فرقة الطليعة المصرية.. في العراق

فرقة الطليعة المصرية.. في العراق

العدد 791 صدر بتاريخ 24أكتوبر2022

 برقت فكرة تأسيس فرقة (الطليعة) في ذهن المُمثلين محمود السِّباع ومحمد توفيق عندما كانا في رحلة تدريبية في لندن في صيف 1937. غير أنَّ المشروعَ تأجل لحين عودتهما إلى مصر ، ولم ير النُّور إلاَّ في سنة 1942 عندما شكَّل الاثنان الفرقة بعد خروجهما من الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى بمساعدة من السَّيد كريستوفر سكيف الأستاذ بقسم اللُّغة الانكليزية في كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول الذي كان مشرفاً على مدة التَّدريب الَّتي قضاها الممثلان السِّباع وتوفيق في لندن ، فقد منح الفرقة مبلغ ألف جنيه لتبدأ نشاطها . انضمَّ إليها مجموعة من الشَّباب المحبين لفنون المسرح أمثال رشاد رشدي وأحمد ضياء الدِّين وسعد عرفة وعثمان أباظة وأحمد عامر وأمينة نور الدَّين ووداد حمدي .
 لم يكن للفرقة مسرح ثابت تُقدِّم عليه عروضها المسرحية ، فكانت أحياناً تُمثِّل في مسرح حديقة الأزبكية ، وفي أحيان أُخر تُقدِّم عروضها على مسرح سينما إيزيس ، أو في قاعة إيوارت بالجامعة الأمريكية . امتازت المسرحيات الَّتي قدَّمتها الفرقة بأن جُلَّها مترجم أو مقتبس عن المسرح الأوربي أعدَّها رشاد رشدي مثل : مسرحية (تحت الرَّماد) الَّتي أُخذت عن قصة (ثم غاب القمر) لجون شتاينبك . ومسرحية (مرتفعات وذرنج) عن قصة إميلي برونتي ، ومسرحية (فاوست) لمارلو ، ومسرحية (المفتش العام) للأديب الرُّوسي جوجول ، ومسرحية (الخطوبة) للروسي تشيخوف ، ومسرحية (زعامة شباب)عن المسرح الألماني ، وغيرها . استمر نشاط الفرقة لمدة ثلاث سنوات زارت خلالها الوجهين القبلي والبحري في مصر ، وقامت برحلة خارجية زارت فيها سوريا وفلسطين والعراق ، وبعد عودتها توقف نشاطها نهاية سنة 1945.
الفرقة في بغداد :
 اعتاد الجمهور المسرحي العراقي على مشاهدة عروض الفرق المسرحية المصرية منذ منتصف عشرينيات القرن العشرين، إذ شاهد العراقيون فرق جورج أبيض وفاطمة رشدي ويوسف وهبي وأمين عطا الله وغيرها من الفرق. وعندما اقترب حضور فرقة الطليعة الى بغداد بمدة من الزَّمن نشرت جريدة (العالم العربي) على صفحات عددها الصادر في 24/8/1945 خبراً يُنبأ العراقيين بأنَّ فرقة الطَّليعة المصرية سوف تزور العراق مستقبلاً وأنَّ الإجراءات الرَّسمية للزيارة هي في طور الإجراء، وهذا الخبر حمل عنواناً صحفياً رئيساً (فرقة الطَّليعة المصرية للمسرح تُمثِّل في العراق) وجاء فيه : ((بعثت وزارة المعارف إلى وزارة الخارجية رغبتها في قيام فرقة الطَّليعة للمسرح في القاهرة بحفلات تمثيلية في العراق وذلك لأغراض ثقافية وطلبت إليها التَّوسط لدى المفوضية العراقية في القاهرة لمنح سمة الدُّخُول إلى العراق إلى السَّيد عبد العزيز محجوب إبراهيم مدير أعمال الفرقة المذكورة وتسهيل أمر سفره لإجراء التَّدابير الأولية لمجيء أعضاء الفرقة في الخريف القادم))..
