شق القمر شهوة الإنتقام

شق القمر شهوة الإنتقام

العدد 589 صدر بتاريخ 10ديسمبر2018

في إطار فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان نقابة المهن التمثيلية مهرجان على مسرح النهار ومن ضمن العروض المقدمة قدم عرض “شق القمر” للمؤلف سامح عثمان، المستوحى من مسرحية “جريمة في جزيرة الماعز” للكاتب الإيطالي أوجوبيتي التي كتبها سنه 1946 وقد ترجمها إلى العربية الراحل سعد أردش وقدمها كمسرحية سنه 1983 كما سبق تقديمها في أفلام عالمية ومصرية بأساليب وأسماء مختلفة، كما قدمت مسرحية في لبنان بنفس الاسم، ولكن في عرض “شق القمر” نجد أن المؤلف تناول المسرحية بشكل مختلف عن المسرحية الأصلية مع وجود حالة (تناص) مع النص الأصلي طوال الوقت.
عند مشاهدتنا للعرض المسرحي نتعرف على أربع نساء يعيشن في منزل ريفي صاحبه شخص يدعى رؤوف لا يظهر في أحداث العرض وزوجته وفاء (إنجي خطاب) وهي التي تدبر شؤون المنزل الخارجية بالتعامل مع التجار وكذلك تقوم بالأعمال المنزلية وتساعدها أختها مريم (ريهام أبو بكر) وأمه أم الهنا (تغريد عبد الرحمن) التي تقوم على حراسة المنزل ومن بداخله وهي أيضا ساعدت ابنها رؤوف بالسطو على ميراث وفاء ومريم وابنته قمر (هند علي) الطالبة في كلية الفنون الجميلة وهي الطاهرة الوحيدة في هذا المنزل، ولذلك أطلق المؤلف اسم المسرحية “شق القمر” حيث إنه يعبر عن الحلاوة في عود القصب، وتكتشف من خلال العرض أن هولاء النسوة يحتجن للرجل فالجدة تحتاج لعودة ابنها والأختان يحتاجان للعلاقة مع الرجل حتى لو كانت غير شرعية، فقد سبق وفعلن ذلك فكانت مريم مع رؤوف زوج أختها وكذلك مع تباع اللوري الذي يقوم بتحميل القصب بعد غياب رؤوف وفاء مع وحيد ابن الجيران وفي خارج المنزل وسط عيدان القصب بعد غياب رؤوف والابنة بعلاقة شرعية بالزواج.
وفي إحدى الليالي الممطرة يتسلل إلى داخل المنزل شخص يدعى آدم (محمد الغمري) نعلم أنه جاء إلى المنزل بعد أن أعد خطة محكمة للتعامل مع أهل المنزل وكيف يثقون فيه ويعيش بينهم، وبالفعل تنجح الخطة ويعيش معهم بالمنزل ويكون علاقة غير شرعية مع الأختين ويمنع الدواء عن الأم عندما تصاب بأزمه قلبية أثناء دفاعها عن شرف حفيدتها حيث إنها مريضة وتحتاج إلى الدواء فتموت ويغتصب البنت، وكل ذلك لينتقم من رؤوف الذي قتل والده وتزوج أمه وسيطر على ثروته وعامله كعبد عنده، فقام آدم بتعذيبه وقتله انتقاما منه، لكنه لم يكتفِ بذلك بل خطط للثأر من أسرته، وبعد نجاحه في تنفيذ خطته تقوم النسوة الثلاث بقتله، وينتهي العرض من حيث بدأ النسوة للأعمال المنزلية ولكن يسطر الحزن والرتابة على النساء.
وإذا تأملنا في أسماء شخوص المسرحية نعلم أنها عكس المسمى: وفاء ليس لديها وفاء، ومريم ليست عذراء، وأم الهنا تعيسة، وآدم لم يعمر الأرض، وقمر هي الوحيدة الملائمة لاسمها ولكنها تغتصب بعد غياب الحارس.
وقد اتبعت المخرجة الأسلوب السينمائي عند تقديمها النص على خشبة المسرح، فالنص ينتمي للمدرسة الواقعية وقد سيطرت على كافة أدواتها المسرحية على الرغم من وقوعها في أخطاء بسيطة مثل طول فترة الإظلام عند الانتقال من مشهد لمشهد ويتضح ذلك من خلال التحليل.
