خمسون عاماً من المسرح المجهول في طنطا (2) عروض الأعلام الأوائل في بدايات القرن العشرين

خمسون عاماً من المسرح المجهول في طنطا (2) عروض الأعلام الأوائل في بدايات القرن العشرين

العدد 772 صدر بتاريخ 13يونيو2022

في نهاية مقالتنا السابقة توقف حديثنا عند عروض فرقة إسكندر فرح في طنطا عام 1904، ولاحظنا أن أغلب العروض كانت بطولة المطرب الممثل «سلامة حجازي»، ولم نستكمل الحديث لأن الفرقة انفصلت إلى فرقتين في عام 1905: الأولى فرقة إسكندر فرح، والأخرى فرقة الشيخ سلامة حجازي. وفرقة إسكندر لم تأت إلى طنطا بعد ذلك بسبب توقفها. أما فرقة الشيخ سلامة فقد واصلت مسيرتها وتألقها، وزارت طنطا في أول نشاطها عام 1904، وأخبرتنا بذلك جريدة «مصر» في مارس، وحددت أسماء من يقوم ببيع التذاكر، وأماكن بيعها في طنطا، قائلة: «سيمثل الشيخ سلامة حجازي في مدينة طنطا يوم الثلاثاء المقبل الموافق 4 إبريل رواية «صلاح الدين الأيوبي». وتباع التذاكر في محل الخواجات فيليب وتوفيق قدسي بشارع البورصة بطنطا، ومن يد ملتزم الليلة «سليمان الحداد»، فنحث الأدباء على اقتناء تذاكر تلك الليلة».

وبعد شهر واحد، أخبرتنا جريدة «المؤيد» بأن جمعية محفل الاتحاد بمدينة طنطا، أقامت حفلة خيرية لصالح الفقراء والمعوذين. وأقامت هذا الاحتفال في شادر أنطون إبراهيم، ومثّل فيه الشيخ سلامة حجازي بفرقته مسرحية «السيد»! وهذه معلومة مهمة توضح لنا أن أماكن العروض المسرحية في طنطا، كانت إما أماكن فضاء أمام الكوبري الخشب في الجهة البحرية، أو مسارح متنقلة، أو شوادر! ولكن هذا الأمر لم يستمر طويلاً! ففي العام التالي 1906، أصبح لطنطا مسرح لائق بها عُرف باسم «التياترو المصري» ومكانه بجوار مبنى مديرية طنطا، الذي سيصبح فيما بعد مسرح البلدية!!
هذه المعلومة نشرتها جريدة «مصر» في مايو 1906، قائلة: «يمثل جوق حضرة الشيخ سلامة حجازي المطرب الشهير مساء الأحد 13 الجاري رواية «تسبا» الشهيرة في دار التياترو المصري بجوار المديرية بطنطا. وتباع تذاكر الدخول بمحل الخواجات فيليب وتوفيق قدسي بشارع البورصة في طنطا، فنحث الجمهور للإقبال على ابتياعها».
وفي نوفمبر عام 1910 مثلت فرقة الشيخ سلامة مسرحية «شهداء الغرام» في التياترو المصري بطنطا، كما ذكرت جريدة المؤيد. وفي يناير 1912 نشرت جريدة «مصر» خبراً مهماً عن أحد عروض الفرقة في طنطا، وتمثلت أهميته في ذكر اسم التياترو المصري باسمه الجديد المرتبط بالمجلس البلدي، وأيضاً ذكر الخبر ولأول مرة أسعار التذاكر، ناهيك عن تنوع أماكن بيعها. ولأهمية هذه المعلومات، سأذكر الخبر بنصه:
«تقيم جمعية الاحتفالات والأعياد المختلطة بطنطا ليلة تمثيلية في تياترو حديقة المجلس البلدي في طنطا مساء الثلاثاء 30 يناير الجاري، فتمثل رواية من أبدع الروايات يقوم بها جوق حضرة المطرب المبدع الشيخ سلامة حجازي، ويكون لحضرته الدور المهم فيها. أما تذاكر الدخول فثمن تذكرة الدرجة الأولى خمسون قرشاً، والدرجة الثانية ثلاثون والثالثة عشرون قرشاً. والتذاكر تباع في الكلوب الخديوي، ومحل جناكليس بشارع البورصة، ومحل الخواجا ربجاكرا ممبولو الدخاخنى تجاه المديرية، وعلى باب المنتزه بطنطا».

