 1950 «فرقة المسرح المصرى الحديث« من خريجى المعهد.. فاختار عبد الرحيم الزرقانى ضمن أعضاء الفرقة ليعمل ممثلا ومساعدا للإخراج بمرتب خمسة عشر جنيه ..
وعلى إثر النجاح الذى حقفه عبد الرحيم كممثل فى المسرحية العالمية «فى أحد الضواحى« - عام 1950  - من تأليف «ج. ب. بريستلى« وإخراج زكى طليمات والمسرحية المحلية كذب فى كذب « - عام 1951 - تأليف محمود تيمور وإخرج زكى طليمات. يستقيل من وظيفته الحكومية فى بنك التسليف الزراعى ، كما يقوم بإخراج مسرحيتين نجحتا نجاحا ملحوظا على المستوى النقدى والجماهيرى هما « بنت الجيران» 1951 - تأليف « رشاد ححازى» و» شروع فى جواز « 1952 - تمصير سليمان نجيب
بعد يوليو 1952 يعفى (زكى طليمات ) من فرقة المسرح الحديث وعمادة معهد الفنون المسرحية وتحدث هزة كادت تقوض (المسرح الحديث) بسبب خروج (زكى طليمات).. ولكن الفرقة تماسكت ثم انضمت للفرقة المصرية للتمثيل والسينما لتظهر للوجود فرقة جديدة باسم « الفرقة المصرية الحديثة « بقيادة (يوسف وهبى) على الرغم من المتاعب والصعاب التى نتجت عن جمع الفرقتين فى فرقة واحدة لاختلاف منهج (زكى طليمات) عن منهج( يوسف وهبى) ..
أولى المسرحيات التى قام بإخراجها عبد الرحيم الزرقانى بعد ضم الفرقتين كانت « الأشباح « -1953 - تأليف ( هنريك ابسن ) وكانت تنتقد تعاليم العادات الموروثة والتقاليد البالية التى تجثم على صدر مجتمع ما فتعوق تطوره وتقدمه.. بينما نافستها مسرحية « يا تلحقونى يا ما تلحقونيش»- 1953 - (من إنتاج الفرقة نفسها) اقتباس وإخراج (فتوح نشاطى ) وهى من نوع الفودفيل أنفق عليها أضعاف ما أنفق على مسرحية «الأشباح«.. فيصدم عبد الرحيم الزرقانى من سوء إدارة الفرقة الجديدة، ويترتب على هذا الأمر شجار حاد مع يوسف وهبى انتهى بابتعاد عبد الرحيم الزرقانى عن الفرقة .
عام 1956 يعين الزرقانى مديرا عاما للمسرح الشعبى ويعاونه زكريا الحجاوى، ويعمد الزرقانى إلى ضم خريجين جدد من معهد الفنون المسرحية للمسرح الجديد ( كرم مطاوع - حسن عبد السلام - نجيب سرور) وبذلك يدعم المسرح الجديد الذى كان من أبرز أعضائه (على الكسار و زوزو نبيل) .. كما يتيح لموهبة الكاتب (نعمان عاشور) فرصة الظهور حين أفسح المجال أمامه بإعداد مسرحية «شكسبير» ( عطيل ) باللغة العامية .
وفى نهاية الخمسينات يصبح (الزرقانى) من ملوك الإذاعة السبعة أى من (محمد الطوخى ، صلاح منصور) ، ومن  أبرز من يؤدى أمام الميكروفون الإذاعى ومعه (محمد علوان ، زوزو نبيل ، رفيعاة الشال ، لطفى عبد الحميد).
يعود عام 1958 إلى ( الفرقة المصرية الحديثة ) ويقدم مسرحية «الوارثة« 1958 - ترجمة د. عبد القادر القط)، وفيها تقوم (سناء جميل) بأول بطولة مسرحية مطلقة لها أمام عمر الحريرى وسهير البابلى .. وفى مجال التمثيل قام عبد الرحيم الزرقانى عام 1957 بدور العمدة تأليف (جون شتاينبك) في مسرحية « تحت الرماد « سُميت أيضا « ثم غاب القمر « - من إخراج حمدى غيث، ولعب البطولة المطلقة لشخصية وطنية مثالية اشتهرت بنزاهة الحكم فى مسرحية « نزاهة الحكم «- 1953 - تأليف « بول أياست لوزون « وإخراج حمدى غيث .. ورغم أن هذه الأدوار كانت من النوع التراجيدى الجاد إلا أنه كان يؤدى الأدوار الكوميدية ببراعة كما فى مسرحيات « بابا عايز يتجوز - ( إخراج سعيد أبو بكر ) و»دكتور كنوك» - 1962 - ( إخراج كمال ياسين ) ودور الأب فى مسرحية « المأخوذة» - ( إخراج نبيل الألفى ) و بنت الجيران» - 1951 - (وكانت من إخراجه ) .. وكان يعتمد فى أدائه فى السينما على الصوت المؤثر والدقة والانضباط فى الانفعالات ، وعلى جلال كلاسيكى فى الأدوار الجادة ، وعلى خلفية متعمقة فى الثقافة والوعى بأبعاد الدور - الذى كان فى العادة دورا صغيرا - لكنه كان يترك بصسته الأدائية دائما ..
فى مجال الإخراج كان يميل إلى الواقعية الفنية التى لا تغفل طبيعة العرض المسرحى مع البساطة حتى يصل العمل الفنى للناس ويفهموه .. فهو فى مسرحية «بلاد بره» - 1967 - ( تأليف نعمان عاشور ) يقدم رؤية واقعية اجتماعية لا تخلو من النزعة التقليدية حين تكون واثقة من أصالتها ووقوفها فى مكانها الصحيح وظهورها فى لحظتها الملائمة .. وهو في مسرحية « الزوبعة « 1970 - ( تأليف محمود دياب)، والتى قدمها لفرقة البحيرة يحرص على إبراز عنصرى (الكلمة والممثل) وهما مادة العرض مع التبسيط والوضوح..
ولعبد الرحيم الزرقانى نشاطات فنية أخرى فى مجال التمثيل والإخراج .. فقد قام بالإخراج الإذاعى (للبرنامج الثانى) – البرنامج الثقافي الآن لعدة مسرحيات عالمية كما شارك بالتمثيل فى العديد من الأفلام المصرية والأعمال التليفزيونية .. وسافر إلى عدد من دول أوروبا الشرقية ولندن ودول أوروبية أخرى» كما ظل يعمل بالمعهد العالى للفنون المسرحية (حتى سن المعاش) كأستاذ لماد ة التخصص فى قسم التمثيل.. إلى أن رحل عن دنيانا فى الأول من نوفمبر عام 1984 عن عمر يناهز السبعين ، تاركا للساحة الفنية أجيالا تدين له بالفضل الكبير كمعلم وفنان من الطراز الأول .


عبد الغنى داوود