«بنــــــك القــــلق» فكرة عبثية على مسرح الجامعة الأمريكية

«بنــــــك القــــلق» فكرة عبثية على مسرح الجامعة الأمريكية

العدد 850 صدر بتاريخ 11ديسمبر2023

على مسرح الفلكي بحرم الجامعة الأمريكية بالتحرير تمت استضافة العرض المسرحي “بنك القلق” المأخوذ عن مسرحية من تأليف الكاتب الكبير توفيق الحكيم، إعداد أدهم سيد، ودراماتورج نور قبطان، ومن إخراج د. دينا أمين، إنتاج الجامعة الأمريكية بالقاهرة، مدرسة العلوم الإنسانية والاجتماعية ـ قسم الفنون، والمسرحية سبق عرضها من قبل أيضا على مسرح ملك جبر، ومن بطولة نخبة من طلبة وخريجي الجامعة الأمريكية بأقسامها المختلفة، والمسرحية تم تقديمها كإهداء إلى فريق مسرح قسم إنجليزي بجامعة القاهرة.
والقلق هو شعور بعدم الارتياح، مثل التوتر أو الخوف، يمكن أن يكون خفيفًا أو شديدًا، وقد يعترض أي شخص، أما اضطراب القلق العام فهي حالة طويلة الأمد تجعلك تشعر بالقلق حيال مجموعة واسعة من المواقف والقضايا، بدلاً من حدث واحد محدد، ويمكن أن يسبب أعراضا نفسية عقلية وجسدية.
وبالتالي فإن القلق هو شعور عام هو والبشر متلازمان، ينتاب المجتمعات ولأفراد في العالم أجمع على مر العصور، فدوما سيكون هناك قلق ما دام هناك بشر، ومن هنا تكمن عبقرية الحكيم في اختياره الموفق لموضوع مسرحيته التي يبقى موضوعها خالدا لا ينتمي إلى زمن أو مكان محددين، وهناك قلق شخصي وقلق مجتمعى، فالقلق الشخصي هو قلق لا يتجاوز صاحبه مثل قلقه من الماضي أو من المستقبل أو قلقه على أبنائه.. الخ من أنواع القلق الشخصي، بينما هناك القلق المجتمعي مثل القلق من الحروب أو الزلازل أو الأعاصير أو سياسة دولة ما، وهو قلق يتشارك فيه المجتمع ككل ضد خطر عام يهدد كل أفراده و كياناته.
والقلق المجتمعي هو قلق متشعبة موضوعاته، وقد اختار هنا توفيق الحكيم في مسرحيته “بنك القلق” واحدة من إحدى موضوعاته الهامة التي تتطرق إلى سياسة الدولة حينذاك وفكرة الاستقطاب التي كانت سائدة في المجتمع المصري أيام الاشتراكية في ذلك الوقت واليمين واليسار وغير ذلك، وجميع أنواع القلق التي كان يعاني منها المجتمع، مشيراً أيضاً إلى العديد من أحلام ومشاكل الشباب في زمنه.
 في “بنك القلق” قدم الحكيم إسهاماته التجريبية في الكتابة كنموذج للبحث عن قوالب جديدة يصب فيها فنه، وهو في سن متأخرة حيث قارب عمره على السبعين عاما، حيث ابتكر بالفعل مصطلحا جديدا أطلق عليه مصطلح “مسرواية”، استطاع من خلاله أن يجمع جماليا بين الشكل المسرحي والشكل الروائي في الكتابة ويضم الشكلين مع بعضهما البعض في عمل واحد، وتلك كانت فكرة تجريبية جديدة لمسرح ذهني محكم الإتقان لم يسبقه فيها أحد من قبل، كما أنها تعد جرأة تحسب له لم يعتد عليها الكتاب المعاصرون لجيله مما تعرض معها للنقد والجدل، وقد أراد الحكيم من خلالها أن يترك القارئ أمام نهاية تورثه رصيدا مفتوحا من القلق على مصير الشخصيات، وكما تتورط شخصيات المسرحية بأحداث غريبة، يتورط قارئ “بنك القلق” أيضا وكأنه أصبح بالفعل زبونًا يشارك برصيده الشخصي في ثروة أمة كاملة قلقة على مستقبلها، وبالتالى يحدث التطهير هنا لجمهور المتلقي حين تتحول الرواية إلى مسرحية ليشارك الشخصيات المسرحية في قلقهم، مما يدفعه في نهاية العرض المسرحي إلى الخروج منها وهو في حالة تطهير نفسي نتيجة مشاركته لقلقه الشخصي مع أبطال العرض المسرحي كنوع من التنفيس وتجنب الضغوط النفسية الناجمة عن الكتمان.
