الممثل المسرحي المصري والتوثيق

الممثل المسرحي المصري والتوثيق

العدد 832 صدر بتاريخ 7أغسطس2023

لدي يقين أن إصدارات أي فعالية ثقافية هي العنصر الأهم بين كل عناصر هذه الفاعلية، لما لها من أهمية كبرى في عملية التوثيق الفاعلية، فهي المرجع لكل دارس أو باحث، لما تضمه من معلومات ودراسات مهمة، خاصة الكتب الورقية التي لم ولن تفقد أهميتها على مر الزمان على الرغم من انتشار الكتب الإليكترونية فمازال الكتاب الورقي لها مكانة خاصة لدى الكثيرين.
ومن الإيجابيات التي تحسب للمهرجان القومي للمسرح في دورته السادسة عشر هو إصداره لمجموعة متميزة من الكتب ما بين دليل المهرجان وكتاب الأبحاث وكتب المكرمين، ولا شك أن هذه الكتب ذات أهمية كبرى لما تحمله من معلومات ودراسات وسير ذاتية لمجموعة متميزة من الفنانين الذين استحقوا لهذا التكريم، ولعل أهمها بالنسبة لي هو كتاب الأبحاث الذي للمرة الأولى يصدر قبيل المهرجان مما يجعل المتابعين لهذه الفاعلية المهمة قراءة الأبحاث قبل انعقاد الجلسات ليتمكنوا من المتابعة بشكل أفضل ومن إعداد الأسئلة أو المداخلات مما يثري الجلسات ويحقق المشاركة الفاعلة من جانب الحضور.

أعد الكتاب وقد له وشارك بدراسة أيضا د. عمرو دوارة  الذي أكد من خلال المقدمة أننا حينما نحاول توثيق جميع الإنجازات المسرحية السابقة فإننا لا نهدف فقط إلى تخليد ذكرى كبار الفنانين الذين بذلوا كل الجهد في سبيل ترسيخ أسس هذا الفن الرائع، أو تقديم سيرتهم كقدوة للأجيال التالية فقط، ولكننا نستهدف أيضا بالدرجة الأولى الاستفادة من جميع الخبرات السابقة، وعقد المقارنات مع الحاضر للتطلع إلى آفاق المستقبل، خاصة وأن الفن المسرحي جزء هام وفعال ومؤثر في المنظومة الفنية والثقافية، والتي بدورها تتكامل مع كل من المنظومات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لترسم لنا صورة متكاملة عن كل فترة من الفترات التاريخية، وبالتالي يمكننا إيجاز ما سبق في عبارة مختصرة وهي: أننا نوثق الجهود ولإسهامات السابقة لتتكامل مع الإسهامات الحالية ونستفيد بمقارنتها بالحاضر التطلع لأفاق المستقبل ورسم الخطط الاستراتيجية. 
واستعرض الجهود التي بذلت للتوثيق المسرحي الموسوعي على مستوى العالم منذ القرن السابع عشر حتى اليوم مما يوضح مدى اهتمام العالم كله بمثل هذه الموسوعات في العصر الحديث، كما تناول تجربته لإعداد «موسوعة المسرح المصري المصورة»، والتي أشاد بها والحمد لله عدد كبير من الباحثين في أبحاثهم. وأنه قد حاول من خلال هذه الموسوعة استكمال أجزاء الصورة المبعثرة، خاصة بعدما حاول من خلالها الإجابة على كثير من الاستفسارات وخاصة تلك المرتبطة ببدايات الحركة المسرحية في مصر، وكيفية انطلاق الشرارة الأولى، وكيفية تشكل الظاهرة المسرحية ونجاحها في استقطاب الجمهور بمختلف فئاته، وكيفية التعبير عنه بتقديم عروض تعبر عن واقعه الاجتماعي والثقافي والسياسي، وذلك بفضل جهود عدد كبير من المبدعين بمختلف المفردات المسرحية، وأشار إلى الصعاب والمعوقات التي صادفته أثناء محاولاته للتوثيق بمراحله المختلفة (جمع البيانات والصور وتصنيفها وتحليلها وتوثيقها) وهي: غياب المراكز البحثية المتخصصة، وندرة المعلومات والوثائق خاصة مع غياب الدوريات المسرحية المتخصصة، وهذا بالإضافة إلى عدم تعاون المؤسسات الصحفية مع الباحثين والتعامل معهم بشكل تجاري !! ، وذلك أيضا بخلاف وجود كم كبير من المغالطات الفنية والتاريخية بمذكرات بعض كبار الفنانين، وذلك سواء عن عمد لتعظيم دورهم أو كنتيجة طبيعية لضعف الذاكرة الشخصية بفترات الشيخوخة أثناء كتابتهم لمذكراتهم. 
