المسرح التونسي في الدوريات المصرية 1932 - 1933

المسرح التونسي في الدوريات المصرية 1932 - 1933

العدد 759 صدر بتاريخ 14مارس2022

في مارس 1932 أرسل المراسل التونسي لجريدة «أبو الهول» المصرية رسالة فنية، نشرتها الجريدة وفيها معلومات، منها: أن «فرقة الشيخ إبراهيم الأكودي» مثلت على المسرح البلدي رواية «تريبولي»، وقد سمتها الفرقة «الشرف المزيف أو مضحك الملك». وقام مدير الفرقة الشيخ إبراهيم بدور «تريبولي»، ومثلت السيدة وسيلة صبري «بلانش». أما فرقة «المستقبل التمثيلي» فقد مثلت مسرحية «كين» ومسرحية «فتح بيت المقدس» أمام أعضاء مؤتمر اللغة العربية. أما «فرقة التمثيل العربي» فقامت بتمثيل مسرحية «عشرين يوماً في السجن» ترجمة الأستاذ «عبد الرحمن رشدي» والمسرحية كوميدية أخلاقية تهذيبية ومثّل أهم الأدوار «الحبيب المازح» و«البشير الرمالي» و«صالح الراوي» و«فتحية خيري» و«عائشة الصغيرة» و«توحيدة بدوي» وغيرهم. وكان الإقبال عظيماً.
وفي مايو 1932 نشر مراسل «أبو الهول» أيضاً معلومات حول المسرح التونسي، منها: قيام «جمعية النهضة التمثيلية» في بنزرت بتمثيل مسرحية «غانية الأندلس» بتياترو البوليتياما، وقام بتمثيل دور الملك مدير الفرقة، وقام الشيخ محمد القطار بدور «سناء»، والمطرب المعروف السيد عمر خليفة بدور «بدر الدين»، والسيدة شافية رشدي المسماة بأم كلثوم تونس بدور «ضياء». وقد نجح الجميع في أدوارهم نجاحاً كبيراً ويرجع فضل النجاح إلى رئيس الجمعية السيد حمده الصفاقسي.
وفي أغسطس قالت مجلة «الصباح»: «قرر المجلس البلدي إعانة سنوية للتمثيل العربي بتونس قدرها 50 ألف فرنكاً توزع مناصفة بين فرقتي «التمثيل العربي» و«المستقبل التمثيلي»». وفي الشهر نفسه أخبرتنا جريدة «أبو الهول» أن فريقاً من أدباء تونس ألّف روايات تمثيلية وسينمائية، مثل «اليتيم» للسيد محمد الحبيب، و«ابنة العائلة» لمحرر مجلة العالم الأدبي، و«الفتاة القرطاجية» للسيد عبد الرازق كربالة، و«الانتقام المجرم» للسيد محمود بن عثمان والسيد محمد مرزوق. وعرّب الكاتب ابن عثمان ثلاث روايات للكاتب العظيم موليير وهي «البلدي الكسول، والبخيل، ومرارة الوهم». كما عكف الأديبان البشير المتهني صاحب فرقة المستقبل، وشاعر الشباب محمود أبو رقيبة على ترجمة رواية «الطاغية».
وفي مارس 1933 أخبرتنا جريدة «أبو الهول» أن فرقة السعادة تستعد للسفر إلى مدينة سوسة لتمثيل الرواية التاريخية الشهيرة «الواثق بالله الحفصي». وفي الوقت نفسه سافرت المطربة فضيلة ختمي مع فرقتها إلى مدينة سوسة لإحياء بعض الحفلات. وتستعد فرقة الشيخ إبراهيم الأكودي لإخراج الرواية التاريخية «عنترة العبسي» على المسرح البلدي. وفي إبريل نشرت الجريدة نفسها موضوعاً مهماً – عبر مراسلها – عنوانه «ممثلونا وألحان سيد درويش»، قال فيه المراسل: «زرت في أثناء ليالي الأسبوع الماضي نادياً فنياً ضم نخبة من ممثلينا المعروفين وهم السادة: حسن الزهاني نور الدين بن رشيد والخضيري فأسمعوني عدة مقطوعات من ألحان فقيد الموسيقى المرحوم الشيخ سيد درويش في رواية «العشرة الطيبة» وغيرها من الروايات التي لحنها الشيخ سيد. وأشهد أن تلك الألحان على غاية من التفنن وسمو الذوق وهي تثير في النفس مختلف التأثيرات محزنها ومفرحها وعلى ذلك فإني أقترح على أصحاب الفرق عندنا الاعتناء بهذا النوع البديع من الروايات وإخراجها على المسرح إخراجاً لائقاً وهي بلا شك ستدر عليهم متى مثلوها ربحاً وفيراً.
