أول مرجع عربي يتحدث عن مسرح صنوع

أول مرجع عربي يتحدث عن مسرح صنوع

العدد 706 صدر بتاريخ 8مارس2021

كل ما سبق يؤكد بأن يعقوب صنوع هو مصدر كل معلوماته، حيث قام بنفسه بالكتابة عن نفسه، ونشر ذلك في صحفه، فقام آخرون بإعادة ما كتبه عن نفسه ونشروه مرة أخرى بأسمائهم، فأخذها صنوع ونشرها في صحفه لتكون مراجع أخرى عنه، خلافاً لكتاباته عن نفسه!! وفي مقابل ذلك لم نجد «مرجعاً عربياً» واحداً تحدث عن مسرح صنوع – سوى أخبار «كستلي» في الجوائب – منذ عام 1872 وحتى وفاة صنوع عام 1912.
بعد عام واحد فقط من وفاة صنوع، وتحديداً عام 1913 حدثت المعجزة، فقد ظهر مرجع عربي كتب عن صنوع خمس صفحات، هي تفاصيل حياة صنوع وأنشطته، كما جاءت في مذكرات صنوع وكتاباته وكتابات أصدقائه في صحفه بفرنسا مع إضافات يسيرة! وأهمية هذا المرجع أنه بقلم شخص آخر غير صنوع، وهذا الشخص من بيروت، والأهم أن المرجع نُشر بعد وفاة صنوع بعام واحد، مما يعني إنه مرجع محايد لم يتدخل فيه قلم صنوع، ولا علاقة له بصنوع – كما سيظن الباحثون - ومن هنا كان هذا المرجع أهم مرجع اعتمدت عليه «جميع» الكتابات التي كُتبت عن صنوع في «جميع» الدراسات العربية والأجنبية التي ظهرت في العالم «كله» منذ عام 1913!!
صاحب هذا المرجع المهم هو «فيليب طرّازي»، واسم المرجع هو «تاريخ الصحافة العربية»، والصفحات الخمس المنشورة كان عنوانها «الشيخ أبو نظارة»! ولأهمية هذه الصفحات – وصعوبة الحصول عليها الآن من قبل الباحثين لقدم المرجع – سأنشرها كاملة لتكون متاحة للجميع مستقبلاً. يقول فيها طرّازي:
««الشيخ أبو نظارة»: مُنشئ الصحف الآتية «أبو نظارة زرقاء، ورحلة أبي نظارة زرقاء، وأبو زمارة، وأبو صفارة، والحاوي، والوطني المصري، والنظارات المصرية، وأبو نظارة، والثرثارة المصرية، والتودد، والمنصف، والعالم الإسلامي» وغيرها. وناشر المقالات الكثيرة في أشهر الصحف الفرنسية. ولا نظن أحداً من كتبة الأعارب والأعاجم في هذا العصر يجهل اسم الشيخ أبي نظارة المصري الذي اشتهر ذكره في الخافقين ورنّ صدى مقالاته اللطيفة من مشارق الأرض إلى مغاربها. فهو الكاتب الانتقادي الكبير الذي علت شهرته في عالم السياسة وذاع صيته بين خاصة الناس وعامتهم. وما زال منذ أكثر من نصف قرن يدافع قولاً وعملاً عن وطنه المحبوب بل يجاهد بثبات جاشٍ وحماسةٍ لا توصف عن مصلحة بلاده واستقلالها من نير الغرباء. فنرى من باب العدل تخليداً لمآثره أن نكيل له بمكيال أعماله ونزين صفحات هذا الكتاب برسمه وترجمته: هو يعقوب بن رافائيل صنوع، وُلد في القاهرة بتاريخ 9 شباط 1839 من أبوين إسرائيليين. وأتقن منذ نعومة أظفاره تعاليم التوارة حتى استحق أن يكون لاوياً أي مؤمناً بعقيدة وجود الله سبحانه. ثم درس الإنجيل والقرآن ووقف هكذا على عقائد الأديان القائلة بوحدانية اللاهوت. وكان أبوه مستشاراً لدى الأمير أحمد