في نسخة “بنك القلق” لتوفيق الحكيم تدور الأحداث في قالب كوميدي فيما يسمى “مسرح الكباريه السياسي”، حيث ينتقد فيها السلطة في عصره حينذاك وما تثيره من قمع وملاحقة لأي محاولة لتعبير الشعب عن قلقه، ثم يقترح بأن تصارح السلطة الشعب بالعقبات التي تواجهها وأن تترك الحرية للمواطنين بالتعبير عن قلقهم، حيث يمثل كلا من أدهم وشعبان من شباب الوطن المثقف هنا حال المجتمع وقلقه، وما يواجهان من قمع معنوي وانعدام لفرص العمل والفقر والحرمان، ومن ثم خروج من السجن ليلتقيا مصادفة ليجد كل منهما تشابها كبيرا بينهما في الظروف الصعبة التي يمرون بها من إفلاس وضياع وفشل وجوع، ولكن أدهم لم يتخل قط عن حلمه  في أن يقدم شيئا نافعا مفيدا للناس ولوطنه، ومن ثم يتفق مع زميل الدراسة المعدم شعبان على مشاركته في إنشاء بنك للقلق يعالج فيه الناس من قلقهم، ومن ثم ينتشلهم أيضا من التشرد والتسكع في شوارع القاهرة بلا هدف، واقترح أن يكون هو مدير البنك ويعين زميله شعبان كصراف وتصبح شقة أدهم القديمة مقرا لهذا البنك، يحقق المشروع فشلاً ذريعاً في بدايته ولا يزور البنك في شقة أدهم أي عميل لعدة أيام، ثم تسير الأمور في الإتجاه المعاكس عندما يطرق بابهم رجل وسيم في الخامسة والخمسين من العمر يدعى «منير بك عاطف» وهو من ملاك الأراضي القدامى الذين وقعت عليهم أضرار تطبيق قانون الإصلاح الزراعي الذي صدر بعد قيام حركة 23 يوليو 1952، عرض منير بك عاطف تبني مشروع البنك وعرض عليهم مرتبات كبيرة، كما قام بنقل البنك إلى موقع فاخر جديد بشقة في وسط المدينة، ونال ذلك استحسان أدهم وشعبان أو بالأحرى تسبب في ذهولهما، بدأ الشباب في موقعهم الجديد في استقبال عملاء البنك، كما بدأت حوارات مطولة وذات قيمة حول مصر بعد الثورة ومصر قبلها في العصر الملكي، وعن الاشتراكية والرأسمالية، والمجتمع والمواطنة، والتقدمية والرجعية وكل ما كان يشغل فكر المثقف العربي في تلك المرحلة، لكن الفكرة المبدعة هذه لم تمر على السلطات مرور الكرام، فسرعان ما وصلت إليهم المخابرات، وبدأت تتجسس على هواجس الناس وقلقها، وهكذا حول النظام البوليسي جهده نحو محاصرة قلق الناس، فيصبح مجرد القلق تهمة قد تدين عملاء هذا البنك، وتودي بهم إلى مصائر مروعة.
