العدد 773 صدر بتاريخ 20يونيو2022
بدأت منيرة المهدية حياتها الـفنية كونها مُغنيّة في مقاهي الرقص والغناء المعروفة، ثم بزغ نجمها الفتي وذاع صيتها الغنائي، فانتقلت إلى قهوة نزهة النفوس التي اشتهرت بحلولها فيها. وظلت تشجي الجمهور وتطربه في تلك الـقهوة. أما الشيـخ سلامة حجازي، فقد أصيب بالشلل، فحرم جمهوره الطرب الأصيل! هنا ألح كـثيرون على منيرة المهدية، بأن تعتلى المسرح كي تملأ ذلك الـفراغ وتغني أغاني الشيخ سلامة، ولكـنها رفضت احتراماً لمرض الشيخ، ولكونها سعيدة بعملها في قهوة نزهة النفوس. ولكن الأمر اختلف مع نشوب الحرب العالمية الأولى، حيث أمرت السلطة العسكرية بإغلاق الـقهاوي والبارات من الساعة العاشرة مساء، مما يعني أن قهوة نزهة النفوس ستُغلق!! هنا انتهز عزيز عيد الـفرصة، وأعاد العرض على منيرة بأن تعتلي خشبة المسرح وتغني أغاني الشيخ سلامة، فقبلت العرض رغماً عنها.
ويُعدّ شهر يناير عام 1916، هو الميلاد الـفني الحقيقي لـفرقة منيرة المهدية المسرحية، فلأول مرة قرأ وشاهد الجمهور المصري إعلانات بها عبارة «جوق الست منيرة المهدية»، الدالة على أن منيرة كونت بالفعل فرقة مسرحية، بدأت عروضها بمسرح سينما باتيه، وعرضت مسرحية «أنيس الجليس»! والطريف أن هذه المسرحية عرضتها بعد يومين فقط على مسرح المجلس البلدي بطنطا يوم الثامن من يناير 1916، كما أعلنت جريدة «المنبر».
عادت منيرة إلى طنطا وعرضت فيها مسرحية «كارمن» عام 1917، وكان حظ هذه المسرحية سيئاً، لما حدث حينها، والذي رواه الناقد «ميخائيل أرمانيوس» في جريدة «الأفكار» في مقالتين منشورتين في شهر إبريل، علمنا منهما أن إعلانات مسرحية «كارمن» فاقت في ضجتها ما أثير في ذلك الوقت من أخبار وضجيج الحرب العالمية الأولى! حيث كانت الإعلانات توزع في الطرقات وفي القهاوي، وتُلصق على الجدران، وتُنشر في الصحف .. إلخ. وهذه الدعاية كانت برعاية كاتبها أو مقتبسها «فرح أنطون» من أجل عرضها لأول مرة على مسرح «الكورسال» بشارع عماد الدين. وكاد الاتفاق يتم مع كامل الخلعي لتلحينها، ولكن الاتفاق لم يتم! ووافق «عبد الواحد صالح» أن يلحنها وبعد أن أشرف على إنهاء تلحينها، مات!! فتم الاتفاق على إنجازها مع «عبد الحميد علي» رئيس موسيقى مجلس محلي طنطا، الذي نقّح في نوتة زميله المرحوم حسبما اقتضاه ذوقه وهداه! وبذلك نسب التلحين له وحده، دون أي ذكر للمرحوم الملحن الأصلي!! هذا من حيث التلحين، أما الإخراج فقام به «عبد العزيز خليل» المدير الفني لفرقة منيرة المهدية، والذي علّم منيرة كل حركة تُؤدى على خشبة المسرح. ومن الطريف أن مسرحية «كارمن» التي ظهرت على مسرح الكورسال بالقاهرة لأول مرة، ظهرت قبل ذلك في عرض لم تنتبه إليه الصحافة، ولم يُكتب عنه! ولولا ميخائيل أرمانيوس ما كنا عرفنا به!! هذا العرض تم في المسرح البلدي في طنطا لأول مرة! وسأقتبس من مقالة الناقد هذا الجزء، وفيه قال:
«يُعزى الفضل في إنهاء هذه الرواية بحق إلى حضرة الممثل النابغة عبد العزيز خليل مدير الجوق الفني. فقد أظهر مجهوداً يذكر في تعليم السيدة منيرة دور «كارمن»، فبرزت أول مرة في طنطا ولكن مواهبها لم تظهر بسبب وقوعها على ساقها مما أقتضى معه إبطال التمثيل وإسعافها بأشهر الأطباء. وألطف تقريظ لرواية فرح أنطون قول السيدة منيرة فيها: قضت هذه الرواية على المرحوم عبد الواحد بالأمس، وكسرت ساقي اليوم، ولا ندري ما يخبئه لنا القدر في الغد».
