مدحت أبوبكر .. دقات على باب المسرح

مدحت أبوبكر ..   دقات على باب المسرح

العدد 844 صدر بتاريخ 30أكتوبر2023

مثل كل أبناء جيله، تميز مدحت أبوبكر (والذي ولد في المنيا عام 1954) ، وتوفي في حريق مسرح بني سويف، بالثقافة الموسوعية ذات الروافد المتعددة، فهو رجل مسرح، وشاعر، وباحث اجتماعي أيضا ومحرر صحفي عمل في عدة صحف منها جريدة الأحرار» والتي ترأس القسم الثقافي بها لعدة سنوات، كذلك عمله في إعداد البرامج للتليفزيون المصري والتليفزيون الكويتي في الفترة التي قضاها في العمل هناك،  كل ذلك منحه فرصا متعددة لأن تتسع لديه رقعة الرؤية ومساحة الكتابة فقدم في كل مجال دخله إسهامات ملحوظة. وترك في كل مجال أثرا واضحا يدل على إرادة ثقافية من نوع خاص.
بدأ «أبوبكر» حياته العلمية باحثا اجتماعيا حيث تخرج من المعهد العالي للخدمة الاجتماعية بجامعة حلوان عام 1978م، ثم حصل على الماجستير عام 1993 برسالة عن «الإنسان المصري ومحاولة تهويده»، ثم حصل على الدكتوراه بدراسة عنوانها «انتكاسة المدمنين وكيفية معالجتهم بالأعمال الدرامية» عام 199.
وفي مجال النقد المسرحي صدر له «التجريب المسرحي.. آراء وتطبيقات» 1992، و»ملامح التجريب المسرحي» 1994، و»الخطايا العشر لمسرح الهواة» 1997.
كما قدم عروضا مسرحية من تأليفه وإعداده  تنم عن مقدرة متميزة وتنوع فني اتسمت به تجربته المسرحية، من هذه العروض  مسرحية «طائر الحب الجميل» من «إخراج مجدي الزقازيقي، وبطولة محمد محيي وحنان ماضي، وينتمي العرض للمسرح الغنائي، و»الحب والنار» من إخراج السيد راضي، وبطولة محمد الحلو وتيسير فهمي ومحيي الدين عبد المحسن، وقدم العرض على خشبة المسرح القومي، و»أهل الهوى» من إخراج فهمي الخولي، بطولة حنان ترك وسامي العدل وسامح يسري، و»تفاحة يوسف» بطولة عبد المنعم مدبولي ورياض الخولي وسحر رامي وإخراج فؤاد عبد الحي، وقدمت على خشبة المسرح الحديث، و»ليلة فل» من إخراج محمود الألفي وقدمتها فرقة مسرح الشباب من بطولة علا رامي ومحمد فريد وعماد رشاد، و»ألف ليلة وليلتين» من إخراج عبد الستار الخضري وقدمتها فرقة السامر. وقدم للمسرح الخاص عدة أعمال منها «شقاوة» بطولة سيد زيان وروجينا وسمية الخشاب ووفاء عامر وسامح يسري وإخراج عادل عبده.
وتدور هذه المسرحية في إطار كوميدي خفيف، عبر كتابة واقعية تعتمد على كوميديا المفارقة.
كما صدرت له عدة دواوين شعرية منها «دقات على أبواب الصمت» 1981، و»لسان عصفور» 2003، ومسرحيتان هما «طعم الورد وليلة العمر» 2004.
في كتابه «الخطايا العشر في مسرح الهواة» يتناول أبوبكر مفردات العمل المسرحي بداية من التأليف، حيث يقدم نبذة موجزة عن تطور فن التأليف المسرحي بداية من العصر اليوناني والمسرح في مصر القديمة، مقدما مقارنة ما بين التأليف والإعداد المسرحي والمعالجة والرؤية، ثم يقدم رؤية مشهدية لتطور فن الإخراج المسرحي منتقلا إلى فن «السنوغرافيا» وضرورة التناسق ما بين مساحة المنصة المسرحية ووحدات الديكور، ثم يتحدث عن الإضاءة وتجاهل «مسرح الهواة» للاحتياجات الضوئية للعرض المسرحي، والتعامل غير الواعي مع تكنولوجيا الإضاءة.
ويطالب أبوبكر بضرورة الاعتماد على المختصين في مجالات الديكور  والإضاءة والإدارة المسرحية للخشبة حتى يتخلص مسرح الهواة من كثير من الأخطاء التي تقع فيها عروضه.
وفي كتابه عن «التجريب المسرحي» نجده يقدم قراءة «سيكودرامية للتجريب المسرحي»، حيث يؤكد على أن «المتابع لتاريخ المسرح لن يجد صعوبة في اكتشاف العلاقة بين الحاجة النفسية والتجريب المسرحي على كل المستويات، وفي مختلف العناصر» يقول مدحت أبوبكر: «تأملوا الأشكال المتطورة للمعمار المسرحي وعلاقته بالدراما المسرحية، فعندما أراد الكهنة الفراعنة التواصل مع جماهير الناس دينيا عبر شكل مختلف، كانت المعابد هي المعمار المسرحي حتى يضمن الكهنة الجذب النفسي للناس المرتبطة بالدين، وعلى مدى مئات السنين يبذل المهتمون بالمسرح جهودا تجريبية لتطوير المعمار المسرحي مرتبطين بالحاجات النفسية لجمهور المتلقين».