فإذا تحدثنا عن سنوجرافيا العرض فنجد أن الديكور (محمد فتحي) عبارة عن منزل ريفي قديم مدهون بلون بني مائل للسواد وبه بعض الرتوش البيضاء المتسخة، يدل على مدى كآبة من بداخله، كذلك الشبق الجنسي والخطيئة للأختين واحتياج قمر لرجل بطريق شرعي، كما حدد للمتلقي أكثر من مكان فتجد على يمين المسرح في الوسط آريكة تمثل غرفة جلوس وخلفها غرفة في مستوى أعلى تصل إليها بدرجتي سلم تمثل المرسم وغرفة نوم قمر وجزء من خشبة المسرح مع الكالوس يمثل حظيرة المواشي، وعلى الجانب الأيسر جزء من خشبة المسرح مع الكالوس تمثل غرفة الخزين وخلفه ترابيزة وكراسي تمثل غرفة طعام خلفها في عمق المسرح باب المنزل، وبالتالي أصبحت كل الأماكن مكشوفة أمام المتلقي وكذلك تستخدم كمناطق للتمثيل.
أما الإضاءة (عز حلمي) فعبرت عن تتابع المشاهد المسرحية فاستخدم البؤر الضوئية في بداية العرض للتعريف المتلقي على كل شخصية بالعرض، وكانت الإضاءة الكاملة على أم الهنا (الجدة) دالة على عامود المنزل القائم على حمايته كذلك اللون الأصفر الدال على النهار والأزرق الدال على الليل والأزرق مع الأصفر الدال على بداية بذوغ الشمس، وفي مشهد اغتصاب قمر أدخل الأصفر مع الروز ثم الأحمر تعبيرا عن اللحظة كما عبر باستخدام السلويت لحظة الاغتصاب وشق القمر.
أما الملابس فكانت ملابس عصرية تعبر عن أسرة ريفية متوسطة تعيش بالقرب من المدينة.
أما الموسيقى (كريم نيازي) فقد كانت الموسيقى حية تعزف أثناء العرض المسرحي، فقد كانت معبرة عن الحدث فنجد عزف الموسيقى الغربية مع مشاهد قمر دلالة على حبها لهذه النوعية كذلك الموسيقى الصاخبة في مشهد الاغتصاب التي مزج فيها كل الآلات مع ارتفاع صوت آلة الإيقاع، وكذلك في مشهد موت أم الهنا والموسيقى المعبرة عن الرتابة والملل في مشاهد استعراض أفراد الأسرة باستخدام النغمة الشرقية بارتفاع صوت آلة العود عن بقية الآلات وبعد كل إظلام لتذكير المتلقي بحالة الملل التي يعيشها سكان المنزل والموسيقى التي تعبر عن الترقب والقلق عند دخول آدم لمنزل الأسرة، وكذلك عند اشتعال النار في المخزن والعزف على الكمان والتشيلو لحظة مكاشفة الأختين بأن وفاء تنظر لكل ما تملكه مريم سواء لعب الملابس في الصغر أو الرجال في الكبر وأيضا رد وفاء عليها بأنها بلدانها نفس الخيانة مع رؤوف زوجها. كذلك استخدامه لمؤثر صوتي معبرا عن المطر وارتطام الماء بالأرض والبرق والرعد.
وكانت استعراضات (الدراما الحركية) (محمد علي بكر) واستخدامه للغة الجسد مكملة الأحداث حيث عبرت عن كل التفاصيل بدون خدش حياء المتلقي.
وقد أجاد الممثلون كل في دوره للتعبير عن وجهة نظر المخرجة التي اتضح أنها اعتبرت العرض مشاهد سينمائية تنتقل من مكان إلى مكان آخر، فقد كانت الأحداث تدور في ستة أماكن وقد ظهر ذلك عند استعراضنا لديكور العرض المسرحي وكذلك الإضاءة التي عبرت عن مرور الوقت والحالات النفسية والموسيقى وكذلك الإكسسوارات المستخدمة والاستعراضات التي كانت إضافة لبيان الحالة العامة للمعيشة اليومية لشخوص العرض المسرحي فبالحب والإخلاص يحيا الإنسان.


جمال الفيشاوي