كورونا والمسرح والتفاؤل

كورونا والمسرح والتفاؤل

العدد 712 صدر بتاريخ 19أبريل2021

بعد مرور اكثر من عام على  اشتعال ازمة وباء او جائحة كورونا وتعرض العديد من المسارح على مستوى الولايات المتحدة والعالم لاغلاق ابوابها  وفقد الكثير من العاملين فى المسرح من ممثلين وفنيين لاعمالهم، لايزال هناك امل ان تعود المسارح الى طبيعتها. وهناك من يشعرون بالتفاؤل بأن المسرح سوف يعود أفضل مما كان بعد كورونا .
 وسبب  التفاؤل فى رأى هؤلاء المتفائلين ان كورونا عندما تنتهى وتعود الاضواء الى المسارح  سوف توفر مادة جيدة لاعمال مسرحية ناجحة بسبب ما صاحبها من  تغيرات اجتماعية عميقة يمكن ان يعبر عنها المسرح باقلام كتابه ورؤية مخرجيه وأداء ممثليه.
ناقش هذه القضية الناقد المسرحى لجريدة فلادلفيا انكوايرر التى تصدر فى ولاية بنسلفانيا وهى  احدى الصحف الاقليمية الرئيسية  المشهورة على المستوى القومى فى الولايات المتحدة.
المدخل الذى يناقش منه الناقد المسرحى القضية فرقة “نارسيس” المسرحية وهى فرقة للسود فى مقاطعة هاريسبرج بالولاية .وهى فرقة غير ربحية تعتمد الى حد ما على المتطوعين والانتاج بامكانات بسيطة.. وهى ايضا تتيح للجمهور حضور عروضها بمقابل بسيط لايزيد عن عشرين دولارا للتذكرة وقد ينخفض الى 5 او عشرة دولارات . وهى عموما فرقة متميزة تستحق  ان نتعرف عليها.
بذور التنوير
يقول فرانك هينلى مؤسس الفرقة ومديرها الفنى  الذى اطلق  علها  اسم جدته  التى كان يهيم بها ويسميها البنت العجوز انه واثق تماما من انه عندما تضع جائحة كورونا اوزارها بشكل نهائى سوف تكون قد بذرت بذورا تنويرية جديدة فى عقول كتاب المسرح وحفرت ابارا جديدة وعميقة للعواطف والمشاعر يستمد منها الممثلون طاقات جديدة يجسدون بها شخصياتهم.
وقال انه يشعر بهذا التفاؤل رغم ان فرقته تعرضت لخسائر جسيمة حيث كانت تمر بفترة من النجاح والازدهار والاقبال الجماهيرى على مسرحيتها «عدو الشعب « لكنها اضطرت الى وقف عملها مثلما اضطرت فرق كثيرة فى الولايات المتحدة والعالم.
ويقول ان تاثير جائحة كورونا على المسرح امر طبيعى كاحد مناحى الحياة . فقد اثرت كورونا على اخطر القرارات السياسية وعلى انماط الشراء والتسوق  ولا يمكن استثناء المسرح .
ويرى هينلى (50 سنة )ان هناك اعمالا فنية عديدة تعاملت مع الجائحة .لكنه لايتعجل الامر لان الحدث لم ينضج بعد على نحو  يجعل  الكتاب  قادرين على استيعابه والتعبيرعنه على نحو ملائم. 
ويقول ان هناك جوانب عديدة  يمكن ان يتناولها كتاب المسرح . وابرز هذه الجوانب ان الجائحة اودت بحياة اكثر من نصف مليون امريكى (565 الفا  حتى كتابة هذه السطور ) .اى ان اكثر من نصف مليون امريكى ذهبوا ولن يعودوا. وهذا الرقم يفوق ما فقدته الولايات المتحدة فى الحربين العالمية الاولى والعالمية الثانية وحرب فيتنام مجتمعة . وكل واحد من هؤلاء له اسرة واصدقاء تأثروا برحيله . ويمكن ان يشكل ذلك مادة خصبة لعمل مسرحى. 
ويمضى قائلا ان المسرح سوف يسعى وقتها ايضا الى الكشف عن كل من قصروا فى التعامل مع الجائحة وكل من حاول استغلالها لمصلحته الخاصة وسوف يثير عشرات الاسئلة عما حدث.
تجارب عديدة
