العدد 624 صدر بتاريخ 12أغسطس2019
على أحد مسارح العاصمة اللبنانية بيروت انتهت تجربة مسرحية متميزة ربما على مستوى العالم العربي بأسره وليس على مستوى لبنان فقط. التجربة عبارة عن مسرحية تدور حول الأحداث الدامية التي يشهدها البلد العربي الشقيق منذ عام 2011 والتي أسفرت حتى الآن عن مقتل أكثر من 400 ألف سوري وتشريد نحو نصف الشعب السوري داخل سوريا نفسها وخارجها. وقبل هذا وذاك أضعفت سوريا وأعادتها عشرات السنين إلى الوراء.
المسرحية ليس لها اسم معين بل أطلقت عليها الصحافة اللبنانية عدة أسماء أبرزها «سوريا». وهي مسرحية تعتمد على الأسلوب المعروف باسم مسرح الـ»ـPLAYBACK». وهذا الأسلوب - كما ذكرنا من قبل في حديثنا عن المسرح البوليفي - يعتمد على تجربة واقعية يحكيها أصحابها الحقيقيون ثم يبدأ الممثلون بعد ذلك في تجسيد المشكلة دراميا. وفي حالة هذه المسرحية احتاج الأمر إلى ورشة للكتابة والتدريب المسرحي (البروفات) استمرت أعمالها ثلاثة أشهر واستمر عرض المسرحية لثلاثة أشهر أخرى حتى أسدل الستار على عرضها الأخير.
مأساة مي
تبدأ المسرحية بفتاة اسمها «مي» تروي – وصوتها يكاد يختنق بالدموع - مأساة اختطاف أو اختفاء شقيقها إحسان عام 2013 من مدينة حمص حيث تقيم الأسرة، مما قلب حياة الأسرة رأسا على عقب، حيث لم يظهر للشقيق أي أثر منذ ذلك التاريخ. وأكدت على ضرورة إنهاء المأساة التي يعيشها الشعب السوري.
وبعد ذلك يبدأ عشرة من الممثلين السوريين (7 رجال و3 نساء) في تجسيد مأساة هذه الفتاة ومأساة سوريا كلها دراميا، وهم يرتدون ملابس سوداء. ويجسد أحدهم شخصية الشقيق الغائب وهو يقول «مهما كانت أدياننا ومهما كانت عرقياتنا.. فكلنا سوريون». وتنتهي المسرحية بدعوى إلى الحوار والمصالحة بين أبناء الشعب السوري.
وقد حققت المسرحية نجاحا كبيرا حيث حضرتها جموع غفيرة من اللبنانيين والسوريين المقيمين في لبنان والعرب الذين كانوا في زيارة للبنان. وكانت المسرحية تثير بعض الجدل المباشر بين الجماهير. ومن أمثلة ذلك ما حدث عند أداء مي لدورها في بداية المسرحية في أحد العروض عندما وقف سوري مقيم في لبنان وصرخ فيها قائلا: «ينبغي أن توجهي اللوم لحكومة بشار الأسد التي أشعلت هذه الحرب». وقال إنها مسرحية لا تستحق المشاهدة، وغادر المسرح على الفور.
محاربون
يمول هذا العرض ويتحمل نفقاته منظمة «محاربون من أجل السلام» وهي تجمع تأسس في 2014 على أيدي مجموعة من أمراء الحرب السابقين الذين شاركوا في الحرب الأهلية اللبنانية بين عامي 1975 و1990 وأودت بحياة أكثر من 150 ألف لبناني. وتهدف هذه المنظمة إلى الترويج للسلام في لبنان وبقية الدول العربية، والحيلولة دون اندلاع حرب أهلية جديدة. وتتضح أهمية ذلك مع تصاعد التوتر السياسي في لبنان ووقوع بعض أعمال العنف المحدودة بين أنصار سوريا وخصومها على الأراضى اللبنانية في الفترة الأخيرة خاصة في الشمال اللبناني. وسبق لهذه المنظمة أن مولت عددا من العروض المسرحية التي تعتمد على الأسلوب نفسه وتروج للأفكار نفسها.
ويقول «ماهر شيخ خضور» أحد الممثلين المشاركين في العرض – وهو مصمم جرافيك يقيم في سوريا منذ 2014 – إن أهم ما يميز هذا العرض أنه يتم بمشاركة ممثلين ينتمون إلى اتجاهات وعقائد وعرقيات متباينة ومن كل أنحاء سوريا، لكنهم يتفقون على حب الوطن السوري. ويؤمن على قوله ممثل آخر هو «حسن عقول» الذي أكد أن العرض أذاب الجليد بين المشاركين فيه.
ويرأس المنظمة أسعد شافتاري وهو قائد سابق في ميلشيات الكتائب المارونية اللبنانية التي ارتكبت جرائم وحشية في حق المنافسين حتى من بين الموارنة أنفسهم.
