العدد 774 صدر بتاريخ 27يونيو2022
واحة الغروب ..معالجة مسرحية عن رواية للأديب بهاء طاهر إعداد وإخراج أسامة عبد الرؤوف لفرقة أسيوط القومية ..استطاع فيها أن ينقلنا لرحلة إلى الواحة رحلة شخصيات تحاول أن تتصالح مع ماضيها..هناك ثلاثة مستويات المستوى السردى والذى يصف المكان والشخصيات ويحكى أحداثا لا نراها.. والمستوى الثانى مستوى الواقع والحدث الآنى بحكاية محمود عبد الظاهر وتأييده لعرابى ومشاركته الثورة ومحاكمته ووصفه لعرابى بالخيانة ليهرب من حتمية رفده أو تسريحه وبالتالي يتم ترقيته ليصبح مأمورا لواحة سيوة .. والمستوى الثالث مستوى التذكر لأحداث الماضى والذى يؤكد المستويين الآخرين ..والشمس في واحة الغروب تلقى بظلالها وتنعكس إضاءاتها الهزيلة على معظم الشخصيات دلالة على أن الأرواح تسير إلى نهايتها..حالات من التأزم بين كل شخصية وذاتها وبينها وبين الأخرين وبين الأماكن وبين الأزمان المختلفة وتماس الحالات النفسية لمعظم الشخصيات.. كل شخصية تحكى عن ماضيها وحاضرها ومحاولة ربطها بكل من حولها واكتر من وجهة نظر كمحرك لمعظم الشخصيات وكأنها تنوع على التيمة.. شخصية محمود عبد الظاهر من الشخصيات المحورية والذى يحاسب نفسه كمسئول عن كل ما يحدث منذ البداية وهو دائما يكون مطارد من ذكرياته ..والربط بينه وبين شخصية الإسكندر مرة وبينه وبين الشخصيات الأخرى بشكل غير مباشر لأن الأحداث التي مرا بها ربما تكون متشابهة.... محمود دائما في منتصف كل شيء.. في لحظة ما بين بين .. ومحاولاته التعايش مع الأخرين دون جدوى إلا أنه يفقد معظم من حوله فيفقد نعمة الخادمة التي احبها وقد كان زواج محمود من كاترين الأيرلندية محاولة لقبوله بالواقع .. ومن حواراته مع نفسه فهو يتمنى أن يموت ليتخلص من كل ما فعله. وتعتبر هذه اللحظة هي لحظة الغروب الأساسي عند محمود.. وكاترين الأيرلندية كشخصية محورية مهتمة بالآثار قدمت من بلادها لترى عظمة التاريخ القديم ..فترتبط بمحمود وتكون القاسم المشترك معه بل وتصطدم مع أهل الواحة بعاداتها التي تختلف مع عاداتهم وتقاليدهم المختلفة فيرفضونها منذ وصولها والمأمور فهى تسير في دروبهم وشوارعهم باحثة عن الإسكندر الذى قرأت عنه و ذلك يعتبره أهل الواحة نوع من اختراق خصوصيتهم وشخصيتها عكس شخصية محمود تتنصل مما قد تكون سببته وتحيله للقدر ولا تشعر بأى ذنب اقترفته كالذى أصاب مليكة عندما لجأت لها وكانت سببا في قتلها ودائما ما تجد لنفسها مبررا يجعلها بعيدة عن أن تكون سببا لأى حدث..الشيخ صابر شخصيته تحمل من الشر الذى يكفى لكل من يتعامل معه فهو يسعى أن يصبح عمدة وكبيرا للواحة ويرى أن كل ما يحدث للشخصيات الأخرى شيء مستحق لهم كنوع من الانتقام منهم لما حدث لأبوه في الماضى .. وشخصية الشيخ يحيى التي تحمل الطمأنينة والسلام لكل الشخصيات وهو ضد حروبهم وموت الكثير من الناس وتتشابه شخصيته مع محمود في لومه لنفسه ولكنه يقوم باتخاذ القرار فيتركهم ويترك رئاسة مجلس الأجواد ويعتكف بعيدا في حديقته بعد أن فشل في توفير الأمن والسلام لهم.. واستطاع المخرج على قدر الإمكان أن يختزل أحداثا ليذهب لمتابعة الحدث الأساسي الصراع النفسى بين محمود ونفسه وبينه وبين الآخرين واشتراك الجميع كشخصيات تدور في فلكه بالجذب والتباعد وما يحدث لمليكة من مصير محتوم لأنها تمثل البراءة والطفولة وسط كل هذه الشخصيات.. و من خلال لوحات تشكيلية لمصممها «عبد الناصر أحمد» الذى استطاع أن يحقق الواحة على المستوى الواقعى والمستويات الأخرى من أماكن سواء في الماضى أو الواقع .. باحتلال معبد أمون المساحة الأكبر بل ووسط المكان كمؤثر أساسي ووجود أكثر من مكان حيث ننتقل إلى أماكن مختلفة معبرة عن كل المستويات في الماضى سواء منزل محمود أو ساحة الواحة وحديقة الشيخ يحيي ومجلس الأجواد وبيت مليكة وأسرتها وغيرها..