وفي أبريل نشر «محمد المرساوي» مراسل الجريدة خبراً، قال فيه: أجلت فرقة «الشيخ إبراهيم الأكودي» تمثيل رواية «الوحوش»، التي كان موعد تمثيلها مساء 2 أبريل إلى أجل غير معين. ونحن نعلم أن سبب تأخير تلك الرواية هو لتوقع ضعف الإقبال والخسارة فنأسف لعدم معاضدة الشعب. كما نشر المراسل كلمة عن «حبيبة فوزي»، قال فيها: «هو اسم الفنانة التي جاءت لتونس هذا الأسبوع من صفاقس وانضمت لفرقة «المستقبل التمثيلي» لتقوم في روايتها «شجرة الدر» بدورين عظيمين ثم أنها ستسافر في الخامس والعشرين الجاري لباريس صحبة بعثة فنية لتعبئة أسطوانات غنائية وقد سمعتها تغني في إحدى التجارب التي تقوم بها البعثة فراقني صوتها لا سيما في تقليدها أم كلثوم بإتقان وتفنن. وسيكون للسيدة حبيبة فوزي مستقبلاً باهراً إن هي اشتغلت بالفن الصحيح وتباعدت عن بعض ذوي المقاصد الخبيثة الذين دأبهم السعي بالدس وإفساد الفتيات بالتهويش الباطل. ومتى اعتلت خشبة المسرح سأنشر رأيي الفني الصريح في تمثيلها وما هي درجته في الإجادة أو الضعف». بالإضافة إلى ما سبق تحدث المراسل عن «فرقة السعادة» التي سافرت إلى «سوسة» و«القيروان»، ومثلت في الأولى مسرحية «جيل اليوم»، وفي الثانية مسرحية «الواثق بالله الحفصي»، وقام بالتمثيل كل من: رتيبة، والشاذلي الشرقي، وحمودة معالي، ومحمد الخضراوي.
وفي مايو قال المراسل تحت عنوان «رواية الواثق بالله»: «هي درة الموسم الوحيدة التي أخرجتها «جمعية النجم التمثيلي» التي يحق لها أن تفاخر بما قدمته لأبناء الجنوب التونسي في هذه الرواية وغيرها من الروايات مثل «بين الحب والوطن». وقد قام جميع الممثلين بأدوارهم حق قيام، نخص بالذكر منهم كوكب المسرح التونسي وفخره السيدة «شافية» الممثلة الأولى للفرقة». 
وفي يونيه، قال: «مثلت فرقة المستقبل التمثيلي في مساء 20 مايو على مسرح البلدية رواية «مجنون ليلى» الغنائية وقد نجحت الرواية من الوجهة الفنية وإن لم يقع عليها إقبال خصوصاً زهرة المسرح الآنسة فتحية خيري حيث مثلت دور ليلى بتمام النجاح والإتقان ويليها في النجاح بقية أعضاء الفرقة الذين أتقن أكثرهم الأدوار التي أسندت إليهم».
وفي يوليو نشرت جريدة «أبو الهول» - عبر مراسلها المرساوي – موضوعاً بعنوان «تحفة فنية من الأدب التونسي .. سقوط قرطاجنة»، قال فيه: ألف الأديب البارع «جلال الدين النقاش» رواية سقوط قرطاجنة على يد الرومان، وهي أعظم مأساة تاريخية، وقد أجاد المؤلف في تصوير الحوادث بالشعر. وقال أيضاً: مثلت فرقة السعادة رواية «جيل اليوم» العصرية على مسرح قاعة الأفراح في بلدة «المهدية» فنالت نجاحاً أدبياً طيباً. وفي أغسطس قال إن «فرقة الأحباب» تستعد لإخراج رواية «اللذة القاتلة» وهي تأليف السيدين عبد السلام الأرنؤطي ومحمد فضيلة. وقال عن «فرقة إبراهيم الأكودي» إنها مثلت بمدينة صفاقس روايتي «عنترة» و«الوحوش». وقال «م.ش.ج» إن الجمعية الخيرية الإسلامية بالمنستير «قررت إقامة حفلة تمثيلية، ووقع الاختيار على رواية «لويس الحادي عشر» وستقوم الممثلة المقتدرة الآنسة «وسيلة صبري» بدور ماري في الرواية فنرجو من أهالي المنستير الإقبال على تعضيد هذا المشروع». وآخر الأخبار المنشورة في شهر أغسطس كانت تتعلق بفرقة المستقبل واستعدادها لإخراج رواية «الهادي».
