عظام أنتيجون (4)

عظام أنتيجون (4)

العدد 818 صدر بتاريخ 1مايو2023

في الأداء المسرحي, تقدم الكتابة دلالة أقل استقرارا من كونها فرصة مرة أخرى للنظر لاستيعاب الأجسام, أجسامنا, من أجل هجوم متجدد على الكتابة والتاريخ, من خلال الأداء.
 توفر الكتابة الدرامية وسيلة لاستكشاف التمثيل, والاستفسار عن الأجسام , للبحث عن الرغبة في الأداء والمشاهدة, ورؤية هذا الشيء يظهر مرة أخرى الليلة مع إدراك لا يخطئ أن مظهره سيحل محل الكتابة التي قد نتذكرها ويمحوها, ويحث على تذكرها من جديد. وليس من المستغرب أن يصوغ بلو الدراما مع الأداء, ويكشف أكثر من ذلك بالنسبة لبنيامين بينيت –المنجذب أكثر نحو السطح المشترك بين الدراما والأدب كمؤسستين– الأداء بالتحديد هو الذي يشير إلى عدم القدرة على تصور الدراما بشكل كامل على أنها أدب. وبشكل أكثر ضمنية مكانة الدراما ككتابة هي التي تحددها بشكل مختلف في مجال الأداء أيضا. ففي كتاب «المسرح كمشكلة Theater as Problem” يجادل بينيت بأن الدراما كنوع أدبي لها تأثير وصفي عميق على نظرية الأدب عموما , وهو اضطراب نشأ عن تضمينها الضروري في خشبة المسرح , باعتبارها وسيطا خارجيا مثمرا عن عملية وقيم ومادية مؤسسة الأدب . ومع امتداد هذه الحجة في كتابه “ كل المسرح مسرح ثوري “ يرفض بينيت مسرح النقد الجديد التفسيري وإعادة تشكيله كأرشيف , لأن أي إجراء مسرحي لتحقيق الدراما يقف في علاقة خارجية وعشوائية مع النص , وهي وسيلة ضرورية لتعريض النص للأداء بدلا من تحقيقه بطريقة ظاهرية محددة. فعشوائية الأداء ضرورية , من ناحية , لتصنيف الدراما نفسها لأن :
 التقاليد الأدبية تحديدا, ومجال طغيان الكتابة, تصران على بعد شامل وواضح بين الدراما والأشكال الأدبية الأخرى, التي قـد تكون  تمييزا  بلا معنى إن  لم تنطـوِ على أن الأداء ضروري لإتمام عملية إظهار معنى (أو في الواقع وجود) العمل الدرامي نفسه.
ومن الناحية الأخرى, يرفض بينيت مفهوم أنه من الممكن أن نميز بين العروض المحتملة والدراما نفسها, بطريقة كل من النقد الأدبي القديم للدراما والنقد الأحدث الموجه للأداء , لأن هذا التمييز يمكن أن يلمح إلى أن الأداء ليس ضروريا بشكل صارم في النهاية , لأن الدراما معروفة من قبل الأداء . بمعنى آخر , العمل نفسه ليس متاحا كمعيار . الأداء فقط هو المتاح – وهنا يقصد بينيت التجربة الفردية والسلوكية للأداء الفعلي في المسرح – الأداء الذي يجب أن يعرض , من منظور التقاليد الأدبية , خصائص تناقضية بشكل صارم.
