العدد 564 صدر بتاريخ 18يونيو2018
(علي عبد النبي الزيدي) من أشهر كُتاب الواقع العراقي؛ من خلال كتاباته نجد مسرح الواقع بلغة مكثفة وذا إيقاع يتقارب طوال الوقت من إيقاع الأحداث السياسية والاجتماعية، يعد من أغزر كتاب المسرح العراقي خاصة ظهور كتاباته بشكل سنوي يواكب فيها الأحداث السياسية في وطنه. تكاد تكون أعماله المسرحية بمثابة الوثيقة الإبداعية التي نقرأ من خلالها الأحداث التي مرت بها العراق أثناء صراعاتها السياسية بل وتقاربها مع الوضع العربي ككل. الواقع يتحدث عن ذاته داخل أعماله وهو مُذاب داخل قضايا وأنماط إنسانية؛ تشكل في حد ذاتها هي الأخرى واقعا وهما إنسانيا بجانب الهم السياسي الذي تخوضه، لذا تتصدر نصوصه على خشبات المسارح العربية لما بها من لغة بصرية مُمسرحة بحساسية شديدة فتخفف من العبء على الكثير من المخرجين إذا لم يكن لهم رؤية إخراجية توازي التصور المطروح داخل النص. ومن النصوص التي تُقدم بكثرة نص (كوميديا الأيام) حيث ذلك المزج بين الفرضية الفانتازية والكوميدية كشكل مسرحي والقراءة الواعية للمطبخ السياسي في الوطن العربي عامة والعراق خاصة في فترة الحصار الأمريكي ما بين 1991 - 2003، وظهور ذلك النص في سياق اجتماعي كان يعيش فيه العراق الحصار والجوع في عام 1995 بعد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يسمح بالاستئناف الجزئي لصادرات النفط العراقية لشراء الطعام والدواء بموجب برنامج «النفط مقابل الغذاء»، وهو الأمر الذي لم يتقبله الشعب لمدة عام بعد صدوره، أي حتى 1996 وهو عام صدور نص “كوميديا الأيام” حيث يحمل معه شبحية أحداث ذاقها الشعب بالفعل. لكن يظل المطبخ السياسي يقدم المزيد من الوجبات التي تمس المبدعين كالتي عبر عنها نادي مسرح الأنفوشي بطريقته الخاصة؛ داخل المهرجان الختامي لنوادي المسرح في دورته السابعة والعشرين. العرض من إعداد مصطفى عماد ومؤمن بكري، إخراج مؤمن بكري.
من داخل فضاء مسرحي يبدو حميميا في ليلة رأس السنة واحتفال الزوج والزوجة، يبدأ العرض المسرحي (كوميديا الأيام السبعة) بدخول مبعوث من الحكومة للتعرف على مشكلاتهما وحلها، وأثناء ذلك يبحث عن الكلب الخاص به ويجده مقتول بالسم، ومن هنا يمارس الطباخ سلطته في تهديدهما بالسجن أو إقامة سبعة أيام حداد داخل المنزل، مجرد حيلة لاستيطان المنزل لأطول فترة ممكنة. مع تغير بنية العلاقات بين الشخصيات بخلاف النص الذي اعتمد على علاقة الجد والحفيد، تحولت رمزية المستقبل في الحفيد إلى رمزية الزوجة والمرأة الوطن. يخترق هذا الفضاء الحميمي الدخيل وهو شخصية الطباخ المتخفي في ملابس بابا نويل ومن ثم مزيد من تلون وتغير تلك الشخصية ومزيد من الاختراقات في بنية هذا المنزل. منذ دخول الدخيل وهو يعيد تشكيل فضاء االمنزل/ المسرح، وإعادة ترتيبه لما يهوى. أخذت شجرة عيد الميلاد في التشكيل والتحول مع الأحداث، فبداية برمزيتها الاحتفالية، أصبحت صليبا يصلب فيه أهل المنزل، وأحيانا أخرى كانت قضبان سجن يقف خلفه أيضا الزوج والزوجة ويوضعان للمحاكمة أمام الطباخ. لذلك أصبحت الصورة المسرحية تعبر عن العالم الكوميدي والفانتازي الذي تطرحه دراما العرض، كوميديا سوداء تأتي من الألم والظلم، كيف لذلك الدخيل أن يفرض سطوته على منزل لا يملكه ويفرض قوانين الجلاد داخله.
صار العرض على خُطى النص، وبالفعل حقق الدخل/ الطباخ خطته وطبخته لكي يبث العداء والصراع بين الزوجين، ففي البداية يعيدون تقييم المفاهيم المتعارف عليها كمعنى الحرية، ومن ثم إلقاء التهم على بعضهم البعض في فتح الباب من الأساس، وتتشتت تقيم الوضع الحقيقي وتحديد هوية هذا الدخيل مع قلة مقاومته، واستمرار ممارسة السلطة عليهم مع تلونها أحيانا بدافع حب الزوجة وأحيانا بدافع صنع الطعام لهم. ولم يكن مشهد إعادة تمثيل دخول الطباخ إلى المنزل يدفعهم لشيء سوى تأكيد سلطته. وتسود كلمات الطباخ داخل المنزل على لسان الزوجة بعد وضع السم في طعام زوجها، وتحولت إلى كلب جديد من كلاب الطباخ.
نص “كوميديا الأيام السبعة؛ نص مكثف ومحكم ويجوز أنه البطل داخل العرض بجانب أداء الممثلين وتحولاتهم النفسية التي تتغير باستمرار. وفي حين ذُكر في المقدمة السياق الزمني للعراق المتزامن للنص أو الذي كان دافعا في إنتاجه وإفرازه، ظل البحث عن بصمات المخرج داخل القضية المطروحة وصداها على الواقع المصري الذي لم نتلمسه إلا في الجمل الأخيرة من العرض حينما قال الطباخ إنه «سيتم التفتيش في البيوت المجاورة»، نهاية دائرية بتكرار الحدث مع بلدان/ منازل أخرى. وإذا تم اختزال هذا السياق الأولي وتجريد النص إلى رمزيات يتلاعب معها المخرج. إذن، فإن العرض بحاجة إلى مزيد من رمزياته الخاصة به خصوصا امتلاك صناع العمل المهارات المسرحية ليعبر عن رؤيته الخاصة للحظة الراهنة في ظل اختيار نص كهذا متعدد التأويل ومنفتح على قضايا العالم العربي، وما زال المطبخ السياسي يصنع الكثير من الوجبات السامة والمُتلونة ويقدمها لأهل المنزل ويتناولونها كغذاء لسد حاجاتهم من الطعام.