مرّ الزمن وعادت منيرة إلى طنطا ومثلت فيها مسرحية «أدنا» في أكتوبر 1918 كما أعلنت جريدة المقطم. وفي العام التالي قالت مجلة «اللطائف المصورة» في فبراير 1919: «تمثل عروس المراسح السيدة منيرة المهدية بتياترو المنتزه مساء 27 فبراير بطنطا مسرحية «تاييس»، منظر الكهرباء لأول مرة، تنشد 200 لحناً على الموسيقى الوترية». والجديد في هذا الإعلان اسم مسرح «المنتزه» في طنطا، ولعله وصفاً أكثر منه اسماً، حيث إننا سنقرأ عن مسرح حديقة البلدية، أو مسرح حديقة الكازينو، ولعل المنتزه أحدهما!! أما عبارة «منظر الكهرباء لأول مرة»، فلعله فكرة استعراضية أو إخراجية استخدمت فيها شحنة كهربائية أو إضاءة كهربائية خاطفة غير مستخدمة من قبل، لذلك أشار الإعلان إلى أنها تُستخدم لأول مرة! أما أن منيرة ستنشد مائتي لحن على الموسيقى الوترية، فهذه مبالغة كانت منتشرة في الإعلانات وقتذاك.
وفي مايو 1922 مثلت فرقة منيرة مسرحية «تاييس» مرة أخرى ولكن في تياترو البلدية كما أخبرتنا جريدة الأهرام. وفي العام التالي أعلنت منيرة اعتزالها التمثيل المسرحي فجأة، بعد أن اتفقت على إحياء ليلة مسرحية في طنطا، مما جعل متعهد الليلة «أمين حلمي السخاوي» يُعلن الخبر في جريدة المقطم في فبراير 1923، قائلاً تحت عنوان «منيرة المهدية بطنطا يوم 26 فبراير»: «نظراً لاعتزال منيرة المهدية فن التمثيل، ولأننا كنا اتفقنا معها على إحياء تلك الليلة بمدينة طنطا، فنعلن حضرات من بيدهم تذاكر وألواج من هذه الليلة بسريان هذه التذاكر والألواج لليلة 28 مارس سنة 1923 من جوق عكاشة وشركاه. وللمعلومية لزم التنبيه [توقيع] أمين حلمي السخاوي».
عادت منيرة إلى التمثيل مرة أخرى، وقررت الذهاب إلى طنطا، فأعلنت جريدة الأهرام في أكتوبر 1925 عن هذا الحدث بإعلان قالت فيه: «السيدة منيرة المهدية على مسرح تياترو البلدية بطنطا: تُمثل مع فرقتها المشهورة الرواية الشرقية الجديدة المدهشة. الرواية الأوبرا الغنائية الكبرى، التي شجعها كل مصري وشرقي في هذا البلد الأمين. الرواية التي قابلها الشعب بالإجلال والتكريم .. رواية «الغندورة» ملكة الروايات الغنائية، تظهر فيها ممثلة دور الغندورة بطلة الرواية «السيدة منيرة المهدية» فتمثل وتغني وترقص مراقصها الشرقية. وهناك لا تجعل مجالاً للمتفرج إلا الطرب والضحك والتصفيق والاستحسان العظيم، وهي خير ما تهديه السيدة منيرة في هذا العام لأبناء طنطا الكرام. والتذاكر تطلب من شباك التياترو يوم التمثيل».