 ولذلك، فإن تعريض الكتابة للأداء المطلوب من خلال الدراما هو مصدر وضعها الممزق في أرشيف الأنواع الأدبية. وعلى الرغم من أن هذا ليس عبء حجة بينيت, فإنه أيضا مصدر وضع الدراما الممزق في ريبرتوار أنواع الأداء, على الأقل بقدر ما نفهم فيها الريبرتوار غير المسجل دائما الذي يجب أن نكتسب منه –في عدة مناسبات مهمة على الأقل– النفوذ المفاهيمي وحتى الثوري من الاحتكاك مع الكتابة, والضغط الذي يشكله التحدي المتمثل في دمج فعاليات جديدة في أنساق السلوك المتطور. ولا يربط بينيت الكتابة والنصية بالابستمولوجية الغربية الجائرة بطريقة كونكرجود وتايلور , وفي نفس الوقت يرفض نقده الرنان للنزعة التفسيرية نصية الثقافة , المنسوبة إلى جريتز , بينما يتحرك إلى ما وراء انقسام جامد بين الكتابة والتجسيد . فالأداء يقاوم الاختزال إلى تأويل لا يمكنه تفاديه , فالأداء بالنسبة لبينيت يتم تحفيزه مثل النزعة التفسيرية , وإنشاء نفسه كتجربة تفسيرية (على الرغم من أننا لا يجب أن نفهم التفسير مثلما فعل النقاد الجدد؛ أي باعتباره قراءة أو تفسيرا للنص الدرامي). فما يولده الأداء هو حدث اجتماعي , انه مزج للنزعة التفسيرية التي لا يمكنها في النهاية أن تنشر التفسير داخل الحدث , وخاتمة للتفسير ( في مساحة تأويلية) لكي يعمل كنص لمزيد من التفسيرات . فتفسير النص ينتج نصا آخر يكون هو نفسه عرضة لمزيد من التفسيرات , ولكن تفسير الأداء لا يحول الأداء الى نص : تظل العلاقة بين النص التفسيري والأداء غير قابلة للمقارنة و مثل العلاقة بين النص الدرامي والأداء المتطور معه / منه / وفي مقابله . فالأداء يقدم تعددية لا حصر لها حتى في نقطة بداية التأويل , وهو الوصول الذي يتجاوز بدعة إعادة الصياغة . يقدم فهم بينيت للأداء , بشكل مستغرب رؤية للأداء الدرامي تشبه أكثر النماذج انتشارا في تحليل الأداء غير الدرامي : السلوك المستعاد عند شيكنر , واستبدال جوزيف روتش . فكل من روش وشيكنر يهتمان تنميط النقل عبر النصي للتاريخ من خلال أشكال الأداء خارج الكتابة أو بشكل استراتيجي مقاوم للكتابة. ومع ذلك, يلاحظ شيكنر أن «الأداء ليس مجرد اختيار من البيانات المرتبة والمفسرة : انه السلوك نفسه ويحمل في ذاته حبات الأصالة, ويجعلها موضوعا لمزيد من التفسير , ومصدر مزيد من الدراسة. وتمييز بينيت بين التأويل ومساحة الأداء تقترح , رغم ذلك , أنه من خلال التفسير هنا لا بد أن نفهم المزيد من الأداء. ففي تأطير العلاقة بين الكتابة الدرامية وعرضها للأداء , يشير بينيت ضمنا إلى أن ريبرتوار الأداء يعيد الكتابة أو يستبدلها كسلوك , بدلا من الكتابة عنها : الجدلية بين سمات الكتابة (المتأثرة ثقافيا) والمتاحة , اذ توجد ممارسات التجسيد حيث يتشكل الحدث الدرامي.
 لقد مر بعض الوقت منذ أن اعتبرت النظرية الدرامية الوظيفة الأساسية للأداء الدرامي تمثيل للعالم القصصي . ومن الناحية التاريخية , فان الخيال النقدي الجديد المؤثر في مسرح الكتابة , كما تجادل اريكا فيشر ليشت , يكذب بسبب تحول المسرح الحديث نحو الإحساس بأن الأداء عمل فني مستقل :
 لم يعد النص هو الذي يوجه ويتحكم ويحسن الأداء. النص يصبـح بالأحرى مادة واحدة بين عدة مواد –مثل جسم الممثل, والصوت، والأدوات..الخ– ويتلاعـب الأداء بها ويقتبسهـا, عن طريـق تأسيسها مثل الفن.
ومع ذلك, بينما تعتبر تساوي مواد الأداء نموذجا للحداثة , فإنها تلاحظ أيضا أن :
 المسرح يحقق دائما وظيفة أدائية وإشارية. ففي الوقت الذي تتعامل فيه الوظيفة الإشارية مع  تمثيل الشخصيات والأفعال والعلاقات والمواقف وما إليها, تتعامل الوظيفة الأدائـية مع تحقيق الأفعال –من خلال المؤدين ومن خلال المشاهدين– وبهذا المعنى, ومع حداثية المسرح.
يمكن تتبع المسرح الحديث , ولاسيما مسرحانية ما بعد الحداثة , من خلال النسبة المتغيرة بين هذه الوظائف المرجعية والأدائية , وبين وساطة الكتابة المنسوبة الى بورك والمشهد في المسرح , وبين السجل المفاهيمي للكتابة والسجل التجريبي المؤثر للفعل المتجسد .