 ولكن في نسخة «بنك القلق» التي أعدها أدهم سيد بشكل عصري وأخرجتها د. دينا أمين فقد ابتعدت بها عن الجانب السياسي، ولمست وركزت من خلالها أكثر على الجانب الإنساني في شكل عبثي ساخر، أو ما يدعى بالكوميديا السوداء حول حال فئات مختلفة من المجتمع كل منها يعبر عن قلقه، دون الإفصاح عن شخصية «منير بك» أو حتى ظهوره، ولكن فقط جعلت منه رمزا مجهولا لكل قوى الشر ممن تستغل قلق الشباب كل في مجاله وتخصصه، من أجل إحباطهم والسيطرة عليهم واستقطابهم كي يتم استغلال قلقهم وعدم ثقتهم في أنفسهم والآخرين للتأثير عليهم  حتى يصيروا جزءا منهم، وتركت المخرجة هنا الباب مفتوحا للمتلقي وحده من أجل توقع هوية تلك القوى الشريرة والكشف عنها  كل حسب ميوله وأهوائه، فهناك من يراها الإرهاب وآخرون قد يرونها الإدمان، وهناك من يراها قوى خارجية تعمل في الجاسوسية.. الخ من التوقعات والتحليلات، وبالتالي أخذت فكرة المخرجة هنا بالتعاون مع المعد أدهم سيد الجانب الفلسفي في الرؤية الإخراجية للعرض المسرحي أكثر من المباشرة لدى توفيق الحكيم في نصه المسرحي «بنك القلق».
استطاعت المخرجة دينا أمين اختيار خمسة عشر ممثلا وممثلة من أبطال العرض المسرحي «بنك القلق» كل واحد فيهم في مكانه الصحيح شكلا وموضوعا، مما يدل على خبراتها الكبيرة في علم تسكين الشخصية، فالممثل لا يحكمه الأداء الجيد فقط ولكن يجب أن يتناسب شكله مع الدور وتاريخ الشخصية التي يقوم بأدائها أيضا، لذا فوجدنا كلا من عمر جمعة وكريم حمد في أدائهما لأدوار أدهم وشعبان وجهين لعملة واحدة، سواء من حيث التناسق الشكلي لكل منهما مع بعضهما البعض من حيث الطول وتضاريس الوجه المنحوتة مما يدل على وحدة القهر والفقر والمعاناة بينهما، وكذلك أيضا تشابه كل منهما مع الشخصية التي يؤديها وما تحمله من أحلام وإحباطات، وبالتالي جاء تأثيرهم بالغا على الجمهور المتلقي من حيث خفة الظل أو الصدق الفني.
أما كل من زينة قنديل وحنين الدمرداش فقد أجادا في تجسيد أدوار الفتيات أبناء الطبقة الشعبية البسيطة بأدائهما الفطري والتلقائي الناتج عن استذكارهما الجيد لأبعاد الشخصية التي قام كل منهما بأدائها والتوحد معها.
جاء أداء مريم أشرف زكي في دور الابنة الأرستقراطية لرجل الأعمال الثري من تبني مشروع البنك هو مفاجأة العرض المسرحي خاصة ان ذاك العرض يعد هو الوقوف الأول لها على خشبة المسرح، والجميع يعلم رهبة الوقوف على تلك الخشبة في مواجهة الجمهور والتي يخشاها الممثل الكبير قبل الصغير ويعمل لها ألف حساب، وبالرغم من ذلك إلا أن صدقها وثقتها في نفسها كانت إلى أبعد الحدود مما يجعلك كمتلقٍ تظن معها أنها ممثلة لها خبرات وباع طويل مسرحيا، وهذا يعود نتيجة نشأتها وسط أسرة فنية فوالدها هو الأستاذ الدكتور أشرف زكي نقيب الممثلين، ووالدتها هي النجمة المعروفة روجينا، وبذكاء يحسب لها رغم صغر 
سنها وحداثة خبراتها قامت بأداء الدور من منطلق عصري يقوم على المزج سويا ما بين الأداء المسرحي والسينمائي، فابتعد أداؤها عن المبالغة الصوتية وكذا حركة اليد كما هو الحال في السينما العالمية، إضافة إلى إجادتها للحركة المسرحية التي وجهتها لها مخرجة العرض دون أدنى أخطاء والمختلفة كلية عن الحركة السينمائية حيث يحكم الحركة هنا هو مواجهة جمهور العرض وليست الكاميرات. 
