يا شيخ سلامة دعوة للارتقاء بالفن ونبذ الفساد الغنائي

يا شيخ سلامة  دعوة للارتقاء بالفن ونبذ الفساد الغنائي

العدد 804 صدر بتاريخ 23يناير2023

يقاس رقي الشعوب وتطورها عادةً بمدى رقي وتطور فنونها وآدابها. فإذا انحدر مستوى الفن انحدر وهبط مستوى ثقافة الشعب وهوت أخلاقه، وفسد أبناؤه. ورغم وضع تطورات العصر الحديث والتكنولوجيا في الحسبان مع سرعة إيقاع العصر ومتطلباته إلا أن التمسك بالجذور والارتكاز على الأصول يعد ركيزة أساسية للحفاظ على الهوية والاحتفاظ بالتميز والخصوصية، والمحافظة على شباب الوطن وقيمهم وأخلاقهم لبناء جيل قوى ليحمي ويدافع عن الوطن ويعمل على استقراره ونماءه. 
من خلال عرض “يا شيخ سلامة” الذي يعرض بقاعة صلاح جاهين بمسرح البالون، من تأليف/ يسري حسان، وإخراج/ محمد الدسوقي، ومن إنتاج البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية برئاسة المخرج/ عادل عبده، نستقرئ محاولة لكشف الزيف الفني الذي نعيشه الآن، والمستوى المتدني للأغنية المصرية الذي وصلت إليه لاسيما اقتحام هذا الصنف الدخيل المسمى بالمهرجانات وانتشاره بشكل رهيب، لدرجة ارتباطه بالمستويات الأخلاقية المتدنية وتعاطي المخدرات، والسلوكيات المرفوضة من المجتمع.
«يا شيخ سلامة» يقدم لنا من خلال تيمة درامية غنائية جوانب من سيرة الشيخ سلامة حجازي الذي كان أحد أهم رواد المسرح الغنائي في مصر، وهو قد ولد عام 1852م في حي رأس التين بالإسكندرية. جاءت بدايته مع المسرح الغنائي من خلال المطرب الكبير عبده الحامولي الذي أقنعه بالغناء على خشبة المسرح بين فصول الروايات من خلال فرقة يوسف خياط. وكان حجازي أول فنان مصري يسافر بفرقته لتقدم عروضها في ربوع الشام سوريا ولبنان. وأنشأ فرقة مسرحية تحمل اسمه. وكان أول من قدم الأوبريتات النقدية للأوضاع السياسية والاجتماعية والأخلاقية بين فصول مسرحياته. تعاون في أعماله مع اسكندر فرح وجورج أبيض ومنيرة المهدية. وعندما قدم مسرحياته في إيطاليا قدر الإيطاليون نبوغه وعبقريته وأقاموا له حفل تكريم جمع عظماء نابولى وفنانيها.  أُصيب في آخر أيامه بالشلل، وقدم أعماله الغنائية على المسرح وهو جالس على كرسي. وهو قدم الموسيقار سيد درويش للمسرح الغنائي وساعده في بداياته. وقد رحل عن الحياة في الرابع من أكتوبر عام 1917م. ونظرًا لمكانة سلامة حجازي الكبرى وريادته في الغناء المسرحي قامت هيئة البريد بإصدار طابع يحمل صورته مسجل عليه تاريخ ميلاده ووفاته، وأيضًا أُطلق اسمه على أحد شوارع السيدة زينب، وأقامت له إيطاليا تمثالا وضع في متحف نابولى تخليدا لذكراه. من أشهر أغانيه: بسحر العين تركت القلب هايم- سمحت بإرسال الدموع محاجري- سلوا سمرة الخدين- صوت الحمام على العود. ومن أشهر مسرحياته: هارون الرشيد- المظلوم- ليلي- القضاء والقدر- شهداء الغرام- البرج الهائل.
تناول عرض “يا شيخ سلامة” الفكرة عن طريق المقارنة بين هراء المهرجانات وبين أعمال الشيخ سلامة حجازي مع عرض جوانب مهمة في حياته ومحطات فنية أثرت الفن المصري. حيث تدور أحداث العرض في الحارة الشعبية التي نشأ بها سلامة حجازي في رأس التين بالإسكندرية، بل وفي منزله، حيث تقوم فرقة المهرجانات بصحبة مخرج الفرقة بتصوير الأغاني في نفس المكان وإذاعتها عبر قناة خاصة بها على شبكة الإنترنت لتتكسب من وراءها المال، حيث أن الغرض هنا هو استغلال الفن فقط لربح المال وليس لرسالته الهادفة. ثم يتبدل الحال بحضور باحثة من القاهرة تدرس التراث الموسيقي، فتجد منزل الشيخ سلامة حجازي والذي تريد أن تكتب رسالتها البحثية عنه. وتلتقي بأفكارها مع أفراد الفرقة ويبدأ المخرج معها وبعض أفراد الفرقة في الحديث عن سيرة وحياة وأعمال سلامة حجازي، ليتم العرض على مستويين؛ الجزء الخاص بفرقة المهرجانات والجزء الثاني بالفلاش باك لحياة سلامة حجازي وأهم محطات حياته الفنية. 