الكتاب يتناول التوثيق المسرحي للممثل من خلال محورين ضما مجموعة من الأبحاث المتميزة، المحور الأول بعنوان (الممثل المصري والتوثيق/ السيرة الذاتية، التراجم، الدراسات النقدية)، وشارك فيه: الكاتب الراحل محمد أبو العلا السلاموني بدراسة بعنوان: «ميتافيزيقا التمثيل في تراثنا الثقافي» وهو عبارة عن رحلة غاص فيها السلاموني عبر التاريخ باحثًا عن أسباب عجز الثقافة العربية عن فهم واستيعاب فن المسرح وظاهرة التمثيل وأداء الممثل والمحاكاة. وبالرغم أيضا أن تراث الفكر والفلسفة والعلوم الإغريقية كانت مفهومة تماما لدى العلماء والحكماء والفلاسفة العرب، وعبر هذه الرحلة استعرض تفاصيل كثيرة تخص هذه القضية وتوصل إلى عدد من النتائج المهمة ومنها: عدم تقبل النخبة المثقفة في تراثنا لمهنة الممثل والتمثيل واعتبرتها من باب التقمص والسحر الشرير أو اللعنات أو الكفر أو من أفاعيل الجان والشياطين والعالم المجهول، بالإضافة إلى هذا الجانب السلبي الذي رأته النخبة المثقفة لدينا أفعالا شريرة نحو ما لأنه يمس مصدرها التقمص والتمثيل والمحاكاة، فقد رأت أيضا أن في هذه الأفعال جانبا مقدسًا لكن لا يجب المساس به ولا ينبغي محاكاته أو التشبه به أو تقمصه أو تمثيله على أي نحو ما لأنه يمس العقيدة التي يجب احترامها وتبجيلها والنأي بها، وهي تقصد بذلك تشخيص أو تقمص أو محاكاة الإله أو الأنبياء أو الصحابة أو الملائكة، وبمناقشة هذا الرأي سوف نجد مفارقة مدهشة وعجيبة، وهو أن العقيدة نفسها هي من تناولت هذه الظاهرة بصورة طبيعية لا تقديس فيها ولا تحريم ولا تجريم ولا مؤاخذة، وعلى سبيل المثال تذكر الأحاديث بل والقرآن أن «جبريل» كان يظهر للنبي (ص) وقد تقمص صورة بشر حين جاء في صورة أعرابي شديد البياض في مجلس الصحابة يسأل والرسول (ص) يجيب كأنه حوار مسرحي وحين سأله الصحابة قال لهم: «هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم»، وهذا يعني أن حالات التقمص والتمثيل والمحاكاة ليست حراما بل هي وسيلة للتعلم والمعرفة كما في هذا الموقف. ويتضح ذلك أيضا كما ورد في قصة حصار النبي (ص) لبني قريظة حين مر على مجلس وسألهم: «هل مر بكم من أحد؟»  فقالوا: مر علينا دحية الكلبي على بغلة شهباء تحته قطيفة ديباج ، فقال النبي (ص): «ليس هذا بدحية الكلبي ولكنه «جبريل» أُرسل إلى بني قريظة ليزلزلهم ويقذف في قلوبهم الرعب». وكان أبو دحية الكلبي هذا رجلا جميلا تزوج درة بنت أبي لهب بنت عم النبي (ص)، فليس هناك ما حرمته العقيدة في أن يتقمص «جبريل» صورة هذا الرجل الجميل، أيضا في سورة «مريم» حين ظهر «جبريل» وتمثل لها بشرا سويًا يهبها غلاما زكيا، كما أنه يذكر أن الملائكة جاءت إبراهيم ولوطا في صورة بشر، وفي قصة «داود» جاءه ملكان يتقمصان صورة الراعي الذي ينازعه أخوه ليأخذ نعجته الوحيدة مع أن لديه تسع وتسعون نعجة إشارة إلى ما حدث من «داود» الذي أراد أن يتخلص من أحد جنوده فيرسله إلى الحرب حتى يحصل على زوجته الوحيدة، بينما لديه تسع وتسعون زوجة. هذه حالة من حالات التمثيل والمحاكاة أراد الله بها أن يتعلم منها «داود»، وهذا هو نفس الهدف الذي ذكره أرسطو في كتابه «فن الشعر». قس على ذلك الكثير من الأمثلة الدينية في القرآن والأحاديث التي اعتمدت على ظاهرة التمثيل والمحاكاة والتقمص دون تحذير أو تحريم أو ما شابه.
