سميحة أيوب وتنوع فنون الأداء (1 -2)

سميحة أيوب وتنوع فنون الأداء (1 -2)

العدد 740 صدر بتاريخ 1نوفمبر2021

أن الحديث عن شخصية فنية بحجم الأستاذة سميحة أيوب يتطلب الرجوع لكثير من الدراسات التي تتناول فنون الأداء إذ أن طبيعة الأدوار التي لعبتها تنوعت بين عدة مدارس تقليدية وطليعية فلا يمكنك أن تتصورها كأحد رواد الواقعية بشتى أنواعها  ولا يمكنك أن تحكم عليها كأحد علامات التعبيرية أو الرومانسية أو حتى العبث والميلودراما , فتنوع أدوارها وتشابك شخصياتها جعلها تخرج من النموذج المعلب لرحابة الإلمام بشتى الطرق والأنواع ,  وقد أدركت منذ نعومة أظافرها أن المسؤولية الفنية الملقاة على عاتقها كبيرة , فالتميز لن يعطى نفسه إلا للمجتهد والمتطور والمطلع على فنون عدة , فكانت لا تركن لحصص تدريب الممثل بمعهد الفنون المسرحية رغم تنوعها , وإنما راحت تراقب عن قرب تدريبات عروض الأوبرا والبالية التى كانت تزور القاهرة لتقديم عروضها آن ذاك إلى جانب متابعتها لبعض الأفلام العالمية من خلال شرفة منزل الأسرة بشبرا والتي كانت تطل على احد السينمات الصيفية وأيقنت مع بداية التزامها بحضور حصص كبار الفنانين المصريين فى معهد المسرح أن امتلاك ناصية الأداء لا يمكن أن يمر عبر الاهتمام بالصوت وحدة أو الحركة وحدها أو الإيماءات وردود الفعل المحفزة للزملاء فقط  , وإنما يتطلب تدريب شاق واهتمام فائق بكل تفاصيل الصناعة وان للتدريب المتنوع أهمية قصوى فى تشكيل وجود الممثل على خشبة المسرح وبيان مرونته وكفاءة أدواته بين زملائه وعند المتلقي وقد ساعدها فى ذلك الأمر احتضان كثير من مخرجو الإذاعة والسينما لموهبتها الفذة فى وقت مبكر فالجهد الفائق الذى يبذله الممثل فى بيان الشخصية فى الإذاعة من خلال صوته فقط بحيث يحول كل جهده ولكنة صوته لطبيعة الشخصية التى يلعبها مع اعتبار توجه العمل بين الأنواع المختلفة (تراجيدى , كوميدى , رومانسى , ملحمى , شعبى)  يختلف تماما عن تناول الممثل السينمائي لدورة اذ تبرز هنا أهمية التعبير بالوجه والإيماءة وحركة الجسد إلى جانب الصوت المناسب لطبيعة الدور مع الأخذ فى الاعتبار أن التصوير السينمائي يختزل كثير من المشاكل التي يضعها فى اعتباره ممثل الأنواع الأخرى , وهى فنون متنوعة تحتاج لممثل واع تماما بالتقنية وبدورها فى صناعة العمل الجمالى
 لم يثبت يوما أن سميحة أيوب سعت للتشبث بدور البطولة أو دور الفتاة المدللة وإنما تفهمت المعنى الحقيقي للاحتراف واستطاعت أن تحقق نجوميتها من خلال الأعمال ذات البطولة الجماعية مثل (كوبرى الناموس وسكة السلامة والسبنسة والسلطان الحائر) وحتى حينما احتفى بها النقاد والصحفيين واهتم المخرجين الكبار بإسناد الأدوار الأولى لها فى أعمالهم الإبداعية وأصبحت تقدم دائما ادوار البطولة فى الأعمال المسرحية كبطولتها لمسرحية سارتر الشهيرة (المومس الفاضلة) من إخراج حمدي غيث كانت دائما ما تحافظ على الوجود الحى داخل نسيج العمل لزملائها فى العرض المسرحى إذ أن النجاح سوف يتحقق حين تتضافر جهود الفريق وهو أمر تعلمته من فهم الأستاذ زكى طليمات لنفوس طلابه فإن أعطى لإحداهن دور البطولة فى عمل ما كان يحرص على أن تلعب دورا ثانويا فى العمل التالى  وحتى فى الأعمال التى قدمتها مع مخرجين ليس لهم تاريخ طويل