جولة فى شارع المسرح الأمريكي

جولة فى شارع المسرح الأمريكي

العدد 726 صدر بتاريخ 26يوليو2021

ملاحظة مهمة خاصة بعالم المسرح لكنها يمكن أن تنطبق على مجالات أخري. تتعلق الملاحظة باليهود، فكلما تعرضت إسرائيل للنقد بسبب سياساتها العدوانية والإجرامية نفاجأ بمواد دعائية تغمرنا بها وسائل الإعلام العالمية الخاضعة للنفوذ الصهيوني عن فضل اليهود على العالم فى مختلف المجالات. نجدها مثلا تتحدث عن مساهمة علماء اليهود فى تقدم الإنسانية عن طريق اختراعاتهم  والتى وصلت إلي اختراع الأسبرين والقلم الجاف وغيرها. وتحاول الدعاية اليهودية استدرار العطف بأن مخترع الأسبرين لم يحصل على أي  شئ بزعم انه توصل إليه من مادة كانت معروفة ومتداولة.  وكيف أن نسبة كبيرة من الفائزين فى الفئات العلمية لجوائز نوبل من اليهود.
حسنا نحن لا نجادل فيما قدمه اليهود للإنسانية، لكن ذلك لا يعد سببا بالتأكيد للتغاضى عن جرائم إسرائيل فى حق الشعب الفلسطينى وشعوب أخري مثلما تدعم أثيوبيا فى مؤامرة سد الخراب وإشعال الحروب الأهلية كما يحدث فى أسيا وأفريقيا ودعم عصابات المخدرات فى أمريكا الجنوبية وغيرها. ولا يمكن أن يبرر ذلك محاولاتها لفرض أكذوبة المحارق على العالم بكل قسوة والبطش بكل من يشكك فيها . ويصل الأمر إلي وجود قوانين فى 11 دولة أوروبية تعاقب من يشكك فى هذه الأكذوبة التى اثبت باحثون محايدون أنها أكذوبة . 
أنغام يهودية
المناسبة هنا فيلم تسجيلى مدته ساعة ونصف الساعة  عرضته اكثر من قناة تليفزيونية فى الولايات المتحدة وأوروبا وبثته اكثر من صحيفة على مواقعها الإلكترونية لمن يريد مشاهدته باسم “أنغام يهودية “. ويزعم الفيلم أنه يكشف النقاب عن صفحة مجهولة من تاريخ المسرح الأمريكي.  ويشيد  باليهود باعتبارهم أصحاب فضل فى نشأة  المسرح الموسيقى فى برودواى عاصمة المسرح الأمريكي وربما برودواى نفسها - من خلال موسيقاهم وأغانيهم. 
فقد  ساعدت موسيقاهم وأغانيهم كما يقول الفيلم  على ظهور المسرح الغنائى الذى كان بمثابة مقدمة لازدهار برودواى . ويصل الفيلم التسجيلى إلي نتيجة مؤداها أن الموسيقى فى برودواى شبه اختراع يهودى بالكامل ولولاهم ما عرفت برودواى هذا الشكل من أشكال الفن  ولانتهت برودواى وأصبحت مجموعة من المسارح العادية. 
ويضرب  أمثلة عديدة على ذلك منها حالة الموسيقار اليهودى “ريتشارد رودجرز” (1902 -1979 )ومؤلف الأغاني “أوسكار هامرشتاين” (1895 -1960). وتقول إن هؤلاء أول من أدخل المسرح الموسيقى إلي برودواى من خلال مسرحية “أنا وجوليت” التى لحنها الأول وكتبها الثانى. هذا فضلا عن أسماء أخري وردت فى الفيلم مثل “جون كاندر” و”فريد ايب” الذين ابدعوا عددا من روائع المسرح الأمريكي تأليفا وألحانا  مثل “شيكاغو” و”كاباريه”. 
أسباب
ويمضى الفيلم فى الاشادة باليهود فيتحدث عن السبب الذى يجعل دور اليهود فى المسرح الأمريكي غير معروف على نحو جيد. يقول الفيلم فى نفاق واضح أن السبب يرجع إلي هؤلاء اليهود انفسهم. فمعظمهم كان يرفض الإشارة إلي انتمائه اليهود  ويعتبر الحديث عنه أمرا لا معنى له.  ذلك أن الفن كما ورد فى الفيلم قيمة إنسانية ويجب أن يعبر عنه الفنان ولا تكون له علاقة بدين أو أي انتماء أخر. هذا رغم أن بعضهم – خاصة الملحنين -كانت هناك أثار يهودية غير مباشرة فى أعماله مثل موسيقى الكليزمر الدينية اليهودية كما حدث فى مسرحيتى “كاباريه” و”عازف كمان فوق السطح” و”قبلينى ياكيت “. وكان يتبنى هذه الرؤية عدد كبير من اليهود فى مختلف اشكال الفن رغم أن بعضهم كان متعصبا لاسرائيل ولايتوانى فى دعمها كما يقول الفيلم لكن ربط العمل الفنى  بالانتماء اليهودى شئ اخر.  وكان بعضهم يؤيد فى اعماله امورا لايقرها الدين اليهودى مثل المثلية ولايريد لانتمائه الدينى أن يكون عقبة امامه. 
واستشهد الفيلم بعبارة المخرج اليهودى وودى ألان “أنا فنان بطبعى وتصادف أنى يهودى”. 
