فرقة»لاموزيكا».. الدخول إلى المسرح من بوابة الأدب

فرقة»لاموزيكا»..  الدخول إلى المسرح من بوابة الأدب

العدد 697 صدر بتاريخ 4يناير2021

بدايتها كانت مع الإبداع القصصي والروائي وحققت فيهما نجاحات ملحوظة، فكانت من أبرز كتاب جيل التسعينيات في القصة المصرية، لكنها انتقلت فجأة إلى المسرح لتنشئ فرقة مسرحية خاصة بها، إنها المبدعة نورا أمين صاحبة الرواية البديعة «الوفاة الثانية لرجل الساعات»، والتي كانت آخر أعمالها، والتي كتبتها عام 2000، لتتوقف ـ تماما ـ عن الكتابة الروائية، بعد أن جذبتها أضواء المسرح.

وربما كانت البداية الحقيقية في اتجاه «نورا أمين» إلى المسرح مع صدور كتابها النقدي «فن المطالبة بالحق، المسرح وحقوق الإنسان»، والذي صدر عن مركز القاهرة لحقوق الإنسان عام 2002 بتشجيع من الشاعر الراحل حلمي سالم حين كان مشرفا على النشر في المركز، واستحدث سلسلة عن الآداب والفنون التي اهتمت بفكرة الحرية الإنسانية، فكان الكتاب حاملا لدلالات متعددة، حيث رصدت فيه «نورا» تاريخ المسرح المصري من هذه الزاوية، وإن كان اهتمامها الأساسي جاء منصبا على بعض تجارب الفرق المسرحية الشابة، خاصة فرقة «الشظية والاقتراب» والتي أسسها المخرجان المسرحيان هاني المتناوي ومحمد أبو السعود عام 1990، واستعرضت نورا مجموعة من عروض الفرقة الأولى ومنها عرض «دير جبل الطير»، والذي تعرض للمصادرة، حيث تم استبعاده من العرض ووفي تمثيل كلية الآداب بجامعة القاهرة في مهرجان المسرح، الذي تقيمه الجامعة ليحل محله عرض مسرحي آخر، ثم كان عرض الفرقة الثاني «بريسكا»، وهو عبارة عن بروفة لإعادة الكتابة الكلاسيكية لمسرحية «أهل الكهف» لتوفيق الحكيم بشكل مرتجل مضفرة بنص شعري لأحمد يماني، وقد تعرض العرض للمصادرة أيضا حيث كاد يمنع من العرض في مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، بعد أن طالبت «الرقابة على المصنفات الفنية» بحذف وتعديل النص المعد للعرض، وقد تغلبت الفرقة على ذلك بفتحها باب المسرح للجمهور لمشاهدة العرض أثناء البروفة.
تلك الحالات التي رصدتها نورا أمين في كتابها جعلها تؤمن بأن فضاء المسرح هو من أرحب الفضاءات الإبداعية تعبيرا عن الإنسان، وعن مكنون النفس البشرية، كذلك ما يتضمنه من أفق متسع للتجريب.
ولأنها تمتلك إرادة قوية، وشخصية مرنة قادرة على إعادة صياغة خطابها الإبداعي، راحت تثقل إرادتها هذه بالدراسة، ساعدها على ذلك إجادتها لعدة لغات، وكانت قبل ذلك قد ترجمت عدة كتب وروايات إبداعية، وربما جاء اهتمامها بهذا الجانب منذ الصغر، فقد ولدت في منزل يهتم بالآداب الغربية فوالدتها د. منى أبو سنة أستاذة الأدب الإنجليزي بجامعة عين شمس، وصاحبة الآراء الفكرية الجريئة.
أما كتابها الثاني في مجال المسرح فقد حمل السمات الرئيسية لتحولها نحو هذا الفن، وهو كتاب «المسرح والتغيير»، والذي يبدو من العنوان، دافعها الأساسي نحو تغيير مسيرتها الإبداعية من الكتابة المتخيلة عبر السرد، إلى المواجهة المباشرة مع الجمهور من خلال خشبة المسرح.
لكن هناك محطة أساسية قبل دخولها المسرح مباشرة  ـ وهي مرحلة وسط بين الاثنين ـ وهي اتجاهها إلى رقص الباليه، ربما كانت له جذور من الصغر عندها لكن زاد الاهتمام به في فترة الجامعة، حيث أحبت المسرح الاستعراضي وشغفت بفكرة الحركة في الأداء المسرحي، وكان تعلمها لفن رقص الباليه الكلاسيكي ثم الرقص الحديث فالاستعراض، ثم جاء تعرفها على مجموعة من الفنانين الذين تزاملت معهم ـ بعد ذلك ـ وهم خالد الصاوي وخالد صالح وسامح سر الختم والذين دربوها على التمثيل، وقد ساعدها هذا الانفتاح على عوالم الفن المتنوعة ـ في فترة الجامعة على العمل ـ بعد ذلك ـ في «فرقة الرقص الحديث» مع المخرج الاستعراضي وليد عوني، والتي قدمت معه عدة عروض على مسرح «الهناجر».
