الرفيق.. تابلوه مسرحي رسمه فرنسي وأخرجه روسي

الرفيق..   تابلوه مسرحي رسمه فرنسي وأخرجه روسي

العدد 729 صدر بتاريخ 16أغسطس2021

في عام 1913، شهدت الحدود الإيطالية ظهور الكاتب السياسي والفيلسوف الروسي باريس فالينتينوفيتش ياكوفينكا الذي ودّع روسيا بمجرد الإفراج عنه بعد تعرضه لاعتقال؛ لصلته بحزب الثوار الاشتراكيين. وبعد مرور أربع سنوات على مغادرته البلاد، تشتعل الثورة في بيتروجراد، وهو ما حرمه من أن يشهد حدثا طالما انتظره طوال حياته. وفي شهر فبراير من عام 1917، سيطر الثوار على بيتروجراد كاملة، وفي الوقت ذاته صوت البرلمان) الدوما (لصالح قرار يقضي باختيار حكومة جديدة. وفي مارس من العام نفسه، وفي محطة قطار بيسكوف، ومن داخل صالون عربة القطار، يتنازل نيكالاي الثاني عن العرش. ومنذ تلك اللحظة، صار الإمبراطور مجرد معتقل سياسي بائس. مثلت الثورة مصدر إلهام لعديد من الكتاب والفنانين في كل أنحاء الأرض، منهم الكاتب المسرحي الفرنسي جاك ديفال الذي قدم مسرحية «الرفيق» عام1933 .
قال لانجستون هيوز يومًا: «تشبث بالأحلام، لأنها لو ماتت لن تكون الحياة سوى طير كُسر جناحه فعجز عن الطيران». تتردد هذه المقولة على ذهني من حين لآخر وأنا أتأمل حالي مع المسرح، فرغم عشقي له فإنني لم أشاهد مسرحية منذ وقت طويل، ربما لقلة العروض، أو الانشغال، أو لأن حياتنا أصبحت خالية من الحلم. المسرح كحلم لانجستون هيوز، لو غاب صارت الحياة مثل طائر بجناح مكسور. المسرح هو الحياة ذاتها، والحياة ليست سوى خشبة مسرح كما قال شكسبير، كل منا يلعب دوره ويغادر. ننسى أنفسنا وننسى ما نحب في خضم معاركنا مع الحياة اليومية؛ مما يحرمنا من فرصة التقاط الأنفاس والتأمل وإعادة النظر في تفاصيل طمست معالم الحياة وجعلتها بلا ملامح. أؤمن أن الفن ليس ترفا، وهذا إدراك وصلت إليه وقت دراستي للدراما في الجامعة، ولا غنى عنه في حياتنا، لأننا بدونه سنكون مثل طائر كسر جناحه.  
كل هذه الخواطر حضرتني وأنا جالس في صالة مسرح جوركي بمدينة تولا أستعد لمشاهدة عرض مسرحي اسمه «الرفيق». انتابني شعور بأنني أستعيد حلما تاه مني في الزحام. وما إن بدأ العرض حتى عادت الحياة مرة أخرى، الحياة الحلم التي تتحدى العالم خارج المسرح وتجعل منه عالما أفضل. ليست مسرحية مكتوبة في الأصل باللغة الروسية، ولكنها مترجمة إلى اللغة الروسية من الفرنسية، وكتبها المسرحي الفرنسي جاك ديفال عام1933 . تجري أحداث المسرحية في عشرينيات القرن الماضي في مدينة باريس في فندق صغير. يعيش في هذا الفندق اثنان من المهاجرين الروس، ميخائيل وتاتيانا. تبدلت بهما الأحوال بعد الثورة، بعد أن كانا يعيشان بين أرقى الطبقات في مجتمع روسيا الامبراطوري قبل الثورة، الآن حياتهما حياة فقر يحسبان كل فرانك من فرط العوز. ما يثير العجب أن ميخائيل يمتلك في حساب بنكي مبلغا ضخما من المال، ثروة طائلة، لكنها تخص إمبراطور روسيا الأخير، ثروة تخص الشعب الروسي. تنكشف الخدعة المحورية في المسرحية بعد فترة من عمل الزوجين كخدم لدى إحدى العائلات الباريسية الغنية، حيث يتعرف عليهما ضيوف السيد صاحب المنزل أثناء حفلة في بيته. ولم يكن لدى ميخائل وتاتيانا بالطبع أية شكوك في أن أمرهما لن ينكشف، لكن الحياة كانت تعد لهما مفاجأة غير متوقعة، لقاء مع «رفيق» من روسيا الجديدة. 
طيلة العرض الذي استمر على مدار ساعتين وخمس وأربعين دقيقة، لم أشعر بالملل للحظة واحدة، على العكس؛ شعرت بالضجر من فترة الاستراحة، وكنت أود حتى أن يستمر العرض أكثر من هذا. 
فور انتهاء العرض الذي أخرجه المخرج الروسي زفينياتسكي يفيم، قررت أن ألتقي ببطلي العرض: لاريسا ديميترييفنا، وديميتري بيتروفيتشر، ذهبت إلى مديرة الفرقة التي تفاجأت بطلبي لكنها لم تمانع، أخبرتني أنها ستستأذن منهما وستسمح لي بلقائهما لو وافقا على ذلك. جاءت السيدة وأخبرتني والابتسامة تعلو وجهها أنهما في انتظاري. ذهبت فرحا مثل طفل، وهالني استقبالهما الودود المرحب المرح. تحدثنا سريعا عن العرض، وعبرت لهما عن إعجابي بالآداء الساحر وحالة العشق التي بدت عليهما وهما يمثلان. كنت أشعر بامتنان كبير لهما على كل هذه البهجة، حتى إنني  ظللت واقفا لأكثر من عشر دقائق أصفق لهما، وأحتفل بيني وبين نفسي على هذه الطاقة الساحرة التي سرت في روحي.


أحمد صلاح الدين