باشا يكن حفيد محمد علي باشا الكبير رأس العائلة الخديوية. وإذ شاهد هذا الأمير نباهة يعقوب أرسله على نفقته إلى أوروبا لإتقان العلوم العصرية. فذهب الفتى إلى مدينة ليفورنو «LIVOURNE» في إيطاليا حيث تلقى العلوم وبرع فيها ثم عاد منها بعد ثلاث سنين بالغاً الحول السادس عشر من عمره. وفي أثناء ذلك فقد أباه والمُحسن إليه فتأسف عليهما كثيراً وبكاهما بكاءً مُرّاً. ومن ذاك العهد أخذ يُدرّس اللغات لأغصان العائلة الخديوية وأبناء الأعيان حتى نبغ كثير من تلامذته الذين ارتقوا إلى أعلى المناصب والمراتب. وسنة 1870 أنشأ أول مرسح عربي في القاهرة بمساعدة الخديوي إسماعيل الذي منحه لقب «موليير مصر» ونشطهُ على عمله وشهد مراراً تمثيل رواياته. فألف صاحب الترجمة حينئذ اثنتين وثلاثين رواية هزلية وغرامية منها بفصل واحد ومنها بخمسة فصول لم يزل صداها يرن في آذان الشيوخ على ضفاف النيل. ثم أسس سنة 1872 جمعيتين علميتين إحداهما «محفل التقدم» والأخرى «جمعية محبي العلم» وتولى رئاستهما. وسنة 1874 سافر إلى أوروبا حيث بقي مُدة يدرس أحوالها السياسية وأخلاق شعوبها. ثم قفل راجعاً إلى وطنه مشغوفاً بتقدم الإفرنج وملتهباً بنار الغيرة لبثّ روح الحضارة العصرية بين الشعب المصري. وكان السيد جمال الدين الأفغاني الفيلسوف المشهور والشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية سابقاً متحدين معه بعرى المحبة. وقد درسا عليه شيئاً من اللغة الفرنسية. فاتفق ثلاثتهم على إنشاء جريدة عربية هزلية لانتقاد أعمال الخديوي إسماعيل. ثم قرَّ رأيهم على أن يتولى إدارتها صاحب الترجمة ويحرر فيها معه العالمان المذكوران وقد أوعز السيد جمال الدين إلى يعقوب في إيجاد عنوان للجريدة يليق بمسلكها. فخرج هذا إلى بيته باحثاً عن حمار يركبه. فإذا بالفلاحين أصحاب الحمير قد تجمعوا حوله وأراد كل منهم أن يركبهُ حماره. فلما زاحموه أحبّ التخلص منهم وإذا بصوتٍ من ورائه يناديه «يا أبا النظارة الزرقاء» وكان وقتئذ يستعمل النظارات الزرقاء وقاية لعيونه من حرارة الشمس. فرنَّ هذا الصوت في أذنيه واستحسن عبارة «أبي النظارة الزرقاء» وصمم على اتخاذها عنواناً للجريدة الهزلية. فرجع من ساعته إلى السيد جمال الدين وأخبره بما جرى له مع أصحاب الحمير وباختياره العنوان المذكور للجريدة. فضحك من كلامه لكنه استحسن الاسم وهكذا أصدر العدد الأول سنة 1877 من الصحيفة المذكورة التي تُعدُّ أولى الصحف الهزلية عند الناطقين بالضاد. فانتشرت في أربعة أقطار المعمور حتى صار اسمها ملازماً لصاحبها الذي أطلق عليه من ذاك الحين اسم «الشيخ أبي نظارة» وكان يعقوب صنوع أول من استعمل القلم الدارج عند عامة المصريين في الكتابة فتبعه كثير من الكُتّاب الذين أنشأوا صحفاً شتى بالقلم العامي في جميع الأقطار العربية شرقاً وغرباً. ولما كانت مقالات جريدته تنتقد أعمال