فى العمل المسرحى كـ (محمد عمر) المخرج الموهوب كانت متفهمة لأهمية العمل وتأثيره الجمالى ففى مسرحية (الناس اللى فى الثالث) لعبت دور الأم التى تعانى تشتت الأسرة ورسمت مع زملائها طبيعة خاصة وفهم عميق لطبيعة المجتمع فى ذلك الحين والحقيقة أنها كممثلة كانت تتشكل حسب الفهم العام لطبيعة العمل بحيث يمتزج أداؤها هى وفريق العمل ويتبعوا منهجا واحدا لا يشذ منهم أحد فعلى طريقة ستانسلافسكى حينما يتطلب العمل الإبداعي ذلك وعلى طريقة برشت إذا كان العمل ملحميا وعلى طريقة المسرح الشعبى الخشن إن كانت تقوم بدور تحيطه الأجواء الشعبية البسيطة ويمكنها ببساطة وتلقائية أن تنوع فى طبيعة الأداء داخل نسيج العمل الواحد دون أن تربك فريق العمل آو تعرضهم لمشاهد لم يعتادوها وأداء لم ينسجموا معه من قبل , وهو أمر ينم عن احترام حقيقي لكلمة المؤلف المكتوبة وعدم البحث عن شهرة مؤقتة وبالية أو التقاط حدث طارئ والزج به داخل نسيج العمل أو حتى التهكم على زميل تعثرت فى حلقة الكلمات وقد ألهبت سميحة أيوب بقدرتها الفائقة على الأداء المتنوع الكاتب الكبير (خيرى شلبى) فكتب عنها فى مجلة الإذاعة والتليفزيون يقول (الوداعة والشراسة توأمان فى عينيها وهى مارد على المسرح وتذوب شخصيتها فى الدور وتظل تحمل همومه وأوجاعه وان من المؤكد انك ستظل وقتا طويلا بعد انتهاء المشاهدة ترى سميحة أيوب باعتبارها شخصية الدور وترى شخصية الدور باعتبارها سميحة أيوب وإنها تنتمي إلى مدرسة الصوفية – مدرسة الغناء فى نفس الدور وإن المدرسة التي ابتدعتها هى – شخصيات ارتبطنا بها فى الحياة , وتربطنا بها مشاعر قوية , وان ذلك أدى إلى دسامة الشخصية وصلابة القوام أى دسامة ذوى التجارب , ذوى الثقافة الإنسانية العميقة اللذين بنيت قناعاتهم على تخوم التجارب العملية والمعاناة والمكابدة والصبر الطويل , وإنها تتميز بلسان ذرب حاد قاطع أحيانا . لا يعرف (اللوع) ولا المواربة ولا المداهنة وإنها منضبطة الصوت على الدوام حتى فى لحظات الانفعال ونتيجة لانضباط صوتها ينضبط رأيها فى الفن وفى الحياة وفى الناس وفى الأشياء , سريعة البديهة ,قوية الحجة , حادة المنطق قاسية النكتة أحيانا لكن النكتة عندها تحمل رأيا بل رأيا عميقا , فهى الساحرة القديرة ويتعارض مع هذا الرأي الأستاذ (عبد الغنى داود) والذي يقول ولكنني لا أظن خيرى شلبى فى لوحته هذه التى رسمها قد أشار إلى الأداء التمثيلي الذي أتوقف عنده بقدر ما عبر عن إعجاب شديد بإنسانة فنانة والحقيقة أن فهم الأستاذ عبد الغنى داود لطبيعة أداء سميحة أيوب اقرب للصحة, فبورتريه خيرى شلبى يتوقف عند الإعجاب المطعم بكلمات منتقاة بعناية وحب شديدين ولم  يحاول أن يحلل الأداء المتنوع ولا التراكيب الأدائية العميقة أو حتى البسيطة فقط أراد أن سميحة أيوب بكلمات راقية يؤكد من خلالها على جسارة امتلاكها لناصية الأداء التمثيلي ويمتدحها بكلمات ستظل لفترة طويلة معبرة عن حب شديد لهذه النوعية من الأداء الصارم والصوفى  والبسط والمعقد فى الوقت ذاته , يقول عبد الغنى داود فى هذا المعنى أنها حينما قامت بدور جليلة بنت مرة فى مسرحية الزير سالم لألفريد فرج وإخراج حمدى غيث وشخصية عزيزة فى مسرحية (بير السلم) لسعد الدين وهبة وإخراج سعد أردش وهو الدور الذي استطاعت أن تقدم فيه كل ما فى هذه الشخصية من تعاريج على امتداد المسرحية , وغموض قرب النهاية , ولم تكتف بأن تكون مركز الثقل فى المسرحية كلها بل كانت أقرب إلى المايسترو الذي ينظم حركة الآخرين كما يشير الناقد جلال العشرى فى مجلة المسرح (1)  
