حسن عبده.. طائر المسرح المحلق

حسن عبده..  طائر المسرح المحلق

العدد 845 صدر بتاريخ 6نوفمبر2023

تمثل تجربة المخرج المسرحي حسن عبده (1961- 2005)–أحد ضحايا محرقة بني سويف- واحدة من التجارب المسرحية اللافتة، نظرا لتنوع هذه التجربة، ما بين المسرح الرسمي التابع لوزارة الثقافة والعمل مع الفرق المسرحية المستقلة لسنوات، وكذلك الإدارة المسرحية حيث كان يشغل الراحل رئاسة قسم نوادي المسرح بالإدارة العامة للمسرح بالهيئة العامة لقصور الثقافة.
تخرج”عبده” من كلية الفنون الجميلة، وعمل في بداية حياته الوظيفية كمصمم نحت بقطاع الإنتاج بالتليفزيون المصري في الفترة مابين أعوام 1987 وحتى 1994، لكنه اتجه إلى الإخراج المسرحي فأخرج أكثر من عشرين عملا مسرحيا، ربما كانمت البداية في الجامعة عام 1983 حيث أخرج لجامعة حلوان مسرحية “ملك القطن” تأليف يوسف إدريس، تبعها بعدة أعمال منها “هاملت يستيقظ متأخرا” تأليف ممدوح عدوان عام 1988، و”ثورة الموتى” تأليف أورين أوشو عام 1989، و”جحا باع حماره” تأليف نبيل بدران عام 1990، و”حفلة المجانين” تأليف خالد الصاوي عام 1993، و”الزيسر سالم” تأليف ألفريد فرج عام 1995، والبؤساء” تأليف فيكتور هوجو وعرضت على مسرح الهناجر عام199.
وكانت معظم أعمال “حسن عبده” للمسرح الجامعي، ويكاد يكون هو أكثر مخرجي جيله عملا في المسرح الجامعي خاصة مع فرقة المسرح بجامعة حلوان.
وتعد تجربة عمله مع فرقة “أتيليه المسرح” تجربة ثرية للغاية تلك الفرقة  التي ترجع الجذور الأولية لتأسيسها إلى مواسم كلية الفنون الجميلة منذ ما يقرب من خمسين عاما، ففي عام 1972 تأسست كمجموعة مسرحية داخل كلية الفنون الجميلة بالزمالك مقدمة أول عروضها “إدارة عموم الزير” للمخرج سمير العصفوري. وقد تواصل عمل هذه المجموعة المسرحية من خلال طلبة الكلية طوال هذه السنوات معتمدة على تقديم ما يمكن أن يسمى بالبعد التشكيلي البصري وتوظيفه داخل إطار العرض المسرحي على اعتبار أن أعضاء الفرقة هم بالأساس فنانون تشكيليون.
وأثناء هذه الفترة كانت الفرقة أكثر فرق الجامعة المصرية ـ حصولا على درع جامعتها وكذلك كانت أكثر فرق الجامعات ـ على الإطلاق ـ فوزا ببطولتها السنوية، فقد احتفظت الفرقة بكأس المسرح بجامعة حلوان بعد فوزها لثلاث مرات متعاقبة بالدرع، وقد تكرر هذا الإنجاز ثلاث مرات بالإضافة إلى فوزها 20 مرة بلقب بطل الجامعات المصرية.
وقد أنشأت الفرقة في مرحلها الأولى بدعم من الفنان الراحل د. صلاح عبد الكريم مسرحا خاصا بها تقدم من خلالها عروضها طوال العام، وبحضور جماهيري كان هو المصدر الحقيقي لتمويل تلك العروض، رغم كونها داخل إطار الجامعة وهو ما منحها استقلالية كبيرة سواء في طريقة اختيار النصوص أو إنتاجها.
وقد عملت الفرقة كذلك على مساندة مجموعات مختلفة من طلبة كليات جامعة “حلوان” على تأسيس فرقة مسرحية داخل إطار كلياتهم.
ويعد تخرج مجموعة الفرقة من الجامعة ظل يراودهم هاجس تكوين فرقة مستقلة تواصل ما بدأته أثناء فترة الدراسة وبالفعل تم تجميع الفرقة عام 1990 وتم تكوين مجلس إدارة لها مكون من كل من محمد عبدالخالق وحسن عبده وبيومي فؤاد.
وفي تلك الأثناء كان قد بدأ يظهر مفهوم الفرق الحرة فكانت من المجموعة الأولى وواحدة من الفرق المؤسسة لأول تجمع مسرحي لها، كما شارك أعضاؤها في تنظيم وإدارة فعاليات مهرجانات المسرح الحر وفي تكوين اتحاده، فقد قام محمد عبد الخالق ـ أول مدير لفرقة اتيليه المسرح الحرة منذ تأسيسها وحتى 1993 بمسئولية إدارة لجنة المهرجانات في الاتحاد إلى أن أعيد تأسيس هيكله عام 1994، وكذلك كان أحد مسئولي إدارة المهرجان الرابع، ومسئول المكتب التنفيذي للمهرجان الحر الخامس ومسئول المكتب الفني للمهرجان الكوميدي.