ويشيد الفيلم بالعديد من الممثلين اليهود الذين شاركوا فى أعمال دينية مسيحية فى المسرح وغيره. كما أدى انتماء كتاب المسرح والموسيقيين اليهود إلي دول متنوعة هاجروا أو هاجرت أسرهم منها إلى إثراء برودواى.  وينتهى الفيلم من أكاذيبه فيعتبر أن المسرحيين اليهود دافعوا فى اعمالهم الناجحة (!!!!)عن قيم المجتمع الأمريكي مثل رفض التفرقة العنصرية وقبول المهاجرين. ولم يتعرض إلي دور المسرحيين اليهود فى الترويج لأكاذيب إسرائيل. ويأخذ عليهم فقط انهم كانوا يتبنون مواقف معادية للسامية بإظهار شخصية هتلر فى بعض أعمالهم!!!.
مسرح فى الصحراء
زواج فيجارو برؤية أمريكية لجذب الجماهير 
إخراج من فرنسا عبر الأيباد 
فى صحراء ولاية نيومكسيكو الأمريكية... فى الضواحى الصحراوية لعاصمتها  سانتافى. احتفل عشاق المسرح من الولاية وخارجها بحدث مسرحى مهم وهو إعادة افتتاح أوبرا سانتافى التى تقبع وسط الصحراء وتحيطها مجموعة من الأشجار الجميلة بعد إغلاقها لأكثر من عام. من جراء كورونا.
وما كان من الممكن أن يحدث ذلك لولا أن الولاية رفعت كافة القيود الاحترازية والإجراءات الوقائية وإتمام تطعيم اكثر من ثلاثة أرباع سكان الولاية الشهر الماضى مما جعل من الممكن فتح هذا المسرح . وتم ذلك بإجراءات وقائية متعددة مثل إلزام المشاهدين بارتداء الكمامات وبقواعد التباعد الاجتماعى بين المقاعد دون رفع أسعار التذاكر.
ولجذب الجماهير إلي المسرح  بعد طول انقطاع تم   اختيار الأوبرا الشهيرة “زواج فيجارو” للموسيقار النمسوى الشهير أماديوس موزار الذى كان من نوابغ الأوبرا بحق حيث ابدع 626   عملا أوبراليا عبر حياة قصيرة اقتربت من 36  عاما. وقد بدأ العزف وهو فى الرابعة من عمره .وأبدع أول أعماله فى الثالثة عشرة من عمره وابدع هذه الأوبرا عام 1786 عندما كان فى الثلاثين من عمره وقدمها على مسارح روما. وتوهجت الموهبة سريعا وانطفأت سريعا.
 وقدم الأوبرا  مجموعة من الأصوات الغنائية الشهيرة فى الولاية والولايات المجاورة.  
وساعدهم على ذلك اتساع خشبة العرض بالأوبرا لمفردات الديكورات المطلوبة لهذا العمل الفنى مثل الساعة الذهبية الضخمة والشجرة بالحجم الطبيعى.
وكان حفل الافتتاح رائعا حضره مئات المشاهدين وامتلأت مقاعد الأوبرا إلي الحد الأقصى المسموح به. كما تم وضع شاشات كبيرة  فى عدة ميادين فى سنتافى عرضت عليها الأوبرا على الهواء لجذب الجماهير لمشاهدتها فى المسرح.
رؤية جديدة
ولا تعرض المسرحية بالرؤية الفنية الأصلية لمبدع العمل ،بل تعرض بالرؤية الأمريكية لهذا التى تبلورت على ايدى عدد من الموسيقيين والمخرجين الأمريكيين فى سنوات الكساد الكبير فى ثلاثينيات القرن الماضى  لهذا العمل وما تبعها من تغييرات فى الرؤية الأصلية كما عبر عنها موزار . فهى اذن تلتزم بالخط الاساسى مع اختلاف فى الرؤية .
وتدور أحداث الأوبرا فى إشبيلية بإسبانيا حول زواج امرأة من الطبقة الراقية برجل مكافح من  البسطاء ويتغلبان على عدد من المشاكل التى تهدد زواجهما والتى بدأت منذ اليوم الأول.
وكان الجزء الأكبر من إعجاب الجماهير من نصيب مغنية السوبرانو فانيسا فاسكويز التى تألقت فى دور الكونتيسة الما فيفا . وشاركت أيضا فى المسرحية المطربة الصينية المقيمة فى الولايات المتحدة ينج فانج .
ومن المفارقات أن تكون المسرحية من إخراج المخرج المسرحى الفرنسى لوران بيل الذى أخرجها من محل إقامته فى باريس دون الحضور إلي الولايات المتحدة. عن طريق مساعد له كان ينقل التعليمات إلي الممثلين المشاركين عن طريق تطبيق الواتس اب ثم ينقل له البروفات عن طريق الأيباد.
 بقى أن نعرف أن موزار استوحى الأوبرا من قصة من قصة (زواج فيجارو) للكاتب الفرنسي بومارشيه وكانت هذه القصة تكملة لقصة سبقتها كتبها بومارشيه هي حلاق إشبيلية، وتدور أحداث المسرحية في إشبيلية في القرن الثامن عشر .  


ترجمة هشام عبد الرءوف