حين تعرض الفضائيات إحدى مسرحياتها القديمة تستطيع بنفسك أن تتابع ذلك الأداء الأسطورى الذى يجمع فى طياتة كثير من مدارس الأداء ويمكنك فى لحظة واحدة أن تتلمس كيفية اهتمامها بأدق تفاصيل الشخصية الدرامية من حركة ونمط أداء صوتى وسهولة فى استقبال إشارات الزملاء تحاول جاهدة أن تلملم شتات الشخصية بتفاصيلها البسيطة الموحية , وهى بذلك قادرة على أن تقنعك دوماً أنها فى قلب الحدث حسب ما أراد المؤلف ويمكنها بتلك الأدوات غير المتكررة أن تهيمن على خيالك كمتلقٍ لتضع بين يديك قلب الشخصية الدرامية وتكوينها المثالى ,تقلبت بين شخصيات متباينة التكوين مختلفة الطباع فلتوفيق الحكيم لعبت دور إيزيس فى المسرحية التى سميت بنفس الاسم كما لعبت الغانية الحكيمة التى قلبت الأحداث رأساً على عقب فى (السلطان الحائر) وفى مسرحية (الصفقة) لعبت دور مبروكة , وقدمت لبريخت كثير من الأعمال سواء لمخرجين مصريين أو أجانب فقد لعبت دوراً بارزاً فى دائرة الطباشير القوقازية كما لعبت دور الأرملة فى مسرحية (صعود وهبوط ماهاجونى) , كما لعبت دور شامينا فى مسرحية رشاد رشدى المسماة (حبيبتى شامينا) وفى مسرحيات سعد الدين وهبة كانت القاسم المشترك فى معظم ما قُدم , وأذكر فى هذا الإطار أن أول ما جذبنى للفنانة الأسطورة كان أدائها الرائع فى مسرحية (كوبرى الناموس) حيث المرأة علامة الوطن التى يحن إليها الجميع , المرأة الكادحة الأبية المتعاونة مع الثوار , والتى تتحول لكاتمة الأسرار , والتى يحيطها سر كبير فى حياتها , تتفانى ليعيش الجميع , تتعاون لفعل الخير , تقف كما البلد على مفترق طرق وتأبى الهزيمة والخنوع , وعلى جانب آخر لا أنسى دورها الآسر فى مسرحية (سكة السلامة), حيث الممثلة الفاتنة التى تعيش بدايات النجومية والتى تجذب كل من تاهوا على الطريق , ويذكر التاريخ دورها المميز فى مسرحية ( يا سلام سلم الحيطة بتتكلم ) حيث مثلت دور المرأة صوت العدالة وضمير الشعب .. إنها ولادة فى (الوزير العاشق) لفاروق جويدة وضاربة الودع فى مسرحيته الجميلة (الخديوى) وصفية فى  (دماء على أستار الكعبة) , كما أنها كانت ست الملك فى مسرحية سمير سرحان المسماة بنفس الاسم , والساحرة فى مسرحية يسرى الجندى المسماة بنفس الاسم , ورابعة العدوية فى مسرحيتة المسماة بنفس الاسم , ونعمت فى رائعة يوسف السباعى (العمر لحظة) كما لعبت الأدوار الرئيسية فى مسرحيات الدكتور فوزى فهمى (الفارس والأسيرة ) و(عودة الغائب) و(لعبة السلطان) ..و(الفتى مهران )لعبد الرحمن الشرقاوى , وهى المسرحية التى اعتبرتها سميحة ايوب مسرحية طليعية,   ومن ثم فقد قدمت شخصيات لاتنسى فى تاريخ المسرح المصرى , وعلى المستوى العالمى يكفى أن نقول أنها قدمت (أنطونيو كليوباترا) لوليم شكسبير و(أجاممنون) لاسخيلوس و(أنتيجون) لسوفوكليس و(البخيل) و(المتحذلقات) لموليير و(الجلف) و(الخال فانيا) و(النورس )لأنطون تشيكوف و(الذباب)  و(المومس الفاضلة) لسارتر و(فيدرا) لراسين و(الإنسان الطيب) و(صعود وهبوط ماهاجونى) لبريخت .    
