«هذيانات شكسبير».. شطحة مؤلف

«هذيانات شكسبير».. شطحة مؤلف

العدد 639 صدر بتاريخ 25نوفمبر2019

ضمن فعاليات الدورة الثانية من ملتقي القاهرة الدولي للمسرح الجامعي ( دورة الساحر الفنان محمود عبد العزيز) قدمت الأردن على مسرح الفلكي بالجامعة الأمريكية، العرض المسرحي هذيانات شكسبير للمؤلف والمخرج ومصمم الديكور والممثل (شكسبير + روميو) أياد الريموني، وتم تقديم العرض في الأردن  بمهرجان صيف الزرقاء المسرحي السابع عشر، والعرض المسرحي هو مشروع تخرج لطلبة من قسم الفنون المسرحية بكلية الفنون والتصميم بالجامعة الأردنية، تحت اشراف د. يحيي البشتاوي .
الهذيان يفسر في الطب بأنه حالة موقتة من الارتباك الفكري والوعي المشوش، ناتج عن الحمي الشديدة أو السكر أو الصدمة أو أسباب أخري يصاحبها القلق الشديد والهلوسة والارتعاش، والهذيان اضطراب عقلي مؤقت يتميز باختلاط أحوال الوعي .الكاتب وليام شكسبير يعرفه المتخصصون وكذلك الكثير من عامة الناس المهتمين بالفن لما حققه من شهرة حول العالم، وقد تم الاقتباس للعديد من أعماله وقدمت بأشكال مختلفة في الوسائط الفنية المتعددة، ويعتبر العرض المسرحي هذيانات شكسبير احد الأعمال المستلهمة من أعمال شكسبير ( عطيل – هاملت – روميو وجولييت – تاجر البندقية )  قدمها المؤلف بطريقة خاصة فلم يكتب كلمة من مسرحيات شكسبير بل تناول اسم شكسبير وأسماء بعض أبطال أعماله، وهي شطحة مؤلف لأنه قدم قصة افتراضية من وحي خياله وهي قصة خفية عبارة عن طبخة كانت وراء كتابة شكسبير لنصوص مسرحياته، و تدور أحداثها في مدينة افتراضية يسكنها كاتب سكير، زير نساء، هذا الكاتب هو شكسبير، وهؤلاء  النسوة هن ديدمونة (ميس الزغبي وقامت أيضا بدور  جولييت ) واوفيليا ( داليا المؤمني) يرفضن حبه لهن، فديدمونة تحب هاملت     ( ماهر أيوب ) واوفيليا تحب عطيل (غازي درويش) ومن هنا يقوم المؤلف بعكس  ما كتبه شكسبير، فيقرر شكسبير الانتقام من العشاق الاربعة ويتأمر مع بعض الشخصيات الفاسدة في المدينة مثل روميو( حبيب جولييت في مسرحية روميو وجولييت ) ومساعدة الأ كثر فسادا منه ياجو ( مثني زبيدي وقام أيضا بدور شايلوك، ياجو صاحب الوشاية فى مسرحية عطيل ) . يعرف شكسبير عن روميو بانه يحب الشهرة فيتفق معه بأنه في حال تلفيق قضية للعشاق الأربعة سيكتب له مسرحية تمجده0 يقوم شكسبير بحبس  اوفيليا وديدمونة في منزله ليتلذذ بتعذيبهم، ويحبس عطيل وهاملت في قسم الشرطة ليعذبهم روميو وياجو ليوقعوا على اعتراف بأنهم ضبطوا متلبسين بممارسة الرذيلة مع اوفيليا وديدمونة، لكنهم يرفضوا ذلك العرض فيقترح ياجو أن تغتصب اوفيليا وديدمونة أمام عطيل وهاملت في حالة رفضهم، فيضطروا للتوقيع صاغرين . يتم إحالة القضية إلى المحكمة فنجد أن القاضية هي جولييت  ونكتشف أنها كانت على علاقة بشكسبير وتركته لأنه سكير وزير نساء واحبت روميو وترفض أن تصدر حكم في القضية كما يرغب شكسبير لكنه  يهددها بفضح علاقتها به أمام روميو، و شايلوك ( التاجر المرابي في مسرحية تاجر البندقية ) يقوم بدور المدعي العام الذى ينشد مصلحة الدولة، و جروترويد ( فيحاء الاخرس، والدة هاملت وزوجة عمه المتامره في مسرحية هاملت ) هي المحامية في القضية التي  تنادي بمبادئ العدالة وحقوق الإنسان . يتصاعد الصراع فترفع الجلسة لسماع شهادة الشاهد حسب قانون المدينة . يشهد ياجو  الكاذب ضدهما فتصدر جوليت حكمها بحبسهما عشرة سنوات وإحالة الاوراق لأعظم كاتب في المدينة لتشريدهم في بطون الكتب ومن هنا كانت قصص مسرحيات شكسبير التي وصلت إلينا . الرسالة التي أراد اياد الريموني توصيلها للمتلقي هي أنه لا أحد منزه على الاطلاق وان من يسجلون الاحداث و يكتبون التاريخ سواء كانوا كتاب أو أصحاب نفوذ أو سلطة اعتبارية  بداخلهم عوالم مظلمة تدفعهم إلى اخفاء بعض الحقائق .
