الشرطة بحاجة لمحقق خاص هل يمكنك المساعدة!

الشرطة بحاجة لمحقق خاص هل يمكنك المساعدة!

العدد 683 صدر بتاريخ 28سبتمبر2020

بعد نجاح دام أربعون عاماً متصلين فى عدد من الدول  (الولايات المتحدة ،كوريا ،اليونان ،فرنسا ،بولندا ،كندا...) يطل علينا مسرح ماثورين بباريس «Théâtre des Mathurins» بالعرض المسرحي « dernier coup de ciseaux «  (ضربة مقص) المأخوذ عن النص الأصلي  «Scherenschnitt oder Der Mörder sind Sie  «   (خيال او انت القاتل) للكاتب الألماني «Paul P?rtner»  (بول بورتنير). والذى تم عرضه لأول مرة على خشبة مسرح تشارلي في ولاية بوسطن بالولايات المتحدة الامريكية بعنوان « Shear madness « بعد أن تنازل المؤلف عن حقوقه فى العرض وتمت ترجمته للغة الانجليزية وتم عرضه على خشبة مسرح تشارلي  «Charles playhouse» في التاسع والعشرين من يناير عام 1980 وكانت أخر ليلة عرض له فى بوسطن يوم الخامس عشر من مارس 2020. 
على مدار الأربعون عاماً نجح هذا العرض فى جذب ما يقارب نحو تسعة ملايين متفرج في العديد من المسارح منها مسرح تشارلي « Charles playhouse «   بولاية بوسطن ومسرح نيو ورلد   « New world stages « بنيويورك ومركز فنون جون اف كنيدى  « John F. Kennedy Centre for the Performing Arts « بواشنطن ومركز فنون دريم « Dream Art Centre « في كوريا وعلى خشبة مسرح ابوتيكي « Theatro Apothiki « باليونان ومسرح باجتيلا « Bagatela Theatre « ببولندا وغيرهم. ونرى أنه من اللافت للنظر نجاحات هذا العرض الذي مازال مستمر فى العرض حتى هذه اللحظة على أكثر من خشبة مسرح في نفس الوقت.
إن أكثر ما يثير النفس البشرية ويستفزها هو الفضول. فلولا الفضول ما خرج أدم من الجنة. لولا الفضول ماكانت كل تلك الاختراعات التي تحيط بنا. لولا الفضول لما عرفنا النار والنور. هل هناك أكثر من أن توضع فى خضم جريمة قتل يصعب حلها ويستعين بك رجال الشرطة لعلك لاحظت شيئا لم يلحظه أحد غيرك؟ هذه هى فكرة العرض الذي كتبه الكاتب دون نهاية. حيث أن نهاية القصة تختلف يومياً بحسب الجمهور وبحسب تكهناتهم.
من خلال هذا المقال سنتعرض بالأخص للعرض المقام على خشبة مسرح ماثورين بباريس والذي من المقرر عرضه حتى ليلة التاسع عشر من ديسمبر لهذا العام. يقع هذا العرض تحت تصنيف المسرح التفاعلى حيث يتم اختراق الحائط الرابع بهدف إشراك الجمهور في العملية المسرحية ولا سيما أن هذه التقنية في هذا العرض هي صلب التكوين الدرامي. والذي بدوره يكسر حاجز الجمود بين الجمهور والممثلين سواء عن طريق التواصل المادى أو الشفهى. ويعتبر هذا النوع من المسرح ليس فقط للترفيه وإنما وجد لجعل الجمهور يشارك في النقاشات السياسية والأخلاقية الواقعية ويمكن أن يتم دراسة مجتمع معين أو بيئة بعينها عن طريق خلق مسرح تفاعلى لرؤية مدى تفاعل مجتمع بعينه ونوعية افكاره وتوجهاته في موضوع العرض ،كما يمكن من خلال هذا النوع إعادة توجيه آراء ومعتقدات هذا المجتمع. ونرى هذا النوع من المسرح منتشر فى العديد من الدول منذ بدايات القرن العشرين حيث يمكن لكل متفرج المشاركة فى حل قضية ما تطرح عن طريق العرض.
