العدد 573 صدر بتاريخ 20أغسطس2018
تنتمي الفنانة بديعة مصابني إلى الجيل الأول للفنانات الشوام اللاتي احترفن التمثيل بمصر، فهي من أوائل الفنانات اللاتي عملن بالتمثيل خلال النصف الأول من القرن العشرين (والمقصود بالتحديد هو التمثيل بالمسرح بوصفه القناة الفنية الوحيدة المتاحة قبل ظهور السينما والإذاعة والدراما التلفزيونية)، ولم يسبقها بالتمثيل سوى مجموعة صغيرة من الفنانات الشوام (من بينهن: ملكة سرور، هيلانة بيطار، مريم سماط، ميليا ديان، وردة ميلان، ماري صوفان، أبريز أستاتي، ألمظ أستاتي، فاطمة اليوسف)،
وأيضا مجموعة من المصريات اليهوديات (ومن بينهن: أديل ليفي، صالحة وجراسيا قاصين، استر شطاح، نظلة مزراحي، سرينا إبراهيم، هنريت كوهين، فيكتوريا كوهين، فيكتوريا موسى)، بالإضافة إلى عدد قليل جدا من الفنانات المصريات وفي مقدمتهن: لطيفة عبد الله، منيرة المهدية.
وتعد الفنانة اللبنانية بديعة مصابني - بالمصطلحات الحديثة - فنانة شاملة فهي ممثلة ومطربة وراقصة جمعت بين وسامة الوجه وجمال الملامح ورشاقة وفتنة القوام وعذوبة الصوت وجوة الأداء. وقصة حياتها الشخصية قصة مثيرة أشبه بقصص الروايات والأفلام العربية، فقد ولدت في دمشق وبالتحديد بمدينة حلب لأب لبناني وأم سورية في 12 نوفمبر 1892 (ذكرت بعض المراجع أن تاريخ ميلادها هو 25 فبراير)، وأسمها الحقيقي “وديعة” ولكنها جمعت منذ طفولتها بين الرقة والجمال اللبناني وبين السحر السوري مما جعل الجميع يطلق عليها لقب “بديعة” بدلا من “وديعة”، ولم يكن اسم “مصابني” سوى لقب اكتسبه أفراد أسرتها بسبب عملهم في أحد مصانع الصابون (مصبنة) بمدينة “دمشق”، وكانت عائلتها ميسورة الحال حيث امتلك والدها مصنعا للصابون ولكن الحال لم يدم كذلك طويلا، إذ احترق المصنع وتوفي والدها حزنا عليه وفي ليلة العزاء سرقت مجوهرات والدتها فأصبحت العائلة تعيش مأساة حقيقية بلا سند مادي أو معنوي، ولكن المأساة الأكبر بالنسبة لبديعة تمثلت في تعرضها لحادث اغتصاب وهي في السابعة من عمرها على يد صاحب الخمارة التي يعمل بها أخوها الأكبر توفيق، خاصة بعدما أصرت والدتها على مقاضاة صاحب الخمارة المجرم لتتحول تلك الواقعة إلى فضيحة - في نظر المجتمع الشرقي المحافظ - وذلك رغم أن القضاء أنصفها وحكم على المغتصب بالسجن لمدة عام واحد وغرامة مائتي ليرة ذهبية، ولم تستطع الأسرة بعد تلك الحادثة البقاء في سوريا طويلا فقرروا رهن المنزل وتدبير تكاليف السفر بالباخرة والهجرة إلى أمريكا الجنوبية هربا من ألسنة الناس التي لا ترحم، وبالفعل هاجرت مع كل من والدتها (جميلة الشاغوري) وأختها الكبيرة “نظلة” (التي تزوجت من ميخائيل جرجس الذي يكبرها بثمانية وثلاثين عاما) إلى أمريكا الجنوبية، وهناك التحقت “بديعة” بمدرسة داخلية تعلمت فيها اللغة الأسبانية كما تعلمت أصول فنون التمثيل والغناء بعدما اكتشفت الراهبات موهبتها في الغناء والتمثيل والرقص.