خديوي مصر بلهجة شديدة أصدر إسماعيل باشا أمراً بإبطالها بعد ظهور العدد الخامس عشر منها. وكان الخديوي متعمد الانتقام من منشئها بكل الوسائل حتى القتل لو استطاع إلى ذلك سبيلاً. وأوعز إلى قنصل إيطاليا بأن يطرده من الديار المصرية لأنه كان محتمياً بالدولة المذكورة. فتوجه صاحب الترجمة إلى الإسكندرية ومنها ركب سفينة لتقله إلى أوروبا. فمرّ الخديوي بعربته أمام رصيف المينا ورأى بعينه ألوفاً من الناس يشيعونه فصاح بعضهم وقال له: «انظر يا أبا النظارة الزرقاء كيف جاء شيخ الحارة [يقصد الخديوي] ليتشفى منك ويراك بعينه منفياً من بلاده». فأجابهم بقوله: «بعد سنة يُنفى هو مثلي من مصر». وفي الواقع خُلع إسماعيل من سرير الخديوية بعد سنةٍ من التاريخ المذكور. فسافر صاحب الترجمة إلى باريس وهناك استأنف إصدار الجريدة بعنوان «رحلة أبي نظارة زرقاء» مُقبحاً فيها سياسة إسماعيل. ولبث الخديوي يصادر الجريدة مُحرماً على الناس مطالعتها حتى اضطر الشيخ إلى تبديل اسمها تارة باسم «أبي زمارة» وطوراً باسم «أبي صفارة» وحيناً باسم «الحاوي» وآناً باسم «الوطني المصري» أو «النظارات المصرية» لئلا تفوت القراء فائدتها. ثم أصدر مجلة «التودد» وجريدة «المنصف» وجريدة «العالم الإسلامي» وجريدة «أبي نظارة» وغيرها أيضاً. وقد أصدر سنة 1886 جريدة بثماني لغات أسماها «الثرثارة المصرية» أو «البارفار إجبسيان» وهي أول جريدة في العالم صدرت بهذا العدد الكثير من اللغات على ما نعلم. ولم تقتصر همته على كتابة جرائده المذكورة بل كان ينشر المقالات الضافية الذيول في الجرائد الفرنسية الكبرى من مثل «التان» و«الماتين» و«الفيغارو» وسواها. وفي 22 أيلول 1900 ألقى في معرض باريز تحت رئاسة السيد حسن بن السلطان عمر الهنزاوي خطبة بعشر لغات مختلفة ردّدت صداها جرائد العاصمة الفرنسية. وبعد ذلك حُمل على أكف السامعين بموكب حافل يتقدمه جوق الموسيقى إلى ساحة «برج إيفل» حيث دعا دعاءً حاراً لفرنسا وللدول الشرقية. ثم ترنم القوم بالنشيدين الفرنسي والخديوي وفي تلك السنة دعاه شاه العجم إلى ضيافته في «كنتر كسفيل ليبين» وأهداه وساماً عالياً وخاتماً ثميناً. وسنة 1901 زار الشيخ أبو نظارة سمو الخديوي عباس الثاني في مدينة ديفون بفرنسا. فأوعز إليه الخديوي بالرجوع إلى وادي النيل ممتعاً بالحرية التامة. لكن شيخنا رفض إجابة الطلب ما زال القطر المصري مقيداً بالاحتلال الإنكليزي. وفي السنة ذاتها زاره في مصيفه الواقع في شامبيني «CHAMPIGNY» السلطان عمر حاكم الهنزوان فتناول عنده طعام الظهر وتبادل الاثنان نخب المحبة ثم تصورا في رسم واحد. وسنة 1902 وافق مرور خمسة وعشرين عاماً على ظهور جريدته الأولى فاحتفل أصحابه بذلك احتفالاً شائقاً وأقاموا له مأدبة أنيقة جمعت مائة نفس من مصريين وسوريين وتونسيين وجزائريين وفرنسيس وسواهم. وسنة 1905 جرى الاحتفال