 ومع الاعتراف بالرابطة بين الكتابة والتاريخ العالمي للتميز الاجتماعي , من الممكن أيضا أن نرى النظرية الدرامية والتطبيق يقاومان الاقتصاد المتكرر في الانتقال من النص إلى الأداء ومن الأرشيف إلى الريبرتوار . وكلاهما مع فهم الأداء الدرامي ينعكسان بوجه خاص في أحد أبعاد تجديد المسرح السياسي في فترة أواخر السبعينيات وحتى التسعينيات , وهي المسرحيات التي ظهرت سياسيتها في الأداء على السطح الاشاري/الأدائي المشترك – مسرحية كاريل تشرشل « السحابة التاسعة Cloud Nine “ (1979) , ومسرحية نوتزاك شانج “ الفتنة # 7 Spell #7 “ (1979) , ومسرحية آنا ديفر سميث “ نيران في المرآة Fires in the Mirror “ (1992) و “ الشفق Twilight” (1993) , وعرض سبولدنج جراي لمسرحية “ قراءة Reading” ودمج “ انقسام السلاطين وسفك الدماء Split Britches and bloodlips” في “ إرجاء الحسناء Belle Reprieve” (1991), ومسرحية روبي ماكولي “ اغتصاب سالي Sally›s Rape” (1992) – وطالبت بنقد ناشئ عن المعاملة بالمثل . وربما نفهم تأثير جوديت باتلر في كتابها “ المشكلة بين الجنسين Gender Trouble   “ (1990) كجزء من هذه المراجعة لعملية الفكر التمثيلي في المسرح أيضا . وتميز الين دايموند , رغم ذلك , واقعية خشبة المسرح – وبالتأكيد صيغة المسرح التي تستند بوضوح على تقديم التمثيل على خشبة المسرح , والمستمدة من اتجاه ثرثرة النص ( تأمل برناردشو وأونيل و ستوبارد وأولبي ) – عند هذه الحافة الاشارية/الأدائية , باعتبارها أكثر من مجرد تفسير للواقع , ولكنها وسيلة لتقديم الواقع عن طريق تحديد متفرجيه لتمييز وتأكيد حقائقه .  فالواقعية تعمل بشكل خفي على حجب الوجود المرئي للمسرحي , ومع ذلك فان العمل الأيديولوجي للحجب يكون دائما مرئيا , وكذلك أيضا توليد المسرح الضخم لسوائل أداء بديلة استخدمت الكتابة في نزع سلاح مختلف الطرق , لكي تعرض فضلا عن أن تخفي النشأة الفكرية للوسائط والواسطات على خشبة المسرح وخارجها. وإذا ظهرت النصية والأدائية متكاملان دائما , في النظرية والتطبيق , مع أنهما متنافسان في نفس الوقت , فلا بد عندئذ أن يكون التمايز الدينامي حاسما في فعالياتنا داخل نظرية الأداء الدرامي .
 تتجاوز نتائج دخول الأداء الدرامي إلى الأرشيف الممارسات الصارمة مع الحدود بين الدراسات الأدبية ودراسات الأداء , وتؤثر على ظهور الممارسات النقدية والخطوط العريضة لتاريخ الأداء . ففي دراسة ليمان القوية “المسرح بعد الدرامي “ , دخل المسرح عهدا جديدا , تميز بأنه عهد بعد درامي ولاسيما في رفضه لهيمنة النص والتمثيل اللذان وضعهما أمامنا . بالتأكيد يتجاوز الأداء المعاصر حدود خشبة المسرح الدرامية , الذي كان دائما شكلا متخصصا ومتميزا عن الأناشيد الكورالية والصيد الجماعي والباليه وحتى الأوبرا والمسرح الموسيقي . ولكن في المسرح بعد الدرامي يقترح ليمان أن إزاحة الصفة التمثيلية للدراما – الذي تم تمييزه بالنصية – تحفز التحولات المعاصرة في مجال الأداء . وفضلا عن تحديد الأداء الدرامي بين الاشاري والأدائي , فان الأداء الدرامي عند ليمان هو أرشيفي بشكل شرس : يتوقع متفرجوه من المسرح تصوير النصوص الكلاسيكية , ويؤدي الى قصة مفهومة , ومعنى متماسك , وتأكيد ذاتي ثقافي , ويلمس مشاعر المسرح , ونظرا لأن نموذج أدائه مشتق بشكل ملح , ولاحق على أولوية النص , يكمن الأداء الدرامي في خطاب الدراما المكتوبة . وحتى إذا أخذنا في اعتبارنا الصيغ الهدامة – المسرحيات داخل المسرحيات , والجوقات , والمقدمات , واللغة الغنائية , والفن الدرامي الملحمي – فقد تمكنت الدراما من دمج كل هذا دون أن تفقد طابعها الدرامي , فرض تمثيل مشتق من التمثيل النصي على الواقع المقدم على خشبة المسرح.