 وصلت الفرقةُ إلى بغداد في بداية تشرين الثَّاني (نوفمبر) 1945 ، وضمَّت  الممثلين : أمينة نور الدَّين ومحمود السّباع ومحمد توفيق ووداد حمدي وجمالات زايد وعثمان أباظة ومحمد الدَّيب ومحمد عدلي ووسيم فايد واحمد ضياء الدَّين وأنيس حامد وسعيد عرفه .
 باشرتْ الفرقةُ عروضها المسرحية في يوم الأحد الموافق 4/11/1945 ، ونشرت جريدة (البلاد) الصادرة في 31/10/1945 على صفحاتها خبر بداية عمل الفرقة في بغداد وحمل الخبر عنواناً رئيساً (أخبار الفنِّ في بغداد) جاء فيه : ((فرقة الطَّليعة التَّمثيلية المصرية من مصر الى مسرح قاعة الملك فيصل الثَّاني تقدم أشهر الرِّوايات العالمية الخالدة ابتداء من مساء الاحد المصادف 4 تشرين الثَّاني الى 18 منه . فتشوا عن محلات بيع البطاقات واحجزوها مقدماً)).
 وتدعيماً للخبر المتقدم ، قدَّمت الفرقة أول عروضها المسرحية على مسارح بغداد في يوم الأحد الموافق 4/11/1945 بمسرحية (فاوست) للكاتب الانكليزي كرستوفر مارلو ، ونُشر إعلان المسرحية في عدد جريدة (البلاد) الصادر في 31/10/1945 وحمل عنواناً رئيساً (حفلة تمثيلية) جاء فيه : ((برعاية حضرة صاحبة الجلالة الملكة الوالدة المعظمة ولمنفعة الفرع النِّسائي لجمعية حماية الأطفال العراقية ستقوم فرقة الطَّليعة المصرية الشَّهيرة بتمثيل مسرحية فاوست للكاتب المسرحي كرستوفر مارلو على مسرح قاعة الملك فيصل الثَّاني في السَّاعة التَّاسعة من مساء يوم الأحد المصادف 4 تشرين الثَّاني 945 تباع البطاقات في مركز الجمعية وصيدلية فتوح سو إخوان وفي مكتبة مكنزي)). كما نُشر اعلان المسرحية في جريدة (الحوادث) بعددها الصادر في 31/10/1945 وجاء فيه : ((برعاية جلالة الملكة المعظمة ستقوم فرقة الطليعة المصرية بتمثيل مسرحية فاوست للكاتب الخالد غوتيه على مسرح قاعة الملك فيصل الثَّاني في السَّاعة التَّاسعةمن مساء يوم الاحد المصادف 4 تشرين الثَّاني 1945)).
 وفي يوم الثَّلاثاء الموافق 6/11/1945 قدَّمت الفرقة مسرحية (مرتفعات وذرينج)، ونشرت جريدة (العالم العربي) إعلان المسرحية في عددها الصادر في 6/11/1945 وحمل عنواناً رئيساً (فرقة الطَّليعة المصرية) وجاء فيه: ((فرقة الطَّليعة التَّمثيلية المصرية تقدِّم على مسرح قاعة الملك فيصل الثَّاني السَّاعة الرَّابعة والنِّصف عصر هذا اليوم الرِّواية العالمية الخالدة مرتفعات وذرنج . الحفلة خاصة للسيدات)).
