«بيت روز» الشغف الوردي وخطايا الرجال

«بيت روز»  الشغف الوردي وخطايا الرجال

العدد 823 صدر بتاريخ 5يونيو2023

تأتي مسرحية بيت روز التي يقدمها مسرح الطليعة الآن، كحالة مغايرة شديدة الصدق والإبهار والجمال، تموج وعيا وفكرا ودهشة واندفاعات. الجدل يكشف غموض الأسرار. أضواء الحقيقة تعانق الواقع المسكون بالشرور والآثام، والحالة المسرحية الخلابة تحمل توقيع المؤلف والمخرج أحمد جمال الحديني، الذي أهدى المسرح المصري تجربة وردية ثائرة متوهجة، أحداثها تتصاعد لتروي عن أخطر قضايا واقعنا الاجتماعي عبر مفاهيم الحب والزواج، النساء والرجال والعلاقات، واندفاعات التضحية بجوهر المعنى وسحر الوجود. وفي هذا السياق، جاءت المسرحية مختلفة في طريقة السرد وطبيعة الأحداث وزمنها، التكوين الجمالي والفكري يتميز بالاحترافية العالية، والمادة المطروحة تحترم عقل وعيون المتلقي، تعانق الأحلام وتحرض على التفكير، الشخصيات تبدو حقيقية، السلوكيات والأخلاقيات تتباعد عن مفاهيم الأبيض والأسود، فليس هناك ملائكة وشياطين، الرؤى والقيم والمفاهيم تدور في إطار النسبية، والتناقضات تفجر صدمات الدهشة والمعرفة.
كان المخرج اللامع أحمد جمال الحديني متميزا في امتلاكه لرؤاه الجمالية الناعمة الصاخبة، اتجه بحرفية عالية إلى عالم التفاصيل الغزيرة المتشابكة، الضوء والموسيقى والكويوجرافيا وطبيعة الأداء، في أجمل حالات الوهج والحضور، المكان يعانق الزمان عبر رؤية سينوغرافية رفيعة المستوى، النقلات تبعث تعليقات ساخنة على الأحداث، ومستوى التصاعد والإيقاع يأتي دائما ممتلكا لمبرراته العقلية والفنية. وفي هذا السياق، استطاع المخرج أن يمزج بين لغة الجسد والحوارات وصور المشاهد، ليشتبك مع مفاهيم الجنس والعقائد والمجتمع والسياسة، ويطرح قضايا المرأة وعذابات النساء، بعد أن تحولن إلى مجال لممارسات القمع والتسلط والاستبداد، لنصبح أمام إدانة صريحة للتخلف الإنساني الذي يضع المرأة في سياق الأنثى دون اعتبار لكيانها الإنساني الحر.
تتخذ الأحداث مسارها في إطار تشكيل جمالي غزير الدلالات، يأخذنا إلى الكافيه الوردي الأنيق، الصديقات الأربع يجلسن حول المنضدة الدائرية التي ترتكز على قرص دوار، الجمهور يجلس على المناضد المحيطة ببطلات العرض، ليصبح جزءا أساسيا من التجربة المسرحية، اللحظات الأولى تواجهنا بالشابات اللاتي اعتدن اللقاء في المقهى، تدور بينهن حوارات ساخنة واقعية جريئة ومتمردة، تكشف عن ملامح الأعماق والمشاعر، عن قسوة المجتمع، الرغبات المقهورة، عن أحلام البيت الوردي والزوج الفارس الشهم الحنون، البدايات تأخذنا إلى “منار” الأنثى المؤرقة بحلم الاكتمال، تقدم لها شاب لا تعرفه وسوف تلتقي به الليلة في بيت أسرتها، التردد يحاصرها حول مسألة زواج الصالون، والآراء تنطلق بين التأييد والمعارضة، وعبر تقنيات الجمال الناعم نتعرف على “سحر” المرأة الناضجة الوقورة، هي زوجة وأم لطفلين، هدفها الوحيد في الحياة هو استقرار مملكتها والمحافظة على زوجها القاسي المتسلط العنيد، الدلالات تكشف عن سيكلوجية المرأة حين تتبنى عوامل قهرها واستلابها، الضوء يعانق الموسيقى ويأخذنا إلى “سارة” المرأة الجميلة المطلقة المشاغبة، تعشق حريتها وتثير الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، تطرح رؤاها الجريئة الصاخبة، حوارات النساء تتقاطع مع المشاهد الصامتة على شاشة السينما من فيلم الباب المفتوح، لتبعث مفارقة جمالية عالية الدلالات، فالنساء لا زلن يبحثن عن الذات رغم مرور السنوات الطويلة، وحين ندخل عالم الصديقة الرابعة “نوران” نجدها عاشقة للحرية وللتمثيل في المسرح، تعيش مع أمها ويحاصرها خوف مجنون من الزمن والعمر والزواج الذي لا يأتي.
 هكذا تظل لقاءات الصديقات في كافيه بيت روز هي طرح مغاير لقضايا النساء والحب والرجال، ويبقى الاختيار الدال لاسم المسرحية هو حلم وردي مشاغب لامتلاك المعنى والوجود، ويذكر أن الأداء التمثيلي قد بعث حضورا مدهشا لحرارة الرؤى المطروحة، لنصبح أمام حالة إبداعية متميزة تدفع المتلقي إلى التفكير الواعي في ضرورة تغيير الكائن وليس مجرد تفسيره.
شارك في المسرحية الجميلات: سماح سليم، سالي سعيد، نادية حسن، وهاجر حاتم، وكان الديكور للفنانة هبة الكومي، والموسيقى لرفيق يوسف.


وفاء كمالو