تجربة مسرح المكفوفين فى بريطانيا

تجربة مسرح المكفوفين فى بريطانيا

العدد 764 صدر بتاريخ 18أبريل2022

في الأعمال المسرحية – أو غيرها فى السينما أو التليفزيون - يمكن أن نجد شخصيات من المكفوفين يجسدها المبصرون عادة كما هو الحال مثلا في مسرحية وجهة نظر لمحمد صبحى أو غيرها.
لكن الوضع في المسرح البريطاني – وهو ما يهمنا اليوم - ليس كذلك. يمكن أن نجد المكفوفين يؤلفون المسرحيات ويخرجونها ويمثلون فيها رغم أنها عادة عملية بالغة الصعوبة بالنسبة للمبصرين،فكيف بشخص شاء قدره أن يحرم نعمة البصر سواء ولد كفيفا (أكمه) أو فقد بصره في مرحلة لاحقة من حياته. ويمكن أن يكون الشخص يعانى ضعفا شديدا في البصر بحيث يصنف قانونيا على انه كفيف حتى يستفيد من كافة الخدمات والمزايا الممنوحة للمكفوفين وهى قاعدة مطبقة في الولايات المتحدة والعديد من دول الغرب. 
وجوانب الصعوبة عديدة منها أن الكفيف يتعامل مع نص مسرحي لا يستطيع قراءته ويتم تلقينه الكلام أو يقراه بطريقة برايل. وهناك مدى الإحساس بالعمل وبالديكورات والوقت المناسب للنطق بالكلمة أو العبارة وتسلسل العبارات والكلمات وغيرها وارتباطها بالموقف .وهى مشكلة تواجه المخرج والممثل على حد سواء إذا كانا من الأشخاص العاديين . 

دور التكنولوجيا
وهناك عدة أمثلة على ذلك نكتفى بتناول إثنين منهم وهما “شلوى كلارك” وهى ممثلة كفيفة قانونيا في الثلاثينيات من عمرها وإن كانت تعتبر نفسها كفيفة بالفعل ودوجلاس ووكر وهو ممثل ومخرج.
تقول شولوى (38 سنة ويلزية). وكانت كفيفة قانونيا ثم فقدت ما تبقى لديها وأصبحت كفيفة فعليا. تقول أن اقتحام المكفوفين لصناعة المسرح كانت أمرا ضروريا لعدة أسباب في مقدمتها رغبتهم في التحدى والرد على مفاهيم خاطئة تشيع عنهم بأنهم غير قادرين على التعامل مع هذه الصناعة الرائعة التى تعد كل جوانبها نوعا من التحدى. كما أن بعض المسرحيات كانت تظهر الكفيف بصورة خاطئة فكان لابد أن يسعوا إلى تجسيد شخصياتهم بأنفسهم وعدم تركها للمبصرين.
وتقول أنها سعيدة لأنها تمكنت من التحرك بسهولة على خشبة المسرح في عدة أعمال رغم أنها في الحياة العامة لا تستطيع التحرك بدون الكلب المرافق لها. وكانت تقوم بحفظ دورها باستخدام لغة برايل.
 وتعترف بان التكنولوجيا الحديثة ساعدتها على امتهان عملها الأصلي المتصل بخدمة المكفوفين وهو “استشارى الوصف السمعى”. وهذا العمل ساعدها عندما قررت اقتحام عالم المسرح. كما يساعدها جهاز الأى باد في تحديد محتويات الغرفة التى توجد فيها والإحساس بوجودها. ويستفيد منها من يعانون ضعفا شديدا في البصر أو المكفوفين من الناحية القانونية في تكبير النص أمامهم إلى الحد المناسب لقوة أبصارهم. وتساعدها سماعات التوصيل العظمى bone-conduction headphones خلال بروفات المسرحيات للتفاهم مع زملائها الممثلين. كما تساعدها في تلقى تعليمات المخرج أثناء العرض. 