 وبعد أن قدَّمت الفرقة العرضيّن المسرحيين اللَّذين مرَّ ذكرهما، أقدمت الفرقة على نشر إعلان يخبر المتفرجين ببرنامج عروضها المسرحية التَّالية حتى نهاية تواجدها في بغداد ، ونُشر الإعلان في جريدة (العالم العربي) بعددها الصادر في 6/11/1945 وحمل عنوانًا رئيسًا (منهج حفلات) جاء فيه : ((فرقة الطَّليعة التَّمثيلية المصرية على مسرح قاعة الملك فيصل الثَّاني :
- رواية مرتفعات وذرنج مساء يوم 8 و 9 تشرين الثَّاني 945
- رواية مفتش الحكومة مساء يوم 10 و 11 و 12 تشرين الثَّاني 945
- رواية تحت الرّماد مساء يوم 13 و 14 و 15 تشرين الثَّاني 945
- رواية زعامة الشّباب مساء يوم 16 و 17 و 18 تشرين الثَّاني 945
يقوم بأهم ادوار الرِّوايات أبطال المسرح والسِّينما المصريين : أمينة نور الدَّين ومحمود السِّباع ومحمد توفيق ووداد حمدي وجمالات زايد وعثمان أباظة ومحمد الدِّيب ومحمد عدلي ووسيم فايد واحمد ضياء الدِّين وأنيس حامد وسعيد عرفه . أسعار التّذاكر كرسي لوج 750 فلس . موقع ممتاز 500 فلس . موقع أول 350 فلس . تطلب من صالونات الجابي وصيدلية فتو ومعاهد اورزدباك وصيدلية كامل عيسى ومكتبة مكنزي ومن شباك التَّذاكر لقاعة الملك فيصل الثَّاني . ملاحظة : ستزور فرقة الطّليعة لوائي البصرة والموصل بعد انتهاء حفلاتها في بغداد)).
كما نشرت جريدة (البلاد) في 8/11/1945 إعلاناً أخبرت فيه القراء بأنَّ الفرقة ستقوم بعرض مسرحية (مفتش الحكومة) ، ونشر الإعلان تحت عنوان رئيس (المسرحية العالمية مفتش الحكومة) جاء فيه : (تقدِّمها فرقة الطَّليعة التَّمثيلية المصرية على مسرح الملك فيصل الثَّاني لمنفعة جمعية التَّفيِّض الأهلية يوم السَّبت 10 تشرين الثَّاني 945 السَّاعة التَّاسعة مساء . تباع البطاقات في : صالونات الجابي . المصور عبوش . مدرسة التَّفيض الأهلية . الصَّيدلية الاسلامية . صيدلية فتو . صيدلية كامل عيسى . الصَّيدلية الاسلامية . باب القاعة ليلة الحفلة).
 كما نشرت جريدة (العالم العربي) في 13/11/1945 وعلى صفحاتها إعلاناً يخبر القُرَّاء من أن الفرقة ستقوم بعرض مسرحية (تحت الرَّماد) وأنَّ صاحب السُّمو الملكي الوصي على عرش العراق الامير عبد الاله سيشرف الحفلة ، وجاء في الإعلان : (سيشرف حضرة صاحب السُّمو الملكي الوصي وولي العهد المعظم الرِّواية الَّتي تقدِّمها فرقة الطَّليعة التَّمثيلية المصرية على مسرح قاعة الملك فيصل الثَّاني لمنفعة جمعية الهلال الأحمر العراقية مساء الثِّلاثاء المصادف 13 تشرين الثَّاني السَّاعة الثَّامنة زوالية الرِّواية العالمية الخالدة تحت الرَّماد . إنَّ عدد البطاقات محدود جداً فبادروا باقتنائها قبل نفاذها من المحلات التَّالية : مكتب مكنزي وصيدلية فتو وصالون حلاقة الجابي ومحل حسو إخوان)).
