دوار بحر رموز حياتية ممسرحة

دوار بحر رموز حياتية ممسرحة

العدد 556 صدر بتاريخ 23أبريل2018

على خشبة مسرح قصر ثقافة منيا القمح، وضمن فعاليات مهرجان نوادي المسرح الإقليمي لإقليم شرق الدلتا، قدم فريق نادي مسرح قصر ثقافة الزقازيق عرضه المسرحي “دوار بحر” أمام لجنة التحكيم والنقد أملا في الفوز بتأشيرة المرور للمهرجان الختامي لنوادي المسرح 2018.
“دوار بحر” عرض مسرحي كتبه (محمد علي إبراهيم) وأخرجه (أيمن موافي) الذي حشد لبطولته عددا ليس قليلا من المواهب التمثيلية الحقيقة التي تباينت خبراتها ما بين جيل رسخت أقدامه فوق خشبة المسرح وجيل يبحث عن مكان ومكانة يستحقها فاستحقوها.
اتكأ المخرج أيمن موافي على مفردتين صنعتا جسرا متينا مرت من خلالهما آيديولوجيات وأفكار ورؤى شديدة التشابك للوصول إلى أفئدة عطشى لري ذاك التسحر البادي فوق محياها؛ أولهما فريق الممثلين ذاك الكنز البشري المتباين الخبرات والممتلك للأدوات والمالك والمتملك لخبايا التشخيص والتجسيد، وثانيهما نص مسرحي للموهوب محمد علي الذي صاغه برشاقة، فبدا حداثيا بشكل محلي، ومحليا بشكل حداثي، والمعتمد على حبكة مسرحية طليعية ليرى ويجسد ويشخص حكاية دوار بحر ذلك المنزل الخاص بسيد البلدة وكبيرها بحر (محمد حسني) الذي يحكم كفر النصارى بالنار والسكين ويخشاه الكبير والصغير، ولأنه حاكم جائر في نظر البعض ومزاحم للسادة في السيادة في نظر البعض الآخر وباحث عن الثأر بشكل جنوني، فقد حيكت حوله المؤامرات ولا جرو من أن تحاك تلك المؤامرات بالسحر والخيانة، وتكشف الأحداث أن دوار (منزل) بحر ملعون منذ أن حكم الكفر والد بحر الذي قتل غيلة ولعنة ذلك الدوار أنه يحتضن الأفاعي السامة التي تنتظر أن ينام الحاكم حتى تجهز عليه، ولما نام والد بحر قتل بفعل الأفاعي وولي مكانه بحر كبيرا للنجع وسيدا، ولأنه يعلم أي منقلب ينتظره خاصة بعد أن أحكمت المؤامرة عليه بخاتم زواج قيل إن نزعه نزعا للروح، فآثر بحر أن يظل متيقظا وأن يجافي النوم بعد نصيحة كودية الزار له (هدية أيوب)، ويسعى بحر حثيثا للثأر مِن مَن حق عليهم الثأر من وجهة نظره، وليؤكد بحر عنته نزل إلى الساحة، وما أن سمع أحد المواطنين يتحدث فيما لا يحق له الحديث حتى ذبحه أمام الجميع، فارتعد الجميع، فعد حاكما جائرا، وما أن أيقن ذلك وتلذذ حتى وزع على أهل البلدة/ الفقراء من الأموال ما يوازي أضعاف ما جمع منهم عنوة من قبل السادة، فعد حاكما مزاحما للسادة، وحتى تكتمل المؤامرة كان دخول المؤسسة الدينية في الصراع بين السلطة والغفر والتجار بازغا بحماية الدير لأحد المطلوبين للثأر، فما كان إلا أن اتفق التجار مع الكاهن (معتز الحلفاوي) على أن يفاوض بحرا على طلباته لتسليم الشاب وما كان من الكاهن إلا أن باع الشاب (حسام قنديل) بغية توسعة الدير لتتشابك الحبكة أكثر وتتضح المؤامرة أكثر، فليس الشاب إلا صديق بحر، وما كان من بحر إلا أن تنازل له عن الحكم إن ذبح الشاب الفتاة، فذبحها، فما كان من بحر إلا أن خلع خاتم اللعنة وأورثه للشاب، لتؤكد تجربة دوار بحر أنها ليست إلا صرخة احتجاجية وقراءة حياتية لصراعات حقيقة بين المؤسسات، وإن اقتربت من تقديم حلول لائقة تتناسب مع مقتضى الحال، فكان الحل الدرامي المقدم مسكنا هادئا ومهدئا ساكنا وإن بدا للحظة علاجا آملا.
العرض المسرحي “دوار بحر” غازل المتفرج باللهجة الصعيدية التي يتقبلها المصريون بشكل حميمي، فضلا عن عملية الإبعاد التي قام بها المؤلف باختياره مكان الأحداث (أحد نجوع الصعيد) وديانته الرسمية هي الديانة المسيحية لينتصر لفرضية أن الجور والظلم والإرهاب أفعال ليست لصيقة دين دون الآخر، وإنما هي أفعال شيطانية فقد بها الإنسان إنسانيته واستسلم لنزواته وصلفه، ليلمح صناع العرض بما هو غير مصرح به ويصرح بما هو غير ملمح به، فيحدث حالة من الثراء على مستوى الطرح والتلقي خاصة مع اعتماد تقنية (الفلاش باك) تقنية رئيسية للعرض المسرحي؛ مما حقق تدفقا في الإيقاع واشتعالا للحبكة التي لم تكن تخلو من الإثارة والترقب طوال فترة العرض المسرحي وتخطاها لما بعد العرض بزخم الصور الدلالية التي رسمت بحرفية دون أن تنجرف وراء المباشرة، فعدت رموزا حياتية ممسرحة (الحاكم – كودية الزار – القس – الحبيبة – الخائنة – الأخ – الفقراء – الغفير - الأفاعي) من الرموز التي جسدت (السلطة – الجهل - الدين – الحب - الأمن – السم – الخاتم - الخيانة – العوز) وجسدت هذه الرموز فوق الستائر الرأٍسية المعلقة في عمق المسرح تارة وفي أداء الممثلين الذين تميزوا بشكل لافت تارة أخرى.
اعتمد المخرج على (عبد الرحمن مهدي) في تشكيل فراغ خشبة المسرح، فجاء الديكور على شكل ستائر رأسية مدلاة من أعلى في أقصى عمق المسرح تاركة فراغا كبيرا في المسرح، وزينت تلك الستائر برموز العرض الدلالية، فضلا عن كرسي من نفس خامة الستائر فاتسعت خشبة المسرح لعدم وجود كتل تعيق الحركة (الميزانسن) مما ساهم في التنقل السريع زمانا ومكانا عن طريق تأطير الخشبة ببؤر الإضاءة المركزة، فاقتطعت من المكان أماكن عدة، وامتازت موسيقى العرض التي أعدها (محمد علي) بقدرتها على طرح الدلالات والاشتباك معها بشكل ساهم في الاستمتاع بالتلقي.


محمد النجار

mae_nagar@yahoo.com‏