هاملتهن .. أن تُصبح نساء هاملت القوى المحركة للأحداث

هاملتهن .. أن تُصبح نساء هاملت القوى المحركة للأحداث

العدد 735 صدر بتاريخ 27سبتمبر2021

شهد مسرح الهناجر بدار الأوبرا المصرية، إعادة تقديم العرض المسرحي هاملتهن والذي قدم ضمن فعاليات الدورة الأولى والتأسيسية لمهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة، والعرض من إعداد وإخراج الكاتبة الكويتية سعداء الدعاس، وقد جاء إعداد النص والمأخوذ عن نص مأساة هاملت للكاتب وليم شكسبير نتاج ورشة الإبداع الفني التابعة لصندوق التنمية الثقافية التي كانت قد التحقت بها الدعاس عام 2009، وكان العرض قد تم تقديمه أكثر من مره بين عام 2009 و 2012، قبل أن تُقبل الدعاس على إعادة تقديمة هذه المرة من جديد على خشبة المسرح. 
طرحت الدعاس نص هاملت برؤية مغايرة عن القوالب النمطية التي يتبناها أغلب مخرجي هذا النص حيث يلجأ الكثير منهم إلى تقديم هاملت بصورته الكلاسيكية التي تتبنى وجهة نظر شكسبير المؤلف الأصلي للنص ولكن مع تكثيف الحوار الدرامي وبعض الأحداث وما إلى ذلك، أما بعرض هاملتهن فنحن بصدد ديودراما نسائية للشخصيتين الأنثويتين الوحيدتين في النص وهن جيرترود وأوفيليا، حيث اختزلت الدعاس شخصيات نص هاملت في هاتين الشخصيتين وجعلت منهن شخصيات أساسية تحرك الأحداث من منظورها على عكس النص الأصلي الذي ظهرت فيه الشخصيات النسائية كـ دور ثاني، وبالتالي تصدرت الشخصيتين المشهد والفعل الدرامي، وبدأت كلا منهن تسرد ما حدث من فعل وصراع من وجهة نظرها ومنظورها لما حدث، من خلال تبادل الأدوار بالاستناد إلى تقنية الميتا مسرح حيث جسدت كلا منهن أدوار باقي شخصيات النص وتحديدا هاملت الشخصية الرئيسية ومحور الأحداث، بالإضافة إلى كلاوديوس وبولونيوس وليرتس أيضاً.
فقد انطلقت احداث عرض هاملتهن من حيث انتهى شكسبير بإحياء الشخصيتين الانثويتين بعد أن انهى الأخير حياتهن كما أحيت باقي شخصيات النص دراميا من خلال تجسيد الامرأتين لأدوارهن، أي أن نهاية نص هاملت هي بداية نص هاملتهن فكافة الأحداث قد حدثت وانتهت بالفعل ولقي جميع الشخصيات مصائرهم، ومن ثم تبدأ أحداث الديودراما النسائية هاملتهن في العالم الآخر حيث تلتقي جيرترود وأوفيليا اللتان يتعهدن أن يكملا اللعبة هذه المرة وهو ما يكشف انه أمر معتاد بالنسبة لهم أن يقمن بتبادل الأدوار وتجسيد ما حدث من منظورهن، فصحيح أننا أمام نهاية محتومة وبنية درامية لن تختلف كثيرا عن بنية النص الأصلية لكنه بقي مترقبا أن يرى البُعد السيكولوجي الكامن خلف ما حدث، وبالفعل رأى المتلقي الشخصيتين يكشفن عن مكنونهن الداخلي وآثر ما حدث عليهن وكذلك اكتشفت كلا منهن بعض الحقائق التي خُفيت عنهن، وكأنهن أمام مرأة افصحت على ما لم يبحن به، فها هي جيرترود التي كانت تعتقد انها كانت المحرك والقوى التي دفعت الأمر لهذا نحو تكتشف من خلال روايتهن أن هناك جزء خفي يكشف عن انها كانت أيضاً أداة بيد الملك، أما أوفيليا فتكتشف خدعها من قبل هاملت الذي لم يُحبها بقدر حُبها له كما تكتشف انها كانت مجرد أداة أيضاً بيد أبيها وأخيها وأيضاً حبيبها، فعلى الرغم من اختلاف أبعاد شخصيتهن فـ الأولى تتمتع بالكثير من القوة والحدة، عكس الثانية التي لم تتمكن من اتخاذ الفعل بل بقيت مستسلمة بوهن شديد لما يحدث أمامها، إلا انهن يشتركن في كونهن دمى ماريونت حركها الشخصيات الذكورية مثلما أرادوا، فالعرض لعب على الجانب النفسي للشخصيتين ليفصح عن أثر ما مر به كلا منهن من خدع مؤامرات أودت في النهاية بحياة الجميع، وبنهاية دائرية ينتهي العرض كما بدأ فلم يتغير شيء في الأحداث لكن ربما تغير الكثير داخلهن.