النَّقد المسرحي :
 أخذ الصَّحفيون يتابعون العروض المسرحية الَّتي تُقدِّمها الفرقة، وأخذوا يكتبون المقالات النَّقدية المطولة عنها، فقد كتب الناقد الفني في جريدة (العالم العربي) بعددها الصادر في 7/11/1945 مقالة نقدية مطولة بعنوان (فرقة الطليعة التمثيلية المصرية في قصة الدكتور فاوست)، وجاء في بعض منه :(... شرَّفت هذه الحفلة صاحبة الجلالة الملكة الوالدَّة المعظمة تصحبها صاحبات السِّمو الملكي الأميرات المعظمات . كما حضر هذه الحفلة جمهورٌ كبير من الطَّبقة الرَّاقية والوسطى إلا أنَّ الطَّبقة الرَّاقية أثبتت البعض منها أنَّها غير راقٍ بسلوكه الذي لا يليق بمثل ذلك الظَّرف الممتاز ؟ قصة فاوست درس عظيم في فضيلة الإيمان بالله وما أحوجنا نحن العرب إلى هذا  الدَّرس . فحذار أن تفوتكم المسرحية الَّتي تعتبر أروع ما أنتجته الطَّليعة وأعزّ ما لديها لتقدمه إلى امة العرب ... قصة الدَّكتور فاوست الَّتي تقاطَّر الجمهورُ مساء أمس الأول لمشاهدتها تمثَّل على مسرح قاعة الملك فيصل الثَّاني من قبل أفراد فرقة الطَّليعة التَّمثيلية المصرية ...قصة الدّكتور فاوست تعطي الإنسان درساً لا ينسى وتبعث في الإنسان الرَّغبة في أن يتتبعها عن كثب بكامل شعوره وإحساسه ، فقد أجاد الممثلون بأدوارهم إجادة تذكر فتشكر ، ولقد كانت المناظر على جانب عظيم من الانتظام والانسجام ، فهنيئاً للطليعة المصرية بفرقتها النَّاجحة ، وهنيئاً للفن بأنصاره الميامين . ولابد هنا من إثبات بعض ملاحظاتي :
- كان العنصر النِّسائي في هذه القصة ضعيفاً جداً .
- إذا كان ولابد من التَّفضيل فقد نجح الأستاذ محمد توفيق في دور الدّكتور فاوست والأستاذ محمود السِّباع في دور مفيستوفوليس خادم إبليس .
- امتازت الحفلةُ بكثرة الفنَّانين والمثقفين من العراقيين، وكان إعجابهم بعظمة التَّمثيل لا تقل عن  إعجابنا .
- أحسنتْ الممثلةُ القديرة وداد حمدي في تمثيل دورها ومن شدة الجهد الذي بذلته أصابها إغماءة بسيطة فاقت بعد أن أجري لها عملية التَّنفس الاصطناعية فعادت تواصل دورها المنوط بها .
- الوقت الذي استغرق التّمثيل كان مناسباً متوافقاً بديعاً ، إذ ابتدأ التَّمثيل في السَّاعة التَّاسعة والنِّصف وانتهى في السَّاعة الحادية عشرة والنِّصف تماماً .
- كان المنظرُ واحداً لا غيره ولا نعلم لِمَ لَمْ يخرج منظراً لحدائقه الغنَّاء الَّتي كان فاوست يتغنى بمناظرها الطَّبيعية السَّاحرة بل اكتفى المخرج بتوجيه الأنوار الملونة فقط ؟ وأخيراً نصيحتي إلى الفرقة بأن تعتني بالنِّظام والهدوء والسَّكينة أثناء التَّمثيل وأن لا تجعل الجمهور يعرض عنها بتمثيلها مثل هذه الرِّواية بمدة قليلة من الزَّمن دون أن تُمثِّل فصلاً هزلياً . ثم نلاحظ أسعار الدُّخُول فقد كانت مرتفعة وعليها أن تخفضها خاصة للطلاب والطَّالبات .
وكتب الناقد الفني لجريدة (العالم العربي) بعددها الصادر في 10/11/1945 مقالًا نقديًا مطولًا بعنوان (فرقة الطَّليعة التَّمثيلية المصرية في رواية مرتفعات وذرنج) وجاء في بعضٍ منها :(.. قدَّمت مساء أمس الأول فرقةُ الطَّليعة التَّمثيلية المصرية روايتها الثَّانية (مرتفعات وذرنج) وقد لاقت النَّجاح العظيم إذ صعب على عدد كبير من المدعوين إيجاد محل  لهم . وفيما يلي ملاحظاتنا :
- امتازت هذه الرِّواية بالنُّكات الظَّريفة من الَّتي يجيدها المصريون، ضحكَ لها العراقيون طويلاً .
