وداعا الشقيقة الرقيقة فاطمة مظهر

وداعا الشقيقة الرقيقة  فاطمة مظهر

العدد 766 صدر بتاريخ 2مايو2022

الفنانة القديرة/ فاطمة مظهر والتي رحلت عن عالمنا في هدؤ شديد مساء الأربعاء الموافق 27 أبريل الحالي (عام 2022 - الموافق 26 رمضان 1443 ه)، نموذج ومثال مشرف للفنانة المثقفة. وإسمها بالكامل/ فاطمة حافظ مظهر، وهي من مواليد مدينة «القاهرة» في 2 يونيو عام 1943، وجدير بالذكر أنها الأخت الصغرى - غير الشقيقة - للفنان/ أحمد مظهر، والذي عارض بشدة خلال فترة بداياتها الفنية احترافها للفن، ولكنها نجحت بإصرارها واعتمادها على موهبتها في حفر مكانة فنية مميزة لها وبالتالي فقد وفقت أيضا في كسب ثقته بأدوارها الجيدة وسلوكياتها المحترمة مع جميع العاملين بالوسط الفني. ويذكر أنها قد بدأت ممارستها لهواية التمثيل من خلال المسرح الجامعي، حيث تخرجت في قسم اللغة الأنجليزية بكلية الآداب، ثم إلتحقت بعد حصولها على درجة الليسانس بالمعهد «العالي للفنون المسرحية» (بأكاديمية الفنون)، وحصلت على درجة البكالوريوس عام 1975 (قسم التمثيل والإخراج)، وذلك ضمن  دفعة تعد من الدفعات المتميزة، حيث ضمت عددا من الموهوبين الذين نجحوا في تحقيق النجومية والشهرة بعد ذلك ومن بينهم الفنانين: فاروق الفيشاوي، إبراهيم يسري، محمود مسعود، عماد رشاد، سامي العدل، وجدي العربي، إسماعيل محمود، نادية شكري، راوية سعيد، حمدي حافظ، يوسف رجائي، عبد الله إسماعيل، والمخرج/ محسن حلمي.
وخلال فترة دراستها بالمعهد أتيحت لها فرصة العمل ببعض العروض الاحترافية التي يقوم بإخراجها أساتذتها بالمعهد، وخاصة في مجال المسرح الذي عملت به وهي مازالت في السنة الأولى، حيث كانت أولى مشاركتها بمسرحية «بلدي يا بلدي» لفرقة مسرح الحكيم عام 1968 من إخراج/ جلال الشرقاوي، كذلك شاركت في العام التالي (1969) بأول فيلم سينمائي بالنسبة لها وهو فيلم «أسرار البنات» من إخراج/ محمود ذو الفقار، ولكن استطاعت أن تلفت النظر إلى موهبتها وتثبت تألقها الفني بدءا من بدايات سبعينيات القرن الماضي، وذلك عندما شاركت ببطولة مسرحية « العم النبيل» من إخراج/ أحمد زكي بفرقة مسرح الجيب عام 1972، وفي نفس العام بفيلم شياطين البحر من إخراج/ حسام الدين مصطفى، ويتضح مما سبق أنها تعد من مجموعة النجمات اللاتي تألقن أو كانت بدايتهن خلال فترة سبعينيات القرن الماضي ومن بينهن: ناهد شريف، نادية الجندي، نبيلة عبيد، ناهد يسري، نيللي، شمس البارودي، سهير رمزي، مديحة كامل، ميرفت أمين، نجلاء فتحي، وإن كانت قد اختارت لها أسلوبا مميزا يتسم بصفة عامة بالإلتزام الكبير في اختياره لأدوارها، وعدم الموافقة على تقديم أي تنازلات فنية، وبالتالي كان عليها أن تضحي بفرصة البطولات السينمائية المطلقة.