وتلتقط  خيط الحديث ايريكا ايبرلى مسئولة مواقع التواصل بالفرقة وهى ايضا كاتبة وممثلة مسرحية انها مرت بتجارب عديدة سوف تسعى الى التعبير عنها فى اعمالها المسرحية .من هذه التجارب فقدانها لعملها والبيروقراطية التى صادفتها فى محاولتها الحصول على اعانة بطالة مما جعلها تقترض من اسرتها واصدقائها حتى تجد طعاما. وهناك التجربة الاصعب عندما اكتشفت انها مصابة بكورونا دون ان تبدو اى اعراض عليها. وقد شفيت منها لحسن الحظ.  وخلال فترة الكورونا تم الطلاق بين والديها وتم منعها من الالتقاء باولادها خلال فترة العزل.
وكل ذلك جعلها محطمة نفسيا وهز ثقتها بنفسها كثيرا. وادت قواعد التباعد الى اضعاف صلاتها بما تقول انه شبكة الامان النفسى الثلاثية التى مزقتها كورونا ..الاسرة والاصدقاء وخشبة المسرح نفسها. وهذه الخشبة بالذات كانت المكان الذى يطلق لها حرية التعبير عن عواطفها .وعندما تبتعد عنها  تصبح مشاعرها حبيسة داخل نفسها وهو امر صعب.وكانت على حد تعبيرها “تسبح فى بحيرة من الطين طول الوقت “. وكان مما يضاعف المها النفسى ان تجد اشخاصا قريبين منها المفروض انها تحبهم وتهتم بشئونهم يمرون بتجارب صعبة ومؤلمة بسبب كورونا ومنهم من فقد حياته. ولم تكن قادرة على ان تفعل لهم اكثر من زيارات تتحدث فيها عن مشاكلهم واحزانهم دون ان تكون قادرة على ان تقدم لهم شيئا.
رؤية خاصة
ورغم كل هذه المعاناة فقد استوعبت ماحدث وكونت لنفسها رؤية خاصة  وعلمت عن نفسها اشياء كثيرة سوف تعبر عنها على خشبة المسرح بمجرد ان تعود الاضواء الى المسرح. وهى تشعر بالتفاؤل وان هذا اليوم لن يتاخر كثيرا بعد ان تراجعت معدلات الوفيات فى الولايات المتحدة. 
ويعود هنلى مدير الفرقة ومؤسسها فقول ان ما يدفعه الى التفاؤل ان المسرح  يقدم للمجتمع مالا تستطيع السنيما أو التليفزون تقديمه. كما ان الجمهور يصبح جزءا متكاملا من المسرح لايمكن تجاهله. ويضيف قائلا ان فرقتنا المسرحية تهدف الى خلق نوع من الجمال .وهذا الجمال لاياتى الا من الحقيقة والتعبير عنها بصدق من خلال صلة بين الجمهور والممثلين الذين يستمدون قدرتهم على الاداء من جمهورهم.  ويؤكد ان اغلب الممثلين فى فرقته من السود لكن ذلك لايعنى أن فرقته للسود فقط ،بل هى فرقة متعددة الثقافات.
 والدليل على ذلك ان الفرقة تستعد لتقديم مسرحية جديدة فى الهواء الطلق مأخوذة عن اسطورة «راشومون «احدى عيون الادب اليابانى  يتم فيها المزج بين بعض مفردات الفن اليابانى والفن الافريقى.  وهذه الاسطورة استوحتها اعمال فنية كثيرة فى العديد من دول العالم.
 ويقول انه لايستطيع فى الوقت الحالى تحديد الشكل الذى ستكون عليه المسرحية التى ستقدم عن تجربة كورونا عندما تنتهى الازمة .وقتها سوف يجتمع كل ممثلى الفرقة ويكتب كل منهم تجربته معالمرض والتباعد الاجتماعى ثم يجلس مع اريكا ويصيغان هذه التجارب فى عمل مسرحى مناسب.
ولس من الضرورى ان يعتمد على تجارب الممثلين فقط بل يمكن لاى شخص ان يرسل اليه تجربته ليستفيد منها فى العمل. ويعد بأنه سوف يقرأ كل مايكتب لانه يؤمن ان ذلك سيكون انطلاقة لثورة ونهضة فى عالم المسرح لم تحدث منذ عصر شكسبير. 


ترجمة هشام عبد الرءوف