الصوت السردي   وصوره في الدراما (2-2)

 الصوت السردي   وصوره في الدراما (2-2)

العدد 568 صدر بتاريخ 16يوليو2018

 عموما، ينطلق توضيح جينيت من تمييز تصنيفي بين “فن القص الدرامي Dramatic Fiction”، “ وفن القص السردي Narrative Fiction”، وهو اصطلاح فاعل له تداعيات خطيرة علي مسألة الصوت والطاقة السردية . ففي دراسته “ الخطاب السردي يعود من جديد Narrative discourse Revisited” يؤكد جينيت أن هناك فعلا تعارض لا يمكن حله بين التمثيل الدرامي والسرد، ويعرف “المعنى الضيق للسرد Stricto sensu” بأنه سرد ينتقل بوسيلة شفهية . والنتيجتان المترتبتان علي ذلك هما : (1)أن الدراما ليست وسيط غير سردي يفتقر إلى خطاب المعلق وصوته، (2) أن بعد القصة في الدراما، هو الذي يقبل في أفضل الأحوال التحليل السردي . ولكن هنا، مرة أخرى، يستجيب إلى تحدي بنتر ويوافق أن الدراما هي ظاهرة متعددة الأوجه. ومن الحصافة أن نقول إن الأداء الدرامي ليس مبنيا عادة علي النقل السردي الشفهي . بالفعل يصدق هذا في مسرحيات مثل “بريكليس Pericles “ التي سنتناولها بالشرح فيما بعد، وهذا لا يعني بالضرورة أن النص الدرامي لابد أن يتميز بصوت سردي غائب . ومن منظور دراسات المسرح، حيث يعد كل شيء ثانوي ومنعكس من وجهة نظر الأداء، فقد يبدو من المنطقي أن نبدأ من منطلق الصوت الغائب . وفي إطار قراءة الدراما، بالمقارنة، فان النص الدرامي والأداء الدرامي هما في ذاتهما وسائل اتصال، مع أنهما مرتبطان بوضوح، ولذلك لا داعي لأن يكمن النص في خاصية الصوت الغائب التي ربما تكون تأسيسية في الأداء .
 وفي سياق هذه الإشكالية، دعونا نتأمل ما يقوله جينيت عن إرشادات خشبة المسرح،إذ يرى أنها عنصر نصي يغيب في الأداء . إذ يقول جينيت إن جملة “هرناني يخلع المعطف” تصف سلوك الشخصية . وجملة لا يمكن الاعتراض عليها مثل هذه، فمن الجدير بالملاحظة أن وصف السلوك هو بالأحرى مصطلح غامض في الخطاب السردي . وعلي النحو المنصوص عليه بشكل مطول بواسطة جينيت نفسه، حتى ولو كان ذلك في سياق السرد الملحمي، فان الوصف يؤسس وقفة سردية يتوقف خلالها زمن القصة . وفي استخدام سيمور تشاتمان اللغوي المفيد، يقوم الوصف علي عبارات توقف تستند علي أفعال مثل “يكون أو يملك be or have” . ورغم ذلك فان المثال الذي استشهد به جينيت يسميه تشاتمان “ إقرار عملية Process statement “ وهو عنصر يمثل جزء من عملية تمثيل أحداث القصة المسلسلة زمنيا . بمعنى آخر، لا تعد جملة “هرناني يخلع معطفه” وصفية بل هي جملة سردية diegetic يجب أن تكون الذات الناطقة لها هي المعلق وليس المؤلف . وبشكل واضح يتجاهل جينيت أيضا إمكانية وجود مثال سارد عندما ينتقل في النهاية إلي فن القص بضمير المفرد الغائب : “ الأفعال التي تظل محددة كلما أمكن ذلك، هي أفعال الكلام التي تنشئ الخطاب السردي نفسه : الذي هو خطاب المؤلف “ . وبالتالي يتراكم الخطأ علي الخطأ . أولا، اعتبار الجملة السردية جملة وصفية هو أمر خاطئ، من ثم فان المنشئ النهائي للنص، وهو المؤلف، مفضل علي الذات الواضحة بشكل نصي في خطاب السرد، وهو المعلق . ولكن هناك منهج في هذه الأخطاء : الخطأ الأول يحمي افتراض أن الدراما ليست سردية، والثاني، يسطّح البنية الاتصالية للنصوص القصصية الي مستوى اتصال فردي بين المؤلف والقارئ، ويخلق علاقة مباشرة بين العناصر النصية والنطق في الحياة العادية والذي يمكن تفسيره (عندئذ فقط) في الإطار النظري لفعل الكلام .
