رأفت ناعوم راهب الفنون المسرحية وفن الخدع المسرحية

رأفت ناعوم راهب الفنون المسرحية وفن الخدع المسرحية

العدد 525 صدر بتاريخ 18سبتمبر2017

عندما ينهى راهب الفن التشكيلى صومه ويكف عن صمته ويمسك بقلمه بدلاً من فرشاته وألوانه يخرج لنا كتابين فى فرع تخصصه وذلك هو “قديس الفنون بالمعهد العالى للفنون المسرحية” الدكتور “رأفت ناعوم” الذى تخرج فى كلية الفنون الجميلة 1968 “قسم الفنون التعبيرية” بتقدير “ممتاز”، وعندما تم تعيينه بالمعهد كان مثالاً مجسدًا للفنان النموذجى الشامل والأخ والأب لكل طلابه فقد استفاد بعلمه وخبرته عشرات الطلاب فى مجالات الرسم العام والأزياء والتصميم والسينوجرافيا حيث يقوم بالتدريس فى معاهد السينما والباليه والفنون الشعبية، وكليتى الفنون الجميلة بجامعتى الإسكندرية والمنيا إلى جانب معهده.
وقد تعرض لمحنة صحية إثر خطأ مهنى قام به الطبيب الجراح الذى أجرى له عملية الانزلاق الغضروفى فى ميونيخ فى بداية مشواره الأكاديمى أثناء بعثته الدراسية للحصول على الدكتوراه، ورغم ذلك فإنه عزيمته لم تتأثر وبقوة إرادته وإيمانه استطاع بعد أن قطع البعثة الدراسية الحصول على درجتى الماجستير والدكتوراه من أكاديمية الفنون بتقدير “ممتاز” ليضيف بذلك إلى خبرته العملية العميقة إنجازًا علميًا يدعمها.
وعندما ترى رأفت ناعوم وهو جالس فى المرسم فى وقت فراغه تجده مشغولاً بترجمة أحاسيسه وأفكاره على ما بين يديه من أوراق وما أكثر ما قفزت إلى ذهنى صورة الفنان شكرى سرحان فى فيلم “جسر الخالدين” والذى كان يلعب فيه دور فنان تشكيلى الرسم بالنسبة له هو كل حياته فلم يكن يترك أى مسطح تقع عليه عينيه إلا ويقوم بالرسم عليه إلى درجة أنه كان يرسم على مفرش المنضدة التى يجلس إليها فى أحد الأماكن العامة.. هى هى نفس صورة رأفت ناعوم حيث تتجلى موهبته فى الرسم والتصوير فقد كان رسامًا بمجلة “سمير” للأطفال فى الفترة من 1971 حتى 1974، ومجلة “الرأى العام” وجريدة “الجمهورية” من عام 1974 حتى عام 1978، علاوة على قيامه بالعمل بإدارة الرسوم المتحركة لإحدى القنوات التليفزيونية العربية لفترة طويلة، وبالإضافة إلى ذلك فإنه قد قام بتصميم وتنفيذ العديد من أجنحة المعارض الدولية، مثل “جناح لبنان” و”جناح سورية” عامى 1977، 1978، كما قام بتصميم وتنفيذ حى “خان الخليلى” فى مدينة “ميونيخ بألمانيا” فى الاحتفال الكبير الذى أقيم هناك بمناسبة حصول نجيب محفوظ على جائزة “نوبل للأدب” علاوة على قيامه بتصميم العديد من المسرحيات على مسارح الدولة ومنها المسرح القومى، ودار الأوبرا المصرية وآخرها “كسارة البندق” بالأوبرا، ويسعى بعض الباحثين إلى تسجيل رسائلهم تحت إشرافه وقد تمت استضافته فى العام الماضى بسلطنة عمان لإلقاء محاضرات والإشراف على إحدى الورش.
وأخيرًا خرج علينا بكتابين أولهما عن “تصميم المناظر فى مسرح الطفل” ويهتم فيه بالدراسة التحليلية والمعالجة التشكيلية للأعمال التى قدمت على مسرح الطفل ارتباطًا بالحكايات الشعبية، مع دراسة تطبيقية لنماذج من التراث الشعبى بهدف تحديد الإطار التشكيلى لهذه الأعمال، أما الكتاب الثانى فهو عن “الخدع والحيل المسرحية” وهو ما نعرض له الآن.