وبعد عدة سنوات وتحديدا عام 1910 قررت بديعة - وهي ابنة التاسعة عشر عاما - التخلص من حياة الفقر بأي وسيلة وتذكرت كيف كانت فرحتها ونشوتها عندما يصفق لها أولياء أمور زملائها عند وقوفها على خشبة مسرح مدرسة الراهبات في أمريكا اللاتينية فقررت الهجرة مع والدتها إلى “القاهرة” عاصمة الفن والأدب. قدمت إلى مصر في عام 1910 وكان أسمها الفني “فيرونا” بهدف تعلم مهارات الرقص الشرقي، وعملت في صالة “نزهة النفوس” بالأزبكية التي كانت مطربتها الأولى منيرة المهدية. وبمصر علمت أن بلدياتها الفنان الكبير جورج أبيض الذي جذبه حب المسرح كون فرقة مسرحية بعد عودته من البعثة في باريس، فذهبت إليه وبالفعل ضمها إلى فرقته عام 1912، وقدمت معه بعض الأدوار الثانوية، كما شاركت بالغناء في مسرحية “المركيز دى بيريولا (1918)، ثم التحقت بفرقة الشيخ أحمد الشامي الذي أعدها لأداء أدوار البطولة، ولكنها قررت أثناء الحرب العالمية الأولى العودة إلى “الشام” والإستمرار في ممارسة الغناء والرقص، وفي بيروت التقى بها الفنان نجيب الريحاني عام 1921 ودعاها للعمل بفرقته، وبالفعل قدمت لمصر مرة أخرى واستقرت بها وشاركت مع فرقة “الريحاني” بعروض “كشكش بك”، ثم توجا تعاونهما الفني بالزواج عام 1922، وتعهدها “الريحاني” بالتدريب على البطولات الغنائية، كما ساعدها على التخلص من اللكنة الشامية، وشاركته في بطولة عدة مسرحيات من بينها: ريا وسكينة (1921)، ومراتى فى الجهادية (1926)، وكذلك في بطولة عدة مسرحيات غنائية وأوبريتات، كما صحبته في رحلته الفنية لأمريكا الجنوبية (1924 - 1925)، وبعدها دب الشقاق بينهما وظلا منفصلين - دون طلاق - حتى وفاته عام 1949.
بعد الطلاق عام 1925 عملت “بديعة مصابني” كممثلة إستعراضية فى المسرح والسينما، وقررت عدم العودة للتمثيل فقط، وافتتحت صالة “ميوزيكهول” تغني وترقص فيها بشارع “عماد الدين” بالقاهرة عام 1926 بإسم “كازينو بديعة”، وهي الصالة التي تخرج فيها ألمع نجوم الاستعراض فى مصر والعالم العربى من بينهن: تحية كاريوكا، ببا عز الدين وأختها شوشو عز الدين، حكمت فهمى، وسامية جمال، ببا إبراهيم، هاجر حمدي، زوزو محمد، صفية حلمي، كيتي وغيرهن وكذلك مجموعة من المطربين من بينهم: أسمهان وفريد الأطرش، محمد فوزي، إبراهيم حمودة، محمد عبد المطلب، أحمد عبد القادر، محمد الكحلاوي، كما قامت بتكوين فرقة غنائية راقصة ضمت أشهر مطربي ذلك الزمن ومن بينهم: فاطمة سري (وكانت تقدم أغنية: “رنة خلخالى يا امه”)، نجاة على والشيخ سيد الصفتي، مطربة القطرين فتحية أحمد وماري جبران كما ضمت الفرقة العديد من الراقصات، وبمجرد أن بدأت الفرقة إحياء ليالى عماد الدين بدأ جميع النجوم يتهافتون للعمل بصالتها. ولأنها طموحة فقد شيدت صالة أخرى علي أحدث طراز آنذاك في ميدان “الأوبرا” (إبراهيم باشا سابقا)، وكانت تطل علي دار الأوبرا المصرية، وذلك لإحياء مواسمها الفنية الشتوية، بينما كانت تحيي المواسم الصيفية بكازينو بديعة بالجيزة (بعد كوبري الجلاء مباشرة). وفي هذا الصالة الحديثة قامت بعمل أول “مسرح دائري”، يسمح لجميع المتفرجين الجالسين في القاعة مشاهدة كل تفاصيل ما يدور على خشبته. وفي عام 1929 إبتدعت رقصة شرقية خاصة بها وعرفت بإسمها، كما قامت بتطوير العمل بصالتها فأدخلت فقرات لفن المونولوج والديالوج، وقدمت من خلالها الفنان الناشئ آنذاك إسماعيل يس، وسيد سليمان والثنائي حسين المليجي وزوجته نعمات، كما استعانت أيضا بفرقة راقصات أجنبيات (فرقة مزاي) إلى جانب فقرات الرقص الشرقي. وأهم تطوير قدمته ببرنامج الصالة هو تضمين الفقرات للفودفيلات والإسكتشات.