بعد ذلك فكرت «نورا» في تكوين فرقة مسرحية تحمل توجهاتها الفنية فجاء تأسيسها لفرقة «لاموزيكا»، والتي أرادت من خلالها الاهتمام بفكرة التدريب والارتجال، الذي يثمر تكوين نص مسرحي لا يعتمد على الجاهزية، وعن ذلك تقول نورا: «اهتممت بفكرة التدريب والارتجال من داخل الأسلوب الذي أريد أن أقدمه، اقتربت من نصوص غير جاهزة، تخرج من الممثلين بطريقة مباشرة، وتكون ذات علاقة مباشرة بتجاربهم الشخصية، كان هذا مختلفا على مستوى المحتوى والأداء التمثيلي».
وفي عام 2006 قدمت مشروعا تدريبيا في فن التمثيل وسافرت لتحتك بالتجارب العالمية التي تقدم ما يسمي بـ «المسرح الفقير» مثل تجربة «إجستو بوال» في أمريكا اللاتينية، وغيرها من التجارب التي تعتمد على فكرة التمرد المسرحي وتقدم أشكالا مسرحية غير نمطية.
وفي عام 2007 اشتركت في تكوين «أكاديمية الإدارة الثقافية»، بالإضافة إلى إقامتها لعدة ورش تدريبية في القاهرة والإسكندرية بالتعاون مع عدد من الجمعيات الأهلية التي تهتم بالشأن الثقافي.
الوعي المسرحي
تجارب «نورا أمين» المسرحية تعتمد على مسرح الحركة، ربما لأنها استفادت على حد قولها من ممارستها للرقص الحديث لأن فيه تعاملا مختلفا مع المؤدي وتدريبا جسديا غير نمطي، فهو يجعلك قادرا على امتلاك أدواتك الجسدية مع الوعي بإمكاناتها اللانهائية».
وعن استفادتها من تجربتها في الكتابة الأدبية تقول نورا أمين «تعلمت من الأدب تأمل النسيج اللغوي وكيف يمكن تحقيقه على المسرح من خلال النسيج البصري، وهو جزء من حركة الممثل، فمن الأمور التي سعيت إلى إضافتها إلى التقنية المسرحية فكرة المجاز الحركي ولو عن طريق الإيماءة، فالحركة تخلق مجازا بصريا كبيرا، يمكن تفكيكه إلى عناصر أصغر، تتناثر بوعي خلال الخط الدرامي المنسوج من عناصر الدراما الحديثة من حركة وسينوغرافيا وإذا تجمعت هذه العناصر يتوالد المجاز المسرحي بمعناه الأشمل».
وقد جاء اختيارها لاسم فرقة «لاموزيكا» مستوحى من مسرحية «لاموزيكا الثانية» للكاتبة الفرنسية «مارجريت دي لاسي»، والتي أدمنت نورا قراءة أعمالها، خاصة هذه المسرحية التي كانت تتمنى أن تكون باكورة أعمالها كممثلة ومخرجة، إلا أن أول عروضها بعد ذلك فقدمت بالإضافة إلى مسرحية «لاموزيكا»، التي أشرنا إليها سابقا مسرحية «العاشقة الإنجليزية» لنفس الكاتبة، ثم بدأت في التأليف الذاتي للفرقة فقدمت عدة أعمال، بالإضافة إلى مسرحية «الضفيرة» مثل «هنا السعادة» و»القط يحتضر» و»رسالة إلى أبي»، وقد توالت بعد ذلك عروض الفرقة لتصل إلى 25 عرضا مسرحيا، تنتمي إلى المسرح التجريبي بأجنحته المتعددة في محاولة فنية لملامسة الجوهر الإنساني، منها ما هو مكتوب خصيصا، ومنها ما هو مترجم من لغات أخرى مثل عرض «امرأة في الماضي».
وتعاني نورا أمين وفرقتها مثل كثير من فرق المسرح المستقل في مصر من قلة التمويل، والذي يكاد يكون منعدما بعد تخلي المؤسسة الثقافة الرسمية عن تمويل مثل هذه المشاريع المسرحية الجادة، وعن ذلك تقول:  «أشكال الدعم قليلة فمعظم مشاريعي المسرحية جاءت عن طريق التمويل الذاتي، أما التمويل الحكومي فقد جاءني منذ أكثر من 10 عاما فأول عرض ينتج لي من دعم وزارة الثقافة كان عام 2008 ومع ذلك فقد حاولت أن أحافظ على فكر الاستمرارية من خلال عملي كممثلة ومخرجة ومنتجة، فالاستمرارية هي من سمات الفنان الحقيقي والجاد.
وترى نورا أمين أن المسرح المستقل أوجد حالة من التراكم الثقافي، مما جعل له جمهوره الخاص، والذي بات ينتظر عروضه، خاصة من جيل الشباب، لكن هذا النوع من المسرح بحاجة إلى حالة من التسويق لأعماله، وهذا أيضا مرتبط بالقدرة المادية.

 


عيد عبد الحليم