 عالم الحيل المسرحية: الأسرار والتقنيات:
كنا ونحن فى السنة الأولى من دراستنا بالمعهد ندرس مع أستاذنا الجيل “إلهامى حسن” مادة “تاريخ تطور فنية المسرح” وعرفنا عن طريقه بعض الحيل والطرق الفنية المستخدمة فى المسرح ابتداء من القرن الخامس قبل الميلاد إلى أن نصل فى السنة النهائية لمسرح القرن العشرين وأول مصطلح صادفنا هو الـ”Deus ex machina” أى “الإله من الآله” وفقًا للمعنى الحرفى للمصطلح ومن الناحية العملية هو جهاز آلى بسيط يتكون من رافعة مثبت بها بكرة يمتد فوقها حبل ينتهى بخطاف وعن طريق هذه الماكينة يمكن رفع أو خفض أو إظهار أو إخفاء الشخصيات الخارقة للطبيعة، كأن ينزل بطل من السماء إلى الأرض أو العكس أو يظل معلقًا فى الهواء، ومن أجل محاولة خلق إيهام بالواقع شهد المسرح أيضا ما يعرف بآلة “المؤثرات الرياحية” Blower وهى آلة ذات مروحة ضخمة تعمل على توليد أصوات شبيهة بالرياح فتعمل على خلق هذا المؤثر الصوتى.
وقد ظهر أيضًا فى القرن السابع عشر نوع من المسرحيات يطلق عليها مسرحيات “الحيل الآلية” مثل تطيير ممثل فوق خشبة المسرح أو إظهار جنى أو شبح أو تغيير المنظر بسرعة وقد كانت موضوعات هذه المسرحيات - كما يشير إبراهيم حمادة فى معجمه - تستمد من الأساطير والخرافات التى تتيح فكرة استخدام “الحيل الآلية” مثل “مسرحية أندروميد” لكورنى ومسرحية “أمقتريون” لموليير.
 رأفت ناعوم والخدع المسرحية:
أما كتاب “رأفت ناعوم” عن الخدع المسرحية فهو كتاب عن الحيل المسرحية، كيف تصنع الدهشة وكيف تحقق الإبهار.. هل هو كتا تعليمى للمتخصصين؟ نعم ولكنه أيضا كتاب مشوق لغير المتخصصين كما تشير المقدمة.
ونستطيع عن طريق تصفح الكتاب وقراءة فصولته ومشاهدة الأشكال الشارحة المصاحبة أن ندرك مدى ما بذل فيه من جهد وأن نقف على بعض أسرار الخدع المسرحية التي نشاهدها فى العروض المسرحية المختلفة وأن نعرف بعض المعلومات عن حيل أخرى كانت تستخدم على امتداد عصور المسرح ولا نعرف عنها أى شىء والكتاب الذى بين أيدينا مكون من خمسة فصول وكان من البديهى أن يكون موضوع الفصل الأول هو تاريخ “فن الحيل المسرحية” وظروفها الطبيعية والآلية والفنية وتطورها فى مختلف العصور وقد قاده ذلك إلى التعمق فى دراسة معمار المسرح ومكونات خشبة المسرح وأدواتها وتقنياتها وفن تنفيذ الديكور المسرحى وتحريك المناظر بعد بيانه للعناصر المختلفة التي يتكون منها ديكور المسرح والتى تشمل عناصر الديكور الأساسية والمكملة ولا يفوته التأكيد على أن من أهم مبادئ بناء الديكور أن تكون عناصره سهلة النقل وذات متانج كافية وأن يكون وزنها خفيفًا وحجمها مناسبًا وأن يتم وضعها فى متناول من يقومون بعملية التغيير التى يجب أن تحدث فى دقائق معدودة وبالشكل الذى يمكن من سرعة رفعها لوضع ديكور آخر مكانها، وأبرز عناصر الديكور كما يشير إليها: عناصر صلبة وتشمل الشاسيهات والعزيزات، وعناصر لينة وتشمل الستائر المدهونة والبلاسية وعناصر أخرى مكملة وتشمل الأثاث والبراتيكابلات والمبانى والسجاد وغيرها وهذا هو موضوع الفصل الثانى الذى حرص فى نهايته على الحديث فى مبحث مستقل عن أثر القوى الحديثة والكهرباء على ميكانيكية المناظر والحيل المسرحية وذلك بالإشارة إلى البلاتوهات المتحركة، والمناظر المثبتة على مصاعد، والمناظر المثبتة على عربات انزلاق والمناظر المثبتة على أرضية قابلة للدوران.