وهذا ما تم تقديمه فى مدينة باريس ،ففي إطار العرض لم يستطع محققان من رجال الشرطة إيجاد القاتل فلجأوا للجمهور الذي شهد كل الأحداث. تبدأ المسرحية فى صالون تجميل للجنسين ،حيث نجد أبطال العرض السبع ذوي شخصيات نمطية بشكل مبالغ فيه. فصاحب الصالون مثلي مخنث يرتدى ملابس صفراء فاقعة ضيقة ومع ذلك يشعر بثقة كبيرة فى نفسه ،يحب الثرثرة كثيراً كما يعشق الأولاد الوسيمين. المساعدة على الرغم من جمالها وجذابيتها إلا أنها لا تتمتع بنسبة ذكاء كافية ولا تستطيع أن تترك الرجال دون لفت النظر إليها. ولدينا أحد الزبائن سيدة أعمال ذات مظهر جاد ليست لئيمة ولكنها ساخرة بعض الشئ لا تستطيع ان تمنع نفسها من الإدلاء بملاحظات جارحة.  السيدة الغنية وهى زبونة مترددة على الصالون مهتمة بمظهرها ولكنها دائما توجه الانتقادات لعامة الناس. الجارة التى تسكن فى الدور العلوي وهى لا تظهر مطلقاً فى العرض ولكننا نسمع صوت عزفها للبيانو من وقت لأخر وهذا ما يثير غضب صاحب الصالون حيث دائما ما تفعل هذا وتزعجهم ولا تتوقف أبداً عن العزف وهذه هى السيدة التى سنكتشف جثتها ملقاه فى الشارع فيقوم رجلا الشرطة بالتحقيق للبحث عن القاتل واللذان اختلفا من عرض لأخر فهناك من قدمهما على أنهما رجلان وهناك من قدمهما على أنهما رجل وامرأة ولكن في كل الاحوال نرى أنه على الرغم من واجبهما في تقدم التحقيق لمعرفة القاتل والقبض عليه إلا أنهما لا يستطيعا فعل هذا بالإضافة إلى سلوكهما الغير نافع في تقدم مسار التحقيق هذا غير إطلاقهما النكات بشكل مستمر. 
اختلفت قطع الديكور المستخدمة من عرض لأخر حسب مساحة المسرح ولكن فى كل العروض المختلفة نرى الوحدات الاساسية المكونة لأي صالون تجميل معتاد. الإضاءة في أغلب الأحيان ثابتة لا يتخللها مؤثرات إلا فى حالات قليلة. ففي العرض المنوط بالذكر هنا نجد أن العرض بدأ بموسيقى صاخبة ورقص كل من صاحب الصالون والمساعدة، ثم هدأت الحالة العامة وبدأ الزبائن في الدخول واحداً تلو الأخر يدور الحوار بين صاحب الصالوان أو المساعدة مع الزبائن ليتبين تدريجياً بعض السمات التى تخص كل منهم. 
تتكون المسرحية من ثلاثة أجزاء حيث ينتهي الجزء الأول بخروج المساعدة من الصالون لتلقى بأكياس القمامة خارجاً لتعود مذعورة بعد رؤيتها جثة المرأة التي تقطن في نفس المبنى. يدور الجزء الثانى حول تحقيق رجال الشرطة مع كل من كانوا فى الصالون لمعرفة القاتل ولكنهم لم ولن ينجحوا في مسعاهم هذا فلكل شخص من زبائن الصالون حجته. ثم يبدأ الجزء الأكثر تشويقاً وهو الذي يقوم فيه الجمهور بالمشاركة فى التحقيق حيث يطلب المحققين من الجمهور أن يبدؤا بطرح أي سؤال أو ذكر أي تفاصيل تخص أحد المشتبه بهم وهنا يبدأ الجمهور بذكر بعض التفاصيل البسيطة وتوجيه بعض الاسئلة لأبطال العرض فهناك مثلا أن صاحب الصالون قد استبدل ملابسه.. لماذا؟ وهناك المرأة الثرية التى سرقت زجاجة عطر وأجرت محادثة تليفونية غامضة، ونرى أيضا المرأة التي ذهبت للحمام ولديها جرح حديث في أحد أصابعها وهكذا.. يتم الاستجواب من قبل الجمهور ويتم ارتجال الردود من الأبطال إلى أن نصل للحظة حاسمة حيث يتقرر عمل استفتاء لنحدد من هو القاتل وبناء على حكم اغلبية الجمهور يتم اختيار الجانى. 
تختلف التفاصيل المساعدة في اكتشاف القاتل من عرض لآخر ومن رؤية مخرج لآخر ومن جمهور لآخر وهذا ما يجعل هذا العرض شيقا ومتجددا في كل مرة يعرض فيها على خشبة المسرح ومع العلم أن مؤلف العرض له خلفية مع علم النفس كطبيب فلابد أن نأخذ هذا العرض على محمل الجد فهور رسالة واضحة أراد تقديمها من خلال كتابته لهذا النص وفي هذا المقال كنا بصدد طرح معلومات عن هذا العرض للمهتمين بهذا النوع من المسرح الذي يلقي الضوء على العديد من خلجات النفس البشرية لشخصياته الدرامية المرسومة بمهارة من قبل المؤلف وللجمهور ذاته الذي يعد جزءاً رئيسيا من هذا العرض .


إيناس الشريف