العدد 640 صدر بتاريخ 2ديسمبر2019
من جديد يطرح العرض المسرحي إشاعات.. إشاعات، الذي قدمته شعبة مسرح المواجهة بالمسرح الحديث، السؤال الذي سبق إن طرحناه من قبل. ألا وهو لماذا يلجأ الكاتب المسرحي لتطويع نصوصه لكي تناسب ظرفا راهنا أو طلبا إنتاجيا ،دون أن تكون هاك ضرورة فنية . وحتى دون إتقان . بحيث يبدو الموضوع المراد إبرازه أو الذي تم التطويع من أجله هو مجرد لصق يبعث على الشعور بالتشوه لا الجمال .
فأنا أعتقد وأكاد أجزم أن النص الذي كتبه / متولي حامد وهو مؤلف جيد في العموم. لايحمل ي الأصل الفكرة التي حمل اسمها العرض.
فنص العرض يدور حول اختناق مروري تسبب_ فكرة الاحتجاز_ الشلل التام . وأكد على أن السبب الرئيس كان في هذا (التوك توك) الذي يسير في الاتجاه الخاطيء.
وبالطبع فإن فكرة الاحتجاز هذه ؛ تستدعي مجموعة من الأشخاص؛ يجمعهم المكان، ونتعرف من خلال الحدث على ماهيتهم الحقيقية.
لذا فكانت المجموعة التي انتقاها حامد ، طانا منه أنها ربما تمثل المجتمع المصري ككل تنحصر في . ركاب وسيلة نقل عام. وركاب واحدة من سيارت الأجرة وتنحصر في زوج قروي هو وزوجته، وعربة إسعاف تقل مريضا بطريقها للمستشفى. وعربة خاصة بها زوجة متسلطة وزوج خانع ؛ من الطبقة المرفهة والتي تكون الزوجة فيها من أنصار تحرير المرأة . ولكنها شعارات تمكنها ؛ وليست أسلوب حياة. بإلإضافة لبائعة المناديل وسائق التوك توك . ثم تمثال رمسيس الذي دبت في الحياة ، بالإضافة لمبعوث الحي ثم رئيسه، ومدرس التاريخ الذي هجر وظيفته وهام في الشارع.
تستعرض المجموعة من خلال مناقشاتها وتشاجرها؛ المشاكل التي يعاني منها المجتمع المصري، أو وضعها أمامنا . فمثلا هناك المسئولين الذين يتخذون قرارات غبية للإصلاح. قمثلا يكون الحل عند المبعوث ورئيسه للتخلص من الاختناق المروري . هو إزالة الرصيف؛ لا فرض النظام!!. وندرك مايمكن أن نطلق عليه ثقافة(التوك توك) المتمثلة في هجر معظم أبناء الحرف لعملها والعمل على كسائقين له. واستعراض الأسباب التي أدت لذلك. وكيفية ترك بائعة المناديل لمدرستها ومحاولة العمل لمساعدة أبيه في نفقات المعيشة. وكيف أن هجر الأبناء لوالدهم هو ما أدى به لتلك الحالة الصحية المتدهورة. ثم هذا السارق الذي اختطف الطفل من والدته تحت نظر الزوج الثري، ولكن زوجته تمنعه من الإفصاح عن هذا تجنبا للمشاكل . ومحاولة تحرش سائق (لتوك توك) ببائعة المناديل، ثم الإعجاب بها. وتلك القروية التي لاهم لها سوى مناكدة زوجة أخيها التي تقيم بالكويت . وتريد أن تستمتع بمباهج القاهرة من وجهة نظرها/ ولكن زوجها تجري في عروقه شهامة أولاد البلد. وعندما يشرع السارق في سرقة حقيبة الأموال من عربة الثري وضبطه من الآخرين. ينتبه ضمير الثري ويقرر أن هذا السارق هو من اختطف الابن. ليعود الإبن لوالدته . ويتفق الجميع على وجوب رجوع التوك توك حتى ينساب المرور . ويرضخ سائقه. أي أن المرور سينساب وربما تحل مشكلة ( ثقافة التوك توك) على مستوى الأمل. مع وضع مذيعة جاءت هي وفريق عملها لتؤدي الدور السيء لبعض وسائل الإعلام في الاهتمام بالتوافه. ثم عم رمسيس الحي الذي يستنكر مايحدث به من كتابة عليه وربما قضاء حاجة ... الخ.
بديهي ن كل هذه التوترات لا تسمح أبدا أن يخرج أحدهم وسط الجدال او المشاجرة ليطلب من سائف الأتوبيس ان يفتح الراديو ليعرف الأخبار. التي تكون كاذبة ومجرد إشاعات ليتم دحضها خارج سياق المنطق!!