حيث يستعرض العرض نشأته ودخوله عالم الفن ولقاءه بالمطربين والملحنين الكبار حينها محمد عثمان وعبده الحامولي وغيرهما، حتى لقاءه مع السيدة منيرة المهدية ثم جورج أبيض والتعاون الفني الذي تم بينهم، وصعوده لأعلى درجات الشهرة الفنية وتربعه على عرش المسرح الغنائي، حتى مرضه ووفاته. كما بين العرض رفض الشيخ سلامة للأغاني الهابطة في ذلك الحين من خلال مشهد للسيدة منيرة المهدية وهي تغني أغنية هابطة. فيبين لنا أن الفن الهابط موجود في كل زمان ومكان لكن اختيار المتلقي هو الذي يتيح الفرصة لظهور مثل هذا الهراء، ومع كل هذا فالاستمرار دائما والبقية للأفضل وللفن الأصيل والإبداع الجميل الراقي المهذب الذي يحمل في طياته احترام ذوق المتلقي. حتى تعود فرقة المهرجانات في النهاية  لتقرر ترك كل ما هو متدني وهابط لتسير في طريق الفن المحترم والأصيل تأثرا بسيرة الشيخ سلامة حجازي وأعماله الفنية القيمة. 
قدم المخرج محمد الدسوقي العرض برؤية غنائية استعراضية بسيطة دون تعقيد في شكل كوميدي خفيف بتوظيف خفة ظل الممثلين والحالة الفنية بطريقة السهل الممتنع، وجاءت خطوط الحركة متوازنة وسريعة الإيقاع ومتناسبة مع فكرة العمل ومضمونه، وامتلأت بالحيوية والتدفق، مع توزيع الحركة بشكل متناسق مع قاعة العرض التي قام المخرج بتوظيفها بطول القاعة ليجلس المشاهدون في جانب ويتم التمثيل على الجانب الآخر. أما الديكور الذي صممه د. حمدي عطية فكان معبرا عن الحارة الشعبية السكندرية، بأسلوب تعبيري بسيط، فكان عبارة عن منزل الشيخ سلامة في اليمين، ويمتد إلى المنتصف بجزء من الحارة وبوابة الدخول إليها، أما في الجانب الأيسر وضع فيه تكوين العصر الماضي الذي عاصره سلامة حجازي، متضمنا المقهى، يتم تغييره مرة إلى منزل الشيخ سلامة من الداخل، ومرة إلى المسرح حيث لقاءه بالسيدة منيرة المهدية. وامتاز تغيير الديكور بسلاسة وسرعة رغم قربه من المشاهدين. كما تميز بألوانه الواقعية المعبرة التي مكنت المتفرج من الاندماج في الجو العام للحدث.
أما الأغاني فكانت كلماتها معبرة بصدق عن كل مرحلة يتم تقديمها، وأجاد الفنان علي الهلباوي (الشيخ سلامة) في تصميم الألحان وتوزيعها للفنان محمد الكاشف، رغم صعوبة تحقيق التوازن بين أغاني المهرجانات والشعبية وبين الأغاني الأصيلة لسلامة حجازي. كما أحسن الفنان أشرف أشرف تصميم الاستعراضات التي جاءت مبهجة واتسمت بالجمال والبساطة في الأداء. وكانت إضاءة أبو بكر الشريف جيدة ومتناسبة مع درامية الحدث لاسيما في اللحظات الخاصة. 
أما عن الأداء التمثيلي والغنائي فقد أجاد المطرب (علي الهلباوي) الذي تميز بإمكانات صوتية غنائية عالية مكنته من أداء دور سلامة حجازي بإتقان، وتميز (مراد فكري) بخفة ظله في دور كماشة مطرب المهرجانات، وأحسنت المطربة (نهلة خليل) في دور الباحثة في التراث الموسيقى وأمتعت الجمهور بأدائها لبعض الأغاني، والفنانة (سلمي عادل) في دور بغاشة خطيبة كماشة ومطربة شعبية والتي تميزت أيضا بصوتها الجميل، وأدى بخبرة ووعي (حسني عكري) دور الأسطى خشبة مخرج المهرجانات، وأجاد (أحمد شومان) في دور الشاعر فتلة، وحضور جميل لـ(سيد عبد الرحمن) في دور معلم القهوة، وأتقن الأداء (يوسف عبيد) في عدة أدوار مختلفة، و(محمد عمر، وأحمد مصطفى، وزهرة إبراهيم، وسحر عبد الله، وصابر عبد الله، وريهام درويش، ومحمد أبو عيسى، ومحمود بيومي، وإبراهيم غنام، وشيماء الهلالي، وحبيبة رشاد، ومحمد السبكي). قامت بتصميم الملابس لهبة محمود، والماكياج لروبي مهاب.
عرض “يا شيخ سلامة” عرض جيد وممتع أستطاع أن يحقق التوازن بين المسرح الغنائي الاستعراضي ومسرح السيرة الشخصية بذكاء بدءا من النص الذي أحسن يسري حسان نسج خيوطه بخبرة ليطرح فكرة المقارنة بدهاء، استغله المخرج محمد الدسوقي بخبرته في تقديم شكل وأسلوب مختلف لمسرح السيرة.  


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