المخرج المسرحي ناصر العزبي قدم دراسة بعنوان: (التوثيق المسرحي وتنوع روافده/ الممثل أحد مصادره الهامة)، وقد من خلاله تعريفات متعددة للتوثيق منها: ما جاء في الموسوعة الحرة ويكيبيديا بأنه: (علم من علوم التاريخ لحفظ المعلومات وتنسيقها وتبويبها وترتيبها وإعدادها لجعلها مادة أولية للبحث والفائدة، وهو علم مهم لحفظ النتاج الإبداعي الإنساني من أحداث تاريخية ومعلومات علمية لنقلها من الماضي إلى الحاضر ثم إلى المستقبل وإلى الأشخاص الذين يمكنهم الاستفادة منها، وينطبق هذا على التناقل الشفهي للمعلومات والمعارف والمهارات)، وهو – كمصطلح - شاع استخدامه كعملية لتوفير الأدلة، واشتقت منه كلمة «وثيقة»، ويسمى المهنيين في هذا المجال «الموثقين»، ويطلق على المشتغل به «موَّثِق»، وأما حصيلة التوثيق فتُعرَّف بأنها (مجموعة وثائق تتضمن مواد مرجعية يتم تجميعها لأغراض محددة)، وأما التوثيق كممارسة فهو: كافة الإجراءات الفنية والمتخصصة التي تسهل عملية توفير وتنظيم واستخدام المعلومات بأوعيتها وأشكالها المختلفة، ثم قسم الوثائق إلى:المكتوبة (مخطوطات، مطبوعات، صحف، تقارير، بيانات، مذكرات، كتب، كتيبات)، والمصورة: (رسوم، نقوش، صور شمسية او ضوئية أو سينمائية أو تلفزيونية، والمسموعة: ( تسجيلات صوتية أو إذاعية أو اسطوانية)، والمسموعة المرئية (شريط سينمائية أو تسجيل فيديو). وفي التوثيق للمسرح يجتهد الباحثون في التسجيل والتوثيق «للحاضر» والتنقيب والجمع للمادة التوثيقية «للماضي» وذلك عبر كثير من المصادر المختلفة كروافد للمعلومات والوثائق على كافة صورها وأشكالها، بين المكتوبة (الكتب والكتيبات والمقالات النقدية والدراسات والأبحاث الأكاديمية، والصحف والمجلات)، أو التسجيلات عن مؤسسات رسمية أو مؤسسات مجتمع مدني ( الصوتية أو الصوتية المصورة)، أو النقل الشفاهي عبر المصادر البشرية باللقاءات المباشرة نقلاً عن الأفراد – من أهل الثقة - ممن شاركوا في الأعمال الفنية والأحداث أو عايشوها - كشاهد عيان – ( صاحب فرقة أو رجل مسرح أو مخرج أو ممثل، أو فني) وياتي التوثيق للمسرح عبر الممثل من خلال تتبع مسيرته، أو رصد سيرته الذاتية، أو شهادة على لسانه بقلمه تسجل مسيرته 
وقدمت د. وفاء كمالو دراسة بعنوان: (إسهامات الممثل بين السيرة الذاتية والتراجم) وقد تناولت فيها مشكلة نقص المعلومات المتعلقة بتجارب الممثلين وذلك على الرغم من جهود مجموعة من الباحثين والمؤرخين منهم: محمد تيمور، فؤاد رشيد، د. محمد يوسف نجم، د. يوسف داغر، د. رمسيس عوض، د. علي الراعي، فؤاد دوارة، سمير عوض، محمد الفيل، د. سيد علي إسماعيل، د. نجوى عانوس، د. نبيل بهجت، كما تناولت الدور الكبير الذي قام به دكتور عمرو دوارة (المؤرخ والباحث والناقد والمخرج الكبير) في إعداد وتوثيق «موسوعة المسرح المصري المصورة» - والتي استغرق إعدادها أكثر من سبعة وعشرين عاما - لجمع وتوثيق كل عروض المسرح المصري الحديث منذ بداياته عام 1870 وحتى الآن، لنصبح أمام موسوعة رفيعة المستوى تضمنت ما يزيد عن سبعة آلاف عرض تم توثيق بياناتها بأسلوب علمي دقيق، يشتمل على اسم المسرحية والفرقة المنتجة، وتاريخ الإنتاج، وأسماء جميع الفنانين المشاركين في تقديمها (حيث تتضمن أسماء كل من: المؤلف، المخرج، مصمم الديكور، المؤلف الموسيقي، وكل مجموعة الممثلين)، فهي إنجازا متميزا يرتكز على المنهج العلمي في البحث، وهي الأولى من نوعها في مصر والوطن العربي، من حيث الفترة الزمنية الطويلة التي تغطيها حيث تزيد عن مائة وخمسين عاما، كما أنها غير مسبوقة عالميا باعتبارها موسوعة مسرحية مصورة، وهذا ما لم يحدث من قبل، حيث تقتصر الموسوعات في العالم على توثيق البيانات والمعلومات، ثم عاودت التأكيد على أهمية هذه الموسوعة في سياق آخر حين تناولت تجربتها في إعداد كتاب عن الفنانة هالة فاخر خلال فعاليات المهرجان القومي للمسرح عام 2019، حيث كانت هذه الموسوعة هي المرجع الوحيد والذي اعتمدت عليه في إعداد هذا الكتاب، كما اعتمدت عليها أيضًا في إعداد كتاب عن المخرج الراحل عبد الرحيم الزرقاني والذي صدر خلال فعاليات المهرجان في دورته السابقة. 