وظفت سعداء الدعاس سينوغرافيا العرض لتتفق مع الحالة التي تدور بها الأحداث فنحن أمام أحداث مأسوية قاتمة، ولهذا كان اختيار اللون الأسود في خلق معادل بصري للفعل الدرامي الأنسب على الأطلاق لرمزيته التي تُحيلنا إلى الحداد والموت والحزن وما إلى ذلك والذي ساهم في التعبير عن حالة الشخصيتين ومشاعرهم، وقبل أن نتطرق إلى عناصر السينوغرافيا يجب أن نثني أولا على اختيار الدعاس لفكرة السينوغرافيا التي اعتمد على البساطة في كافة عناصرها، وهو ما يمكننا أن نُطلق عليه السهل الممتنع حيث تمكنت من خلق حالة متناغمة تتفق مع دراما العرض، فقد وجد المتلقي فضاء مسرحي شبه مجرد سوى من كرسي صغير حيث اتشحت خشبة المسرح بالستائر السوداء والتي مكنتها أيضاً من تقليص حجم خشبة المسرح إلى النص أو أكثر تقريباً وهو ما جعل الممثلتين يتمكن من استغلال مساحة الخشبة المتاحة بحرفيه، مما عكس حالة الخواء واللازمان واللامكان أيضاً الذي تدور فيه الأحداث فنحن في العالم الأخر بعد أن خمدت نيران المأساة لكننا لسنا بمكان أو زمان معين يمكننا علمه وهو ما جاء مناسبة لطبيعة دراما العرض، وكما اختارت الدعاس البساطة في الديكور، اختارت أيضاً أن تعتمد على الموسيقى الحية حيث جلست يسار المتلقي على خشبة المسرح خلف الستائر التي سمحت بظهور نجلاء يونس عازفه الكمان كطيف باستخدام اسقاط الضوء الأصفر الخافت عليها بوقت العزف، أما عن اختيار آلة الكمان وهي احدى الآلات الوترية وتُصدر صوتاً حادا وتعد من أقرب الآلات إلى طبيعة الصوت البشري فكان اختيار ملائم أيضاً لطبيعة المشاهد التي غلب عليها القتامة وجاءت موسيقى الكمان بشجن لتكملها.
سبق وان ذكرنا أن عرض هاملت استحضر كافة شخصيات النص الأصلي دراميا من خلال تجسيد الشخصيتين النسائيتين لأدوارهم وهنا ظهرت براعة وحرفيه مروة عودة مصممة ملابس العرض في تنفيذ فكرة مبتكرة تناسب طبيعة الفعل الذي يتم على خشبة المسرح مع سرعه التغيرات التي تحدث خاصة انه مده العرض وفكرة الطرح لم تسمح بأن يُظلم المسرح بين كل تغير على سبيل المسل بل جاءت المشاهد والانتقالات بين الشخصيات وبعضها سريعا، حيث وظفت الملابس والتي استندت إلى اللون الأسود أيضاً وهو اللون السائد للصورة المسرحية كما ذكرنا سابقاً، باستخدام شريط لاصق على ملابس كل فتاة منهن صُمم خلفها شكل السيف الذي يرمز إلى هاملت والشارة الحمراء التي ترمز للملك كلاوديوس والاشارتين الصفراء كرمز لليرتس ومن ثم تعكسن كل فتاة بحسب الشخصية التي تجسدها كرمز لها، وبالتالي شكل جسد الممثلات الركيزة الأساسية في العرض، فقد وقع على كلا من نورا عصمت التي جسدت شخصية جيرترود و أميرة عبد الرحمن التي جسدت شخصية أوفيليا الاعتماد الأكبر في ملء خشبة المسرح وتجسيد أدوارهن بالإضافة إلى الأدوار الدرامية التي يستحضروها على خشبة المسرح، وهو ما نجحن به حيث لعبت نورا دور جيرترود المرأة القوية التي تترنح قليلا ثم تصمد مجددا وتدافع عن ذاتها بالكثير من المبررات أما أميرة فلعبت دور أوفيليا الضعيفة التي يخدعها هاملت ويحركها أبيها واخيها بالإضافة إلى الشخصيات الأخرى بحرفية ومهارة تنم عن قدراتهن التمثيلية الناضجة وكفاءتهن في نسج أبعاد تتفق مع كل شخصية وفعل قمن بأدائه على خشبة المسرح، من خلال التنقل بمرونة بين الطبقات الصوتية المختلفة والأداء الحركي والجسدي الذي يتفق مع الحوار الدرامي الذي تؤديه، فهي حينا أوفيليا ذات الصوت الناعمة والحركات الرشيقة وحينا اخر ليرتس أو الملك ذو الصوت الأجش والنظرات العابسة والحدة في الحركة، وكذلك جيرترود فهي الملكة المصدومة من ما يحدث لابنها وهي أيضاً التي تتحول إلى هاملت العصبي الناقم على ما يحدث، وهكذا تمكن صناع العرض في مدة لا تتعدى ال45 دقيقة من خلق دراما ناضجة فنيا وثرية بأفكار ابداعية بدا من خلالها نص هاملت في عرض مسرحي بـ ثوب جديد. 


رنا أبو العلا