وواصلت منيرة تمثيل مسرحياتها في طنطا، ومنها: مسرحية «قمر الزمان» في نوفمبر 1925، ومسرحية «كليوباترا ومارك أنطوان» في تياترو الباتيناج عام 1927، كما أعلنت جريدة «السياسة»! أما جريدة «الأهرام» فقالت في يناير 1928: «حفلة عظيمة بتياترو الباتيناج بمدينة طنطا، جوق السيدة منيرة المهدية يوم الثلاثاء 17 يناير الساعة التاسعة مساء رواية «المظلومة»، وتقوم بالدور المهم تمثيلاً وتلحيناً السيدة منيرة المهدية». وفي فبراير 1928 أعلنت الجريدة أيضاً عن أحد عروض منيرة في طنطا، قائلة: «جوق السيدة منيرة المهدية بتياترو المجلس البلدي بطنطا الأربعاء 22 فبراير الساعة التاسعة مساء لأول مرة رواية «كيد النسا». عصرية غنائية ذات 3 فصول. تُمثل الدور الأول ملكة الإنشاد والطرب السيدة «منيرة المهدية»، ويُمثل دور عزت أفندي مطرب الشعب الأستاذ «سيد شطا»، ويمثل دور محمد بك مدير الجوق الفني الأستاذ «عبد العزيز أفندي خليل»».
أما آخر إعلان وجدناه - في الفترة المحددة لهذه المقالات – فكان في يونية 1930، ونشرته أيضاً جريدة «الأهرام»، قائلة: «حيوا مغنية النيل بعد احتجابها الطويل، الموسيقية الحسناء ملكة الإنشاد والطرب، ساحرة الأذان بصوتها الرنان، بلبلة الشرق الكبرى، السيدة «منيرة المهدية». شدوا رحالكم إليها واعلموا أن يوم وجودها بينكم عيد للموسيقى ومهرجان للغناء، فقد عزمت على إحياء ثلاث حفلات ببنادر الوجه البحري بعد أن منّ الله عليها بالشفاء، وألبسها ثوب العافية. وستكون هذه الحفلات فاتحة عصر جديد. الحفلة الأولى «بندر المحلة الكبرى» بالسرادق الفخم يوم السبت 7 يونية في مكان طلق الهواء نظمته يد فنان ماهر. الحفلة الثانية «ببندر طنطا» بتياترو سينما الباتيناج يوم الأحد 8 يونية به مراوح كبيرة لجلب الهواء ومفتوح السقف والمنافذ. الحفلة الثالثة ببندر المنصورة افتتاح تياترو عدن الجديد. روضة على ضفاف النيل شارع البحر تحت نور القمر. في هذا المصيف البديع تسمع الطرب وتشاهد العجب يوم الاثنين 9 يونية بعيداً عن الضوضاء والغوغاء. (بروجرام الحفلات): أناشيد بديعة، قصائد خلابة، وأدوار جديدة، أوبرا أوبريت، من روايات كليوباترا وكارمن وكرمنينا وروزينا والغندورة وتوسكا، رقص شرقي جميل، منلوجات. تطلب التذاكر قبل نفاذها من مديري التياترو».
فرقة أولاد عكاشة
مع بداية تألق ظهور فرقة أولاد عكاشة، وجدت إعلاناً بجريدة الأهرام يُعلن عن تمثيل الفرقة في طنطا، جاء فيه: «بمدينة طنطا العامرة يوم الخميس 18 مايو 1922 الساعة 9 ونصف مساء بتياترو البلدية، تقام حفلة مدهشة إعانة لطالب بالمدارس الثانوية. تُمثل فيها شركة ترقية التمثيل العربي «جوق عكاشة وشركاهم» لأول مرة رواية «صباح» رواية مصرية وطنية «أوبرا». تُغني في جميع أدوارها على آلات الطرب البلبلة المصرية «السيدة فاطمة سري» ممثلة دور «صباح»، فتطرب وتبدع وتهز أوتار القلوب. ستحي ألحانها وتصدح بين الفصول الموسيقى الوترية برئاسة المتفنن البارع «عبد الحميد أفندي علي»، وترقص جوقة من أشهر راقصات إيطاليا في الرواية. فعسى أن تلاقي من الشعب الوطني إقبالاً وتعضيداً لهذا المشروع الخيري العظيم».