شاركت الفنانة/ فاطمة مظهر في عدد كبير من الأعمال السينمائية منذ حقبة السبعينات وحتى التسعينات، ربما كان أشهرها دورها في فيلم «الأحضان الدافئة» حيث جسدت شخصية صديقة البطلة التي قامت بدورها الفنانة/ زبيدة ثروت وشاركهما البطولة الفنانان/ سمير غانم وسمير صبري، وكذلك أدوارها بأفلام: بائعة الحب، الاتحاد النسائي، كما شاركت في بطولة العديد من المسلسلات التليفزيونية، ومن أهمها وأشهرها: مسلسل «القاهرة والناس» من إخراج/ محمد فاضل عام 1972، والذي شارك ببطولته كل من الفنانين: عقيلة راتب، محمد توفيق، نور الشريف، نادية رشاد، أشرف عبد الغفور، ومسلسل «أبنائي الأعزاء شكرا» من إخراج/ محمد فاضل عام 1979، والذي قام ببطولته الفنان عبد المنعم مدبولي بمشاركة نخبة من النجوم. ومن بينهم: فردوس عبد الحميد، محمود الجندي، آثار الحكيم، فاروق الفيشاوي، صلاح السعدني، يحيى الفخراني، حسن عابدين، زيزي مصطفى، وكذلك مسلسل «برج الأكابر» من إخراج/ سعيد مرزوق عام 1987، وبطولة: ليلى طاهر، حسن عابدين، رجاء حسين، تيسير فهمي، محمد العربي. 
تجدر الإشارة إلى أن الفنانة المثقفة/ فاطمة مظهر لم ترتبط وظيفيا بعد تخرجها من أكاديمية الفنون بإحدى الفرق المسرحية بمسارح الدولة، حيث تم تعيينها قبل ذلك وبمجرد حصولها على ليسانس الأداب كموجهة بالمسرح المدرسي، وهو العمل الذي عشقته وعملت به طوال مسيرتها الفنية مع بعض زملائها وفي مقدمتهم الفنانين: صلاح منصور، أحمد شوقي، سيد الملاح، وفيق فهمي. فكانت سعيدة جدا بدورها في نشر الوعي المسرحي ورفع مستوى التذوق وصقل موهبة أكبر عدد من التلاميذ. 
وبصفة عامة يمكن تصنيف مجموعة مشاركاتها الفنية طبقا لاختلاف طبيعة القنوات الفنية (المسرح، السينما، الدراما التليفزيونية، الإذاعة) مع مراعاة التسلسل التاريخي كما يلي: 
أولا – مشاركاتها المسرحية:
شاركت الفنانة/ فاطمة مظهر في بطولة عدد من المسرحيات سواء بمسارح الدولة أو بفرق القطاع الخاص، والتي يمكن تصنيفها مع مراعاة اختلاف الفرق المسرحية والتتابع التاريخي كما يلي:
1- بفرق مسارح الدولة:
-  «مسرح الحكيم»: بلدي يا بلدي (1968).
-  «مسرح الجيب»: العم النبيل (1972).
- «المسرح الحديث»: الرهائن (1982). 
- «مسرح الشباب»: جمهورية زفتى (1988).
-  «تحت 18»: نسمة سلام (1993). 
2- بفرق القطاع الخاص:
- «المسرح الجديد: نحن لا نحب الكوسة (1975). 
وتجدر الإشارة إلى تعاونها من خلال مجموعة المسرحيات السابقة مع نخبة من المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل ومن بينهم الفنانين: جلال الشرقاوي، أحمد زكي، فهمي الخولي، هاني مطاوع، فاروق زكي، حسام عطا. 