جورج أبيض
في عام 1912 ظهر بقوة «جورج أبيض» بوصفه أول دارس للمسرح في فرنسا على نفقة الخديوي عباس حلمي الثاني، وعندما عاد من فرنسا أحدث ضجة مسرحية كبيرة، جعلت اسمه الأول مسرحياً في مصر، واشتهرت فرقته بتمثيل ثلاثية مسرحية هي «لويس الحادي عشر، وعطيل، وأوديب الملك». وكنت أظن – كما ظن أغلب أهالي طنطا وقتذاك – أن هذا النجم الكبير والشهير لا يمكن أن يترك العاصمة ويعرض مسرحياته في طنطا!! ولكن خاب ظني وظن الجميع! فقد وجدت خبراً منشوراً في جريدة مصر في سبتمبر 1912، عنوانه «جوق جورج أبيض»، جاء فيه الآتي:
«حضر إلى مدينة طنطا الممثل المصري المشهور جورج أبيض بناء على دعوة جمعية احتفالات الأعياد المختلطة لتمثيل بعض رواياته، فمثل أولاً رواية «لويس الحادي عشر»، ثم رواية «عطيل»، ثم رواية «أوديب الملك». وقد حضرنا تمثيل هذه الروايات، ونحن نظن أننا نشاهد شيئاً عادياً ولكننا لما حضرنا هذه الروايات التي مثلت في طنطا سررنا مما رأيناه من براعة جورج أبيض وجوقه الجديد، ولم نصدق أننا حضرنا تمثيلاً لأن الممثلين كانوا يظهرون كأنهم أبناء العصور ورجال الحوادث التي يمثلونها ذلك في الحركات والسكنات، أو الملابس أو الموت أو الحياة. وهي مقدرة هائلة، وقوة غريبة لحضرة جورج أبيض ورجاله، الذين يشاركونه في التمثيل تستحق كل إعجاب وتعضيد. ويكفي أن نُعرف الأمة أن سمو خديوينا المعظم حفظه الله عنّ عناية خاصة بحضرة جورج أبيض وعضده بماله. ففي ذلك أسطع برهان على كفاءته، بل ونبوغه في فن التمثيل. وقد أعجب جميع من شاهدوا تمثيله المتقن إعجاباً عظيماً، وكرروا الدعاء بحفظ ذات سمو خديوينا المعظم الذي شمل شريف عواطفه هذا الممثل البارع، كما أنهم شكروا صاحب السعادة المفضال محب باشا مدير الغربية الذي تفضل وقبل رئاسة شرف جمعية الأعياد والاحتفالات المختلطة بطنطا، التي دعت جورج أبيض لتمثيل رواياته، ثم أن سعادته أوجد مرسحاً في وسط منتزه البلدية يليق لمثل جورج أبيض وجوقه المعظم». 
تألق جورج أبيض لم يدم طويلاً، لأسباب كثيرة من أهمها أنه ترك تمثيل الكلاسيكيات بالفصحى، واتجه إلى التمثيل الكوميدي بالعامية، ففقد جزءاً كبيراً من جمهوره! وفي هذا الوقت أصيب الشيخ سلامة حجازي بمرض «الفالج» أي الشلل، فتأثرت فرقته سلباً، فابتعد عنها الجمهور بعض الشيء! لذلك اتحد الشيخ سلامة مع جورج أبيض وكونا سوياً فرقة مشتركة تحت اسم «جوق أبيض وحجازي»، وبدأ هذا الاتحاد يتألق فنياً ومسرحياً في القاهرة، ولكن في بعض الفترات كان يقبل أي عروض في الأقاليم، حتى ولو كانت عروضاً مسرحية ضمن فقرات للسيرك تُقام داخل سينما في طنطا!! 
هذه التفاصيل أخبرتنا بها جريدة «الأفكار» في فبراير 1915، قائلة تحت عنوان «خمسة سباع حقيقية في مدينة طنطا»: «مساء الخميس ليلة الجمعة 18 فبراير سنة 1915 في التاسعة مساء تقام حفلة كبرى في سينما الباتيناج بطنطا. ومن ضمن بروجرام الألعاب التي تُعرض في هذه الحفلة خمسة سباع حقيقية، تقدم على المرسح ألعاباً تدهش العقول. ويمثل جوق أبيض وحجازي رواية «صلاح الدين الأيوبي» ويقوم بأهم أدوارها زعيم فن التمثيل العربي الشيخ سلامة حجازي وجورج أفندي أبيض، فنحث الجمهور على الإقبال عليها».
وفي عام 1916، وبعد أن أطلق على التياترو المصري بطنطا اسم «تياترو المجلس البلدي»، وجدنا جوق أبيض وحجازي يمثل عليه في يناير مسرحية «مي وهوراس»، وفي يونية مسرحية «مدام سان جين»، كما أخبرتنا جريدة المقطم.