مؤكدا على أن علاقة المسرح بالجمهور علاقة قديمة قدم هذا الفن العريق، فالمسرح هو فن المشاهدة الأول، منذ نشأته في الحضارة اليونانية، وقد حاول صناع المسرح على مر العصور البحث عن صيغ متنوعة للتقريب ما بين العرض المسرحي والجمهور، وما محاولات التجريب المتنوعة إلا محاولات للتقريب ما بين الطرفين.
ولذلك نراه يشير إلى أن «خشبة المسرح التقليدية- في إطار المسرح التجريبي- لم تعد هي المكان الوحيد لعرض مسرحية، وكشفت عروض التجريبيين في كل العالم منذ الستينيات أن رحبة المسرح أو منطقة العرض لا تقتضي أن تكون مجرد خشبة مسرح محددة، فهذا مخزن إيواء السيارات(الجراج) الذي اتخذه للعرض المخرج الأمريكي المعاصر ريتشارد شكنر ليس فيه افتراضا خشبة مسرح محددة.. والكثير من المسارح البيئية تذهب إلى حد أن الحدث يقع في أي مكان في البناء وعلى الأرض ومع انتشار الممثلين في أرجاء المسرح عبر صفوف المشاهدين وجلوسهم في المقاعد الخالية – إن وجدت - .. وكل هذا بالطبع لم يكن جديدا ولكنه أوجد سلوكا مسرحيا كهربيا في مثل هذا الإنتاج المسرحي..»
وظل مدحت أبوبكر مشغولا بسؤال التجريب في معظم كتاباته النقدية، وتعددت أسئلته في ذلك حيث يقول: «لماذا أقدم مسرحيتي من خلال منصة يشاهدها الجمهور الذي يجلس في الصالة ولماذا لا أقدم المسرحية بين المشاهدين؟، ولماذا لا يتحدث الممثلون مع الجمهور؟، ولماذا لا أبتكر في مصادر الإضاءة؟».
هذه الأسئلة تعد أحد المحفزات الفنية  لصانع المسرح التجريبي، ومن هنا تتولد التجارب المهمة في إطار المسرح ما بعد الحداثي، والمسرح ـ عبر تاريخه الطويل ـ اعتمد على عنصرين فنيين في التجديد هما تنوع طرق الأداء التعبيري وعملية التلقي المتصاعد من قبل الجمهور مما نتج عنه سقوط الحواجز في علاقة تبادلية أنتجت أنساقا جديدة تعتمد على مسرحة فضاءات جامدة مهملة لم تكن مستخدمة من قبل في العرض المسرحي من أجل تثوير الوعي الغائب وإعطائه إمكانيات للحضور لم يأخذها في فترات سابقة.
والتفكير في مثل هذا النوع من «المسرح المفتوح» جاء كبديل عن روتينية المسرح التقليدي «مسرح العلبة الإيطالي» الذي مل الجمهور منه وأعرض عن حضور عروضه نظرا لإفلاسه عن تقديم الجديد لأنه من المعروف أن المسرح الحقيقي يقوم على الإدهاش والمفارقة، وهذا ما يفتقده المسرح التقليدي ذو المعمار الكلاسيكي.
لذا كان من الضروري البحث عن أطر فنية يكون من مهمتها إيجاد نوع من التوازن في الوعي –الذي للأسف – تتعدد المحاولات لتغييبه، لذا تكون مهمة الفعل الثقافي صعبة، لكنها بكل تأكيد ضرورية.
يقول المخرج الراحل السيد راضي عن مدحت أبوبكر: «إن مدحت كان متميزا في صياغة كتابته المسرحية التي كثيرا ما تميل إلى اللغة الشعرية وأنا تنبأت له بمستقبل في هذا المجال، وطبعت له سلسلة كتب التجريب المسرحي في مصر».
كان مدحت أبو بكر –إذن- كاتبا مسرحيا وناقد تميز نقده بأنه قائم على أسس علمية صحيحة، كما اتسم بصفة مهمة وهي الحرص الدائم على متابعة كل جديد في تطور التقنيات المسرحية، بالإضافة إلى ربطه بين التحليل النفسي والمسرح وتقديم قراءات متعددة في هذا الاتجاه.
كما كانت سلسلة التجريب في المسرح المصري والتي صدر منها عدة أعداد في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي، دافعة لكثير من النقاد – فيما بعد- للكتابة عن الأطر التجريبية في المسرح.


عيد عبد الحليم