     حجة ليمان تنشأ بمعنى ما في مقابل التقاليد المؤسسية والصارمة الأوروبية , وقد تظهر دراسات الدراما/المسرح/الأداء على أنها ترسم خريطة مميزة في أمريكا الشمالية . فمنذ أواخر القرن التاسع عشر , كان لتقاليد هذا العصر مفاوضاته مع المذهب الوضعي التاريخي , ورسم الحدود مع الدراسات الأدبية والحدود المختلفة المرسومة في الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة . واليوم كما يقترح ويلمار سوتر , “ مصطلح المسرح بالنسبة للمتخصصين في في شمال أوروبا لا يصف أ نوع أدبي أو فعالية فنية . ومع ذلك , يتجه التمييز التأسيسي عن دراسات الدراما في اتجاه تفسير أن رؤية ليمان للأداء الدرامي أدبية بشكل صارم . فبالنسبة الى ليمان :
 الكمال والوهم وتمثيل العالم متأصلون في تاريخ الدراما, على العكس من ذلك, يعلن المسرح الدرامي, من خلال شكله الفعلي, الكمـال كنمـوذج للواقـع. وينتهي المسرح الدرامي  عندما لا تكـون هــذه العناصر هي المبدأ المنظم  بل مجـرد متغير  واحـد محتمل في الفــن المسرحي.
في التمييز بين المسرح الدرامي والمسرح بعد الدرامي يصوغ ليمان إحساسا أدبيا بالأداء الدرامي – يذكرنا على نحو ما بأرشيف تايلور والريبرتوار , أو الأدب والسلوك عند شيكنر . ولكن تطرح هذه الرؤية سؤالا « هل يعرض النص دائما بهذه الطريقة – منقولا بطريقة مباشرة إلى كلام ووصف , وخطاب وتصوير ؟ . يصعب التعرف على مسرح ليمان الدرامي في عدسة دراسات الدراما المعاصرة , حيث تعني مقاومة تفسير مسرح النص أيضا مقاومة عرض التمثيل باعتباره المهمة المحددة للأداء الدرامي . ويضع مسرح التمثيل عند جولدمان في المقدمة عملية التمثيل كوسيلة له , وقناعة رئيسية له : التمثيل هو بؤرة تركيزنا وليس النص . ويفهم جارنر الأداء كموقف متعدد مركب , ونشر الأجسام الفعلية والخيالية والفراغات بطريقة تتفاوض باستمرار مع المدلولات الايهامية , ومسرح بينيت مسرح ثوري لأنه لا يمكن اختزال تفسيريته إلى قراءة شيء آخر , وتوليد التمثيل النصي . وحقيقة أن الأداء الدرامي يعطي حقوقا متساوية للعناصر الإيمائية والموسيقية والبصرية والحركية للأداء هو ما يميزه عن القراءة , وضرورة تصور هذه العناصر التي تتصدر , وفقا لمصطلحات بينيت , الخلل في قراءة المسرحيات وأدائها.