الشعب والقيصر
في عام 1905 ظهرت فرقة مسرحية باسم «مجتمع التمثيل العصري»، من الصعب أن نعدّها فرقة هواة، لأن رئيسها «سليمان الحداد» وهو أحد أعلام المسرح العربي المحترفين في القرن التاسع عشر! كما أن مؤلفها الرئيسي هو «جورج طنوس» أحد أعلام الشوام في مجال الأدب والمسرح المقيمين في مصر! ورغم ذلك نستطيع أن نقول عن هذه الفرقة إنها فرقة مسرحية قوية بأعلامها، والتي ظهرت واختفت في فترة وجيزة من عام 1905!! 
هذه الفرقة ظهرت شهرتها في إبريل بإعلان من جريدة «الوطن» جاء فيه تحت عنوان «الشعب والقيصر» رواية غرامية حماسية وطنية ستمثل لأول مرة في 4 مايو سنة 1905 في تياترو عبد العزيز بمعرفة مجتمع التمثيل العصري الشهير». وظلت جريدة «الوطن» تنشر إعلانات وأخبار هذه المسرحية، وهذه الفرقة طوال شهر كامل، حيث إن مُعرب المسرحية «جورج طنوس» هو أحد محرري الجريدة! والجدير بالذكر أن المسرحية من تأليف فولتير.
وصلت أصداء الفرقة ومسرحيتها إلى أعيان طنطا، فطلبوا استحضار الفرقة وعرض المسرحية في طنطا، هذا ما أخبرتنا به جريدة «الوطن» في منتصف مايو 1905، قائلة: «طلب كثيرون من سراة طنطا إلى مجتمع التمثيل العصري الشهير تمثيل رواية «الشعب والقيصر»، التي وضعها حضرة الشاعر الناثر جورج طنوس في بندرهم لتشوقهم الزائد إلى مشاهدة تمثيل هذا المجتمع، الذي طبق ذكره آفاق القطر المصري، فلبى الطلب وعزم أعضاؤه على تقديم هذه الرواية الحسناء في تياترو طنطا مساء يوم السبت المقبل الموافق 20 الجاري. وسيتولى حضرة الممثل المعروف والأديب الفاضل «سليمان حداد» إدارة هذه الليلة وبيع تذاكرها في طنطا».
واصلت الجريدة إعلانها عن هذا الحدث الكبير في طنطا، فأضافت معلومات جديدة عن الفرقة، قائلة بعد يومين من كلامها السابق: «بدت في الأعوام الأخيرة نهضة تمثيلية كبرى ظاهرة للعيان. ولو أنصف الناس لعرفوا أن البادئين بها هم حضرات الأفاضل الأدباء أعضاء مجتمع التمثيل العصري الشهير الذي طبق ذكره آفاق القطر المصري، لما عرف عن حضرات أعضائه من الاقتدار والإبداع في فن التمثيل إلقاءً وإيماءً وحُسن اختيارهم للروايات المفيدة التي تترك في النفوس أعظم تأثير. ويسرنا أن هذا المجتمع سيمثل بناء على طلب كثيرين في مساء السبت 27 الجاري رواية «الشعب والقيصر» في التياترو المصري بطنطا، وهي الرواية التي وضعها الشاعر الثائر المعروف «جورج طنوس». وسيمثل في أوائل يونيو رواية «التعس» من قلم حضرته أيضاً، وهي تسارع الآن في الاستعداد لتمثيل رواية «الإنسان والشيطان» التي وضعها عن الفرنسوية حضرة الكاتب الأديب «عبد الله نقولا» أحد أعضاءه، وهي المعروفة في المراسح الأوروبية برواية «فوست الشهيرة». فمجتمع هذه غيرته على فن التمثيل، وهذا اهتمامه في تأليف وتعريب الروايات جدير بكل تعضيد وحري بكل ثناء».
وإن كانت جريدة «الوطن» اهتمت اهتماماً كبيراً بالترويج لهذا العرض في طنطا من أجل محررها «جورج طنوس» مُعرب المسرحية، فإن جريدة المقطم انضمت إليها في الترويج للعرض، قائلة: «تمثل جمعية التمثيل العصري مساء السبت القادم رواية الشعب والقيصر بقلم حضرة الكاتب الأديب جورج طنوس في التياترو المصري بطنطا، وستكون هذه الليلة جامعة لما يسر النواظر ويقر العيون». وقبل العرض بيوم واحد نشرت جريدة المقطم خبراً بتأجيل العرض، قائلة: «اضطر مجتمع التمثيل العصري لدواعٍ أن يؤجل تمثيل رواية الشعب والقيصر في التياترو المصري بطنطا إلى مساء يوم السبت القادم. ومتولي شؤون هذه الليلة هو حضرة سليمان حداد».
وقبل يومين من الموعد الجديد قالت جريدة «الوطن»: «مجتمع التمثيل العصري في تياترو طنطا بجوار المديرية، سيعرض رواية «الشعب والقيصر» بعد غد لفولتير بتصرف جورج طنوس». وقبل العرض بيوم نشرت الجريدة خبرها الأخير قائلة: «نذكر الطنطاويين برواية «الشعب والقيصر» التي سيمثلها غداً حضرات الأفاضل الأدباء أعضاء مجتمع التمثيل العصري الشهير في التياترو المصري بجوار المديرية، ففي شهرة حضرة واضعها الفاضل جورج طنوس، وشهرة الرواية، وشهرة المجتمع ما يغني عن التقريظ والثناء». 
وكم كنت أتمنى أن أنقل لك عزيزي القارئ ما نشرته جريدة الوطن عن العرض ونجاحه وكيفية استقبال أهالي طنطا لهذه المسرحية المنتظرة، والتي شوقتنا الصحف في التمهيد لها والإعلان عنها قبل أن تُمثل .. وللأسف الشديد لم أجد أعداد جريدة الوطن طوال أسبوع من تمثيل المسرحية ضمن الدوريات المحفوظة في دار الكتب المصرية!! ولعل باحث آخر ينجح في الوصول إلى هذه الأعداد، أو أية أعداد من صحيفة أخرى نعرف منها أصداء هذا العرض في طنطا عام 1905.