 وقد ارتبط اسم سميحة أيوب بأسماء مخرجين لهم باع طويل فى ممارسة العمل المسرحى يمتاز كل منهم بطريقته الخاصة فى هيكلة الممثل وفق رؤيته الإخراجية وفهمه لطبيعة الأداء وأثره فى نفوس مشاهديه وإدراكه لطبيعة المرحلة وطرق التعبير الجمالى التى تصلح لها أو تناسبها , ويكفى فى هذا الإطار أن نشير أنها قدمت أدواراً متنوعة من إخراج كل من زكى طليمات ويوسف وهبى وفتوح نشاطى وحمدى غيث ونبيل الألفي وعبد الرحيم الزرقانى وجلال الشرقاوى واحمد عبد الحليم وكمال يس وسعد أردش وسمير العصفورى وكرم مطاوع وعبد الغفار عودة وهانى مطاوع وعادل هاشم وفاروق الدمرداش وفهمى الخولى وشاكر عبد اللطيف ونبيل منيب ومحسن حلمى ومصطفى سعد وتوفيق عبد الحميد ومحمد عمر وكادت قبل ثورة يناير مباشرة أن تقدم عرض من إخراج خالد جلال باسم (كان فيه واحدة ست) ولذلك العرض حكاية طويلة سوف أعود إليها لاحقا 
كما أنها عملت مع أربعة مخرجين عالميين هم الروسى (رسلى بلاتون) وقدمت معه مسرحية أنطون تشيكوف الخال فانيا , والألماني (كورت فيت) وقدمت معه مسرحية برتولد بريخت دائرة الطباشير القوقازية ,  والفرنسى (جان بييرلاروى) وقدمت معه مسرحية جان راسين فيدرا , والانجليزي (برنارد جوس) وقدمت معه مسرحية وليم شكسبير انطونيو وكليوباترا.
وكانت البداية مع المعلم الكبير زكى طليمات الذى وافق على انضمامها لمعهد الفنون المسرحية كطالبة مستمعة , كونها لم تكمل السن القانونية بعد والذي تبناها فنيا ودعمها للاشتراك فى المسرحيات التى كان يقدمها وأعطاها الثقة اللازمة كى تقف بثقة بين زملائها 

بمثل زى يوسف وهبي وليلى مراد :
كانت سميحة أيوب ابنة 14 عام قد سمعت فى إحدى الليالي فى الإذاعة أن معهد الفنون المسرحية يطلب آنسات للانضمام إلى المعهد وسوف تمنح الفتاة التي تنجح مكافأة ستة جنيهات وتقول فى مذكراتها (توقفت عن المذاكرة وجلست أفكر فى الستة جنيهات وماذا تستطيع الفتاة أن تفعل بها ) وحين ذهبت مع إحدى صديقاتها فى اليوم التالي للاختبار دون علم أهلها لم تذهب إلا لفضولها الطاغي ورغبتها الشديدة فى دخول هذا العالم الساحر وحين سألها الممثل والمخرج الشهير جورج أبيض: « إنت بتعملى إيه هنا يا شاطرة؟» وحين أجابته بأنها جاءت مع زميلتها التي جاءت للاختبار , سألها: « إنت بتعرفى تمثلي؟ « فما كان منها إلا أن قالت له « بمثل زى يوسف وهبى وليلى مراد» فضجت لجنة الاختبار بالضحك إذ أن يوسف وهبى كان أحد أعضاء اللجنة ودارت مناقشات بين الأعضاء وطلبوا منها أن تؤدى ما تعرفه فتلعثمت وخافت وبكت وحين هدأوا من روعها قدمت لهم بعد أن تماسكت مقطوعة من الشعر الفرنسي وقررت اللجنة وقتها ضم الطالبة سميحة أيوب كطالبة مستمعة حتى تكمل السن القانونية ومن ثم كان للمفارقة الكوميدية دور هام فى موافقة اللجنة على ضمها إلى جانب الحس الجمالي بإمكانية تطوير تلك الفتاة الغضة والمحبة للأداء التمثيلي 

فى المعهد مع المعلم الأول زكى طليمات وطريقته وفى تدريب الممثل:
لا شك أن زكى طليمات والذي جاء بعد جيل الرواد الأوائل كان له منهج مختلف ويعرف تماما كيف يؤهل الممثلين لأداء مبنى على الذاكرة الانفعالية, وفى ذلك يقول تلميذة النجيب سعد أردش « تميز زكى طليمات بالأداء القوى الذي يفرض حضوره على المتلقي وبإبراز القيمة التعبيرية للحرف العربي وأنه قد علم الأجيال كيفية توظيف أدوات الممثل صوتا وحركة وإيحاء وانفعالا وتقويما نفسيا واجتماعيا وعلمهم أيضا الصدق الفنى , وكيف يمكن تحقيقه من خلال العلاقة الوطيدة بين سلوكيات الممثل وسلوكيات الشخصية الفنية ,بحيث يضع يده على مقومات الشخصية التى يؤديها وصراعاتها الدرامية , وبحيث يقدم لنا فى النهاية عناصر الجمال والشعر فى إبداع الممثل وعلاقة ذلك بالجمهور وبالحركة الاجتماعية» وتلك الطريقة التي شرحها الأستاذ سعد أردش تبين أن الصدق الفنى والابتعاد عن المبالغة اللفظية واكتساب الخبرة العلمية هى قوام عمل زكى طليمات مع طلابه وهذه التعاليم كانت تمثل للجيل الجديد لب قضايا الفن المسرحى وكيفية تقديمه للجمهور وهى طريقة أدائية تتقاطع مع الأجيال السابقة وتبتعد وتكشف مناطق الخلل فيها فإن كانت الأجيال القديمة على ذلك الجيل قد اهتمت اهتمام فائق بمخارج الألفاظ وتضخيم الصوت والاتكاء على مناهج أدائية تفصل الممثل عن الشخصية الدرامية بمعنى تقديمها من الخارج فإن المعلم الأول زكى طليمات قد قرر بناء مناهج مختلفة تقرب الممثل من الشخصية الدرامية وتعطى للامتلاء النفسى بالشخصية الدرامية أهميتها فى بناء الحدث ورغم الجهود الجبارة التى وقعت على كاهل زكى طليمات فى النهوض بفن المسرح إلا أنه حورب بشراسة وأغلق المعهد الذى بناه بجهود مضنية لسيطرة الأفكار الرجعية على المجتمع لفترة طويلة إلا أنه كمقاتل شرس لم ينحن للهزيمة وأصر على إعادة افتتاح معهد المسرح بعد إغلاقه بما يقرب 13 عام بعد دخوله فى حرب شرسة تسأل عن قشور التقاليد ولا تهتم اهتمام حقيقى بمعنى الفن ودوره في النهوض بالمجتمع 

المسرحية الأولى (البخيل):
تقول الأستاذة سميحة أيوب إن الفتيات اللاتى كن معها فى بداية الدراسة قد تسربن الواحدة بعد الأخرى بعد اكتشافهن أن الدراسة فى المعهد إنما هى دراسة جادة وتكمل ( ونحن فى منتصف السنة , جاء الأستاذ زكى طليمات وضم الفصول مع بعضها وهو كثيرا ما يفعل خصوصاً فى حصص التمثيل وقال لنا :
سوف نعرض على دار الأوبرا مسرحية البخيل لموليير بعد شهر ونصف وسوف تكون حصص التمثيل من خلال مسرحية البخيل .
ووزع الأدوار وكانت كالآتي سعيد أبو بكر ,شكرى سرحان وعمر الحريرى , فريد شوقى , عدلى كاسب ,على الزرقانى , نعيمة وصفى ,فاتن حمامة وسميحة أيوب وكان هذا هو الكاست أو ممثلين المسرحية وبدأنا البروفات وجاء يوم الافتتاح والخوف والتوتر والهلع من الفشل وجاءت النتيجة عكسية لكل المخاوف نجح العرض المسرحى الذى قدمه الأستاذ زكى طليمات بطلبة المعهد العالى للفنون المسرحية وبدأت الصحف تكتب مقالات بها إشادة على العرض والفنانين الواعدين بمستقبل مسرحى يثرى الحركة المسرحية المحدودة وكان من نصيبى أن كتبت مقالة فيها إشادة بما لم أكن أتوقعها وقال كاتبها وهو أستاذنا جميعا ومعروف عنه أنه لا يجامل وهو الأستاذ زكى مبارك هذه الشابة عندها حضور مسرحى طاغ وكنت وقتها قليلة العلم والثقافة ولم ادر ما معنى كلمة حضور فقلت فى سخرية : «حضور إيه ؟ ما انأ حاضرة ومثلت «فضحك منى أستاذي زكى طليمات الذي أصبحت عنده تلميذة مفضلة : « يا سميحة حضور مسرحى حاجة , وحضورك الفعلى شئ أخر وربت على كتفى فى حنان « , وقال : « هل تعلمين يا سميحة أنني كتبت مذكرة لوزير المعارف لعمل استثناء لك من شرط السن وليس بالضروري أن تنتظرى حتى تبلغى الستة عشر عاما لتأخذى الستة جنيهات , وقد حصلت على الموافقة من الوزير وهذه هديتى لك بمناسبة المسرحية « وطبعا أحسست أنى ثرية (2) 
 


أحمـد خميس