 وبتجاهل إمكانية وجود مثال للسرد النصي الداخلي، يتجاهل جينيت أيضا تفسيرا آخرا مبكرا لفعل الكلام الذي يقدم لمحة مفاهيمية في البنية الاتصالية المركبة في النصوص القصصية . وعلي الرغم من ذلك، فانه من خلال الشروع في فعل كلام يقوم علي نموذج التظاهر في فن القص، يصل ريتشارد أومان في النهاية الي خلاصة مفادها أن الشرط الضروري للعمل القصصي هو أنه يقود القارئ إلى تخيل متحدث وموقف ومجموعة من الأحداث الاضافية . وفي هذا البناء ذو الطابع القرائي لعلاقة الاقتباس بين عالم المؤلف الحقيقي وعالم المتكلم الخيالي في القصة تفقد صيغة التظاهر كثيرا من مكانتها . وعندما بدأ نموذج الاتصال الرياضي عند شانون و ويفر – منذ 1970- كان لابد أن يواجه منهج فعل الكلام خصما قويا تفادي الأخطاء التصنيفية السابق ذكرها وبدأ في تفسير الأمور بشكل أدق .
 (رابعا) الاتصال الخيالي والمعلق الدرامي
 في دراسته “ القصة والخطاب” يقدم تشاتمان نموذجه في الاتصال الخيالي الذي يميز بين ثلاثة مستويات : القارئ – المؤلف، والمؤلف المضمر – القارئ المضمر، والمعلق – متلقي التعليق . وبشكل واضح، لا تهتم مناقشة تشاتمان لنظرية فعل الكلام بتعريف الخيال، ويرى أنه لا داعي لذكر أي أفعال كلام متظاهر بها . وفيا بعد في دراسته “ التوصل إلي تفاهم “ يٌستخدم نفس النموذج لإعادة تعريف مفهوم الطاقة السردية وإعداد تصنيف جديد لأنواع النصوص . والفروع ألولي في هذا التصنيف تفصل النصوص السردية عن النصوص غير السردية، ثم تنقسم الأنواع السردية إلي سرديات ترتبط بالحبكة وتضم الرواية والملحمة والقصة القصيرة، وتضم السرديات التمثيلية الأفلام والرسوم المتحركة والمسرحيات . ولتبرير هذا التصنيف، يؤكد تشاتمان أولا أن المسرحيات والروايات هي موضوعات سردية ذات نظام مماثل تماما : “ تشارك المسرحيات والروايات في ملمح مشترك هو المنطقية الزمنية للأحداث و مجموعة الشخصيات ومكان . ولذلك، فهي علي المستوى الأساسي كلها قصص . وحقيقة أن نوعا واحدا من القصة يحكى ( وهو السرد) ونوع آخر يعرض ( وهو التمثيل) هو أمر له أهمية ثانوية . ولا أعني بكلمة ثانوية هنا أن الفرق غير مهم . فالمسألة أنه أدني في التسلسل الهرمي من التمييز كنص . وتحديدا، انه المنطق الزمني المزدوج في الأنواع السردية التي تحولها ال موضوعات سردية : “ وكما ثبت بوضوح في علم السرد الحديث، فان ما يجعل السرد فذا فريدا بين أنواع النصوص هو منطقيته الزمنية، و ومنطقه الزمني المزدوج . فالسرد لا يتتبع الحركة خلال الزمن بشكل خارجي فقط ( مدة تقديم الرواية أو الفيلم أو المسرحية ) بل أيضا داخليا ( مدة تتابع الأحداث التي تنشئ الحبكة) . إذ تعمل الأولي في بعد السرد الذي يسمي “ خطاب Discourse”، والثاني يسمي “ القصة ( أو الحكاية ) . وبشكل إجمالي، يقوم تشاتمان بحركة مقنعة لتجاوز نظرية النوع البنيوية التي تركز حصريا تقريبا علي الفروق والتعريفات التفاضلية . وكما يمكن أن نرى، في ظل منطقية ملائمة، يكون للقواسم المشتركة الحاسمة اليد العليا، وبالطبع يقبل النقاد من بعد جينيت الخاصية السردية للدراما الآن . ورغم ذلك، بينما يخضع بعد القصة في المسرحية إلي سردية القصة أو معالجة البنية العميقة، فان ما يظل محل نزاع حتى الآن هو هل يجب أن تندرج الدراما أيضا تحت سطوة ما اصطلح توماس بافيل Thomas Pavel علي أنه “ خطاب علم السرد Discourse Narratology، وهو العلم الذي ينظّر لأفعال السرد والمواقف السردية وصيغ التقديم ووظائف الصوت السردي . والسؤال الأساسي هنا هل يقبل النص والأداء مفهوم تشاتمان الفضفاض لطاقة السرد . ولتطوير هذا المفهوم يتخلي تشاتمان عن تناول سابق الذي يقول إن المعلق كان مدركا باعتباره متحدث صريح نسبيا فقط، مستبعد من أنواع الأداء ومن أنواع معينة من السرد الملحمي أيضا . وبالعمل علي النقد الواسع النطاق للنموذج الخالي من المعلق، اذ يمنح تشاتمان رغم ذلك المعلق المضمر حضورا فضلا عن الغياب . وهذا يفتح الباب أمام وضع راوي سينمائي باعتباره عنصرا هيكليا في كل الأفلام السينمائية، وبالمثل، قياسا علي العوامل السردية التأسيسية في كل أنواع الأداء الأخرى، بما فيها الدراما . أخيرا، مسألة الطاقة السردية في الدراما تتلخص في أنه إما أن العامل السردي في المسرحية يقدم نموذج راوي واضح، أو أنه يظل مجهولا ومضمرا أو يقوم بوظيفة المنسق .
 يقوم مفهوم الطاقة السردية الموسع عند تشاتمان بشكل حاسم علي المعايير الوظائفية أو التنظيمية فضلا عن المعايير اللغوية أو النصية . ففي نموذجه، لا داعي لأن يتكلم المعلق مطلقا وربما لا يكون له صوت مطلقا . وكما يشير ريتشارد أكزيل Richard Aczel في الدراسة التي استهدفت مجموعة من الإسهامات الحالية والعناصر البنيوية مثل التنظيم والترتيب ( فضلا عن المحددات اللغوية الصريحة) هما جزء لا يتجزأ من فعل السرد نفسه . ولذلك، فان المعلق، وظيفيا, ليس الشخص الذي يجيب علي سؤال جينيت “ من الذي يتحدث ؟ “، أو من يخون نفسه باستخدام ضمير المتكلم غير العامل الذي ينجح في التوضيح، والذي يقرر ما الذي يٌحكى وكيف يجب حكيه ( ولاسيما، من أي وجهة نظر، وبأي تتابع )، وما الذي يٌحذف . بالطبع، هذا لا يعني أن ننكر أن المعلق سوف يتكلم ويكتب بوضوح، وينشئ علاقة اتصال مع المرسل اليهم، ويدافع عن خبرية القصة Tellability of the story ويعلق علي الدرس المستفاد منها، وهدفها أو رسالتها . يصدق كل هذا في الواقع علي المعلق الذي يظهر في بداية مسرحية “ بيركليس”، وهي دراما ملحمية وفقا لرأي “ مانفريد فيستر “ :
 يدخل “ جاور” في الافتتاحية .