وفي سبتمبر نشرت جريدة «أبو الهول» كلمة بعنوان «فرقة المستقبل التمثيلي»، جاء فيها الآتي: «علماً من وكيل فرقة المستقبل التمثيلي أن من بين الروايات التي تقدمها الفرقة في الموسم المقبل رواية «شمشون ودليلة» وهي رواية من نوع الأوبرا الذي لم يظهر على المسارح العربية بتونس إلى الآن. وقد كلفت الفرقة بتلحين هذه الرواية الموسيقار البارع السيد «محمد التريكي». فنزف هذه البشرى إلى محبي التمثيل وعشاق الفنون الجميلة ونرجو أن تكون هذه الرواية عنواناً على عبقرية ونبوغ التونسي في عموم الميادين». وعن «جمعية التهذيب» قالت الجريدة إنها مثلت مسرحية «الذخيرة» ببلدة قصر هلال.
وفي أكتوبر نشرت مجلة «الأمة» كلمة بعنوان «عاقبة التبذير»، قالت فيها: «قامت الفرقة «الأغلبية» في مدينة «القيروان» بتمثيل هذه الرواية مساء 21 سبتمبر المنصرم على مسرح القيروان. و«عاقبة التبذير» ألفها حضرة الأديب الفنان السيد منيب سعادى الممثل البيروتي نزيل تونس، وسنلخص موضوعها في وصف حياة الشباب العربي الذي يذهب إلى أوروبا بقصد العلم فينجذب إلى الملذات والملاهي ناسياً الغاية العلمية التي أتى لأجلها حيث يجد من أبيه إسرافاً في إمداده بالمال كما تعطي الرواية صورة صادقة من ناحية للشباب المعتدل الذي يعتمد على كدّه فينكب على طلب العلم لا غير. وتختم الرواية بنهاية محزنة في حياة الشاب المتهتك بعد ضياع ماله وقد قام ممثلو الفرقة بأدوارهم بأداء خير قيام تحت إدارة مؤلف المسرحية. وكان الإقبال عليها عظيماً جد فقد بيعت جميع التذاكر وتفرج الكثير منهم وقوفاً لامتلاء المقاعد. وقد طلب إلى السيد سعادى شكر أهل القيروان الكرام على ما أبدوه نحوه من كرم عربي وتشجيع عظيم».
وفي أكتوبر أيضاً نشرت جريدة «أبو الهول» موضوعاً بعنوان «نقابة فنية»، قالت فيه: «سادت الفكرة النقابية في تونس هذه السنة؛ فتخللت كل هيئة، ومازجت كل صنف سواء في ذلك أصحاب المهن الحرة أو الموظفين وسواء العاديين أو المدنيين أو العلماء حتى الدينيين. 
وفي الوقت الذي فكر فيه موسوليني في طبع الموسيقى الإيطالية بطابع الفاشيزم وفي حين الإقبال على «تخوت» الطرب حتى كادت تنقلب إلى أجواء صاخبة في هذه الساعة وتأسست جمعية موسيقية باسم «النهضة الموسيقية» وشعر فنانو تونس بسنوح الفرصة لتأليف نقابة لهم وقد جدت نخبة منهم في الموضوع وأنجزت الأمر ولكن بمعاونة الجنس اللطيف هذه المرة، ولا يستغرب أن تزاحم المرأة وهي طموحة كل حين للمزاحمة وحب الظهور، فيكون لها بعض الأثر حتى في الفن! أما هذه النقابة الناشطة فقد تألفت أخيراً من نفر معروفين بالفن والإجادة في مختلف الدرجات، وهؤلاء هم: خميس يونان كاتب عام، خميس العاتي كاهية، محمد الدرويش أمين المال، علي بن عرفة كاهية. والأعضاء السادة: محمد بن عبد السلام، الحاج قدور، علي بنواس، محمد التريكي. ولربما وفقت هذه النقابة مع جمعيات الموسيقى لإقامة حفلة تأبين لجلالة الملك فيصل حيث تؤدي الموسيقى الحزينة الدامعة حصتها من هذا التقدير. على أنها لو أنجزت ذلك لكانت حرية بالتقدير لا سيما وقد سبق لنادي الموسيقى العربية في دمشق أن أعلن الإضراب عن العمل مدة شهر حداداً على فقد عاهل العروبة، مع أن فرقة المستقبل التمثيلي كثيرة الحركات فنرجو أن تقوم بحصتها في الجهاد الفني».