اقتصرت منذ عام 1940 على تقديم الإستعراضات والإسكتشات الضخمة فقط، تلك التي كانت تجمع بين الأغنية والرقص والمونولوج والفكاهة ولوحات الباليه والرقص الشعبي، واستعانت بمجموعة من كتاب الهزليات وفي مقدمتهم الأساتذة: أمين صدقي، بديع خيري، أبو السعود الإبياري، وبمجموعة من ممثلي الكوميديا من أمثال الفنانين: عبد الفتاح القصري، محمد كمال السعدي، بشارة واكيم، ألفريد حداد، حسين حداد، عبد الحليم القلعاوي، عبد النبي محمد، إسماعيل يس، محمود شكوكو، ثريا حلمي، زينات صدقي وغيرهم. وأسندت إلى فريق من الموسيقيين تلحين البرامج الفنية ومن بينهم الملحنين: عزت الجاهلي، فريد غصن، جميل عزت، محمد الشريف، على فراج، أحمد الشربيني. وذلك مع اهتمامها الكبير بالإطار الجمالي للعروض حتى أنها كانت تستعين بمصممين أجانب لتصميم الإستعراضات.
ويذكر أنها قامت بإستغلال أحداث الحرب العالمية الثانية في تقديم إستعراضات عن الأحداث والمعارك العسكرية ومن بينها: مراسلتنا في روسيا، معركة البولشفيك، معركة سيدي براني، سقوط طبرق، فرارهيس من ألمانيا إلى أسكتلندا، وتذكر بعض المراجع أنها كانت تقدم تلك الإستعراضات بإيحاء من السلطات البريطانية حتى أن إذاعات المحور قامت بتهديدها أثناء حرب الصحراء الغربية عام 1942، لدرجة أنها قامت بتهريب أموالها لخارج البلاد في طائرة خاصة عندما علمت بأن السفارة البريطانية تحرق أوراقها إستعدادا لمغادرة البلاد إذا وصل “روميل” الأسكندرية، ولكن مع حسم معركة “العلمين” لصالح الإنجليز عادت “بديعة” إلى ممارسة أنشطتها الفنية بصورة طبيعية.
ظلت بديعة مصابني تتزعم المسرح الاستعراضي نحو ثلاثين عاما، استطاعت خلالها أن تجمع ثروة طائلة، ولكنها اضطرت عام 1949 إلى مغادرة “مصر” بعدما طالبتها مصلحة الضرائب بضرورة سداد الضرائب المتراكمة على مكاسبها طوال فترة عملها بمصر وبدأت تهددها بالحجز والبيع، فقررت حينئذ الهروب بممتلكاتها إلى بلدها “لبنان” فباعت كازينو الأوبرا إلى تلميذتها ببا عز الدين بمبلغ عشرين ألف جنيه، ثم تخفت في ملابس راهبة في مستشفى واستقلت طائرة من ميناء “روض الفرج الجوي” - قبل إلغائه - بمساعدة صديقها الإنجليزي الذي اصطحبها بطائرته الخاصة. وعند استقرارها ببيروت قررت إعتزال الفن نهائيا وأفتتحت معملا ومحلا للألبان ومنتجاته في مدينة “شتورة”، وظلت تديره لمدة أربعة وعشرين عاما إلى أن رحلت عن عالمنا في 23 يوليو 1974 عن عمر يناهز الثانية والثمانين عاما.
ويمكن تصنيف مجموعة أعمالها الفنية طبقا لاختلاف القنوات المختلفة (مسرح، سينما) مع مراعاة التتابع التاريخي كما يلي:
أولا - الأعمال المسرحية:
ظل المسرح هو المجال المحبب للفنانة بديعة مصابني، فقد تفجرت هوايتها لفن التمثيل به، كما أثبتت وأكدت موهبتها ونجوميتها من خلاله بعدما تعلمت أصول التمثيل بفضل أساتذته (جورج أبيض، أحمد الشامي، عزيز عيد، نجيب الريحاني)، ومن خلاله أيضا شاركت في تجسيد بعض الشخصيات الدرامية المهمة، حتى أصبحت نجمة متوجة، خاصة خلال فترة تألقها المسرحي بفرقة “الريحاني”، والتي شاركت خلالها في تجسيد أدوار البطولة بعدد من المسرحيات والأوبريتات من أهمها تجسيدها لشخصيات: شمعة العز في أوبريت “الليالي الملاح”، ابنة الخليفة في أوبريت “الشاطر حسن”، عيوشة في أوبريت “البرنسيس”، زوجة مدرس الموسيقى في مسرحية “مجلس الأنس”. هذا وتضم مجموعة أعمالها المسرحية طبقا لاختلاف الفرق مع مراعاة التتابع التاريخي المسرحيات بالفرق التالية:
- “أحمد الشامي”: شهداء الغرام (1913).
