تجارب في تطوير فنون الأداء المسرحي (2-2)

تجارب في تطوير  فنون الأداء المسرحي (2-2)

العدد 857 صدر بتاريخ 29يناير2024

ظهرت مجموعة من التجارب الفنية، في مجال تدريب الممثل وإعداده، بما يتناسب مع فكرة التجريب المسرحي، ولهذه التجارب روافد في مسرح الستينيات، خاصة عند مخرجي «مسرح الجيب» خاصة المخرج الراحل كرم مطاوع، الذي اهتم بفكرة تدريب الممثل، بدأ ذلك عام  1964م، مع عرض» ياسين وبهية» لنجيب سرور، وكذلك في عرض» الفرافير» تأليف يوسف إدريس، فقد اهتم» مطاوع» بشحذ طاقات الخيال وتكثيف العاطفة لدى الممثل.
وفي تسعينيات القرن الماضي وتحديدا في عام 1995، قام مطاوع بإقامة ورشة مسرحية لتقديم عرض» ديوان البقر» تأليف محمد أبو العلا ىالسلاموني بمركز الهناجر تحت إدارة د. هدى وصفي، من خلال تدريب عام ونوعي قام به كل من المخرج كرم مطاوع والكوريوجاف وليد عوني والمخرج المنفذ د. عمرو دوارة.
وفي اعتقادي أن المسألة كانت أسبق من تجربة كرم مطاوع، ففي عام 1958، كان يحيى حقي مديرا لمصلحة الفنون، فأرسل» زكريا الحجاوي» إلى الريف المصري، في الوجه البحري والصعيد بحثا عن الفنانين الشعبيين - كما جاء ذلك في كتاب» يا ليل ياعين»-، وعاد» الحجاوي «من رحلته في أعماق مصر ومعه مجموعة كبيرة من الفنانين الشعبيين، من الصعيد ومن رشيد ومن بورسعيد ومن دمياط ومن أسوان، بعضهم يحمل ربابة، والبعض الآخر يحمل السمسمية، بعضهم يقدم رقصة» البمبوطية»، والبعض الآخر يجيد ألعاب السيرك الشعبي .
وجد» حقي «نفسه» أمام ثروة فنية فطرية كبيرة تحتاج إلى تنظيم، وتدريب، حتى يمكن من خلال هذه النماذج تكوين أول فرقة للمسرح الشعبي والغنائي في مصر .
«وبالفعل تم البدء في تكوين الفرقة، والبحث عن زي مناسب لها، فتم الرجوع للتصميمات التي وضعا الفنان» سعد الخادم»، كما تم إسناد التدريب لمجموعة من المخرجين الشباب – وقتها – مثل نبيل الألفي وعبد الرحيم الزرقاني وسعد أردش وحمدي غيث وكمال ياسين.
وتم العرض ليلة احتفال عيد الثورة، مشتملاً على الغناء والعزف والرقص، وتم تسجيله في استديو مصر – بعد ذلك – من إخراج جمال مدكور». 
ومن التجارب المبكرة تجربة» مسرح دنشواي» للمخرج هناء عبد الفتاح، فقد كان هناك توجه نحو المسرح الشعبي، خاصة مع ظهور بيان» نحو مسرح مصري «ليوسف إدريس، ولفت هذا التوجه نحو المسرح الشعبي مجموعة من الفنانين والمخرجين من خريجي معهد الفنون المسرحية،  وقد استفاد هناء عبد الفتاح من هذه الرؤية، التي ظهرت في منتصف الستينيات بضرورة وجود» مسرح مصري «يعتمد على خامات مسرحية مصرية خالصة على مستوى الرؤية والأداء، وجاءت هذه التجربة في قرية» دنشواي «بمحافظة المنوفية في عام 1968 كمغامرة – من هذا المخرج الشاب وقتها – والذي كان من الممكن أن يركن إلى العمل الأكاديمي الذي تخرج منه عام 1966 بتقدير امتياز، وكان الأول على دفعته التي كان من بينها الفنانة سهير المرشدي ود. هاني مطاوع والمخرجة رباب حسين، لكنه رفض العمل الأكاديمي – في البداية – واتجه إلى تنشيط المسرح الإقليمي باقتراح من سعد كامل الأب الروحي للثقافة في الأقاليم والذي عينه أخصائياً للمسرح في الثقافة الجماهيرية»()، ومع تولي الفنان حمدي غيث إدارة المسرح وكان الكاتب الراحل ألفريد فرج مستشاراً لها، طلب منه تكوين فرقة مسرحية في» دنشواي” كنواة لما يمكن أن يسمى ب» مسرح القرية «بالإضافة إلى تكوين مركز ثقافي فيها. 
وهنا لا بد أن نذكر - أيضا-  الورشة التي أقامها د. نبيل منيب بالمسرح القومي عام1978، تحت إشراف الفنانة سميحة أيوب بنادي المسرح المصري، وقد استمرت الورشة لسبع سنوات حتى عام1985، ومن الذين شاركوا في هذه الورشة ناصر عبد المنعم وحمادة شوشة وناصر سيف وأحمد مختار وعبلة كامل، ومنصور محمد، وأحمد سلامة وهشام عبد الحميد وماجدة زكي وأحمد فؤاد سليم وغيرهم.
وتميزت هذه الورشة، بالتدريب على تقنيات فن التمثيل، من خلال التدريبات الجسدية، وتدريبات الصوت والإلقاء والغناء وغيرها.
وفي الثمانينيات ظهرت مجموعة من الفرق المسرحية المستقلة، التي اعتمدت على فكرة» الورشة المسرحية» وقامت بعمليات تدريب للممثلين على طرق الأداء، ومنها: فرقة الورشة، وهي واحدة من أهم الفرق المسرحية المستقلة في مصر، التي ساهمت – بشكل واضح – في تطور حركة المسرح الحر، على مدار أكثر من خمسة وعشرين عاما.