وقدم الناقد أحمد هاشم دراسة بعنوان (التوثيق في تاريخ التمثيل المسرحي) والذي بدأها بطرح سؤال: هل تعرف ثقافتنا العربية علم التوثيق؟ وتهتم به وحريصة عليه؟ وفي إطار الإجابة عليه يقول: أن من يتابع الحركة التمثيلية- المسرحية منها على وجه الخصوص- سيلحظ على هامشها، ومواز لها وجود محاولات لتوثيق حياة بعض الفنانين ومسيراتهم الفنية، وتتفاوت أهميتها بشكل أو بآخر لتوثيق الحياة التمثيلية عبر ممثليها ومخرجيها، وعمليات التوثيق تلك تأخذ أشكالاً ومناهج مختلفة منها: أن يقوم الفنان بتوثيق مسيرته الفنية عبر توثيق مسيرته الشخصية، وهناك توثيق يكتبه آخرون عن فنان أثناء حياته، وهناك نوع ثالث يكتبه نقاد عن فنان سواء أثناء حياته أو بعد مماته، وهذا النوع الأخير هو ما نلحظ انتشاره وازدهاره في الآونة الأخيرة بسبب قيام «المهرجان القومي للمسرح» بإرساء سنة حميدة، تتمثل في إصدار كتاب عن كل مكرم ممن يقوم المهرجان بتكريمهم كل عام، ويكون الناتج إصدار عدد لا بأس به من تلك الكتب التوثيقية كل عام، فهل يعنى كل ذلك أننا في مرحلة ازدهار للتوثيق الفني عبر توثيق مسيرات فنانيه؟ وأشار إلى أن من أهم المشاكل التي تعترض التوثيق المسرحي قديمًا هي ندرة المراجع أما العصر الحديث  فقد تميز بوجود مجموعة من الباحثين قد نذروا أنفسهم لهذا المجال وبذلوا فيه جهدًا كبيرًا هم: د. علي الراعي، د. محمد يوسف نجم، الباحثة السوفيتية تمارا إيفانوفنا، د. ليلى أبوسيف ودراستها الهامة عن نجيب الريحاني، وكذلك الدكتورة نحوى عانوس التي نذرت معظم جهودها للبحث والتنقيب والتأصيل للمسرحي يعقوب صنوع، د. عمرو دوارة الذى خلع عليه المسرحيون لقب «حارس ذاكرة المسرح المصري»، وأيضا «جبرتي المسرح المصري» وذلك لاهتمامه بتوثيق كل شاردة أو واردة تتعلق بالمسرح المصري، توثيقًا علميًا منهجيًا وذلك لتخصصه العلمي في كل من مجالي المسرح ونظم المعلومات (هندسة النظم)، دكتور سيد إسماعيل على (الأستاذ بقسم اللغة العربية جامعة حلوان).
وقد قسم التوثيق إلى ثلاث أنواع هي: الأول أن يقوم الفنان بتوثيق مسيرته الفنية عبر توثيق مسيرته الشخصية، والثاني هو توثيق يكتبه آخرون عن فنان أثناء حياته، والنوع الثالث هو ما يكتبه نقاد عن فنان سواء أثناء حياته أو بعد مماته.
ومن خلال دراسته طرح الكاتب والناقد شعبان يوسف تساؤلاً هو: (كيف يوثق الفنان سيرته الذاتية؟) وللإجابة على هذا السؤال قد اختار الفنانة الكبيرة سميحة أيوب نموذجًا ليشرح من خلال تجربتها، وقد جاءت الفقرة الأولى تحت عنوان «مدخل إجرائي» حيث أوضح من خلالها خصائص كتابة السيرة الذاتية حيث يقول فيها: مدخل إجرائي: السيرة الذاتية - أو الغيرية في الحقل الفني أو الأدبي أو الفكري أو السياسي وخلاف ذلك من مجالات عديدة ومتنوعة - غالبا ما تكون مساحة ثرية وغنية بالمعلومات والوقائع والأحداث الجادة أو حتى غير الجادة لدى الباحثين، كثيرا ما يعتمدها هؤلاء الباحثون كمرجع مهم في أبحاثهم المختلفة، وأحيانا تكون شبه مرجع رئيسي أو وحيد، رغم أن السيرة - خاصة الذاتية - ما تكون ملغومة بكثير من المبالغات أو المغالطات أو التناقضات أو الزهو أو الانتقام التي تحفل بها عند كثير من كاتبي تلك السير، وأنا معنى هنا بالسيرة الذاتية، لأنها تكاد تكون الأكثر تداولا، أو اعتمادا رئيسيا عليها، أو الأدق مصداقية في اعتقاد الكثيرين، خاصة لو كان كاتب السيرة شخصاً ذا أهمية قصوى، فكلما علا شأنه أو تعاظمت أهميته، أصبح كل ما جاء في تلك السيرة شبه مقدس، فكيف يكون «طه حسين» أو «محمد حسنين هيكل» أو «عمر الشريف» أو «نجيب الريحاني» أو «عبد الحليم حافظ» على سبيل المثال غير دقيقين، كما أن الصدق لا بد أن يكون قاعدة أساسية في كل ما يكتبون ويحيط بهم من كافة الجوانب، واستطرد في البحث يستعرض ما كتبته سميحة أيوب عن نفسها مع الإشارة لتلك الخصائص في مذكرات سميحة أيوب.