فخر
وتقول كلارك أنها في بداية حياتها الفنية كانت ترفض أن يطلق عليها ممثلة معاقة بصريا. لكن المكاسب التى حققها المعاقون بصريا جعلتها تفخر بانها منهم خاصة أنها من الناشطين في مجال حقوق المعاقين. 
وهى لا تكتفى بالدفاع عن دور المكفوفين فقط في المسرح بل تدافع عن فئات أخرى مثل المصابين بالصمم وكل من يتعرض للتمييز في المسرح بسبب إعاقة يعانى منها. وتقول أنها عضو في عدة جمعيات تسعى لتحقيق هذا الهدف مثل “مساواة” وأخرى اسمها “الفضاء المناسب”.
وتقول أن هذا التيار لا يقتصر على البريطانيين فقط بل هناك جنسيات أخرى. وهناك على سبيل المثال لا الحصر الأسترالية ريا أندريانى وهى أسترالية كفيفة عملها الأصلي خبيرة في لغة برايل.
لكنها تجمع إلى جانب ذلك العديد من المواهب والقدرات على نحو قد لا يستطيعه الأشخاص الأسوياء. فهى مراسلة صحفية ومؤلفة وعازفة موسيقية وقائدة فرقة موسيقية. وهى تحرص على زيارة بريطانيا عدة مرات سنويا للمشاركة في نشاط هذه الجمات. وفى ذلك تقول ...أنا كفيفة واحب المسرح ولا أدرى كف يجتمع الأمران معا ...لكنهما يجتمعان.

دوجلاس
أما دوجلاس ووكر (36 سنة) وهو ممثل كوميدى وكاتب ومخرج مسرحي يعانى ضعفا شديدا في البصر جعله يصنف كفيفا من الناحية القانونية فيرى أن التكنولوجيا ساعدته من وجوه عديدة أبرزها الشرائط السوداء التى يتم تثبيتها في الديكورات بحيث تنبعث منها إضاءة ضعيفة للغاية لا يلاحظها الجمهور لكنها تساعد ضعاف البصر من أمثاله على التحرك على المسرح بكفاءة عالية. كما تساعده في تقدير مساحة خشبة المسرح فيراعى ذلك في كتابته وفى رسم صورة للديكور المطلوب. 
هذا رغم انه ليس مهندسا للديكور لكن يجب أن تكون له بصماته على كل عناصر العمل. ويقول أن كل هذه التقنيات ماكان يمكن أن تفيد لولا وجود العزم والإصرار لدى الفنانين المكفوفين وضعاف البصر ولولا بعض المبادرات والبرامج التى ساعدت على ذلك مثل مبادرة “موجودون” التى رعتها عدة هيئات وشركات لتمكين أصحاب الهمم في مجال المسرح . وشارك فيها دوجلاس. 
كما شارك دوجلاس في نشاط منظمة أخرى هى “مسارات” التى تأسست عام 2018 بهدف تدريب المكفوفين على المشاركة في عدة اشكال فنية – وليس المسرح التقليدى فقط - مثل مسرح شكسبير والمسرح الغنائى الراقص والأفلام. وكان التدريب يشمل الإخراج والبروفات.

إقناع
ويتفق دوجلاس مع زميلته في أن مشاكل عديدة تواجه المكفوفين أهمها عندما يتصدى الواحد منهم لتجسيد شخصية سليمة هنا يتعين عليه إقناع المشاهد بانه يشاهد شخصية سليمة . وابسط مدخل لذلك هو أن يكون الممثل نفسه مقتنعا بأنه يجسد شخصية سليمة. وهذا ما يفعله دوجلاس شخصيا عندما يقف على خشبة المسرح. وهو عادة يتعامل مع المشكلة بإيراد شخصيات من المكفوفين في أعماله المسرحية. ولا يستطبع أن يفعل ذلك مع كل الشخصيات حتى لا تفقد عنصر الإقناع. 
وقد شارك في مسرحية “الزيارة” للكاتب المسرحى الألماني فريدريش دورينمات التى قدمها المسرح القومى البريطاني في 2020 وكان كل أبطالها تقريبا من المكفوفين وضعاف البصر الذين دربتهم “مسارات“ حيث عرضت المسرحية بمعالجة خاصة تناسب هذه الفئة. ويقول أن اهم ما تعلمه من “مسارات“ هو أن يدافع عن اشتغال المكفوفين بالعمل المسرحى ويرد على كل من يشكك في قدراتهم.
 وتدور المسرحية حول سيدة عجوز تعود إلى مسقط راسها بعد أن حققت ثورة ضخم. ويفاجأ أهل البلدة بانها تخصص مبلغا كبيرا من المال لتجديد البلدة وحل مشاكلها مقابل شرط غرب هو أن يقتلوا الرجل الذى أحبته في شبابها وحملت منه ثم هجرها. وتدور فصول المسرحية الثلاثة حول جدل دور بين أطرافها حتى يوافق أهل القرية على طلبها في النهاية. وسبق أن قدمت هذه المسرحية في العديد من دول العالم بمعالجات مسرحية وسينمائية عديدة.


ترجمة هشام عبد الرءوف