ثانيا – أفلامها السينمائية:
للأسف لم تستطع السينما الاستفادة من الموهبة المؤكدة لهذه الفنانة القديرة، ولم توفق في توظيف قدراتها الفنية وخبراتها الكبيرة، ولكنها مع ذلك نجحت منذ حقبة السبعينات وحتى التسعينات في تقديم بعض الشخصيات الدرامية المؤثرة التي أكدت موهبتها بصورة متميزة فحظيت بإعجاب الجمهور وإشادات النقاد. وتضم قائمة الأعمال السينمائية التي شاركت فيها بأداء بعض الأدوار الرئيسة فيما يقرب من عشرة أفلام فقط وهي: أسرار البنات (1969)، شياطين البحر (1972)، السلم الخلفي، أبناء للبيع (1973)، الأحضان الدافئة (1974)، بائعة الحب (1975)، المنحرفون (1976)، بص شوف سكر بتعمل إيه ؟ (1977)، الاتحاد النسائي (1984)، الأسطى المدير (1988).
ثالثا – مشاركاتها بالدراما التليفزيونية:
أتاحت الدراما التلفزيونية للفنانة/ فاطمة مظهر فرصة التألق وإثبات قدراتها الفنية في آداء مجموعة من الشخصيات المتنوعة، فشاركت بأداء عدد كبير من الأدوار الرئيسة والأدوار المساعدة بكثير من المسلسلات والتمثيليات والسهرات التلفزيونية. وكانت آخر إسهاماتها بالدراما التليفزيونية المشاركة ببطولة المسلسل التليفزيوني «الماضي يعود الآن» عام 1997، والسهرة التليفزيونية إعترافات ليلية عام 1998. هذا وتضم قائمة مشاركاتها بالدراما التليفزيونية المسلسلات التالية: نهاية القصة، قرية الرعب، متاعب مرزوق، خمسة في مصيدة، حسابي مع الأيام، فوازير ثلاثي أضواء المسرح، الفنان والهندسة، أغاني في بحر الأماني، الفتى برهان، حب وكبرياء، مغامرات رجل زي وزيك، القاهرة والناس، برج الأكابر، أم العروسة، الهاربان، ليالي الحصاد، الشاطئ المهجور، إصلاحية جبل الليمون، من أجل ولدي، أبنائي الأعزاء شكرا، بين السريات، حديقة الزوجات، ضحى، موعد مع الغائب، عطشان يا صبايا، الماضي يعود الآن، الحب الكبير، أحلام .. كو، الشباب يعود يوما، اللعب في الضائع، أهل الطريق، الطوفان، خلك معي، الطريق إلى القدس، هبة من الله، كنوز لا تضيع، الإمام محمد عبده، القضاء في الإسلام (ج2،1). وذلك بالإضافة إلى مجموعة من التمثيليات والسهرات التليفزيونية ومن بينها: وبعد الخريف، قضية بدون متهم، سلام يا أحلام، شيء من الرومانسية، زواج سعيد جدا، آنين الأشجار، العودة، المعذبون في الأرض، الخطابات الثلاثة، اللعب في الممنوع، الرهان، الحاج أحمد لا يكذب، إعترافات ليلية، 
رابعا – إسهاماتها الإذاعية:
عشقت الفنانة القديرة/ فاطمة مظهر ميكروفون الإذاعة وعشق هو أيضا صوتها المعبر وقدرتها على التمثيل باللغة العربية الفصحي بنفس قدر إجادتها للتمثيل باللهجة العامية، لذ فقد أخلصت للعمل الإذاعي وشاركت بعدد كبير جدا من المسلسلات والسهرات والبرامج الإذاعية التي يصعب حصرها. وتضم قائمة مشاركاتها بالدراما الإذاعية المسلسلات التالية: وعاد نور القمر، وكان زواجا سعيدا، واحدة بواحدة، هذا الحب هل يموت، مراتي عاقلة جدا، قلوب من دهب، فوق الجراح، قارئة الفنجان، عصافير الجبل، عصر الحب، عندما تبكي الشموع، صراع مع الحب، صفقة العمر، عبقري زمانه، سلام لحضرة الناظر، رحلة في الزمن القديم، حب في دوامة، بنات الأصول، جنون الحب، بنت من الريف، أوراق خاصة لطالبة جامعية، أيام عاصفة، أوراق ضاحكة، الوجه الآخر، أمورة، الجدران الدافئة، الشيء، أغرب القضايا، الأم والأرض، التمثال الحي، أحلام في الظهيرة، 