ومن الواضح أن «فرقة المستقبل» كان لها نشاط ملحوظ في هذه الفترة، حيث وجدت مجلة «الأمة» تنشر في نوفمبر موضوعاً بعنوان «فرقة المستقبل تفتتح موسمها برواية الهادي»، قالت فيه: «ما أقبل مساء 18 نوفمبر حتى غصّ المسرح البلدي بهواة التمثيل الراقي فامتلأت المقاعد بجمهور كبير من النظارة ووجوه الأمة وسراة القوم. ولأول مرة في تونس تقوم فرقة تونسية بتمثيل أرضى كل المتفرجين مما يبشرنا بتقدم هذا الفن عندنا. 
ورواية «الهادي» هي التي قام بتمثيلها مسرح رمسيس في مصر بنجاح فرأت الفرقة التونسية أن تمثلها بتونس وحسناً فعلت. على أني أتقدم هنا بجزيل الشكر لمؤلف «الهادي» الأستاذ «عبد الله عفيفي» على تصويره للروح الإسلامية في أول خلافة بني العباس بأسلوب بليغ ولو أن الرواية ليست في موضوعها وعقدتها الروائية على شيء كبير. وقد قام الفنان الأبرع المقتدر السيد البشير الرحال بدور «الهادي» فأجاده إجادة هي أبلغ ما ينتظرها رجال الفن. وقامت الآنسة فتحية خيري بدور «ليلى» فنالت عظيم النجاح خصوصاً في الفصل الأخير حيث كانت آية من التفنن والإبداع. غير أني ألاحظ لها أن تبتعد عن تقليد إحدى الممثلات الكبيرات في مصر من حيث الإلقاء لأن التمثيل الطبيعي أوقع في النفس من غيره مهما كانت الممثلة، وما عدا ذلك فالنجاح حليفها. ودور الخيزران وقامت به الممثلة البارعة السيدة «لطفية حسبي» فأدته باجتهاد كبير تشكر عليه منتهى الشكر. ثم أننا نلاحظ لها أن إعجابنا سيزيد مع الأيام متى اهتمت بحفظ الدور وإلقائه بلهجة عربية حارة وكانت الممثلة السيدة «حبيبة فوزي» في دوري «الشاعرة» و«الجارية» مجيدة في التمثيل والإلقاء والحركات على حد سواء غير أن ميتتها كان بها شيء من البرود. وأما في غير ذلك فهي مثال النشاط وخفة الروح وكان رجال الفرقة جميعاً في تمثيلهم بارعين خصوصاً السيد «الشاويش» في دور القائد إبراهيم فقد أداه بإتقان ومهارة زائدة بالرغم عن عدم حفظه للدور جيداً فله منا مزيد الإعجاب. وممن أجاد بصفة ممتازة السيد «نور الدين ابن رشيد» الذي قام بدور «أبي نواس» فكان فيه مثل خفة الروح والفكاهة المسرحية المشهور بها أبو نواس. وليس دور «هارون الرشيد» ضعيفاً وإن صغر فلقد أجاده ممثله أيما إجادة. كما أجاد السيد ابن التيجاني دور «عامر بن الطليق». 
وللسيد الطاهر بن الحاج فضل كبير فيما ظهر من تقدم بعض أبطال الرواية خصوصاً «الخيزران» فله الثناء باسم الفن الذي خدمه بإخلاص. والإخراج كان لا بأس به مطابقاً لروح الرواية وفخماً جميلاً نشكر من أجله السيد البشير المتهني الذي نزف له تهانينا بنجاح فرقته الراقية التي ضحى في سبيل ترقيتها بكل غال وعزيز».


سيد علي إسماعيل