وجاءت دراسة الكاتب والناقد عبد الغني داود بعنوان (مدارس الأداء التمثيلي في المسرح المصري) والذي استعرض من خلاله عدة مدارس اعتمد عليها التمثيل المسرحي في مصر عبر تاريخه، كما عقد مقارنة بين التمثيل اليوم والتمثيل في عقود الماضية والتي اصطلح على تسميتها بزمن الفن الجميل، كما استعان ببعض الدراسات منها دراسة للكاتب المسرحي إبراهيم الحسيني والمنشورة بمجلة الفنون، وقد توصل من خلال بحثه والدراسات التي استعرضها إلى عدة نتائج لعل أهمها:  أن الميزة الكبرى للتمثيل المسرحي هي القدرة على تجسيم التفاصيل الدقيقة وتسجيل أدق ومضات تعبيرات الوجه وإيماءات الجسم وهي ميزة فكرية وعاطفية معاونة وإن كانت لا تقارن بالسينما نظرا لإمكانية السينما في الحصول على لقطات قريبة وأن معظم الانفعالات النفسية المعبرة تبدو بوضوح على الوجه – فإن العنصر الأساسي للتمثيل السينمائي هو الوجه وسيظل كذلك على الدوام. ومع ذلك فكما أن الوجه في التمثيل المسرحي له على الدوام دور ثانوي - فقد ثبت في التمثيل السينمائي أن الصوت - رغم أن دوره في النهاية ثانوي بالنسبة للوجه - إلا أن له وزنه الكبير. وبسبب أن جزءا كبيرا من المادة الدرامية، سواء في المسرح أو السينما يؤدى بالكلام، فإن «الصوت» يلعب دورا أو فعالية في التمثيل المسرحي أكثر مما يلعبه الوجه.
دكتورة نجوى عانوس شاركت بدراسة بعنوان: (نظام النمط أو مدرسة الكلاشيهات في المسرح المصري) والتي عرفتها بأنها المدرسة التي يعتمد فيها الممثل على سلسلة من المواقف الجاهزة مثل المشاجرات أو الاتهامات أو المناظر الغرامية، وهى مواقف يتم جمعها من عدة مسرحيات قديمة وحديثة، ويقوم الممثل بالتدريب عليها حتى يصل فيها إلى درجة الإتقان، وهكذا يتجمع لدى الممثل ذخيرة كبيرة من أصول الكليشيهات التى يستطيع أن يستخدمها من حين لآخر بعد أن يتم له التعرف على المشهد الجديد وتصيغه بما يتلاءم مع ما تحت يده من الكليشيهات لتصل به إلى درجة النمط المكرر المتقن.
وأضافت  أننا قد عرفنا نظام النمط منذ عروض يعقوب صنوع (1870 – 1872) التي تأثرت بخيال الظل والأراجوز، ففي خيال الظل تشيع شخصيات البربري والمغربي والصعيدي والتركي والخواجة.. الخ، وفى مسرح الأراجوز تتكرر شخصية الأراجوز والزوجة سليطة اللسان والفقيه المعمم، وتظل هذه الشخصيات النمطية الجاهزة ثابتة دائمًا بحيث لا يطرأ عليها أى تغيير إذ أن طبيعتها تبقى كما هي، وتبقى ملامحها الجسمية ولزماتها الخاصة ثابتة أيضًا في كل الأحوال، ومن خلال الدراسة تستعرض د. عانوس نماذج لهذه الشخصيات النمطية في أعمال صنَوع، ثم تنتقل إلى نجيب الريحاني وعلي الكسار، حيث اعتمادهما على الشخصيات النمطية مستعينة بنماذج من عروضهما المسرحية.

وقدم دكتور حسام عطا دراسة بعنوان: (منهج يوسف وهبي في التمثيل المسرحي) وبعد أن استعرض دكتور حسام مذكرات يوسف وهبي الذي اعتمد فيه على الاعترافات المحذوفة من مذكرات يوسف وهبي، ومنها قد توصل إلى فهم واستقراء وتحليل منهجه في فن التمثيل المسرحي، وهو ما يمكن تحليله إلى خمسة ملاحظات أساسية هي: 
 الاسترخاء الذهني والحرية العضلية، الوجه وتعبيراته، الذاكرة الانفعالية والجسد العارض، الطاقة الحيوية» الحضور»، الصوت والنمط وكسر النمطية، وقد قدم من خلال البحث شرحًا وافيًا لكل عنصر من هذه العناصر.