 بينما يفسر المسرح بعد الدرامي بشكل جذاب تطورات الأداء الحديث ويضعها في علاقة مع مرحلة الحداثة , فقد تكون المصطلحات التي يقدمها أكثر فائدة باعتبار أنها مميزة للأشكال الناتجة عن الأداء الدرامي : فمثلا , هناك المخرجون الذين يعرضون نصوصا درامية تقليدية ولكنهم يفعلون ذلك باستخدام الوسائل المسرحية بطريقة تنزع الدراما .  ونظرا لأن الدراما عند ليمان مصطلح له كمال أدبي مميز , فان العرض باستخدام الكتابة للتعبير عن الاشاري/ الأدائي يجب أن يكون غير درامي بالتعريف , ويبرز الصراع بين النص والمشهد , ويؤكد اكتفاء الممثل الذاتي بالجسدية , التي تعرض في كثافتها , إمكانيات إيمائية , وحضور شفهي وتوترات منقولة داخليا وخارجيا , وإعادة تشكيل مكانة ومعنى الجسم المسرحي الذي لا يستهلك نفسه في الدلالة والتمثيل , ويحظى في الأداء بقيمة فريدة . ومع ذلك , يجب أن تصف مثل هذه العبارات الأداء المسرحي – كما توحي قوائم ليمان المسماة لفناني ما بعد الدراما ( روبرت ويلسون وبيتر بروك , وروبرت ليباج , واليزابيث لوكومت , وفرانك كاستروف , وهانز يورجن سيبربرج , وتادوش كانتور , وريتشارد فورمان , وريتشارد شيكنر , وجون جورسون , وجيرزي جروتوفسكي, ويوجينو باربا , وتاداشي سوزوكي . ) – نظرا لأن ما بعد الدرامي أو غير الدرامي الذي يؤكد على جانب التقديم أو الجانب الأدائي هو دائما مطلوب , ومتحرك , بمتابعة الاشارية التمثيلية . على سبيل المثال يملأ المخرج ديمتري جوتشيف عرض « ايفانوف « الذي قدمه في مسرح فولكسبون في برلين (الذي شاهدته في يناير 2005) بالدخان , ويؤطر مسرحية تشيكوف في شكل سلسلة من الحوارات غير الدرامية : اذ تظهر كل شخصية من الضباب وتختفي فيه , ويبدو أن ايفانوف هو الذي يستدعيها ولكن من أين ؟ من عقله ؟ من الذاكرة ؟ من غضبه , من يأسه ؟ من شذوذه ؟ , حسنا يتم استدعاؤهم من مكان آخر على خشبة المسرح. يستحوذ العرض على الجمهور, كما أن بطء وتيرة الصراخ الرتيب السائد في المسرح الألماني المعاصر ويفرض وعيا مستمرا بتقديم الأداء . حتى أحداث المسرحية يتم تنظيمها بطريقة تتحدى تمثيل العالم في مكان آخر : بالنسبة للانتحار , يتلاشى الدخان بينما يرسم ايفانوف شكلا ضخما يطلق النار على نفسه على جدار أعلى المسرح , تتساقط الجثث الواحدة تلو الأخرى من الذباب . ومع ذلك, بينما ينحرف العرض عن الترتيب السردي لعالم تشيكوف السردي , يبدو من الملائم أن نقول ان انشغال الأداء التفاعلي بالكتابة والأداء يؤسس سردا متجاوبا , سردا ربما يرسل أدنى درجة تمثيل فضلا عن إزاحته تماما.
     وبدلا من تصنيف التنوع الواسع للطريقة التي واجهت بها نظرية نقد الدراما مادية الأداء , فقد حاولت هنا الانتباه إلى الفروق التي أدت إلى حد ما إلى وضع الأداء الدرامي على عتبة دراسات الأداء غير المحددة دائما : بمعنى أن الأشكال المكتوبة ثابتة في الأرشيف الأدبي على عكس التعددية المقاومة لربيرتوار الأداء , والشعور بأن الكتابة الدرامية – مثل أشكال الكتابة الأخرى ومثل استراتيجية قراءة التجسيد كنص , المنسوبة إلى جريتز – تمارس متعة مشوهة في كل من الأداء وفهمنا له . ورغم أن جاكسون يحدد خيال تناول الأدب الدرامي باعتباره مهيمنا بشك مؤسسي ( وقد كان فعلا خارج الأدب ) , يستمر الأداء الدرامي رهن الاستخدام كنقيض مميز لمفهوم متجاوز ومتجسد ومتحرك , وغالبا ما يكون تابعا ردود الفعل ومقاومة السلطوية الثقافية وأنماط تمثيلها التاريخي . وكما جادل ديفيد رومان عن الاستخدام المجازي للدراما لتنظيم لحظات المؤسسية وفوضى التخصصات في الدراسات الأمريكية , لذلك في تحديث دراسات الأداء , فان الدراما (والأداء الدرامي ) هي ما يفترض أنها معلومة لدرجة أنها من نافلة القول . فاستعادة الاستراتيجيات المركبة لقراءة الدراما – الاستراتيجيات التي يؤدي تركيزها النصي المعترف به إلى ابطال المشاركة الأكثر وضوحا في متعة الأداء – من شأنه أن يمكنننا من استجواب الكتابة الدرامية والأداء لتجاوز ما يتم تنفيذه ليكون معروفا , والذي كان معروفا لبعض الوقت بشكل مباشر الى حد كبير في أفضل الأحوال وغالبا بشكل خاطئ.
