انت حر.. وأشياء أخرى تستحق الفرح على مسرح المحافظة!

انت حر..  وأشياء أخرى تستحق الفرح على مسرح المحافظة!

العدد 816 صدر بتاريخ 17أبريل2023

أشياء كثيرة تثير الحماسة، وتدعو إلى الفرح، وتدفعنا للكتابة عن عرض (انت حر) الذي قدمته فرقة مسرح مكتبة مصر العامة بالمنصورة، على خشبة مسرح المحافظة، من تأليف لينين الرملي وإخراج أحمد العموشي. 
ربما لا يكون العرض نفسه هو أول ما يثير تلك الحماسة ويدفع إلى الكتابة، على الرغم من جدارته واستحقاقه للتناول، وقد أدى الفريق أداء طيبا وكشف عن مواهب تمثيلية جيدة تستحق الإشادة والدعم.

إضافة تستحق  
يمكن القول إن إضافة خشبة مسرح مجهزة لاستقبال العروض المسرحية، في ظل ما نعانيه من فقر في أعداد المسارح التي في الخدمة، خاصة في المحافظات، لهو شيء يدعو إلى السعادة والإشادة أكثر مما يدعو إليهما مجرد تقديم عرض مهما كان جميلا، كذلك نعتقد أن إضافة فرقة مسرحية جديدة، قوامها من الشباب، لهو شيء يدعو إلى الفرح أيضا، خاصة إذا جاءت هذه الفرقة من غير الأماكن المعتمدة المنوط بها إنتاج المسرح، واكتشاف المواهب في هذا المجال. 
أما عن خشبة المسرح المضافة، فهي إنجاز يحسب لمحافظ الدقهلية د. أيمن مختار، وقد التفت إلى أهمية المسرح، فقام بتجهيز إحدى قاعات ديوان عام المحافظة لتصلح لاستقبال العروض المسرحية والاحتفالات العامة، وهي ما أقيم عليها العرض –شاهدت عليها عروضا أخرى- ضمن فعاليات (ليالي رمضان الفنية) التي نظمتها مكتبة مصر العامة بالمنصورة، برئاسة إيمان أبو الغيط مديرة المكتبة، في الفترة من الأول حتى العاشر من أبريل الحالي.  
وأما الفرقة فهي تتبع مكتبة مصر العامة بالمنصورة، وهو شيء يحسب للمكتبة وإدارتها بغير شك، حيث يعكس اهتمام القائمين عليها بالنشاط المسرحي، الأمر الذي يؤكده عدم اقتصار المكتبة على تشكيل هذه الفرقة، وقد تجاوزت ذلك إلى تخصيص إحدى قاعاتها لمسرح الغرفة، وأقامت عليه بالفعل مهرجان مسرح الغرفة الأول في الفترة من 15 - 21 مارس الماضي، بمشاركة أربعة عروض، وهي الفكرة التي تحسب للمخرج أحمد العموشي. 

تحديات المسرح والجمهور 
أما عن العرض، فقد أحسن مخرجه أحمد العموشي، معالجة نص لينين الرملي، الذي قدمه الفنان محمد صبحي في 1982، بما يجعله يتناسب مع عدد من التحديات، أولها: الإمكانات الفنية المتوفرة في فرقته من خامات ومواهب فينة متفاوتة الجودة والخبرة، على مستوى التمثيل، كما على مستوى عناصر العرض المختلفة، وثانيها: إمكانات خشبة المسرح التي تحتاج إلى تعامل خاص، يراعي مساحتها الضيقة بعض الشيء، كما يراعي خصوصية تجهيزاتها من حيث توزع مصادر الإضاءة والصوت بها، ويستفيد في المقابل منها، خاصة من وجود شاشة عرض في خلفية خشبة المسرح.. ثم كان الجمهور هو ثالث هذه التحديات التي أحسن العموشي التعامل معها، وهو يقدم عرضه إلى جمهور احتفالي، خرج ليقضي سهرة رمضانية جميلة، بعيدا عن طاحونة الهموم اليومية التي يعيشها، فكان لزاما أن يقدم له العرض وجبة خفيفة لطيفة، على الرغم من فكرته الجادة، وحمولاته السياسية التي جعلته يمنع من العرض تليفزيونيا، ولا أدري إن كان لا يزال ممنوعا من العرض أم لا. 