 جاور : أن تغني أغنية كانت تغنى قديما
 من تراث جاور القديمة تأتي،
 تزعم ضعف الإنسان
 تسر بها أذنيك وتسعد بها عينيك
 اذ كانت تغنى في المهرجانات
 في ليالي السمر والأعياد
 والسادة والسيدات في حياتهم
 قرءوها من أجل إحيائها
 فالشراء هو الذي يجعل الرجال أمجاد :
 والجيد كلما كان قديما كان أفضل
 فإذا ولدتم في هذا الزمن المتأخر
 فتقبلوا أشعاري عندما تكون طريفة
 ولتسمعوا رجلا عجوزا يغني
 لعل السرور يحقق أمانيكم
 أتمنى الحياة لنفسي، وربما
 وربما أضيعها من أجلكم في لمح البصر
 فهذه أنطاكية، إذن، فقد بني الأنطاكي
 العظيم هذه المدينة من أجل كرسي الملك
 الأجمل في ربوع سوريا .
 أحكي لكم ما يقوله المؤلف
 .............
 ما يحكي الآن، أقدمه لكم لتحكموا عليه،
 فدوافعي هي أفضل تبرير أقدمه . ( يخرج)
بتقديم نفسه في شخصية الراوي علي المستوي الاتصالي للتوسيط الخيالي، يبذل “جاور” قدرا غير عادي لما اصطلح هيلموت بونهايم Helmut Bonheim علي أنه الالتباس السردي الايحائي narratorial conative solicitude. فهو يتوجه الي المشاهدين، ويستعرض بشاهد لاتيني، ويعلن عن الهدف التعليمي للقصة علاوة علي قيمة التسلية المؤكدة فيها، ويضيف بعض الحليات اللفظية التي تنشئ القصة مثل “ هنا “ و” الآن”، ويطلب في النهاية من المتلقين أن يحكموا بأنفسهم . ثم يظهر “ جاور “ بعد ذلك في المسرحية باعتباره الوسيط الإدراكي الذي يقدم كل من الفصول الباقية ويقول الخاتمة في النهاية ويغلق إطار المسرحية الوسيط . ومادام حاضر بدنيا، فانه معلق صريح، وفي المشاهد التي يغيب فيها بدنيا، فهو الطاقة الموضحة من وراء المشهد والمسيطرة علي الاختيار, والترتيب، والتقديم. وبشكل أساسي، فان “الدراما المطلقة Absolute Drama” (وهي صيغة فيستر لهذا النوع من المسرحيات) مثل المسرحية الملحمية بدون حضور سردي معلن (ولكن ليس بدون سرد مضمر)، أو جملة ثابتا بشكل مبسط، مثل مسرحية “ بركليس” بدون شخصية “ جاور”، ولكن مع الإبقاء علي وظيفة شخصية “ جاور” . وفي هذا الإطار المفاهيمي يمكن القول إن المعلق يمتلك صوتا فقط عندما يتكلم عن نفسه، أو عندما يكون الناطق الفعلي للجمل السردية الوصفية أو الخطاب التعليقي .