وبديهي أيضا ان هذا الجزء المتعلق بتلك الإشاعات لو تم حذفه لارتفع مستوى النص ومن ثم العرض. وكا قلت أعتقد أن جزءا مضافا ليتمكن النص من العبور للآنتاج لمسرح المواجهة/ مع أن القضايا التي أثارها خلال المتن تعتبر من المواجهات أيضا. فليس معنى المواجهة أن نقف ضد كل مايقوله أو يفعله الآخر لضرنا أو على غير الحقيقة. وإنما المواجهة الأعظم في مواجهة أنفسنا وأخطائنا . وعلى هذا وطبقا لاعتقادي فإن كل المسرح مواجهة.
قام محمود فؤاد صدقي بعمليتي تصميم الديكور والإخراج . وقبلا نقول ان العرض تم في ساحة مركز سعد زغلول الثقافي لأنه يحتاج لمسرح أو مكان مفتوح وليست خشبة مسرح تقليدية. على مستوى الديكور حاول أن يقدمه لنا واقعياأو إن ئنت طبيعيا. وطبيعيا من خلال تجسيد كل المركبات التي ذكرناها. وطبيعي ان التنفيذ نتيجة أشياء كثيرة منها الإمكانات . لم يكن على الشكل المأمول . ولم يكن طبيعيا. ولكن هل محمود لم يسأل نفسه كيف تنطبق تلك الواقعية وربما لو استطاع لجعلها طبيعية واستدعى عربات حقيقية. كيف يتجاوز هذا بسهولة مع الملك رمسيس الذي يقوم ويقعد ويتحرك ويتكلم ويعترض ... الخ؟. لربما لو فطن لهذا لسار نحو محاولة خلق الإحساس بالحالة لدى الجمهور . مادمنا لانملك يقينا وضعه أمامها . وربما تقلصت محاولة الخروج بالواقيعة الطبيعية إن صحت التسمية، للواقعية الرمزية مثلا أو الواقعية التعبيرية أو بما شاء.
ولم يكن سيقع فيماهو ضد التوجه. بابتكاره ذلك المشهد الذي يدخل فيه بشخصه راكبا دراجة نارية ، بعدما توصل الجميع للحل وسيكون هناك انسيابا . لأخذ الرجل المريض على تلك الدراجة والذهاب به للمستشفى. الذهاب به للمستشفه يعني رجوعه للوحدة/ المرض . خاصة ان حالته تحسنت بعدما دخل في حوار مع الناس ، واتشبك معهم في علاقات انسانية لدرجة أن سائف التوك توك وبائعة المناديل اعتبراه والدا لهم وبأنه هو من سيزوجهم لبعضهما. أي أنه وجد عائلة أكبر من عائلته . ولكن محمود أصر أن يأخذه منها ويحيله مريضا ثانية.
ولكن على الجانب المشرق أجاد محمود في اختيار ممثليه . فقد كانت هناك مباراة جيدة في التمثيل من غلبية أعضاء الفريق . الذين للأسف لن أستطيع ذكر أسمائهم . لأنه وبرغن حصولي على مطبوع العرض، إلا أنني علمت أنه حدث العديد من التغيرات في شخصيات من قاموا بالأدوار . لذا سأشير لبعض الجيدين من حلال أدوارهم وهم مدرس التاريخ وبائعة المناديل والقروية والسيدة وزوجهاوالأم والقروي وسائق التوك توك. مع تأكيدي بأن الأداء التمثيلي في المجمل كان أكثر من جيد . وبعض الهنات البسيطة التي يمكن تدراكها مثل استمراية التواصل مع الحدث إلى أن يأتي دورك. والاهتمام بطبيعة الملابس وتكوينها الذي من الممكن أن تصمد مادته تحت أشعة الإضاءة القوية، وعدم التسارع في محاولة فعل مايضحك. لخرج الأداء بسهولة من الجيد للإمتياز .
وربما هي المرة الأولى التي يقوم فيها محمود بالأخراج . ومجرد ونجاحه في اختيار ممثليه تأكيد له. أما العمق في التفسير والتمكن من التفعيل الحركي فيستلزم وقتا وخبرة. هو في الطريق للحصول عليها.
وربما كان التغييرات في المؤدين هو مادفع أن تكون الأغانس المصاحبة تأتي من حلال السماعات فقط لا من أصوات الممثلين كما هو واجب. وهو أمر كان لزاما تدراكه ولو حتى بأن نسمع صوت من كان ومازال في العرض ولكن لم يكن.
كما أن الأغاني التي تمثلت في أشعار صقاء البيلي وألحان محمود وحيد . انصبت كلها في الوثوف ضد الإشاعات. وعليه فالحكم على ضرورتها هو نفس الحكم على ماعالجته بصرف النظر عن القبول الذي حظيت به.
وأخيرا هو عرض جدير بالمشاهجدة وستقضي وقتا جيدا وأنت تشاهده . خاصة وأنت تدرك ساعتها أن هناك مجموعة من الشباب آتية في الطريق لو تكررت لهم الفرصة.