باليوبيل الخمسيني لدخوله في سلك التأليف والتدريس فكان هو أول صحافي عربي نال هذه الكرامة الشريفة في حال حياته. ولصاحب الترجمة معرفة تامة بلغات شتى قديمة وحديثة بحيث أنه كان يكتب نثراً وشعراً في العبرانية والعربية والإيطالية والفرنسية والإنكليزية والألمانية مع إلمام بالإسبانية واليونانية وغيرها. ثم أتقن بعض الفنون الجميلة كالموسيقى والرسم فإنه ألف ألحاناً بديعة للملوك والأمراء ورسم بقلمه أكثر التصاوير التي نشرها في جرائده منذ نشأتها حتى أصحابها. وكان في الخطابة آية عصره ولو جمعت خطبه لبلغت المجلدات وقد أعجب الغربيون بفصاحة لسانه وقوة حجته. وكان مرتبطاً بعلائق المودة مع أكبر علماء زمانه في مصر وسوريا والعراق وتونس والمغرب الأقصى والهند فضلاً عما أحرزه من الاعتبار لدى جهابذة الفرنسيس كالجنرال دودس وجول سيمون ولمبرت وسواهم. وابتكر في اللغة الفرنسية طريقة النثر المسجوع كما هو شائع عند العرب. فألف من هذا النوع مقالات شتى وخطباً عديدة نذكر منها النبذة المعروفة بالعنوان الآتي «CONSTITUTION OTTOMONE AT SES HEROS» فإنها بليغة المعاني والمباني وقد كتبها احتفالاً بإعلان الدستور في السلطنة العثمانية وله مؤلفات كثيرة غير ذلك. وبمناسبة يوبيله الخمسيني المذكور أجمعت الجرائد العربية والإفرنجية على تقريظه فتواردت عليه رسائل الإطراء بكثرة من الأمراء والشعراء والعلماء والعظماء شرقاً وغرباً. ونال من رؤساء الحكومات وسامات الشرف الكثيرة التي زينت صدره فجاءت مصداقاً على سمو منزلته الأدبية عندهم ولولا اتضاعهِ لأحرز أضعافها. وإليك أسماء البعض منها: الواسامات ذات الدرجة الأولى أو غران كردون: وسام «النجوم الثلاث» من محمد سلطان جزائر القور. وسام «الكوكب الدري» من السيد برغسن سلطان زنجبار. وسام «الهنزوان» من السيد عمر سلطان الهنزوان. الواسامات ذات الطبقة الثانية أو غران أوفيسيه: وسام «سان مارينو» من رئيس جمهورية سان مارينو في إيطاليا. الوسامات ذات الطبقة الثالثة أو قومندور: «الوسام العثماني» من السلطان عبد الحميد. وسام «الشمس والأسد» من ناصر الدين شاه إيران. وسام «أنج» من سلطانها. وسام «الافتخار» من محمد الهادي باي تونس. ووسام «أوبوك» من حاكم هذه الولاية. الوسامات ذات الطبقة الرابعة أو أوفيسيه: «الوسام المجيدي» من السلطان عبد الحميد. ووسام «الحفل العلمي الفرنسي أو أكاديمي» من رئيس جمهورية فرنسا. ووسام «كمبودج» من دولة الكمبودج. ووسام «أنام» من ملك هذه الدولة. الوسامات ذات الطبقة الخامسة أو كواليير: وسام «إيزابيلا الكاثوليكية» من ملك إسبانيا ووساماً من ليوبلد الثاني ملك بلجيكا وغير ذلك من الأوسمة وعلامات الشرف التي نالها من الحكومات والجمعيات الأدبية والمحافل العلمية. وله مع أكثر الملوك المشار إليهم لا سيما مع سلاطين الإسلام وأمرائهم وعلمائهم وشعرائهم ومشاهيرهم