وفي عام 1923 أنقذت فرقة عكاشة الموقف في طنطا، عندما اعتزلت منيرة التمثيل فجأة – كما ذكرنا من قبل – وفي ديسمبر من العام نفسه كان لها نشاط مميز آخر، كتب عنه «نصر الله سليم» كلمة في جريدة «الوطن» - يوم 17/12/1923 - تحت عنوان «حفلة جمعية الاتحاد والإحسان الخيرية السورية في طنطا»، قال فيها:
«أحيت جمعية الاتحاد والإحسان السورية ليلتها الخيرية السنوية في مساء الأمس وقد مثلت فرقة إخوان عكاشة رواية «الملك عبد الرحمن الناصر». ويسرنا جداً أن نذكر أن كل التذاكر قد نفذت وكان الإقبال عظيماً من السوريين والوطنيين الذين اعتادوا مساعدة كل مشروع خيري. ولا بدع فقد كانت الحفلة برعاية صاحب السعادة النابغة المفضال حلمي باشا عيسى مدير الغربية الذي أناب عنه حضرة صاحب العزة وكيله الأول لغيابه بالعاصمة. أما عن النظام فحدث ولا حرج وهذا مثال حي ناطق لكل حفلة سورية. وأما عن العظات البالغات التي سمعناها من الممثلين المجيدين فحدث ولا حرج أيضاً إذ أن كل ممثل أجاد دوره مما كان له أعظم وقع في نفوس الحاضرين خصوصاً وأن الرواية كانت تمثل حالتنا الحاضرة من انقسام وتفريق واختلاف في المبادئ مما كان له أعظم تأثير في النفوس، فحبذا لو توحدت كلمتنا وعرف الزعماء أن الاتحاد قوة وأن التفريق عاقبته وخيمة وفيه فشل لقضيتنا المصرية. ولا يفوتنا أن نذكر أن دار تياترو البلدية كانت مزدانة بالأنوار المختلفة الألوان وأن الأعلام كانت مرفوعة على جوانب التياترو كما أن حضرات الأفاضل رجال الجمعية كانوا يقابلون الجميع بما جبلوا عليه من لطف وسلامة ذوق، وفي مقدمتهم حضرة الأستاذ العلامة بديع بك قربة، وحضرة سكرتير الجمعية الدائم الأديب المعروف الأستاذ جورج حنا الذي ألقى خطبة بليغة بيّن فيها حاجة الفقراء والبؤساء إلى العطف والمساعدة مبيناً ذلك في كلمة مضمونها أن خزانة ملابس الجمعية خالية خاوية وطلب من المحسنين أن يملأونها بفضلات ملابسهم بعد أن رحب بالمحسنين الذين حضروا الليلة وخص بالشكر سعادة المدير وحضرة وكيله الأول الذي ناب عنه. هذا وقبل أن أختم كلمتي لا يسعني إلا القول إن جالية طنطا السورية هي السباقة في كل عمل خيري وفي مساعدة كل مشروع نافع. ولا عجب فالفضل في ذلك لرجالها العاملين وفي طليعتهم حضرات بديع بك قربة والأستاذ جورج حنا سكرتير الجمعية والخواجة رشيد عطا الله».
وفي عام 1925 أحيت الفرقة في طنطا حفلتين، أعلنت عنهما جريدة الأهرام قائلة: حفلتان مصريتان شرقيتان بتياترو البلدية بطنطا تحييهما فرقة شركة ترقية التمثيل العربي. جوق عكاشه وشركاهم الحفلة الأولى يوم الخميس الآتي 9 إبريل (سواريه) الساعة 9،30 مساء لأول مرة بطنطا رواية «المشكلة الكبرى»، درس أخلاقي يشاهده المتفرج بالتصفيق الحاد والاستحسان العظيم. الحفلة الثانية يوم الأحد 12 إبريل (سواريه) الساعة 9،30 مساء لأول مرة بطنطا رواية المصلح الكبير منقذ مصر وفاتح السودان الوالي المغفور له «محمد علي باشا»، وهي الرواية الوطنية الكبرى التي شاهدها ما يزيد عن 300 ألف نسمة. وكل ما تُمثل يزدحم التياترو والمشاهدين بين التصفيق الحاد. ويعزف الأوركسترا الوطني في الحفلتين، وترقص أجمل رقصات الأناضول رقصة الحب ورقصة الإعصار. تُطلب التذاكر يومياً من مدير تياترو البلدية.
غابت الفرقة سنتين عن طنطا، ولكنها عوضت ذلك في عامي 1927 و1928 بمجموعة من المسرحيات، من أهمها مسرحية «علي بابا والأربعين حرامي» بطولة «علية فوزي»، والتي مثلتها في تياترو سينما الباتيناج في نوفمبر 1927، وكانت تذاكرها تُباع في مكتبة الأمة بشارع البورصة بطنطا ومن شباك الباتيناج كما قالت جريدة «الممتاز». وفي يناير 1928 عرضت الفرقة مسرحية «فاتنة بغداد» على مسرح سينما الباتيناج أيضاً، كما أعلنت جريدة الأهرام.