العرب واليهود يتعاونون لإصلاح مسرح عكا

العرب واليهود يتعاونون لإصلاح مسرح عكا

العدد 720 صدر بتاريخ 14يونيو2021

فى مدينة عكا الفلسطينية المحتلة منذ 1948 والتى تصنف كتراث إنسانى بدأ فريق من المنتجين والممثلين والمخرجين العرب واليهود، حملة مشتركة لإعادة ترميم مسرح المدينة الشهير، يأتي ذلك بعد أن تعرض المسرح لحريق هائل أضرمه فيه الإرهابيون اليهود خلال المواجهات التى شهدتها المدينة بين الفلسطينيين واليهود احتجاجا على العدوان الإسرائيلي على المسجد الأقصى وعلى قطاع غزة . 
 ويناشد الفريق المسرحي الجمهور بالتبرع بالأموال لإعادة ترميم المكاتب المحترقة، وشراء أجهزة جديدة، والعودة بالمسرح إلى عمله بالكامل. وتسببت النيران في ضرر كبير للأرشيف وأجهزة الحواسيب، وأجهزة الصوت والإضاءة ومعدات أخرى كانت مخزنة في مكاتب المسرح. ويأمل المشاركون في المبادرة إتمام إعادة البناء ليكون المسرح جاهزاً بحلول مهرجان عكا في سبتمبر المقبل.
ومنذ افتتاحه قبل 36 عاماً، شارك فنانون يهود وعرب في الفعاليات والعروض التي قدمت على مسرح عكا، الذي عمل على تقديم إنتاج فني للمجتمع المحلي يعبر عن تمسك أبناء عكا بمدينتهم ويدعو إلي التعايش بين الفلسطينيين واليهود فى المدينة.
وتستعد إدارة المسرح لإعادة تقديم عدة أعمال مسرحية تركز على تمسك الشعب الفلسطينى بأرضه . ويظل من ابرز هذه الأعمال فى رأينا مسرحية “36 شارع عباس -حيفا “ . ولهذا الرأى أسبابه الوجيهة.
المسرحية من مسرحيات الممثل الواحد (مونودراما) وهى من تأليف وبطولة الكاتبة والممثلة الفلسطينية المقيمة فى الأردن “رائدة طه “. وهى كاتبة نشطة فى الأوساط الثقافية الفلسطينية.
ابنة الشهيد
وهى فى الوقت نفسه ابنة المناضل الشهيد الفلسطينى على طه الذى استشهد فى عملية فدائية جريئة عام 1972 عندما قاد اختطاف طائرة بلجيكية مع ثلاثة من زملائه كانت فى طريقها إلي مطار اللد وطالب بإطلاق سراح اكثر من 100 أسير فلسطينى. وللأسف فشلت العملية بعد خدعة من جانب القوات الإسرائيلية مستغلة الإرهاق الذى حل بالمجموعة الفدائية ليستشهد أبوها على طه وزميله زكريا الأطرش ويتم أسر تريز هلسا إحدى رموز الثورة الفلسطينية (ابنة عكا) التى توفيت العام الماضى. وكان عمر رائدة وقتها (الكبرى بين اربع شقيقات) سبع سنوات. 
وقد عرضت هذه المسرحية فى معظم الدول العربية وفى عدد أمن دول العالم فى مختلف قاراته. وفى ظروف غير واضحة وافقت إسرائيل على عرض المسرحية فى مدينة حيفا – التى تدور فيها أحداثها -لفترة قصيرة على مسرح كريجر بالمدينة التى أسسها الشيخ ظاهر العمر فى القرن 18 وحققت نجاحا كبيرا بين العرب واليهود على حد سواء رغم أنها تحدثت العربية طيلة العرض. وكان معظم الحاضرين من اليهود يفهمون العربية ومن لا يفهمها استعان بمترجم فورى.
تدور أحداث المسرحية عام 2010 وتتناول جزئية مهمة من تاريخ فلسطين بعد النكبة. ففى هذه الفترة قامت قوات الاحتلال بتهجير الفلسطينيين من سكان الأحياء فى المدن وحصرهم فى أحياء معينة مثل حى “العجمى” فى يافا و”وادى النسناس” فى حيفا. وكانوا يقيمون فى البيوت التى هجرها أصحابها الفلسطينيون الأصليون بعقود إيجار بينما تظل ملكية البيوت للدولة الإسرائيلية عن طريق شركة تابعة لها.
وحسب أحداث المسرحية تضطر أسرة أبو غيدا الفلسطينية إلي النزوح عن عمارة كانت تملكها وتقيم بها فى شارع عباس الحيفاوى –أرقى إحياء حيفا قبل النكبة - تحت ضغط العصابات الصهونية. وهذه الأسرة كانت موجودة بالفعل وقد تشتت أبناءها فى بقاع العالم المختلفة. وإليها ينتمى لاعب الأهلى الشهير فى الستينيات والمذيع فى البى بى سى بعدها فؤاد أبو غيدا الذى رحل إلي العالم الأخر فى 4 يناير الماضى . ويستولى مهاجر يهودى قادم من النمسا على البيت المكون من طابقين الذى لا يزال قائما حتى الأن.