لكي يحقق المخرج رؤيته البصرية للعرض المسرحي، فالعرض يدور داخل مستشفى للأمراض العقلية وجميع الممثلين يرتدوا زيا واحدا يشبه ملابس الطهاة ذو لون محايد ( بني ) يستخدم كثيرا ليعبر عن لون زي العامة في أي مكان وزمان، وغطاء الرأس لونه أبيض كتب عليه اسم الشخصية ليطلع عليها المتلقي لمتابعة الأحداث حيث أدي الممثلين أكثر من دور . والاضاءة ( ماهر جريان ) في بداية العرض كانت عبارة عن ومضات ضوئية سريعة أنارت  أكثر من مكان على خشبة المسرح واضاءة صالة العرض بعد الاظلام والموسيقي ( عبد الرازق مطرية )  ليشرك المتلقي في الحدث، وخلال العرض على خشبة المسرح يدور أكثر من حدث، واستخدمت بؤر ضوئية للتركيز على الحدث الرئيسي والإضاءة الخافتة على الحدث الأخر،  كما استخدم المخرج مؤثرات صوتية لتعبر عن الانذار وأصوات الصاعقات الكهربية للتعذيب أو لعلاج المرضي . نجح المخرج في توظيف ومضات الإضاءة والمؤثرات الصوتية في فترات الاظلام للانتقال من مشهد لأخر لكي يجعل المتلقي في حالة انتباه وتركيز للقادم دون ملل . وقد استخدم المخرج عدد من المناضد ( طرابيزة ) وحبال وعجين ( صلصال ) أحمر وأبيض وحلتان بيد وتم استخدامهم في الفراغ المسرحي بتشكيلات مختلفة لتعبر عن مكان الحدث، فنجد مشهد يعبر عن منزل شكسبير به حلتان يمين ويسار المسرح تجلس بداخلهم ديدمونة وأوفيليا خلفهم منضدة عليها عجين وشكسبير يتلذذ بتعذيبهما بتقطيعها في العجين الاحمر الموجود على المنضد، ومشهد يعبر عن السجن به نفس الحلتان يجلس بداخلهم هاملت وعطيل ويعذبهم روميو وياجو عن طريق شد الاحبال المربوطة في يد الحلتان وعمل صوت بطرق الحلل، ومشهد يعبر عن بار بوجود منضدة وكرسيين والحلة تعلق مثل كاميرا للمراقبة  وأوفيليا تصبح مغنية ويتفق فيه شكسبير مع روميو علي تخليده بالكتابة عنه عندما يشهد ضد هاملت وعطيل، ونفس الديكور مع اختلافات بسيطة استخدم في مشهد لقاء شكسبير بجوليت ومعرفة المتلقي العلاقة بينهما وتهديد شكسبير لها، ومشهد اخر للعشاق الأربعة ويتم تقطيع العجين الاحمر الموجود على المنضدة خلف ديدمونة واوفيليا في دلالة على اغتصابهما فيوافق هاملت وعطيل على التوقيع على الاعتراف، ومنظر لقاعة المحاكمة فالحلل تشكل ميزان العدالة والمنضدة منصة القضاء ويقف ممثل الادعاء شايلوك والمحامية جرتورود خلف القاضية جوليت المشغولة بالطبخ في مشهد عبثي في دلالة على طبخ القضية، وكان العجين الابيض هو أداة شكسبير في الكتابة. وعلى مستوي مرتفع منتصف يمين  المسرح يوجد قاعدة حمام لونة ابيض يستخدمه شكسبير من وقت لآخر وفاجأنا شكسبير أن الفضلات التي تخرج منه
يستخدمها كمادة لأعمال المسرحية وتم توضيح ذلك حينما اخرج من قاعدة الحمام مخلفاتها بواسطة مغرفة وتوزيعها في اطباق قدمت وجبات لأبطال العرض واشار للمتلقي بمشاركتهم في تناول هذه الوجبات . مما يعنى أن إبداعاته ما هي إلا نفايات قاذورات. سواء اختلفنا أو اتفقنا مع وجهة نظر اياد الريموني فهي تجربة تستحق الدراسة.


جمال الفيشاوي