- كان صوت (الملقن) مرتفعاً مما أثّر على الجمهور حتى أنَّنا صرنا نعرف ما سيقوله الممثلون
- أجادتْ الممثلةُ القديرة بحق وحقيق أمينة نور الدِّين في الدَّورين الذين قامت بهما (الأم كاترين) وابنتها ونجحت بهما نجاحاً باهراً ومما ساعد على هذا النَّجاح خفة روحها وحلو حديثها وتناسق نبرات صوتها .
- قام الأستاذ محمد توفيق في دور (جوزيف الخادم) وهو أدرى من غيره بالنُّكات البديعة وكان يعرف كيف يلقيها فتلاقي النَّتيجة المحتمة لدى الجمهور .
- أما الممثلة وداد حمدي فكانت تحاول أن تنافس زميلتها في أداء دورها فأعجبنا بها.
- وهنا لابد من أن أصرح أننا وإن كنّا نختار فلان أو علان أو فلانة أو علانه ، ونميز في درجات نجاح أفراد الفرقة فهذا لا يعني أنَّ البقية لم يفعلوا شيئاً ولم يجيدوا في تمثيل أدوارهم ، إنما للظروف والدَّور سبب في أن يجعلانا أن نقول مثلاً (شهاب الدَّين أحسن من أخيه قليلاً)
- كانت كلمات الأستاذ محمد السِّباع أغلبها تضيع في فمه ولا نسمع المقاطع الأخيرة من هذه الكلمات
- استغرقت الرِّواية وقتاً طويلاً إذ أنها انتهت في السَّاعة الثَّانية عشرة والنِّصف .
 وكتب المحرر الفني للجريدة نفسها بعددها الصادر في 20/11/1945 مقالًا بعنوان ( في عالم الفن والأدب .. مفتش الحكومة) وجاء في بعض منه :(هذه هي الرِّواية الثَّالثة الَّتي قدَّمتها لنا فرقةُ الطَّليعة المصرية ولقد أحسنت في اختيارها الموقف هذا . وتشير هذه المسرحية الفذَّة درة غالية من درر الأدب الرُّوسي العظيم. والقصة كوميديا انتقاديه في فصول خمسة وضعها الكاتب الرُّوسي الخالد نقولا كوكول لغرض عظيم هو فضح الجهاز الحكومي القيصري البائد الذي قضت عليه قضاءً مبرماً ثورة أكتوبر الكبرى . يريد كوكول بهذه المسرحية القيِّمة أن يجعل من وعي الإنسان قوة فعَّالة تكون أساس تطوره ورقيه وتفكيره وحياته . وإيجاد جهاز حكومي أنقى وأصلح في خدمة الجماهير والبلاد).
تقييم الزيارة:
وبعد أن قدمت فرقة الطليعة برنامجها المسرحي المتفق عليه، وأنهت عروضها المسرحية وهمَّت بمغادرة العراق، كتب المحقق الفني لمجلة الزهراء بعددها الصادر في 30/11/1945 مقالًا تقييميًا مطولًا عن أيام الفرقة في بغداد وحمل عنوانًا رئيسًا (لماذا فشلت فرقة الطليعة ؟)  جاء في بعضٍ من المقال:
أكتب هذه الكلمة والطَّليعة على وشك الرَّحيل عن بغداد والذي ارجوه أن يطَّلع أفرادها على هذه الكلمة ليتعلموا كيف يجب أن تكون الفرق التَّمثيلية .