مكاتبات تضمنت آيات الثناء على مآتيه الحسنة. وقد أتحف بها قبل وفاته مؤلف هذا التاريخ على سبيل الهدية والتذكار. وهي مجموعة أدبية ثمينة يندر وجود نظيرها عند أحد الشرقيين الذين لا يكترثون عادة لصيانة الآثار القديمة أو النفيسة. ونال الشيخ أبو نظارة ألقاباً مهمة من السلاطين والملوك نذكر منها لقب «موليير مصر» من إسماعيل باشا خديوي مصر على أثر حضوره تمثيل بعض روايات من قلمه. ولقب «صديق الإسلام» سنة 1891 عندما زار السلطان عبد الحميد الثاني في القسطنطينية فكلفه السلطان تبليغ سلامه إلى كرنو رئيس الجمهورية الفرنسية. ثم كان سنة 1899 الواسطة الودية بين السلطان المشار إليه وبين لوبه رئيس جمهورية فرنسا. ونال سنة 1900 لقب «صديق فرنسا الكبير» من حكومة فرنسا عند افتتاح معرض باريس العام. وأحرز لقب «شاعر الملك» من شاه إيران ولقب «كوكب الشرق» من سلطان الهنزوان ولقب «الوطني المخلص» من عباس الثاني خديوي مصر ولقب «مقوي الرابطة الأخوية العامة» من «دون بدرو» أمبراطور البرازيل. وبعد إعلان الدستور في السلطنة العثمانية بثلاثة أيام سافر إلى الأستانة للاشتراك مع العثمانيين في أفراحهم الوطنية. ثم عاد مشيعاً بالإكرام إلى باريس ومن ذاك الحين أخذ نور عينيه يضعف حتى كف بصره. وفي 31 كانون الأول 1910 أصدر العدد الأخير من جريدة «أبي نظارة» بعد انتشارها أربعاً وثلاثين سنة ودفاعها عن حقوق وادي النيل بثبات لا يوصف. وبعدما قضى أربعاً وسبعين سنة توفاه الله في 30 أيلول 1912 في باريس فنقلت شركة «روتر» التلغرافية خبر نعيه إلى الشرق والغرب».
الموضوعية المطلوبة
أعلم علم اليقين أن كل مصري وعربي – بعد أن يقرأ ما كتبه طرازي عن صنوع - سيجتهد كل الاجتهاد لإثبات مصرية صنوع مهما كان الثمن، فهذا الشخص لا يمكن لأي مصري أو عربي أن يضحي به ويُعدّه أجنبياً سواء كان إيطالياً أو إنجليزياً!! لا يمكن التضحية بكل هذا الزخم والشهرة والأعمال والإنجازات والريادات والعلاقات والوسامات!! ليس هناك عاقل يشكك في مصرية صنوع بعد هذا الكلام، أو يشكك في ريادته المسرحية؟؟ هذا الشعور الحماسي سيشعر به أي إنسان بعد قراءة تاريخ صنوع الذي كتبه طرازي!! ولكن عندما تهدأ هذه الحماسة، ستجد أن الموضوعية في البحث مطلوبة!
فأرجو من كل باحث متحمس لصنوع – متأثراً بما قرأه – ألا ينسى إننا نناقش مصرية صنوع وريادته للمسرح المصري، بالإضافة إلى أي نشاط أو أعمال تتعلق به طوال فترة وجوده في مصر، حتى إبعاده إلى فرنسا عام 1878!! وهذا يعني أن أي نشاط يخص صنوع، وتمّ أثناء وجوده في فرنسا بعد عام 1878 فلا يدخل ضمن بحثنا أو نقاشنا وتحقيق هدفنا وهو إثبات مصرية صنوع، وريادته للمسرح العربي في مصر، أو لأي مسرح قدمه سواء للنخبة أو للشعب؛ شريطة أن يكون مسرحه ذا أثر موجود وهناك أدلة عليه، حتى نعترف له بالريادة، مثلما فعلنا مع «سليم خليل النقاش»!!