- “جورج أبيض”: المركيز دي بيريولا (1918).
- “الريحاني”: دقة المعلم، ريا وسكينة (1921)، البرنسيس، الشاطر حسن، الليالي الملاح (1923)، الفلوس، أيام العز، كشكش بك في الجيش، لو كنت ملك، مجلس الأنس (1924)، بنت الشهبندر، قنصل الوز (1925)، مراتي في الجهادية (1926)، إبقى إغمزني، ياسمينة (1928)، أنا وأنت، مصر في 1929، علشان سواد عينيها (1929).
- “كازينو بديعة”: لهيب الحب (1929)، إللي فات قديمه، أولاد الرعاع (1931)، مائتي جنيه، اللص الشريف، صاحبنا الثاني (1932)، اسم الله عليه، البريد المستعجل، البريمو، السرايا الصفرا، الغيرة مرة، أبوس رجلك، أما ورطة، أوعى تتكلم، بختك رزقك، جوز الإتنين، خليك بدالي، خير إن شاء الله، سلامات، عامل لي فالح، عريس الغفلة، عصبة الأمم الشرقية، كتب كتاب الهنا، مانتش قدي، وطواط، وليم كركورة، يا كتاكيتها (1933)، ابن النيل وابن سوريا، المسامح كريم، إكسبريس طنطا، إحم إحم، بسلامته راسي، بلاد الثلج، جوازة بالمحضر، دايما ورايا، رأس السنة، عرايس النيل، قلنا كده، لوكاندة الكبيبة (1934)، الباحثين عن الذهب، الدنيا بتلف، إيه الحكاية؟، بتنجان الفن، حرامي بالأجرة، حمد الله على السلامة، دار بديعة، رقصة الزيبق، ليالي بغداد (1935)، حجوج ومجوج، كف التمساح، قيصر وكليوباترة، فاميليا محترمة، غليوم وكليوباترة، عش الغرام، صندوق الدنيا، شاي بالصودا، دنيا تجنن، سكرة يني (1936)، هو وهي، نينتي وخالتي، مطلوب روميو، ليلة مدهشة، فرع طنطا، على الطريقة الأمريكانية، عروسة بالمزاد، المقرمش، أصحاب الفيلا، بابا، بتحب مين؟، تحفة، حانوتي الأنس، حنطور أفندي، صندوق العجائب، عربات النوم، الجبة المسحورة، الأستاذ حمص (1937)، يا أنا يا هو، ممنوع البصبصة، مقاول عمارات، عيادة داخلية، شنطة الهانم، شارع اللطافة، سكر وعربدة، جواز غلط، جوابات غرامية، جراح الحب، بنسيون محترم، بشرة خير، الغيرة نار، الدور الثالث، الحب التلاميذي (1938)، نبيه جدا، على قد لحافك، عريس بروشتة، خدامة البيه، جواز بالجملة، بيت مجانين، بقال وعيادة، باريس في مصر، النجمة السينمائية، السكرتير الخاص (1939)، سكان محترمين، شباك الهوى، كباريه جهنم والسيرك العالمي، شباك الهوى، سكان محترمين، بنطلون رومية، بطيخة حا تتجوز، إللي ما يرضى بالخوخ، الفرسان الأربعة، الصيت ولا الغنى، الأول والثاني (1940)، لازم نضحك، درس في التاريخ، حاجات تجنن، جواز باليومية (1941)، ليلة الدخلة (1942)، الهوانم ضد الرجالة (1943)، بابا نويل (1945)، هنا برودواي، ليلة في الغابة، بساط الريح (1946)، مؤتمر الشياطين، مشاكل الحب، ليلة مافيش منها، ليلة في الأرجنتين، قصر الحور، عودة الروح، علي بابا، عطيل المصرية، عصافير الجنة، حانة مرسيليا، الجامعة العربية (1947)، هواش بكاش نتاش، مدرسة الرقص، أعياد الغابات، (1948).