وتمر الأيام ليأتى “على رافع “ وهو محام من أبناء 48 ليتقدم للزواج من الفتاة المقدسية سارة. وتشترط عليه أمها أن اشترى لها منزلا يطل على البحر فى حيفا. ويلبى رافع المطلب ويشترى بيتا من المهاجر اليهودى ليكتشف انه كان مملوكا من قبل لأسرة فلسطينية مشتتة. وتم الزواج وانجبت سارة أطفالا كانت تربيهم على أنّ البيت أمانة في أعناقهم وعليهم إعادته إلى أهله حين يعودون من النزوح إلى الوطن، فالبيت ليس لهم وليس من حقّهم. وتتضمن المسرحية عن طريق الرواية بالطبع حضور فؤاد أبو غيدا إلي حيفا واحتفال الفلسطينيين فى المدينة به عام 2010 فى ذكرى النكبة. وقد حدث ذلك بالفعل فى الواقع حث قدم إليه الفلسطينيون مفتاحا يعبر عن بيته الحقيقى الذى لا يستطيع العودة إليه. وتستعيد رائدة أثناء العرض مشهد استشهاد أبيها.
قضايا
تثير المسرحية قضايا كثيرة منها المقارنة بين أن يبقى الفلسطينى فى ارضه مع القبول بجنسية إسرائيليّة وبين التهجير واللجوء والتشتّت، وضياع الوطن. وهذه النقطة نتحفظ عليها حيث أن معظم من ذهبوا إلي الشتات لم يكن لهم خيار بعد أن قامت العصابات الصهيونية بتهجيرهم بالقوة الوحشية . وتتناول المسرحية أيضا موقف من بقوا فى ارضهم وكيف تعرضوا للاتهامات بالعمالة والتعايش مع العدوّ رغم صمودهم وتمسكهم بالبيت والأرض. وتناولت المسرحية كذلك مسألة تأنيب الضمير كونهم يعيشون في بيوت لفلسطينيين لاجئين في الشتات، يسمعون أصوات أرواحهم في نومهم، وتلاحقهم في أحلامهم ويقظتهم.
والى هنا ينتهى العرض المسرحى ليأتى دور النقد من خلال الناقد الفلسطينى ابن عكا شاكر فريد حسن. يقول شاكر أن هناك نواح عديدة تستحق الإشادة فى العرض. فى مقدمتها الأداء الرائع لكاتبة العرض وممثلته الوحيدة رائدة طه يساعدها فى ذلك الإخراج المتميز للمخرج اللبنانى جنيد سرى الدين الذى نجح فى نقل الفكرة بدون ديكورات. بل اعتمدت على الموسيقى والإضاءة للإيحاء بوجود ديكورات.
فقد صورت رائدة ديكور بيت تطل شرفته على البحر وتنقلت بسر وسهولة بن الشخصيات الرجالية والنسائية على حد سواء بما فيها شخصية فؤاد أبو غيدا . كما خللت المسرحية من النصح والوعظ والمباشرة واستعرضت رائدة ما تتمتع به من سحر ومرونة.
ملاحظات
ويقول شاكر فريد حسن انه يفهم جيدا أن تنتهى المسرحية بأغنية موطنى التى رددتها رائدة طه ورددها معها معظم الحاضرين بحماس. وهذه الأغنية تعد بمثابة النشيد الوطنى الفلسطينى غير الرسمى . وهى من تأليف الشاعر الفلسطينى إبراهيم طوقان (1905 - 1941) حيث كتبها عام 1934 ولحنها اللبنانى محمد فليفل (1899 - 1955). 
لكن الناقد لا يفهم أن يتم فى مقدمة العرض ترديد النشيد القومى لإسرائيل (هاتكفاه) بالعربية وان تشارك رائدة فى ترديده دون أي مبرر درامى مقنع لان ذلك يعطى شرعية لإسرائيل. ولم يستبعد الناقد أن يكون ذلك شرطا للسماح بعرض المسرحية فى حيفا. ويلاحظ أيضا محدودية حركة رائدة واعتمادها على الأداء الصوتى فى المقام الأول عكس المفروض فى المسرح كأداة للتواصل المباشر مع الجماهير.
ويرى الناقد رغم هذا المأخذ أن المسرحية جيدة وتصلح للعرض بأشكال مختلفة . فهو يرى أن قماشتها عريضة ويمكن تحولها إلي مسرحية تقليدية بديكورات وأبطال مع زيادة مدة العرض. ويمكن أن يتم ذلك على أيدي مخرج من أبناء الداخل وان يقدم العرض عدد من أبناء الداخل إذا رفضت السلطات الإسرائيلية السماح لرائدة طه بالدخول.
 ويرى أن رائدة طه عموما من القلائل، فلسطينياً على الأقلّ، مَنْ يواجه ماكينة الدراما الصهيونية، التي انتجت وتنتج عشرات الأفلام، التي تقدّم روائيات زائفة وملفّقة وتعزّز خطابها العنصرى. 
بقى أن نعرف أن 36 ش حيفا ثانى مسرحية لرائدة طه حث كانت المسرحية الأولى لها هى “على“ التى كتبتها عن أبيها الشهيد وكيف استشهد وظلت قوات الاحتلال تحتجز جثمانه عامين حتى سمحت بدفنه فى الخليل بدلا من القدس المحتلة.


ترجمة هشام عبد الرءوف