وقد خصص الفصل الثالث من الكتاب للحيل المسرحية الخاصة بالديكور والمهمات المسرحية والظواهر الطبيعية والصناعية والخيالية والفنية المرتبطة بها ومنها كيفية تحريك الشاسيهات على محور أفقى ورأسى، بيان كيفية إظهار تصدع شرفة أو معبد صغير قائم على أربعة أعمدة أو تمثال على خشبة المسرح، وعملية سقوط الثلج والأمطار على المسرح بالإضافة إلى بيان كيفية تحريك وإغراق مركب أمام المشاهدين وغير ذلك من الحيل وأبرزها الأجسام الطائرة والمتحركة على المسرح.
أما الفصل الرابع وعنوانه “وسائل إيضاحية أساسها الحيل المسرحية” فقد قام بتقسيمه إلى ثلاثة مباحث عرض فى الأول منها لفن التنكر والماكياج مركزًا عليه باعتباره وسيلة خداعية يمكن عن طريقها إظهار السحرة والساحرات والشياطين وغيرهم من المخلوقات والشخصيات الشريرة، كما يمكن عن طريقه تغيير ملامح الوجه أو إظهار ما به من حروق أو جروح أو ندوب أو كدمات أو إبراز ملامح الشيخوخة وإضافة اللحى والشوارب والباروكات، والمبحث الثاني وعنوانه “المؤثرات الصوتية والضوئية” وقد بين فيه كيفية تنفيذ المؤثرات الصوتية المرتبطة بأصوات المعارك والأجراس وأزيز الطائرات وأصوات محركات السيارات وتحطم الأخشاب أو أصوات الحشود البشرية أو وقع حوافر الخيل وغيرها من المؤثرات مثل صرير الأبواب أو ارتطام الأمواج بالصخور والرعد والرياح بالإضافة للمؤثرات الضوئية مثل الدخان والمطر، أما المبحث الثالث فقد خصصه لموضوع هام وهو “الخداع البصرى” فى محاولة لتأكيد دوره فى تحقيق الخدع المسرحية المختلفة وقد ظهر هذا الفن فى النصف الثاني من القرن العشرين واستطاع أن يمزج بين الحس والفكر وبين الفن والعلم ويعتبر امتدادا للفن الهندسى ويقوم على بعض الخدع الحسية فى عملية الإدراك البصرى وما ينتج عنه من خداع فى الرؤية مما يحدث نوعًا من الحركة إذ يهاجم شبكية العين باندفاع عدة صور ذهنية مما يدركها العقل فى نظام يوحى بالحركة.. إن فن الخداع البصرى وتتمثل الحركة من الإحساس الناتج عن الحيل المستخدمة وينصح المؤلف فى النهاية بضرورة الحرص الشديد فى استخدام بعض مفردات الخدع البصرية لأن الافراط فى استخدامها يؤدى إلى اجهاد شبكة عين المشاهد وهذا الفن يرتبط إلى حد كبير بقواعد المنظور ونظريات الإدراك وقد تعرض ناعوم فى نهاية هذا الفصل إلى الإشارة لإنجازات بعض فنانى الخداع البصرى وأساليبهم المختلفة.
ويشير “رأفت ناعوم” فى الفصل الخامس والأخير إلى أمثلة وتطبيقات لكثير من النماذج مثل الأشكال المجسمة المصنعة من الورق والبلاستيك والتماثيل المصنعة من عجينة الورق التى تستخدم فى كثير من الأغراض خاصة فى الأقنعة.
وفى نهاية الكتاب قدم ما قام به من تطبيقات لمسرحيتين بهما بعض الحيل التى نفذها حسب متطلبات النص ليظهر بوضوح دورها الذى يحتاجه العمل الفنى حتى يصبح العرض مكتملاً.
ورغم أن هذا الكتاب قد أتى فى وقته ليسد الفراغ فى هذا المجال لقلة بل وندرة المراجع المتاحة، إلا أننا نأمل أن يستكمل رأفت ناعوم دراسته بإصدار كتاب آخر يستعرض فيه الحيل المسرحية التي يتم تنفيذها فى المسارح المختلفة الآن بعد ذلك التطور الفنى والتكنولوجى الرهيب الذى شهده العالم فى قرننا الحالى.


محمد شيحة