بدأت الفرقة نشاطها عام 1987 على يد المخرج حسن الجريتلي الذي يعمل في المجال المسرحي منذ السبعينيات من القرن الماضي، فقد حصل على ليسانس المسرح من جامعة برتسول ثم على دبلوم الدراسات العليا في السينما من برنامج خاص بجامعة السوربون، وظل مديرا فنيا لمسرح الأرض والهواء، وهو جزء من المركز القومي للدراما لتطوير التجريب في المسرح الإقليمي البديل في فرنسا في الفترة بين أعوام 1975 و.1982
وبعد عودته إلى القاهرة عام 1982 وتعينيه مخرجا بمسرح الطليعة في العام التالي قوبلت أعماله المسرحية التي كان يعدها إما بالرفض وإما بالتربص غير المعلن، مما حدا به إلى الاتجاه إلى المجال السينمائي، وفي هذه الأثناء قابل مجموعة من الفنانين ممن يتشوقون إلى إيجاد مسرح بديل يحقق حساسيتهم الاجتماعية والجمالية، ويخرج من دائرة رقابة المؤسسة الثقافية، فكونوا» فرقة الورشة» عام1987، التي قدمت في سبتمبر من نفس العام عرضين ارتكزت فيهما على نصوص عالمية هي» يموت المعلم» لبيتر هاندكه، و»نوبة صحيان» لدرايوفو وفرانكاما، وقد أعيد هذا العرض في أوائل1988، ثم قدم في مهرجان القاهرة التجريبي الأول في سبتمبر من نفس العام، وهو عبارة عن مونودراما قامت بتجسيدها الفنانة عبلة كامل.
وقد أجادت منحة البطراوي في إعداد وترجمة النص نظرا لصعوبته، حيث تتضافر في مادته الأصلية جذور الأداء الشعبي مع الفكرة الاجتماعية للمسرح.
وهذه الفكرة تعتمد على توليد الطاقة الدرامية من خلال لغة مقتضبة كانت إحدى السمات الأساسية للمرحلة الأولى للورشة التي قدمت فيها أيضا، بعض مسرحيات» هارولد بنتر» باللغة العامية المصرية بما فيها من مشاعر متلاطمة الأمواج، وفضاءات رحبة للتعبير الشعبي. وبما تخفيه الشخصيات وراء أقنعة التعامل الاجتماعي اليومي، ولعل عرض «المستعمرة التأديبية» كان خير مثال على ذلك، فقد جاء بمثابة أمثولة غنية وأليمة في علاقتها بواقعنا، حيث تفضل المؤسسات أن يقتلها الجمود على أن تعيش مغامرة النمو والتطور.
وجاء عرض «غزير الليل «1993 بعد تدريب طويل على الحكي بمنظوراته المتعددة وعلاقته البديلة بالجمهور، من خلال الكشف عن مواطن الالتقاء في المادة الشعبية بأصواتها وإيقاعاتها المختلفة، وفي الحرية المتمثلة في المنطلقات المتعددة للخيال، ما أنتج تكوين سياق مسرحي يحتضن إيقاع المشاعر، وإلى مراجعة العلاقة المكانية بين العرض والجمهور.()
وقد ألقى هذا التوجه بظلاله على طبيعة العرض الذي قدمه ممثلون فطريون شعبيون، بالإضافة إلى بعض الممثلين المحترفين وكذلك المغنين وعازفي الآلات الشعبية القادمين من الريف.
وهذا ما أوجد ما يمكن أن يسمى بـ»الفعل الفيزيائي» للشخصية المسرحية التي جاءت مزيجا من المناجاة والابتهال والصراخ والرقص، وهي مفردات تعلن عن انتمائها ـ بكل صراحة ـ إلى المزاج الشعبي المصري، وتستحث المشاهد ـ أيضا ـ إلى اللجوء إلى الذاكرة الشعبية الغنية بتراثها وموسيقاها وإيقاعها الذي يهتم بالإنسان أولا.
 تجربة» فرقة الورشة المسرحية» تعتمد على تدريب الممثل على أداء الفنون المسرحية الشعبية، من ناحية الأداء كان للممثل الركن الركين نظرا لأن المسرح الاحتفالي يعتمد ـ في الأساس ـ على الممثل باعتباره ناقلا لوعي الجماعة، من خلال الإشارات والإيماءات الحركية والصوتية.
وقد قامت الفرقة بعمل عدة ورش تدريبية في هذا المجال بداية من تدريبات اللياقة البدنية للممثل» تدريبات الجري ـ المشي ـ الليونة ـ الرقص واللياقة الصوتية «الإنشاد الديني ـ إلقاء الشعر ـ تقليد الأصوات ـ الغناء» بالإضافة إلى التدريب على أشكال متنوعة الأداء مثل «تدريبات على مسرح الجماعة ـ ومسرح القسوة ـ وستوديو الممثل ـ والمسرح الياباني ـ وتدريبات لي استر زبيرج».
وكان الهدف من وراء تلك التدريبات هو حصول الممثل على أكبر قدر من الثقافة المسرحية قبل الخوض في غمار التجربة.
كذلك تم استخدام أسلوب «الصدمة المسرحية» حتى يستطيع الممثل أن يواجه نفسه كي يندرج بعد ذلك في إطار العمل الجماعي.


عيد عبد الحليم