لذلك أرجو من كل باحث أن يهتم بما كتبه طرازي عن صنوع في هذا المرجع، ويتحقق من مصداقية ما فيه من معلومات تتعلق بصنوع أثناء وجوده في مصر! ويحق للجميع أيضاً البحث في كل ما هو مكتوب في هذا المرجع عن صنوع أثناء وجوده في باريس وحتى وفاته؛ لأنها معلومات ستكون مفيدة في حالة إثبات مصرية صنوع!! لأنني كما قلت من قبل إن هذا المرجع هو «أهم» مرجع منشور عن صنوع، وأن «جميع» الكتابات التي كُتبت عن صنوع بعد وفاته، اعتمدت على هذا المرجع؛ بوصفه المرجع العربي الأول خارج مذكرات صنوع وكتاباته وكتابات أصدقائه في صحفه، الذي تحدث عن صنوع بإسهاب!
وبناء على ذلك، أعتقد أن سؤالاً يدور في ذهن الباحث الآن ويريد طرحه عليّ، قائلاً: لماذا تطالبنا يا دكتور بالبحث والتقصي الآن حول هذا المرجع، ولماذا لم تقم أنت بذلك منذ البداية؟ وإجابتي على هذا السؤال، هي: إنني قمت بالفعل بهذه المهمة على مرحلتين ونشرت نتائجهما – في كتابين - وأخشى أن نتائجي لا تُرضيك وتُصدمك وتصيبك بخيبة أمل أمام هذا المرجع المهم، فيفتر حماسك لإثبات مصرية صنوع وريادته المسرحية!! لذلك سأحدثك عن نتائجي وأخفف من وطأتها، حتى يعود حماسك، وتُكمل طريقك في إثبات مصرية صنوع وريادته المسرحية!!
مفاجأة مؤجلة
أذكرك عزيزي الباحث بأن أهم شرط اتفقنا عليه منذ البداية، هو عدم الاعتماد على أي كتابات كتبها صنوع أو أصدقاؤه، إلا إذا وجدنا ما يثبتها! لذلك يجب أن نتحقق أن فيليب طرازي ليس صديقاً لصنوع، وأن صنوعاً لا علاقة له بالمكتوب عنه في كتاب طرازي!! وأظن أن الأمر الآخر محسوم لأن من غير المعقول أن صنوعاً المتوفي يكون قد تدخل في هذا المرجع وهو في عداد الأموات، لا سيما وأن طرازي ذكر وفاة صنوع وحدد وفاته بعام سابق على صدور الكتاب!! مما يعني أن الاحتمال الأول هو الباقي أمامنا! فلو أثبتنا أن فيليب طرازي من أصدقاء صنوع يحق لنا أن نتجنب هذا المرجع المهم، ونشكك فيه، وبالتالي عدم قبوله، مثله مثل أي كتابات أخرى نشرها أصدقاء صنوع منذ إبعاده إلى فرنسا وحتى وفاته!!
وبناء على ذلك أحيطك علماً باحثناً الجاد بأن الأمرين متوفران في هذا المرجع، حيث إن فيليب طرازي «صديق لصنوع» بالفعل، وما قام بنشره من معلومات عن صنوع، تمّ عرضه على صنوع نفسه قبل وفاته، بل وتدخل صنوع بنفسه في هذه المعلومات، وصحح بعضها!! هذا ما سنتناوله في الحلقة القادمة!!


سيد علي إسماعيل