وجدير بالذكر أنها ومن خلال مجموعة المسرحيات التي شاركت في بطولتها قد تعاونت مع نخبة من المخرجين الذين يمثلون أكثر من مدرسة فنية ومن بينهم الأساتذة: أحمد الشامي، نجيب الريحاني، عزيز عيد، بشارة واكيم، مفيستو، إدوارد فارس.
ثانيا - أعمالها السينمائية:
شاركت الفنانة بديعة مصابني في إثراء مسيرة الفن المصري بالمشاركة في بطولة سبعة أفلام فقط، وكانت أولى مشاركتها - وهي في عمر الثالثة والأربعين تقريبا - بفيلم “ابن الشعب” من إخراج موريس أبتكمان، وشاركها البطولة كل من الفنانين سراج منير، ميمي شكيب، بشارة واكيم، ماري منيب، وحسن البارودي، ثم كان فيلمها الأخير بعد أربعة عشر عاما وهو “أحب الرقص” من إخراج حسن حلمي، وهو الفيلم الذي جمع في بطولته كل من الفنانات بديعة مصابني وببا عز الدين وتحية كاريوكا وسامية جمال. وتضم قائمة أعمالها السينمائية الأفلام التالية: ابن الشعب (1934)، ملكة المسارح (1936)، الحل الأخير (1937)، ليالي القاهرة (1939)، فتاة متمردة (1940)، أم السعد (1946). ولكن عدم نجاح أغلب أفلامها جعلها تفضل الإبتعاد عن الشاشة الفضية.
ويذكر أنها قد تعاونت من خلال مجموعة الأفلام السابقة من نخبة متميزة من كبار مخرجي ورواد السينما العربية وفي مقدمتهم الأساتذة: موريس أبتكمان، ماريو فولبي، عبد الفتاح حسن، إبراهيم لاما، أحمد جلال، حسن حلمي.
والجدير بالذكر أن الفنانة بديعة مصابني كانت إدارية من الطراز الأول وتتمتع بقوة الشخصية والصرامة، وقد شكلت خلال فترة عملها جزءا من تاريخ مصر الفني، كما لعبت دورا مؤثرا في الحياة السياسية والاجتماعية، مما منحها سطوة وسلطانا - يفتقده الكثير من الرجال - وسهل مهمتها في السيطرة على بعض رجال السياسة والحكم وقيادات الاحتلال الإنجليزي آنذاك الذين كانوا زبائن دائمين في صالاتها، وبالتالي على جميع صعاليك وفتوات شارع “عماد الدين”، ومما يذكر أن “بديعة” بالرغم من علاقتها وصلاتها القوية برجال الإحتلال الإنجليزي كانت لديها الجرأة على تقديم بعض الأعمال الوطنية ضد الإحتلال.
ويتضح مما سبق أن الفنانة القديرة بديعة مصابني لم تنجح فقط في تحقيق شهرة طاغية خلال مشوارها الفني الحافل، وفي التربع على عرش الرقص الشرقي لأكثر من ربع قرن (حظيت خلالها بالعديد من الألقاب ومن بينها “الراقصة الأولى بمصر والشرق الأوسط”، “ملكة الشيشة والنرجيلة”، و”ملكة الملاهي الليلية “وغيرها) بل وأيضا نجحت في تحقيق مساهمة مهمة وفعالة في إثراء حركة الفن المصري بإكتشاف وتدريب كثير من المواهب الجديدة حتى وصل الأمر ببعض الصحفيين والنقاد إلى المبالغة بإعتبارها “ناظرة مدرسة الفن” و”صاحبة أول أكاديمية فنية”، وذلك نظرا لأن صالتها قد شهدت خلال مسيرتها - الطويلة نسبيا - صنع نجومية عدد كبير من الراقصات اللاتي تخرجن في مدرستها للرقص وحققن انتشارا فنيا كبيرا بعد ذلك، كما شهدت البدايات الفنية الحقيقية لعدد كبير من النجوم الذين أصبحوا بعد ذلك من أصحاب الأسماء اللامعة، الذين شكلوا بأعمالهم تراثا مسرحيا وسينمائيا وغنائيا مازال صداه يتردد حتى الآن.