     حتى هذا الاختيار البسيط للنصوص بأنه لا يوجد أسبابا قوية فقط لمقاومة هذا الانقسام , ولكن من أجل محاولة صياغة فهمنا من جديد للوظائف الحاسمة للكتابة في الأداء , وكيف يمكن أن نقرأهم . وبقدر ما يبدو المشاريع النقدية التي تجمعت هنا منفصلة عن علم أصول « دراسات الدراما إلى الثقافة « , فإنها اهتمامهم – الكتابة كأداة للتجسيد , والكتابة في تصميم الفراغ , والكتابة التي تشارك في حدث , والكتابة التي تزيل تقاليد الخبرة – يتأثر بسهولة وبأمور محددة بالضرورة . ويمكن أن يعني نشر سطور هذا الاستفسار في اتجاه أغنى احتمالاتهم الاستفسار عن تلك الأجسام , والفراغات , وأنواع الخبرة موضوع الممارسة – الأسئلة التي تظهر في آن واحد بشك واضح ومتقطع في هذا العمل , والتي تتطلب اهتماما أوثق بأداء الأداء الدرامي.
     ويظهر أحد أمثلة هذه الممارسة في كتاب  سايمون شيبرد « المسرح والجسم والمتعة « . فعلى الرغم من أن شيبرد يقاوم ادخال عروض معينة , فانه يحدد عدة طرق يتم بها تقديم الأجسام ثقافيا في الأداء الدرامي . « يحتاج المسرح أشياء معينة من الأجسام « , ويحتاج التحليل الدرامي ( على الأقل ) مفهوما عاما لمفهوم تقنيات أداء الثقافة , لكي يكون يقظا للحظات المعينة التي يتأكد فيها علاقة هذه التقنية بجمهورها , ويتم تحديها ومناقشتها . وعلى الرغم من ترددنا تجاه تأطير شيبرد للأداء الدرامي باعتباره نصية خاصة بالجسم , لكي يحدد شروط وسائل هذه المواجهة ليس فقط للوصول عبر الأفق النصي إلى التمسك بالريبرتوار الذي يصنع التبادل بين مختلف الأشكال والحالات المزاجية وأشكال التعبير الواضحة , ولكنه يقاوم أيضا أن مفهوم الأداء يتم التقاطه بمجرد نسخ الشفرة.
     يأخذ بلو اللغة لإدخال وصمة التاريخ إلى الأداء , وتحمل الكتابة تغييرها في التجسيد والخضوع في مكان وزمان التجسيد . وإذا كان التمثيل يعني ضمنا الانضباط الأيديولوجي للأجسام تجاه وسائل الدلالة المتضمنة ثقافيا , فان الكتابة الدرامية – بما لها من جدلية مماثلة في التنوير والتغيير – تجلب أنماطا خارجية من الوساطة للتقديم , مع تسجيل اللغة وتحض على الموضوعات في الفعل , وهي موضوعات تحض عليها ولكنها لا تستطيع تمثيلها تماما . فالتغيير المادي للكتابة , مثل القماش أو الخشب في انتظار تشكيله للاستخدام كأداء – يمكن إدراكه بسهولة في أي حدث عبر ثقافي . حتى عدم الإلمام المعقد بلغة شكسبير أو بن جونسون أو برنارد شو , حتى في أكثر العروض المعاصرة أو بعد الدرامية , بينما تميل عروض أنتيجون لدينا إلى التحدث بلغة معاصرة , فان كلماتهم لها صدى مع القيم ووجهات النظر والمواقف الغريبة . وتجلب الكتابة الدرامية الحديثة هذا التغير إلى المسرح أيضا , والإيقاع المميز والمرجع الذي يجب أن يعمل في شيء آخر : هو الأداء . فالكتابة الدرامية هي للاستخدام . ورغم ذلك نستخدمها – في ظل الخيانة أو الإخلاص , الذي يميل الى في اتجاه الاشاري أو غيرالأدائي – فإنها تحتفظ بطابع أو ميل له شكل في الحدث . وفي حين أن هذا التغير مرئي ومسموع في بعض النصوص أكثر من أخرى , فانه موجود هناك , في نوبات الخشونة عند ديفيد ماميت كما في التكرارات المبهمة والاستراحات والنوبات عند سوزان لوي باركس.