أما عن رولا خليل وهنا إسكندر في أدائهما لكل من دور فاطمة والزبونة الأم، فقد أتقن كل منهما دوره إلى حد بعيد سواء على مستوى الأداء أو على مستوى الكاركتر، خاصة هنا إسكندر التي نجحت في ابتكار كاركتر متفرد لدور الزبونة الأم المتعصبة من خلال أدائها وإكسسوارتها وملابسها أكسبتها شخصية مميزة مسرحيا.
أجاد سيف الله بحيري تقمص وأداء دور «الزبون الزنديق» ذاك الزبون الثوري العلماني الذي يردد دوما الشعارات ولا يؤمن سوى بأفكاره الثورية، وهو على النقيض تماما، للسيد هجرس الذي قام بدور «الزبون الشيخ» والذي يرجع أي شيء وكل شيء إلى الدين ولا يؤمن بالعلم، وقد أحسنت المخرجة توظيف كل منهما من خلال ترتيب ظهورهما المتتالي مسرحيا، مما يبرز ذاك التناقض بينهما حقيقة أفكارهما المضللة مجتمعيا، و أدى كل منهما لدوره بشكل كوميدي ساخر وهزلي نجحا من خلاله في نقد الشخصية جماهيريا. 
أما عن ملك النجار في دور «مايا»، وفرح هلال في دور «فتاة المصنع»، فعلى الرغم من التناقض الواضح بين الشخصيتين مجتمعيا وطبقيا إلا أنهما توحدا سويا مع بعضهما البعض في روعة الأداء وتقمص الشخصية بكل أبعادها النفسية والمادية والاجتماعية.
نجح «سيف عبد النبي» وبشكل كوميدي ساخر في الأداء في إبراز هموم ومتاعب مشجع كرة القدم وما ينتابه من قلق وتوتر على فريقه نتيجة تعصبه الكروى، وبالتالى جاء أداؤه المبالغ فيه متوافقا مع شخصية المتعصب التى هى بالفعل شخصية مبالغة فى انفعالاتها، إلى أنني كنت أفضل عدم الإشارة بالمشهد إلى انتمائه لنادٍ معين واختيار فانلة فريق وهمية رمزية  بدلا من الكشف عن فانلة نادي الزمالك احتراما للنادي العريق وجماهيره وبطولاته حيث إن التعصب هو ظاهرة عامة لا تقتصر على نادٍ بعينه.
كما نجح أيضا أحمد قنديل في دور «زبون الجيمينج» وبتمكن وخفة ظل واعدة منه تبشر بمستقبل كوميديان على درجة عالية من الاحترافية، في إلقاء الضوء على مخاطر السوشيال ميديا وعدم استخدامها لدى الشباب في الاستخدام الأمثل والمفيد مجتمعيا، بدلا من استهلاك طاقتهم في ألعاب الجيمينج والأمور غير المجدية. 
وأخيرا كان مسك الختام بتألق كل من ملك الليثى وزينة عمر في أدوار «أم الخطيبة» و»الخطيبة»، حيث نجح كل منهما في التوحد مع أدوارهما الشعبية، سواء على مستوى اللكنة في الكلام أو الصدق في الأداء، كما كان اختيارهم من قبل المخرجة موفقا من الناحية الشكلية، واستطاعت من خلالهم إبراز القلق الذي ينتاب الفتيات البسيطات بخصوص مستقبل زواجهن ممن يتعلقن بهم عاطفيا، بسبب مغالاة الأهل وخاصة الأمهات في طلباتهم المادية المبالغ فيها، والتي تعد من الكماليات غير الضروية والتعجيزية، وفي ذات الوقت إبراز قلق الأمهات من أجل الرغبة في توفير مستقبل آمن لبناتهن، لذا فهو في النهاية يعد قلقا مشتركا ومتبادلا.