 ما قيل حتى الآن يٌطبق علي أداء مسرحية “بيركليس” . أما النص نفسه، ولاسيما مقاطع النص الثانوي التي تتضمن إرشادات خشبة المسرح والمقاطع البادئة للكلام ( وعلامات تعريف المتكلم) ذات الطابع الاختزالي، فانها تخلق مضاعفات ملحوظة . فان تشاتمان يبادر بقول انه “ لا فرق بين جملة في الرواية مثل “ جون يترك الغرفة “ وإرشادات الكاتب المسرحي للممثل أن يخرج من يسار خشبة المسرح – وهي جملة تناقض تماما تحليل جينيت (المقتبس سابقا) وهي “ هرناني يخلع معطفه “ . وبشكل واضح، رغم ذلك، فان نقاش جينيت للطبيعة المشتركة بين السرد الملحمي والسرد الدرامي تسمح لنا أن نتقدم خطوة الى الأمام . وكما ناقشنا سابقا، يجب أن يٌقرأ نص المسرحية ويٌفهم كعمل سردي قصصي قبل أن يستخدم ( ومن المحتمل أن يتحول الي) كوصفة لإعداد الأداء تتضمن إرشادات الكاتب المسرحي . ويفسر ريان هذا من ميزة سردية خاصة : “ فالقارئ يعامل النص (الدرامي) وكأنه قصة سردية ....وتعالج إرشادات خشبة المسرح باعتبارها جمل وصفية، وينظر لكلام الشخصيات علي أنه حوار منقول مباشرة . بالطبع يدفعنا ضغط مثالنا لافتراض أن الذات الناطقة لإرشادات خشبة المسرح ليست هي الكاتب المسرحي بل انه معلق . بمعنى أنه معلق آخر في حالة مسرحية بيركليس . ولا تتفق أبدا مع دلالات عدم أهلية النص الثانوي، وأن إرشادات خشبة المسرح تشكل الآن إطارا حاكما . فبينما يكتسب خطاب جاور مكانة الاقحام، باستخدام مفاهيم نظرية الاقتباس عند ميير ستريندبرج Meir Strendberg . بوضوح إذن – وأقول هذا نتيجة للتردد – يجب أن يقدم مثالنا انفراجة منهجية ليس فقط بالنسبة ل جاور باعتباره المعلق من الدرجة الأولي علي قصة المسرحية، ولكن أيضا بالنسبة إلي إضفاء طابع خارق علي العامل السردي في إرشادات خشبة المسرح التي تظهر سرد جاور كشخصية (صوت المؤلف) بالسرد الذاتي الخاص به . أبذل قصارى جهدي لتقديم ذلك بأقصى اختصار ممكن، وفي نفس الوقت، أعترف أننا نواجه أساسا وجوهرا ربما يحتاج إما إلي المزيد من التوضيح أو أنه يحتاج نموذج مختلف تماما . وفي غياب الأخير، دعونا نلاحظ أن بدعم معلق أدبي من الدرجة الأولي فانه يمكن للنص الثانوي للمسرحية أن يكتسب أكثر من صوت شخصي من الصوت الفعلي الذي ينطق ( يعلن) الإرشادات المسرحية الافتتاحية في مسرحية “ بيركليس” . فعادة ما يتم الاستشهاد بإرشادات خشبة المسرح التي قدمها برنارد شو باعتبارها حالات في الموضوع، وتأمل التالي، الذي يأتي بضمير المتكلم الصريح الذاتي الإشارة (بصيغة الجمع) : “ نحن نسيء استخدام عمالنا بشكل مريع، وعندما يرفض إنسان إساءة استخدامه, لا يحق لنا أن نقول انه يرفض العمل الصادق . ولنكن صرحاء في هذه المسألة قبل أن نمضي في مسرحيتنا، حتى نستمع بها بدون نفاق “ . لا يوجد هنا ملمح أسلوبي يميز هذا كجزء من إرشادات خشبة المسرح، ومن الممكن أن تأتي مقاطع مماثلة (مقاطع لا تشير صراحة الي مسرحيتنا) من مقال منسوب إلي شو أو من إحدى روايات القرن التاسع عشر يتم توسيطها بواسطة راوي سلطوي متداخل . وبالنسبة الي جولة أخرى في عالم عدم تحديد النوع الأدبي، قارن إرشادات خشبة المسرح عند برنارد شو بالمقطع التالي : “ الحجرة طويلة كحقل مفتوح . يمكنك تصويب سهم هنا . ويمكنك اجراء سباق . بالطبع في الطرف البعيد تلعب الشابتان والألمان والسفير وشقيق الدوق لعبة الريشة . هناك اثني عشرة نافذة - تتفوق عليها نوافذ الملكة اليزابيث المقامة في قاعة بلاط هامبتون، وهي اكثر تناغما واتساعا أيضا . وأربع منها هي نوافذ مطلة علي الخليج، كل منها ذات مقاعد مغطاة ووسائد، تواجه أربع مدفئات كبيرة كلها متوهجة باللهب ودخان الأخشاب الملونة، لكل منها تكوين مختلف علي موضوع النار”
وهذا يٌقرأ باعتباره إرشادات خشبة مسرح واضحة، ولكنها بالفعل جزء من رواية (ما يمكن أن يطرحه هذا هو الصعوبة الواضحة، التي تواجه المنتج، لتحقيق ميزانسين في المتناول . وعلي الرغم من أن الاقتباسين السابقين يٌقدمان خارج السياق، فإنهما يصوران كيف يمكن أن تعمل أنماط تمثيل النوع النموذجية في خدمة كل منهما الأخرى، باستخدام مفهوم الخدمة النصية الذي طوره تشاتمان . وبمناقشة الظهور التاريخي المستقل لإرشادات خشبة المسرح علي وجه التحديد ( غير القابلة للانجاز و التحقيق)، تلاحظ باتريشيا سوتشي أن إرشادات خشبة المسرح يبدو وأنها تفترض، مع المزيد من التكرار في الدراما الحديثة، كثير من سمات الخطاب القصصي والأنواع الأدبية الأخرى، لعل أبرزها الرواية . فإذا كان الصوت الذي بخبر المؤدي أن ينزل الستارة لكي يري إن كانت تعمل بشكل سليم يتحدث بخطاب قصصي خيالي، عندئذ يكون الصوت الذي ينطق هذه الكلمات ينطلق بشكل أقل من المؤلف أكثر من كونه صادر من تخيل المؤلف، ومعلق خيالي فعلا . وتستشهد سوتشي بإرشادات خشبة المسرح التي تستخدم صيغة الانعكاس، بمعنى تقارب خطاب المعلق والشخصية الأسلوبي . بالطبع في دراسات السرد الملحمي، كان هذا التقليد الدائم في استخدام مصطلحي “ المشهد” و” إرشادات خشبة المسرح “ لكي يصفا أسلوب عين الكاميرا . ورغم ذلك تبدو أن الاعتبارات السابقة توحي بأن هناك مجال كامل في التطابقات الوظائفية للأنواع، من بينها تجاوز أساليب الإعداد الدرامي و الملحمي التي تستحق المزيد من الاكتشاف .
 ولكي نخطو خطوة في هذا الاتجاه، دعونا نفترض أن المزج الشكلي لإرشادات خشبة المسرح وبادئات الكلام والكلام ينشئون صيغة سرد متحققة تسمي “ صيغة نص المسرحية Play script mode” . ففي حين أن نص المسرحية مع مصطلحات مماثلة مثل “ النص السينمائي Film script” و “النص الإذاعي Radio script” الخ، يمكن أن تستخدم مع أنواع الأداء من صيغ مكتوبة ( ومقروءة)، فمصطلح صيغة نص المسرحية Playscript mode يحدد بشكل مفيد أسلوبا أكثر عمومية نواجهه، مثلا، في نسخ المقابلات وحلقات النقاش واللقاءات والمحاكمات . والمفيد بوجه خاص لأغراض التحليل السردي هو استخدام صيغة نص المسرحية في الرواية ( والأمثلة التي يمكن أن ترد علي الذهن هي “ تطور المهاجر “، وفصل “سيرس” في رواية “ عوليس”، والفصل 25 من رواية دكتور فاوستس )، وبشكل معكوس، استخدام صيغ السرد الملحمي في كل من النص الدرامي والأداء . وبشكل واضح، فان أن تحليل للتوترات المنهجية التي تنتج من استغلالالوسائط الخارجية وعناصر اغتراب يحتاج حذرا ووعيا بإطار النوع السردي.
 


ترجمة أحمد عبد الفتاح