وقد حصلت الفرقة على جائزة لجنة التحكيم في المهرجان الثالث عن عرض “حفلة للمجانين” تأليف خالد الصاوي وإخراج حسن عبده، وهو نص يدور من خلال مصحة عقلية في إطار درامي يتم من خلاله مناقشة أشخاص تسبب الفساد الاجتماعي ـ إما من بعضهم أو مورس ضد البعض الآخر ـ في وصولهم إلى هذا المكان.
كما يطرح فكرة الصراع والصدام داخل عنبر المجانين في إطار من الفانتازيا التي تحمل قدرا كبيرا من المفارقة.
ثم جاء عرض “الماريونيت” إخراج تامر حسن وهو نص جماعي يطرح هموم مجموعة من الشباب في إطار واقعي يعتمد على رصد الحالة وتوصيفها بأبعادها المختلفة حيث الربط بين الخاص والعام في شكل فني أشبه بالميلودراما، وإن جاء في صورة حكي فردي يعطي في النهاية دلالة عامة على سياق جماعي.
كما قدم “حسن عبده مجموعة من العروض التي لاقت صدى نقديا منها “مرعى الغزلان” عام 1992، و”اللعب في الممنوع” 2002، و”أهرام أخبار جمهورية” 2005.
يقول الشاعر الفلسطيني الراحل أحمد دحبور في مقال نشر في جريدة الوطن الكويتية في 2 نوفمبر 1989 عن عرض “الموتى يرفضون الموتى” التي أخرجها “حسن عبده”: “عرضت المسرحية في إطار شبه ملحمي تتفاعل فيه عناصر الأداء المسرحي ثم التمثيل والغناء والموسيقى... وعنصر التجريب في هذه المسرحية يتركز أساسا في النص الذي يقدم معالجة جديدة تماما لفكرة الموت والحياة. وساعد على توصيل المعنى إلى الجمهور والمزج بين اللغتين العامية والفصحى في الحوار والاستخدام المناسب للإضاءة والصوت والتوظيف الجيد للموسيقى والأغاني التي عبرت كلماتها جيدا عن مواقف مسرحية”.
ويقول الناقد المسرحي د. مصطفى سلطان- العميد الأسبق لمعهد الفنون المسرحية- عن مسرحية “حفلة المجانين” نشر في مجلة المسرح العدد 53 إبريل 1993: “إن ما قدمته فرقة أتيليه المسرح يعد معزوفة مسرحية لعبت فيها دور مهما المادة الدرامية.. وذلك الأداء الجماعي المتقن تحت قيادة المخرج الشاب حسن عبده.. فقد استطاع هذا العرض أن يخلق إيقاعا مسرحيا وحالة مسرحية لها خصوصيتها التي قلما نجدها في عروض المحترفين، بنفس القدر من الصدق في التعبير وإيصال الرسالة الفكرية واضحة”.
ويقول الشاعر محمد بغدادي عن عرض “الدرافيل” والذي قدم في الاحتفال بمرور خمس سنوات على افتتاح مركز الهناجر للفنون:”كل كلمة في العرض المسرحي تمس أوتار القلب المشدودة.. العرض يشتبك مع الواقع بحساسية جديدة ويقدم رؤية مسرحية رائعة”.
كان حسن عبده يتميز بسمات المخرج المسرحي المتمكن من أدواته، فكانت لديه القدرة على تحريك الممثلين و التحكم سرعة إيقاع المشاهد المتنوعة، والانتقال من مشهد إلى آخر مع توظيف الديكور بحكمة وبراعة.
كان حسن عبده  صانع مسرح ذكي، ذلك الصانع هو القادر على تجسير الهوة مابين الخشبة والمشاهدين، وهذا لن يتم إلا بوجود دراسة معمقة حول هوية هذا الجمهور، تقول “هيلين فريشواتر”: “من المهم أن نتذكر أن كل جمهور مكون من الأفراد الذين يحضرون نقاطهم المرجعية الثقافية، ومعتقداتهم السياسية، وميولهم الجنسية، وتاريخهم الشخصي، وانشغالاتهم الفورية عند تفسيرهم للعرض”.( هيلين فريشواتر: المسرح والجمهور- ترجمة أريج إبراهيم- المركز القومي للترجمة- الطبعة الأولى 2015م- ص22.)
وقد كتب “حسن عبده” في بانفلت عرض “عواطلية وعوانس” عبارة دالة يقول فيها: “عصفور نونو كان حلمه جناح وفؤاد يرقص.. وليلة حلمه غموا عيونه.. طلقوه في براح.. طار جوه قفص شلة عميان ماشيين في الحلم.. والسكة ظلام وحفر بتلم.. أعماهم قال: راح أوريكم.ز والحلم أهو طار مع مجنونه.. وإزاي في توهة هايشوفوا؟ في إيد العميان مافيش غير الأمل والانتظا.. جايز الأعمى يلاقي عيونه”.
حقا يا حسن أيها العصفور المحترق.. لم يعد لدينا إلا الانتظار..!!.


عيد عبد الحليم