كنتم بعيدون عن الوسط الفني في بغداد ، ولم تختلطوا بأرباب الفنّ هنا ولا لوم عليكم إذ ظهرتم أنكم فرقة ناشئة لا تعرف الأصول المتبعة ، وهذا ما أدى إلى فشلكم إذ أنَّ كل الفرق الكبيرة الَّتي زارت العراق والَّتي يرأسها عميد المسرح المصري الأستاذ يوسف بك وهبي وكبيرة ممثلات الشَّرق السَّيدة فاطمة رشدي مع أعضاء فرقتهما اتصلوا بالوسط الفني ، واتصلوا بأرباب الصُّحف وعملوا الواجب كله . إنكم لم تتصلوا إلا برئيس فرقة يدعى توماس أفندي حبيب، وهو لا ناقة له ولا جمل في الفنِّ ، بل أنَّه غشّكم بتحذيره لكم من الاتصال مع الجمعيات والفرق التَّمثيلية الَّتي هو أمامها صفر على الشِّمال ويشهد بذلك الأستاذ محمود السِّباع الذي اضطر إلى تكليف أحد أعضائه ليقوم بدور شرطي في رواية (مفتش الحكومة) وكان مقلباً جميلاً للطليعة حيث وقف هذا الممثل ليقول (قدم المفتش من بطرسبرج ويريد مقابلة سيدي العمدة) وقف متلعثماً ، ولم يستطع لفظ أية كلمة من هذه الجملة مما سبَّب غضب السِّباع على أنوار الفنّ ورئيسها واخذ يشتم ويسب لاعناً الفنّ .لقد حدث هذا أليس كذلك ؟ والآن ارجع وألوم السِّباع ومحمد توفيق لمسايرتهم آراء هذا الدَّخيل على الفنِّ . لقد كان عمله النِّفاق على أساتذته الفنَّانين إذ مَنْ هذا توماس ؟ أما إذا كنتم لم تتصلوا بالفرق الأخرى كبرياء منكم فاسمحوا لي أن أقول لكم بأنكم لستم جديرون بالانتساب لهذا الفنّ ، لأنَّ الفنَّان يجب أن يكون عظيماً في أخلاقه وفنه وأن يعتبر الجميع إخوان .لقد طلب غير واحد من الصَّحفيين مقابلة السَّيدة أمينة نور الدَّين ولكنها رفضت ، ما شاء الله ، من أنت يا أمينة ، هل أنت أعظم من ممثلات الغرب أم أعظم من فاطمة رشدي وأمينة رزق وفردوس حسن وغيرهن ، إنَّ رفضك هذا أدى إلى اشمئزاز الكثيرين ، ثم أنَّ بعض الصَّحفيين أعادوا للفرقة بطاقات الدَّعوة وانتم تعرفون لماذا ؟ نصيحتنا لكم كإخوان وكعرب أن لا تقعوا في مثل هذه الأخطاء في المستقبل وان لا تعتمدوا على أمثال هذا (التّوماس) الذي غرَّر بكم).
كذلك كتب المحرر الفني لجريدة العالم العربي بعددها الصادر في 3/12/1945 مقالًا تقييميًا بعنوان (فرقة الطليعة المصرية) جاء في بعض منه :( انتهت حفلات فرقة الطّليعة التّمثيلية المصرية ببغداد ، ونذكر هنا للحقيقة أنَّ الحفلة الأخيرة الَّتي أقامتها في بغداد لم يحضرها إلا جماعة يعدون بالأصابع فاضطرت الفرقة إلغاء الحفلة .. والجدير بالذِّكر أنها لم تدفع إلى محاسبي الصُّحف أجور إعلاناتها فأفراد الفرقة يقولون أنَّ أجر الدَّفع من اختصاص عبد العزيز محجوب مدير الإدارة ، مع أنَّ السّيد عبد العزيز قد (شمَّع الخيط) إلى حلب بعد أن استلم جميع واردات الفرقة ، إذا كانت هناك واردات ).
وهكذا مرت الأيام لفرقة الطليعة المسرحية في بغداد ، إنها أيام برغم تداعياتها وحيثياتها إلا أنها تبقى رحلة مهمة جدًا لأنها أطلعت الجمهور العراقي على مسرحيات جديدة لم تقدم من قبل في العراق، بل لم يسمع الجمهور بقسمٍ منها. كما أنها تبقى علامة بارزة في تاريخ الفرق المسرحية المصرية في خارج حدود مصر.


علي الربيعي - العراق