ساعده في تحقيق جمال الصورة الإضاءة المعبرة لـ«مايكل يعقوب» معبرا عن الصراع والحالات النفسية باللون الأحمر الدموى والأزرق كلحظات الوحدة .. ولحظات البراءة عند مليكة وعند موتها ونزول الملاك لاصطحابها معه ( دلالة على أن وجودها خسارة في هذا العالم القاسى) ..استطاع «مسعود شومان» عمل أشعار تميزت بقوة تعبيرها ورشاقة كلماتها.. مكملا ومعبرا عن الصورة بالأشعار التي تعبر عن جمال مليكة ومناطق أخرى كثيرة تعبر عن الواحة وما يحدث بها .. «واحة غروب وهروب ولا اغتراب وغرابة..» ..كما جاءت الموسيقى للملحن «عبد المنعم عباس» متوافقة ومعبرة ودالة عن الحالة الشعورية والنفسية للشخصيات بتنوعها واختلافها لكل مستوى وما يناسبه من موسيقى وأحاسيس معبرة عنه الاستعراضات لمصطفى غانم كانت بسيطة ومعبرة عن كل المواقف. وينتهى العرض كما بدأ بصوت الواحة الذى يصف ما وصلت إليه الشخصيات فنشاهد كاترين ..تقف فى معبد آمون.. ومحمود يخلع سترته الميرى .. ويهيم على وجهه فى الصحراء ..ويجلس الشيخ يحيي مع طيف مليكة في حديقته .. دلالة على أن كل فرد مازال يتصارع في واديه ..أسامة عبد الرؤوف استطاع أن يقدم من خلال رواية واحة الغروب نصا مسرحيا جديدا يضاف لمكتبة النصوص المسرحية ..أما عن الممثلين فاستطاع «أحمد مختار» أن يجسد شخصية (محمود عبد الظاهر) وأن يحقق بفهمه لطبيعة الدور كل الحالات النفسية المختلفة للشخصية والصراع بينه وبين نفسه والآخرين ..(الشيخ يحيى) «مصطفى عاطف» الذى حقق في أداءه الهدوء النفسى للشخصية بالرغم من صراعه الداخلى بهدوءه وثورته واستطاع أن يحقق الاختلاف في الأداء وهو في مرحلة الشباب واثبات التواجد معظم العرض حتى وان لم يتكلم (مصطفى إبراهيم /الإسكندر) بأدائه وصوته المعبر وتجسيده الحالات النفسية بكل بساطة ..(كاترين/ مارينا هانى) وأداء مختلف بسيط يحقق التنوع فى الشخصية. «ضيف خليل» (الشيخ صابر) والشر الكامن في الشخصية جسده بكل براعة من خلال أداء ينشر السم في العسل (مريم صفوت في دور مليكة) والتي برعت في الأداء بتعبيرها المتدفق من الكلمة والإحساس (والتي سيكون لها مكانة خاصة في عالم التمثيل فيما بعد) (غانم صبرة /الشاويش إبراهيم) الذى عبر عن الشخصية بكل ما فيها من طيبة (وليد وحيد/ اليوزباشى وصفى) الانتهازي الذى يحاول أن يكتسب الجميع في صفه ليعبر عن ذلك بكل يسر ليصبح هو مأمور الواحة .. (حمدى حسن/الشيخ معبد) وأداء يحمل السهولة في حالاته الفرحة والمنكسرة بلحظة الزواج وعجزه بزواجه بمليكة ..(هدى مناع /أم مليكة) والسيطرة وإرغام مليكة على فعل مالا تحبه بالقوة .. وفريق الممثلين المشاركين والمحافظة على الأداء الجماعى وعلى انضباط اللغة العربية يحسب لهم ..وبمشاركة كل من: هانى محمد، نادية صلاح، صابر صبرة، إبراهيم فاروق، محمد عاطف، محمد عزب، مريم طلعت، إسلام أحمد، لمياء عمرو، خلود محمد، لمياء عمرو، أشرف بدوى، مازن أسامة، سلوى كامل، منة الله، نرمين السيد، زينب، هبة، نادية أسعد، موسى محمد ويوسف شعبان، أحمد سيد.