أما المحور الثاني فقد جاء بعنوان: كيفية إعداد الممثل المسرحي المصري (الدراسة الأكاديمية، الدورات والورش الفنية) وشارك فيه: 
دكتور مدحت الكاشف بدراسة بعنوان: (فن التمثيل والمنهج العلمي)، ومن خلالها طرح عدة أسئلة تتعلق بالدراسة والموهبة، كما استعرض نماذج من المناهج المسرحية المختلفة كاستانسلافيسكي وماير هولد وجروتوفسكي، وقد انتهى إلى نتائج لعل أهمها ما يتعلق بالعلاقة بين الدراسة والموهبة وما الفرق بين الموهوب والدارس والذي يجمع بين الموهبة والدراسة معًا، حيث يقول: إن هذه الموهبة هي القاعدة التي تنطلق منها اكتشافات الممثل فهي ليست مجرد ملَّكه أو قدرة تعمل من تلقاء نفسها، إنها المصنع الذي يتم فيه صناعة الإبداع، من خلال الاكتشاف والتجريب المستمرين، وعندما حاول «ستانسلافسكي» أن يبحث في فن الممثل بطريقة العلم كان مستندًا على آراء بعض علماء التحليل النفسي وعلماء المدرسة السلوكية في علم النفس الحديث، والتي رأت أن كل علم أصيل لا يجيب على أسئلة الممارسة فقط بل ويبحث دائما عن أجوبة جديدة أكثر دقة، وكل مؤسس علميا يفترض سؤال جديد، فالعلم لا يحتوي على تلك القوانين وتلك الحقائق التي يمكن أن تستعمل في الممارسة بدون إبطاء، بل ويحتوي على تلك المطلوبة لتحقيقها في الحياة، ولاستمرار تدقيقها وتوضيحها وتفصيلها، وتبعاً لذلك لا يدخل في تركيبة أي علم من العلوم قوانين وحقائق مؤكدة فقط، بل وفرضيات وتخمينات، لهذا فإن التطبيق العملي لأي علم هو سيرورة إبداعية، وبالتالي مهما عرف إنسان ما، هذا العلم أو ذاك، فهناك إمكانية لوجود إنسان آخر، يعرف ذلك العلم أفضل منه، ولكن مع ذلك فإن رؤية إمكانية تطور علم من العلوم لا يعني رفض ما وصل إليه هذا العلم، فنسبية الحقيقة كما هو معلوم لا يلغي موضوعيتها، والحقيقة الموضوعية يمكن معرفتها بشكل موثوق، وهو ما ينسحب على وصف عمل «ستانسلافسكى» وطريقته في اكتشاف كنه وجوهر فن التمثيل، وعليه يمكن القول إن فن التمثيل هو نشاط مهني، يرتكز على الموهبة كأساس وعلى العلم كوسيلة لتهذيب وتنظيم عمل هذه الموهبة، التي بدون التعلم تظل مجرد شيء رمزي داخلي لا يمكن الإمساك به، وعندما تتحول إلى مهنة عبر أسس علمية فإنها تصبح شيئًا ماديًا يمكن تمييزه، ويجعلنا نطلق على ممثل ما بأنه موهوب وأن الآخر غير موهوب.

وقدم دكتور محمد عبد المنعم دراسة بعنوان: (تطوير قدرات الممثل) تناول فيها أهمية ظاهرة ورش التمثيل حيث تقوم بدور جاد في البحث عن أساليب تعبير جديدة على مستوى الأداء التمثيلي، وما يتبع ذلك من تدريب الممثل، وتنمية قدراته الصوتية والحركية والذهنية كافة، وانعكاس ذلك على تطوير الفراغ المسرحي، واستخدامات الموسيقى، والضوء، وغيرها من العناصر الفنية الأخرى للعرض، سعياً إلى تحقيق نوع من الاتصال الحميم بين الممثل والجمهور، في محاولة لصياغة طاقة إبداعية تصدر عن تجربة العمل الفني المسرحي، فتُشعِر الجمهور بأنه تخطى حدود الوجود الفيزيقي إلى مرحلة إطلاق العنان للطاقة الروحية، اعتمادًا على استثمار روح الجماعة، والإبداع الجمعي، والاعتماد على القدرات البشرية المدربة تدريبًا جيدًا.
كما تناولت الدراسة أيضًا الأسس الفنية لورش التمثيل ومنها أنها تختص بتأهيل كوادر بشـــرية في التمثيل المسرحي عن طريق تطويـــر الإمكانات التــــقـــنية الأدائيــة للممثل عبــر سلســلة طـويلة من التدريبــات النفسيــة، والتمـارين العضلية، والجسدية؛ وذلك بهــــدف إعـــداد الممثــل إعـداداً جيـداً صـوتاً، وحـــركة، وإيماءة، بحيث يتمكن من أداء ألوان جديدة في التمثيل المسرحي غير مطروحة.