إخوان عطا الله
بداية الظهور المسرحي لإخوان عطا الله – سليم وأمين – كان في عام 1894 من خلال الحديث عن فرقتهما المسرحية المعروفة باسم «جمعية الابتهاج الأدبي». وفي عام 1898 وجدناهما ضمن ممثلي فرقة سليمان القرداحي، وفي عام 1905 انضما إلى فرقة إسكندر فرح، وفي عام 1907 وجدناهما ضمن فرقة الشيخ سلامة حجازي. وفي عام 1909 كوّن سليم وأمين عطا الله فرقة مسرحية جديدة باسم «جوق التمثيل العصري»، لاقت نجاحاً كبيراً؛ بوصفها فرقة جوّالة، عرضت مسرحياتها في أقاليم مصر. 
في هذه الفترة عرضت الفرقة مجموعة من العروض في طنطا، منها: مسرحية «الرجل الجهنمي» أو «السر الهائل» كما أخبرتنا جريدة الأخبار في أبريل 1909، ومسرحية «الشقاء في الحب» وخُصص دخل الليلة لتعليم طفل يتيم، كما أخبرتنا جريدة «البلاغ» في ديسمبر 1910، ومسرحية «دموع البائسة» كما أخبرتنا جريدة «مصر» في سبتمبر 1913. وآخر عرض مسرحي وجدناه في الفترة التاريخية المحدد، أخبرتنا به جريدة «البصير» في إبريل 1926، قائلة تحت عنوان «جوق الأستاذين سليم وأمين عطا الله»: 
«حضر إلى القطر المصري هذا الجوق بعد سياحته الطويلة في سوريا وفلسطين وسيبدأ بتقديم رواياته العصرية الاجتماعية بمدينة المنصورة وطنطا ابتداء من 8 أبريل سنة 1926 ومن ثم يعود إلينا لتمثيل رواياته المذكورة، فنحث الجمهور لحضور روايات هذا الجوق الذي نال الاستحسان العظيم من أهالي سوريا وفلسطين، وخصوصاً الذين يعرفونه في القطر المصري».


سيد علي إسماعيل