خبرات متفاوتة   
في التحدي الأول نجح المخرج في توظيف مجموعة العناصر التمثيلية التي تضمها الفرقة، على تفاوت ما تحمله هذه العناصر من مواهب وما تكتنزه من خبرات؛ حيث أسند أداء الأدوار الرئيسية والمهمة إلى مجموعة من الممثلين الجيدين، وأصحاب الحضور المتميز، ووزعهم على زمن العرض، الأمر الذي حافظ به على تماسك الإيقاع العام، وصنع به نسيج قماشة العرض العريضة، ما مكنه من تقديم فرجة متماسكة وجيدة، وهم: السعيد فتحي (عبده السخن) محمد زكريا (الأب: عبدالعال) محمد الخولي (المدرس - عبدالستار – مجنون) محمد حشيش (مأمور باشا - نقيب المجانين) أحمد همام (بائع السميط) مارينا فؤاد (عزيزة) روزيت هاني (فوزية) منة القناوي (الأم) سيف الدين محمد (المدير). كما استغل المخرج  بقية عناصره التمثيلية، التي ربما كانت أقل خبرة في الوقوف على خشبة المسرح، في أداء أدوار الرواة، وعناصر المجاميع، وكذلك الأدوار الصغيرة التي لا تستغرق وقتا كبيرا من زمن العرض، ومن ثم لا يؤثر اختلاف أحجام مواهبها وخبراتها كثيرا في خامة العرض الأساسية وجودتها، وهم: أحمد شحاتة، خالد هشام، إبراهيم البيسي، أحمد الإمام، ونادر كرم، ونوران الرفاعي، وروان مصطفى، وميار محمد. ومعهم الرواة: إيمان محمود، ومريم محسن، ومريم رمزي، وجميعهم أدى المطلوب منه بشكل طيب. 
أما التحدي الذي يتصل بخشبة المسرح، فقد تعامل معه المخرج ومعه إيمان أبو الغيط مصممة ديكور وإكسسوار العرض بوعي؛ حيث استغنت مصممة الديكور تماما عن الكتل التي قد يضيق بها المسرح، وتعيق حركة الممثلين، واستخدمت بعض القطع والموتيفات الصغيرة المحمولة باليد، كالمقاعد وفقا لمتطلبات المشهد، والنوافذ التي يتواصل من خلالها العاشقان الصغيران مع بعضهما البعض، وهما يحملانها في أيديهما، وكذلك إرسال الرسوم المختلفة على شاشة العرض الخلفية لتحديد المكان أو للإشارة إلى المناسبة التي يدور فيها الحدث: سبورة في فصل مدرسي عليها مسائل حسابية، أتوبيس، دبلة خطوبة، واستخدامها كذلك بشكل تعبيري يكثف معنى الحدث، وربما يسخر منه: علامة استفهام، طربوش، كرة قدم، عصفوران متحابان، قلوب.. إلخ، هذا فضلا عن اللمسة التعبيرية التي شكلت بها مصممة الديكور خلفية المسرح، حيث وزعت على جانبي شاشة العرض، عدة نماذج لمستطيلات متماثلة الشكل، مختلفة الطول والاتجاه: رأسية وأفقية ومائلة إلى أسفل أو إلى أعلى، مقسمة داخليا إلى مستطيلات أصغر، تشبه السلم، غير أنها مغلقة من الناحيتين، ربما أراد العرض أن يلخص من خلالها مقولته عن عدم قدرة بطل العرض على تحقيق حريته، وانحباسه فيما يشبه هذه المستطيلات أو المربعات المغلقة، حتى النهاية. وهي علامة ذكية استغنى بها العرض –في تقديري- عن الكثير من الشرح، وهي علامة اقتصادية كذلك استغنى بها العرض عن الكثير مما قد يشغل به فضاء الخشبة ليوصل عبره الدلالة نفسها، ذلك فضلا عن كونها عنصرا تشكيليا من مكونات المنظر المسرحية. قام بتنفيذ الديكور شيماء جبريل، والسيد سليمان، ومريم رمزي.
بقي التحدي الأخير، وهو الخاص بالجمهور الاحتفالي، وقد وُفِّق العرض في أن يصل بفكرته إلى هذا الجمهور ببساطة، معتمدا على ما يحمله نص لينين الرملي من كوميديا تقوم على المفارقات الإنسانية التي تتصل بحياة الناس، وتقترب من همومهم، ولكن بعد أن جرد كوميديا الرملي كثيرا من انشغالها السياسي، واكتفى ببعض الممارسات الاجتماعية الدالة على الفكرة ذاتها، عدم قدرة عبده على الخروج من حصار الآخرين وسلطويتهم، في البيت، في المدرسة، في العمل.. إلخ، ليكتشف قرب النهاية أنه لم يعِش حياته حرا منذ مولده، الأمر الذي جعله يتمنى لو أنه عاد جنينا في بطن الأم. وهي نهاية اقترحها العرض مهربا من حصار بطله، أو لعلها تشير إلى تمنيه ولادة أخرى ربما يستطيع أن يحقق معها حريته، وكان قبلها قد فشل حتى في الاستمرار نزيلا في مستشفى المجانين، وهو المكان الذي أقنعه فيه نزلاؤه –من خلال منطقهم الخاص– بأنه أكثر حرية من الخارج، حيث لا يوجد داخله مما يشكل قيدا عليهم غير الممرضين، فيما يموج الخارج بكل أصناف السجون والسجانين! 


محمود الحلواني