وجاءت دراسة الناقد أحمد خميس بعنوان: (محاولة لفهم مناهج التمثيل)
وقد استعرض من خلالها أهم مناهج التمثيل المسرحي (ستانسلافيسكي، جروتوفيسكي، مايرهولد، بريخيت)، وفي إطار إجابته عن السؤال الذي طرحه: أي ممثل نرجوه في بلادنا؟ يقول أنه وسع دائرة بحثه لتضم عدد من الورش بالوطن العربي وكانت النتيجة متوقعة مع كثير منهم في بلدان مثل: «العراق» و»الجزائر» إذ أنهم هناك يعتمدون بشكل أساسي  على تدريس «ستانسلافسكي»، ثم يطورون الطلاب نحو الاتجاهات الجديدة شيئا فشيئا بالقدر الذى يعي أهمية تطوير الطالب ويضعه أمام المناهج المختلفة وضرورتها في تربية العرض المسرحي بمعناه الجديد، كما أن هناك اجتهاد إبداعي في اتجاه آخر يقابله المهتمون بالعرض المسرحي بالمعنى الجديد ففي «العراق» كانت عروض المسرحي القدير «صلاح القصب» مثلا تمثل تيارا مغايرا باهتمامه بأهمية الصورة في بناء العرض المسرحي، وفى «الجزائر» بنى المخرج الكبير محمد شرشال منهجية جديدة تحيد تماما دور الكلمة في العرض المسرحي وتبديلها بأهمية ودور الحركة والشكل في بناء العرض، أما في «تونس» مثلا فهم يعتمدون معظم تلك المناهج ويضيفون إليها بعض تدريبات الممثل في «الكوميديا دي لار تي»، وتلك مسألة أظنها مهمة للغاية إذ أن أنماط «الكوميديا دي لار تي» تدفع الممثل إلى تربية علاقة جيدة بالمتلقي فضلا عن روعتها في تربية الخيال والتصرف الذكي حيال قضايا الراهن، مع فهم دور الماسك وضرورته الجمالية في صناعة العرض المسرحي، على جانب آخر يقدم المخرج الكبير توفيق الجبالي للممثلين الذين يعملون معه وعيا مغايرا فهو يراعى تماما أهمية التكنولوجيا في صناعة العرض المسرحي وكون الممثل جزء من كل في ترس التقنية على اعتبار أن للعصر ضروريات جمالية لا يرجى بأي حال من الحوال نسيانها أو التخلي عنها. والمراجع لتاريخ «توفيق الجبالي» حتما سيرصد أهمية التقنية إلى جانب أهمية تضمين الكوميديا السوداء في بناء العرض، وإن كان بالطبع من خلال بناء مغاير في كل مرة، وذلك مع أهمية تقديم تكوينات مختلفة، ففي مرة تتغلب التكنولوجيا مع النص المحكم مثل عرض «المجنون»، وفى مرات تتغلب الكوميديا السوداء. والرجل يشارك في معظم تلك العروض كممثل واعى تماما لما يجرى في المجتمع وكيفيات مقابلته فنيا بالقدر الذى يجعل العرض المسرحي جزء مهم من رد فعل المثقف المهموم بقضايا الوطن. وقد قال لي في هذا الصدد: «نعم نعزز بكل تلك الطرق في البناء ويتم تكامل العناصر مع الثيمات الأساسية لتعزيز البناء السردي في العرض المسرحي لإيصال الأهداف بشكل قوى عن طريق استخدام الإضاءة والصوتيات والموسيقى والحركة والسينوغرافيا والأزياء والأدوات المسرحية الأخرى لتغييب التماهي مع الشخصيات وكسر الحبكة التقليدية لإنارة تفكير المتفرج وتفاعله. يجب أن يكون هناك توجيه واضح للممثلين لضمان تحقيق الهدف المطلوب من هذا النوع من الأعمال». كما تناول أيضًا منهج خالد جلال التي تعتمد على فكرة الممثل الشامل، ومنهج محمد عبد الهادي والتعامل مع ممثل الميديا.

وقدم الشاعر والباحث فيصل الطحان دراسة بعنوان: (الورش المسرحية في مصر)
ومن خلالها استعرض أولاً في مقدمة سريعة نشأة الورش المسرحية عالميًا والتي بدأت في أوائل القرن العشرين كنوع من التمرد على المسرح الأرسطي، ثم انتقل للتعريف ببداية ظهور الملامح المختبرية ومنها: تجربة د. عبد الرحمن عرنوس في الأردن، روجيه عساف ونضال الأشقر في لبنان، وفي مصر محمد صبحي، د. صالح سعد، منصور محمد، حسن الجريتلي. 
أما الورش مصر فقد تناول بعض الورش التي أقيمت بمركز «الهناجر للفنون» وهي التجربة الأهم والأكبر في تاريخ الورش المسرحية في مصر، في مختلف مجالات المسرح خاصة التي ينتج عنها عروضًا مسرحية، وتتسم بالمدة الزمنية القصيرة نسبيًا في حدود ثلاثة أشهر من خلال استقدام مجموعة من المخرجين الأجانب والعرب أو المخرجين المشاركين بعروضهم المسرحية ضمن فعاليات «مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي» والذي بدأ عام 1988، ومن بين أمثلتها: ورشة السينوغرافيا للمخرج البولندي جوزيف شاينا موسم 1993 - 1994، ورشة الارتجال المسرحي للمخرج الفرنسي جون ميشيل برويير، و»باسكال ليتلييه» موسم 1993 - 1994، وورشة المخرج اللبناني روجيه عساف وفرقة «مسرح الحكواتي» عام 1996، وورش المخرجين العراقيين «جواد الأسدي» 1993، «د. قاسم محمد» 2000، «د. عوني كرومي» 2003، وورشة المخرج التونسي عز الدين قنون 2005، وورش المخرجين المصريين: كرم مطاوع 1995، والفنان جميل راتب موسم 1994 - 1995، ود. هناء عبد الفتاح 1994، وسمير العصفوري 2005، وغيرها العديد من الورش، التي أقامها المركز وتم رصدها بهذه الدراسة. 
ثم تناولت الدراسة تجربة ورش مركز الإبداع الفني» الذي تأسس عام 2002، ويديره المخرج خالد جلال (رئيس قطاع شئون الإنتاج الثقافي بوزارة الثقافة)، ويقيم «مركز الإبداع» ورشًا مسرحية تستمر كل منها لثلاث سنوات، ينتج عنها العديد من العروض، ومنها ورشة الممثل الشامل، حيث قدمت عبر ثلاث دفعات عروض: (هبوط اضطراري 2004 وأيامنا الحلوة 2006 وقهوة سادة 2008)، بجانب تأسيس «ستوديو المواهب» وتخرج فيه دفعة أولى، وكان مشروع تخرجهم عرض «بعد الليل» عام 2014.