تصميم الديكور والإضاءة لجون ستفن هوي وهو أمريكي الجنسية حاصل على ليسانس الفنون من جامعة شمال كارولينا للفنون، وماجستير الفنون من جامعة تمبل، كما صمم ديكور وإضاءة أكثر من 300 عرض مسرحي حول العالم، وحصل على العديد من الجوائز العالمية في مجاله، وقام بالتدريس في العديد من الجامعات بالولايات المتحدة الأمريكية، كما قام برئاسة قسم التصميم لمدة عامين بالجامعة الأمريكية، وعمل في القاهرة مع الفنانة شيريهان وهادي الباجوري في فيلمهما المنتظر «كوكو»، كما قام بتصميم حفل الافتتاح والختام لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الأربعين، وفي مسرحية «بنك القلق» إنتاج الجامعة الأمريكية قام بتصميم كلٍ من الديكور والإضاءة لها، حيث جاء الديكور في اللوحة الأولى معبرا عن حال بطلي العرض أدهم وشعبان وما أصبحا عليه من بؤس وفقر، فجاء الديكور بسيطا فقيرا في رمزية موفقة ومعبرة عن حالة المشهد، سواء إن كان ديكور الشارع ببساطة مفرداته من موتيفة لسور الكورنيش مع مقعد خاص بالرصيف وبانر كبير في الخلفية لمجموعة أشجار، أو إن كان ديكور المكتب الفقير الذي قررا معا تأجيره من أأجل مشروعهم المزعوم فجاء الديكور مقتصرا على مكتب قديم متهالك بكراسيه القديمة دلالة على تواضع وبساطة ذاك المكتب، أما في اللوحة التانية وبعد ثراء بطلي العرض نتيجة معاونة رجل أعمال لهما وتبني مشروعهم، فجاء الديكور بالرغم من بساطة مفرداته إلا أنه جاء موحيا بالفخامة والوجاهة، من خلال قيام جون بتقسيم المسرح إلى نصفين من خلال ساتر لباب مزدوج في المنتصف بين الغرفتين وكل غرفة بها مكتب مودرن يدل على الثراء، واختار جون اللون الأبيض لتكون أألوان المكاتب لتتناسق مع قمصانهم البيضاء للدلالة على نقاء بطلي العرض ووحدة معاناتهم التي أهلت قوى الشر لاستغلالهم باستدراج واستقطاب الغير من عملاء البنك من أجل تحقيق أهدافهم ومصالحهم الخاصة الشريرة، وقد رمز جون لذاك الاستدراج من خلال سلم طويل في الخلفية ينتهي بغرفة لشخص مجهول الهوية يصعد إليها كل من يتم جذبه واستدراجه ويقع في فخ ذاك الاستغلال والاستقطاب بعدما يكشف عن نوع  قلقه ومخاوفه، أما عن الإضاءة المسرحية  لنفس المصمم فقد تمثلت قمة إبداعها في مشاهد ظهور ظل الشخصية مجهولة الهوية خلف البانر الذي يمثل غرفته، وتسود الإضاءة الصفراء تلك المشاهد دلالة على المصير المجهول لهؤلاء العملاء، وكذا مشاهد صعود هؤلاء العملاء للسلم المؤدي لتلك الغرفة، حيث يغلب على الإضاءة هنا اللون الأزرق دلالة على الشر الكامن في تلك الشخصية مجهولة الهوية التي تستقطبهم إليها ليواجهوا بعدها مصيرهم المجهول، لذا نجح جون هوي بخبرة وحرفية تحسب له ومن خلال تصميمه لكل من ديكور وإضاءة العرض المسرحي «بنك القلق» في التعبير عن الهدف والحالة المسرحية المرجوة من وراء تلك اللوحات وبأبسط وأقل الإمكانيات. 
