العدد 557 صدر بتاريخ 30أبريل2018
في إطار فعاليات مهرجان مواسم نجوم المسرح الجامعي، قدم فريق تمثيل كلية التجارة جامعة عين شمس عرض الحادثة للكاتب لينين الرملي، وسينوغرافيا ورؤية وإخراج فادي أحمد، وذلك على مسرح الإبداع الفني حيث تدور أحداث العرض حول حادث اختطاف تعرضت له فتاة شابة يطمع فيها الكثير، إلا أنه لم يجرؤ أحد على الاقتراب منها بل واختطافها سوى هذا الشاب المجنون عاصم الذي كان يراقبها منذ مدة الذي وضعها في مكان بعيد لا يعرفه أحد عندما اختطفها، وتستطيع الفتاة في النهاية أن تتخلص من هذا «العاصم» عندما تعطي لرجل خدمة توصيل الطلبات للمنازل نقودا مكتوب عليها أنها مُختطفة وتريد أن تعود إلى حياتها، عندها فقط يأتي رجل البوليس – متأخرا – ككل الأفلام العربية القديمة وينقذ الفتاة ولكن بعد أن وقعت في حب خاطفها!
ولكن كيف للمُقيّد أن يعشق من قيّده؟ هل يُعقل أن يعشق السجون سَجّانه؟ كيف يمكن لطير صغير أن يقع في حب الشخص الساجي الذي أمسك به وقرر أن يحبسه في قفص بحجة أنه ينوي الاحتفاظ به لنفسه فقط؟
غلب على العرض الطابع العبثي والأحداث غير المترابطة، فمثلا بدأ العرض فجأة وتم تشغيل الإضاءة على صوت شجار الفتاة (زهرة) مع زميليها في العمل (عبودة ونبيل) بسبب مغازلاتهم اللفظية لها، مما يجعل المشاهد يشعر أنه ألقى به في الأحداث بشكل مفاجئ ومزعج بدون تمهيد، كما أن حادث «اختطاف الفتاة» نفسه من على المسرح أيضا تم بشكل عبثي ومفاجئ أي يظهر شاب (عاصم) من العدم - وأثناء وجود عبودة ونبيل معها على المسرح يتشاجرون، ولكن كلا منهما ينظر في اتجاه معاكس للآخر - يستطيع هذا الشاب أن يكمم الفتاة ويخطفها دون أن يشعر أحد! ودون تمهيد من هذا المختطف أنه مثل يقوم بالتخطيط لمثل هذه الفعلة ودون أن يعلم الجمهور أنه كان يراقبها كما قال لها بعد أن اختطفها.. كما أن هناك الكثير من الأحداث غير المبررة دراميا أيضا مثل اختطاف عاصم لعبودة ونبيل وتعذيبه لهم أمام الفتاة ليظهر أمامها على أنه البطل الوحيد أو لكي يقضي على أي أمل لديها في فكرة العودة لحياتها أو مساعدة عبودة ونبيل لكي يقوموا بإبلاغ البوليس.
نستطيع أن نكوّن صورة ذهنية عن المختطِف (عاصم) أثناء الأحداث أنه يعاني من «اختلال عقلي» - وهذا ظهر على تصرفاته وكلامه وحركات جسده وأيضا وصفه لنفسه في مشهد ما أثناء الحديث عن نفسه - وأن المخرج كوّن رؤيته الإخراجية للعرض من خلال عاصم، أي أن المتلقي ينفعل مع الأحداث ويفسرها من خلال منظور عاصم، حيث إن عاصم كان ينادي (زهرة) باسم والدته (منى) وهو يعي تماما أنه ليس اسمها ولكنه يناديها به لأنه كان يحب والدته كثيرا – كما فسر لها – مما يوضح تيمة العنف والقهر الذي يمارس على المرأة في العرض، فإذا نظرنا للعرض من منظور نسوي سنرى رجل اختطف فتاة لا تعرفه ولكنه أعطى لنفسه حق الاحتفاظ بها لنفسه لمجرد أنه راقبها لفترة وأحبها، يمارس عليها ضغوطا وقهرا فحتى «اسمها» الذي يعد من أبسط حقوق الإنسان عموما - وليس المرأة على وجه التحديد - أن يكون له اسم، فهو يناديها باسم آخر أعطى نفسه الحق أن يناديها به لمجرد أنه اسم يحبه، كما أنه هو من كان يحضر لها الطعام دون أن يعلم هل تحب هذا الطعام أم لا، بل يفرضه عليها، وعندما حاولت الهروب منه هددها بأنه سيلقى لها الطعام خلف الباب، «عاصم: أنا راجل ومن حقي أعرف أي ست في حياتى» تلك الجملة التي قالها لزهرة عندما أراد أن يفسر فعل إحضار عاهرة إلى المنزل لكي يدفع زهرة أن تغار عليه!
كما أن كلام (زهرة) معه حول فكرة المساواة بين الرجل والمرأة في وجود عقل لكل منهما يميز به «زهرة: أنت اقتحمت حياتي واغتصبت عقلي وخطفتني..» يعتبر دليل على تيمة الحرية التي تعتبر مسلوبة من (زهرة) ومن المتلقي أيضا لأنه يرى الأحداث والمجتمع بعين عاصم.. تلك الشخصية التي وضع فيها المخرج كل رؤيته الإخراجية تقريبا.
«عاصم: أومال إيه اللي عاجبك؟ المجتمع اللي انتي عايشة فيه؟....».
كذلك فإن اعترافه بقتل أحد الذئاب التي تحوم حول المنزل، مع تأكيد الفتاة أنها لم تسمع يوما صوت ذئب يعوي تؤكد على أنه غير سوي عقليا «زهرة: ديابة حقيقي ولا تقصد ناس
عاصم: ياما في ناس أخطر من الديابة يا منى»..
يرى المتلقي الأحداث طوال الوقت من وجهة نظر عاصم الذي فرضها المخرج في رؤيته، مما يؤكد على تيمة العبث في العرض.
أما عن الموسيقى فكانت لا تمت للأحداث ولا لواقع العرض بصلة، فكانت عبارة عن أغاني لعبد الوهاب من التراث القديم، كما أن كلمات هذه المقاطع من الأغاني لا تناسب الحوار الذي كان يدور في المشاهد، فلم تستخدم إلا لتشتيت انتباه المتلقي، وفواصل بين المشاهد.
من ناحية أخرى جاء الديكور مستويين مختلفين يعبر – في رأيي – عن التحول الذي حدث في حياة زهرة بعد اختطافها وحرمانها من حياتها، وكان الديكور بسيطا يعبر عن حياة وطبقية شخصيات العرض وأيضا طموحاتهم وأحلامهم.
في النهاية، فإن العرض يثير مجموعة من الأسئلة مثل هل الحب هو ضعف المحبين؟ أم يشعر المحبون بالضعف فيلجأون للحب؟ هل أصبح الحب حادث اختطاف؟ أم أن الحادث أن يمارس المجتمع ضغوطاته متخذا من المُختطِف ستارا؟