الشاعر والكاتب الصحفي عيد عبد الحليم دراسة بعنوان: (تجارب مميزة في إعداد الممثل)، ومن خلاله رصد مجموعة التجارب المميزة لإعداد الممثل منها تجربة المخرج الراحل كرم مطاوع، الذي اهتم بفكرة تدريب الممثل عام 1964م مع استعداده لإخراج عرض «ياسين وبهية» لنجيب سرور، فقد اهتم “مطاوع” بشحذ طاقات الخيال وتكثيف العاطفة لدى الممثل. وفي تسعينيات القرن الماضي وتحديدا في عام 1995، قام مطاوع بإقامة ورشة مسرحية لتقديم عرض “ديوان البقر” تأليف محمد أبو العلا السلاموني بمركز الهناجر للفنون، من خلال تدريب عام ونوعي قام به كل من مخرج العرض كرم مطاوع والكوريوجراف وليد عوني والمخرج المنفذ د. عمرو دوارة، وتجربة “مسرح دنشواي» للمخرج هناء عبد الفتاح، فقد كان هناك توجه نحو المسرح الشعبي، خاصة مع ظهور بيان “نحو مسرح مصري” ليوسف إدريس، ولفت هذا التوجه نحو المسرح الشعبي مجموعة من الفنانين والمخرجين من خريجي معهد الفنون المسرحية، وقد استفاد هناء عبد الفتاح من هذه الرؤية، التي ظهرت في منتصف الستينيات بضرورة وجود” مسرح مصري “يعتمد على خامات مسرحية مصرية خالصة على مستوى الرؤية والأداء، وجاءت هذه التجربة في قرية دنشواي  بمحافظة المنوفية في عام 1968.

دكتور عصام الدين أبو العلا دراسة بعنوان: (منهج أداء الممثل أكاديميًا/ مختبر عبد الرحمن عرنوس نموذجًا)، ومن خلاله استعرض ملخص لهذا المنهج:  
بدأ الدكتور عبد الرحمن عرنوس الاهتمام بمختبر الممثل عندما عمل مدرسًا للمسرح بإحدى الجامعات بالأردن منذ عام 1983، وقدم خلال أربع سنوات متتالية منهجًا متكاملاً لتدريب الممثل وهو منهج يراعي تدريب الممثل من خلال مجموعة من التدريبات بهدف تطوير امكاناته النفسية إلى جانب امكاناته الجسدية، وفي هذا المنهج  يتم البدء  بتطوير الممثل من خلال تفجير طاقاته الكامنة بحيث تتشكل بها أدوات الممثل الخارجية، ووقد أكد د. عرنوس من خلال منهجه أن الممثل لكي يسيطر على انفعالاته الخاصة التي قد تخونه فإنه يستعين هنا بـ «السيكودراما» لتفريغ هذه الانفعالات للحصول على الانفعالات المنتخبة للشخصية باستخدام التخيل والخيال، وينطلق المنهج من التدفق الحر المباشر وذلك لكسر الخجل الذي قد يصيب الممثل عند الاستعانة بمنهج «السيكودراما» ولكن يجب أن يكون تحت مراقبة واعية وهو ما سيعين الممثل على التخلص من الكليشيهات التي قد يكون اختزنها بداخله نتيجة اعجابه بممثل آخر مما يجعله يكتشف أدواته الخاصة الصوتية والحركية، وبهذا يرى د. عرنوس أنه يمكن الاستفادة بالعلم المعروف بـ «الباراسيكولوجي»، والذي يبحث في تأثير الظواهر غير المرئية في النفس والجسد، كما أيضًا من منهج العالم العربي «ابن سينا» للحواس الظاهرة، وهي الحواس الخمسة ومثيراتها المادية كالبخور والملح والإيقاع وبقع اللون ومثيرات اللمس وعلاقة هذه الحواس الظاهرة بالحواس الباطنة، أي ظلال الحواس الداخلية التي تثيرها صورة المثير المجرد عند استحضاره، ولتنمية الذاكرة الحسية، أي الإحساس المنتخب وليس المفروض بتلك الذاكرة الحسية التي هي ركائز الذاكرة الانفعالية، كما يمكن استخدام مثيرات مرئية ومسموعة من البيئة، مثل الضوء واللون والإيقاع كأدوات اجرائية تثير التخيل وصولاً للإحساس النقي المنتخب الذي يمثل إحساس الشخصية وليس إحساس الممثل الخاص.
في النهاية فإن هذا الكتاب ذو قيمة عالية لما يحويه من معلومات مقدمة من أساتذة أكاديميين ونقاد كبار، وأن هذا العرض ليس كافيًا ولا يغني عن قراءته، فهو يعد وثيقة مسرحية مهمة خاصة للباحثين ودارسي المسرح.


نور الهدى عبد المنعم