     قد يبدو هذا وكأنه عودة إلى خطاب تكوين الشخصية المسرحية الأدبية في النقد الجديد , ولكنها ليست كذلك : فمثل هذا المسرح يعيش في الأرشيف , وفي العروض الملهمة , وفي بعض أنواع النقد – كما أشار جولدمان عام 1975 – وفي تأطير الأدوات المهمة لتمكين دراسات الأداء . فالمسرح الدرامي يواجه الأرشيف بالريبرتوار , أو وفقا لمصطلحات بينيت , يعرض الأرشيف على الريبرتوار لكي ينتج حدثا فريدا على سطح الفن المشترك, غير مسبوق بالنص أو عن طريق تثبيت بدائل السلوك التصالحي. وعلى الرغم من ذلك, فإن تجسيد المسرحيات ككتب يجسد أيضا وهم ركودها الأرشيفي , أو ربما في أفضل الأحوال , يثبت أحد أشكال الكتابة كذريعة للعب وتعدد الكتابة ومضاعفتها , وإهمالها في عملية الإنتاج . ويمكن توظيف الكتابة كأرشيف : الدراما هي مستودع الحض على الفعل , وبرمجيات إنتاج أحداث مهمة في التكنولوجيا الاجتماعية والثقافية لمسرح معين وايديولوجيات الفعل والتمثيل والسلوك والهوية التي يدعمهم . ومع ذلك , بغض النظر عن مدى قدرتنا على تتبع الاستمرارية الواسعة في الدراما الغربية , فان الوسائل المسرحية لتحويل الكتابة الى أداء تكون دائما تحت الضغط . ان تغير تقويمات الإنسان والفن الهادف ووسائل الانتباه وهدفها يغير باستمرار شكل نظم الأداء التقليدية . ما هي تكلفة إتاحة أنواع مختلفة من الكتابة الدرامية في أنظمة العرض المختلفة ؟ وكيف تؤدي الكتابة , وفقا لعبارة أنطوني كوبياك , باعتبارها العدسة التي من خلالها يمكن أن تعاني التجربة والفكر والعاطفة ؟ وكيف يمكننا أن نطور النماذج النقدية والتربوية لقراءة الدراما كمكان للوساطة , ووسيلة لبناء ذلك الفعل الذي يتم أداؤه من خلال وسطاء في مشهد المسرح؟
     تطوير هذه الأسئلة يحتاج اهتماما متجددا بالحالة الراهنة للتفاعل بين الأرشيف والريبرتوار : وطرق قراءة النص كمادة مفتوحة للاستخدام , المعرضة للبناء داخل أنظمة عرضية مع أنها أنظمة تقليدية للأداء , والسلوك الخطابي , مع تذكر أن التمثيل ليس منتهى بلاغة المسرح , وأن السلوكيات المميزة لمسرح التمثيل نفسه تتعلق – بتكثيف وعكس واقتباس وتلخيص وتقليل وعزل وتجسيد – ريبرتوار السلوك في ذلك المسرح الآخر خارج خشبته . ولكنه يتضمن في النهاية تطوير طرق تقدير مادية الكتابة , ليس فقط في شكلياتها العامة , ولكن كيف تحض على العملية والمكان, وتضع السطح المشترك للتمثيل والتقديم, وتوفر مواد للتفسير المنفصل عن الأحداث الدرامية, التي تظل قوة كامنة للنقد السياسي والمقاومة والفعل في جميع أنحاء العالم.
.....................................................................................
ويليام بيل ورزين يعمل أستاذا زائرا في مقعد الفنون والتمثيل في قسم المسرح في برنارد كوليج بجامعة كولومبيا. وأحدث كتبه هو « طباعة وشاعرية الدراما الحديثة Print and Poetics of Modern Drama” الصادر عن مطبوعات جامعة كمبريدج عام 2005 . ويعمل حاليا على كتاب بعنوان “الكتابة والأداء في الثقافة الرقميةWriting and Performance in Digital Culture”
نشرت هذه المقالة في مجلةTdR ,Drama Review , 52:3 (T199) fall 2088  .


ترجمة أحمد عبد الفتاح