جاء تصميم ملابس العرض المسرحي لنور عفيفي متوافقا مع تاريخ كل شخصية وبيئتها سواء إن كانت من الأحياء الشعبية أو من الأحياء الراقية، وبما يتناسب مع الحالة المسرحية مثلما رأينا الاختلاف الجذري في ملابس كل من أدهم وشعبان في حال الفقر وما بعد الثراء، حتى في اختيارها للألوان اتجهت نور إلى الرمزية فوجدنا القمصان البيضاء الموحدة في البنك لكل من بطلي العرض دلالة على نقائهم النفسي والرقي الوظيفي في ذات الوقت، مما أسهمت الملابس بدورها فى تأكيد المستوى الاجتماعى و طبيعة و صقات كل شخصية ايضا ، و نور عفيفى هى خريجة الجامعة الامريكية قسم التاريخ، وعملت كمصممة أزياء مسرحية وسينمائية لأكثر من خمس سنوات، كما تتلمذت على يد جيني أرنولد، ومن أشهر تصميماتها في الأعمال التليفزيونية كانت مسلسل «نسل الأغراب» و»وش وضهر» و»بطلوع الروح»، وتعد مسرحية «بنك القلق» هي ثالث تعاون بينها وبين المخرجة دينا أمين.
التأليف الموسيقي لعبد الوهاب الديان أسهم بموسيقاه بشكل كبير في تصدير شعور الرهبة للمتلقي بالتعاون مع أداء الممثلين في كل المشاهد التي يتم استقطاب فيها العملاء للصعود إلى المصير المجهول، كما كانت لنغمات موسيقاه دور كبير في ترجمة الشعور بالقلق لدى كل زبائن البنك في هارموني متناسق مع الحدث المسرحي.
أما عن تصميم الصوت لكل الممثلين وخاصة صوت مشاهد الرجل مجهول الهوية في الهاتف، أجاد آسر درة في تصميمها بشكل يتناسب مع الطابع المسرحي وكذا مع الحالة المسرحية للعرض ككل. 
كان لمديرة الإنتاج مي رشدان بالتعاون مع مديرة التسويق شريهان عزازي دور كبير في خلق كل عناصر الجذب للعرض المسرحي بداية من بوستر العرض المعبر عن حالة القلق العامة لدى كل أبطاله من خلال ظلال شخصياتهم المرسومة على البوستر دلالة على ما ينتابهم من توتر وغموض ورهبة داخلية، نهاية إلى كل وسائل الدعاية المسرحية من اختيار المسارح الملائمة لطبيعة الجامعة والدعاية الموجودة بداخل المسرح ذاته. 
في النهاية استطاعت د.دينا أمين وبنجاح مدروس يرجع لطبيعة عملها كأستاذ مساعد في المسرح بالجامعة الأمريكية بالقاهرة وعدة جامعات بولايات أمريكية متعددة، في تقديم واحدة من أشهر ست مسرحيات لتوفيق الحكيم ولكن برؤية إخراجية مختلفة وعصرية تتناسب مع الواقع الحالي لمجتمعنا المصري، بأن اختارت بالاتفاق مع معد المسرحية أن يكون كل زبائن البنك من واقع حياتنا اليومية بكل متغيراتها وعيوبها من سوشيال ميديا وتعصب كروي وتجار للدين وتفاوت طبقي وتكاليف باهظة  للزواج إلى آخره من الظواهر المجتمعية الحديثة، كما أن شغلها لمنصب المدير العام لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبى طيلة خمس سنوات أضاف كثيرا لخبراتها في إخراج العروض المسرحية القائمة على الأفكار العبثية وفكرة التطهير لدى المتلقي.


أشرف فؤاد