يقول شافتاري إنه يشعر بالندم ويعتذر عن دوره في الحرب الأهلية اللبنانية. وهو يسعى إلى التكفير عن خطيئته بالانخراط في الدعوى إلى السلام. ووجد فرصة مناسبة في قيادة «محاربون من أجل السلام» وفي رعاية الأعمال الفنية التي تدعو إلى المصالحة والحوار وتنبذ العنف.
«شابكة» في باريس.. بعد القاهرة
الصراع بين الخير والشر.. بطريقة مبتكرة
بعد أن أبهرت المسرحية الجمهور المغربي في عقر دارها بالمغرب ثم أبهرت جمهور القاهرة في النسخة الحادية عشرة من مهرجان المسرح العربي الذي أقيم في يناير الماضي، حان الوقت كي تبهر الجالية المغربية وكل الجاليات العربية في العاصمة باريس والمدن الرئيسية الأخرى مثل ليون ومارسيليا وبوردو. وامتد الإبهار أيضا إلى جماهير فرنسية لا تعرف اللغة العربية لكنها تدرك اللغة المسرحية الراقية التي اعتمدت عليها المسرحية التي يمكن أن يفهمها الجميع بصرف النظر عن اللغة مع ترجمة فورية إلى الفرنسية.
إنها مسرحية «شابكة» التي قدمتها فرقة أوركيد المسرحية المغربية على عدد من المسارح الكبرى في فرنسا بمناسبة موسم الصيف.
وتعتبر مسرحية «شابكة»، التي استقطبت جمهورا غفيرا لم تتسع له المسارح لدرجة افترش فيها عدد من المشاهدين الأرض، عملا إبداعيا مأخوذا عن النص المسرحي «على باب الوزير» للمؤلف المسرحي المغربي «عبد الكريم برشيد»، ورؤية إخراجية للفنان أمين ناسور وبعض المشاهد السنيمائية المساعدة لمخرج الأفلام التسجيلية المغربي طارق الربح.
صراعات
وتروي المسرحية حكاية أسرة تتقاذفها صراعات الحياة وشظف العيش ومرارة الواقع، موزعة بين إحساس بالدونية والألم والقهر وبين الحلم والسعي للخلاص. وهي تخوض صراعا بين خيار تحسين وضعها ولو على حساب المبادئ، وبين التشبث بقيم الحق والخير والجمال في مواجهة مظاهر القبح والاستغلال.
تلك هي حكاية هذه الأسرة المكونة من ثلاثة أفراد، وهم الأب، موظف متقاعد منهك من متاعب الحياة، يلتمس الخلاص من أوضاعه المزرية بكل الوسائل جسد دوره الفنان عبد الله شيشة، والأم المعلمة المتقاعدة، الفاضلة المتشبعة بقيم النضال والوفاء قامت بدورها الفنانة حنان خالدي، ثم شخصية سلطان «الابن الثوري» الذي يتغير حسب الأوضاع والمواقف، جسد الدور الفنان نبيل البوستاوي.
ويلعب الراديو دورا مهما في المسرحية حيث يظهر جهاز راديو يجسد دوره صوتيا الممثل عادل إدريسي، وكان ذلك من خلال تعليق على الأحداث يتسم غالبا بالسذاجة والضحالة.
وعبر هذه العوالم المتصارعة تدعمها التعبيرات والحركة والغناء والرقص بعمق غارق بالكوميديا وتوابعها الساخرة، في وقت تولت الفرقة الموسيقية الجوالة دورا محوريا في ترابط الأحداث وتطورها بشكل درامي، حيث امتزجت لغات الغناء والعزف والصوت وقربت كل العوالم المتنافرة بأنفاس ساخرة، من خلال الثلاثي الموسيقي عبد الكريم شبوبة وأنس عاذري وهند نياغو.
إشادة
وسبق أن أشاد الناقد المسرحي المصري محمد أبو العلا، في تصريح صحفي، بهذا العمل المسرحي إخراجا، والمشاهد السنيمائية التي تخللت العرض وأداء الممثلين المغاربة، مما أهله إلى المشاركة العربية. وقال أبو العلا إنه إذا كان فريق «رجاء بني ملال» يمثل المدينة رياضيا، فإن فرقة «أوركيد» هي الوجه الثقافي والمسرحي لها.
واعتبر أن هذا العمل المسرحي «الذي حظي باحتفاء نقدي وجماهيري واسع» شكل سيمفونية منسجمة «تجسيد الصراع بين قوى الخير والشر وترتبط بقضايا الأمة، وتعبر عن أحلامها في التغيير.. وكان المغرب شارك في الدورة الـ11 لمهرجان المسرح العربي بالقاهرة بثلاثة عروض، هي إضافة إلى مسرحية «شابكة» لمسرح «أوركيد»، وهي «عبث» لمسرح «بصمات الفن»، و«صباح ومسا» لفرقة «دوز تمسرح».