وبصفة عامة تميزت الفنانة/ فاطمة مظهر بملامحها المصرية الأصيلة التي تشعرك على الفور أنك أمام شقيقتك أو زميلتك بالجامعة، وبوجهها الطفولي البريء وابتسامتها الرقيقة الساحرة التي يغلفها الخجل، وبأدائها الهادئ الرقيق الذي أهلها لأداء بعض الأدوار الرومانسية، وإن لم يمنعها ذلك من تجسيد بعض الأدوار الأخرى ومن بينها بعض أدوار الشر، 
ويذكر أن شركة «ديزني» قد وقع اختيارها على الفنانة/ فاطمة مظهر لصوتها المتميز ونبرات صوتها المعبرة ووضوح مخارج ألفاظها وتمكنها في تجسيد الشخصيات الدرامية، وذلك – في إطار منافسة شديدة - لتشارك ببطولة رائعة من أعمالها الكبيرة المترجمة عن طريق الدوبلاج الى اللغة العربية لأول مرة على الإطلاق بجميع أرجاءالوطن العربي، وذلك خلال فترة منتصف سبعينيات القرن الماضي، وبالتالي يحسب لها مشاركتها  بتقديم الأداء الصوتي للأميرة الشهيرة «سنووايت».
ولكن للأسف خلال السنوات الأخيرة اختفت من الساحة الفنية، واتجهت فقط للعمل النقابي من خلال عضوية مجلس نقابة المهن التمثيلية، فكانت خير مثال للفنان النقابي المتعاون المعطاء والمتفاني بصدق لخدمة الزملاء، وهو بلا شك قدمت بذلك نموذج فريدا ومثاليا ونادرا بخلاف ذلك الذي النموذج المتكرر الذي يسعى لضمان تكرار فوزه في الانتخابات بالحرص على المشاركة في الأفراح وسرادقات المآتم مع قيامه باستغلال منصبه وتوظيف علاقاته في الحصول على فرص الترشيح بالأعمال المختلفة!!، لذا أحبها واحترمها الجميع ووفقت بالفعل في تحقيق كثير من الإنجازات على أرض الواقع باستغلال شهرتها ومحبة واحترام المسؤولين لها في تقديم المساعدات لعدد كبير من زملائها، حتى أن العمل النقابي قد شغلها في أحيان كثيرة عن مشاركاتها الفنية. 
لقد ظلت طوال مسيرتها الفنية محتفظة بروح الهواية الخاصة، وفي تصالح مع ذاتها، لذا فقد اكتفت في فترة مبكرة نسبيا من حياتها بما قدمته من أعمال (مازالت بصمتها موجودة إلى الآن). وبعد تعرضها لعدد من الأزمات الصحية فضلت في النهاية اعتزال الفن بهدوء والتفرغ لرعاية أسرتها وللعبادة، وبرغم مرور سنوات طويلة على اعتزالها (ما يقرب من خمسة وعشرين عاما) إلا أنها مع ذلك تظل جزءا غاليا من ذاكرتنا الفنية ورمزا ونموذجا مشرفا للفنانة المثقفة الملتزمة بسيرتها العطرة وأعمالها المتميزة.
وأخير لا يسعني سوى الدعاء للفنانة القديرة/ فاطمة مظهر برحمة الله ومغفرته جزاء إسهاماتها الفنية الكبيرة بمختلف القنوات الفنية، وأيضا بمجال الإدارة والقيادة والتخطيط سواء بالمسرح المدرسي أو بالعمل النقابي.


د.عمرو دوارة

esota82@yahoo.com‏