هموم شباب المسرح المستقل على مائدة «مسرحنا»

هموم شباب المسرح المستقل على مائدة «مسرحنا»

العدد 597 صدر بتاريخ 4فبراير2019

الشباب هم القوة الكامنة لأي مجتمع لا سيما في المجتمعات العربية، فهم الجيل القادم في شتى المجالات خاصة المسرح، فالشباب هم الغد الذي سيملأ العالم بفنونه، وإبداعاته.. وعن أهم الإشكاليات التي تقابل المسرحيين المستقلين خلال رحلتهم الإبداعية، وتضعها الهيئة العربية للمسرح نصب أعينها في خططها المقبلة، التقينا بعدد من شباب المسرح العربي.
يقول الفنان حمد الرقعي من الكويت: لعل من أهم الإشكاليات التي تقابل المسارح الشبابية المستقلة، عدم توفر الدعم المادي اللازم لبناء وتطوير القدرات الفنية للفنانين الشباب في هذه المسارح، ما يعرقل لخلق كيانات مسرحية ثابتة ومستقلة المورد.
وتابع الرقعي: وتتمثل المعضلة الأخرى التي تواجهها الفرق المسرحية الشبابية في عدم توفر فضاءات مسرحية مناسبة تلبي طموحات الفنانين الشباب في تقديم عروض مسرحية ذات مستوى فكري وفني يطرحون من خلالها قضاياهم ومشكلاتهم ورؤياهم بشكل يتماشى مع روح العصر التكنولوجي الحديث.
وأكد على أنه لن يتأتى هذا ولن تحل هذه الإشكاليات دون مد يد العون لهم والمساعدة من الجهات المعنية في شؤون الشباب والمسرح.
وطالب أن تولي المؤسسات والهيئات الدولية للمسرح اهتماما لجهود الشباب وقدراتهم لا سيما في المسارح المستقلة، وأن يكون هناك موازنة بين العروض التي تقدم في المسرح المستقل والعروض التابعة للهيئات الحكومية أو التابعة لجهات تقوم بدعهما.
 
مبادرة صندوق دعم مسرح الشباب
فيما قال المخرج كاظم نصار إنه يجب أن نحدد أولا ما هي المرتكزات التي ينبني عليها تطور المسرح ونهضته لكي يخرج من إطار كونه ممارسة فردية لشباب يمارسون هوايتهم في قاعات مهملة أو يتم تأجيرها، حيث يرتكز المسرح على وجود بنى تحتية مثل بنايات المسرح وقاعات التدريب والورش وقاعات للندوات وغرف للإدارة.
وتابع نصار أن تلك الفرق تحتاج إلى تمويل منظم وليس إلى هبات أو دعم طارئ، كما تحتاج أيضا إلى رؤية استيراتيجية قصيرة وبعيدة لتطوير المسرح وتمكينه من لعب دور فعال في الحياة المجتمعية، بالإضافة إلى توفر إدارات ثقافية تعرف كيف تخطط وتنفذ وتنمي، وإصدار قوانين لصيانة الحريات الإبداعية والعمل الثقافي.
وعن أصعب الإشكاليات التي تواجه المسرحيين المستقلين، قال: إن الفرق المسرحية تحتاج إلى دعم لاستدامة عملها كي لا يجعلها تجنح أحيانا إلى الأعمال التجارية الهابطة وما يؤثر سلبا في مسيرتها ورسالتها، كما أن هناك بعض الدول العربية تفتقر إلى وجود البنية التحتية وخطط التمويل نظرا لفقرها الاقتصادي، وهذا ما يزيد الحاجة لدعهما عبر منظمات وهيئات المسرح مثل الهيئة العربية للمسرح التي قامت بتقديم دعم كبير لأكثر من بلد لإقامة مهرجان وطني، ولكن الصعوبة في عدم استطاعة الهيئة أن تغطي الفرق المستقلة لا سيما فرق الشباب منها، وهو الشيء الذي يجعلهم بمعزل عن هذا الدعم والتمكين.
وأشار إلى أهمية دور الشباب في الحركة المسرحية لما يملكون من دماء جديدة وحساسية ومزاج مختلف يجعلهم يحتاجون إلى خطط وبرامج ولإشراكهم في كل الأنشطة للتعبير عن ذواتهم. كما دعا لإطلاق مبادرة لصندوق دعم مسرح للشباب وتيسير شؤونهم.

اصنع منهجك ولا تقلد التجارب السابقة
فيما أشار المخرج التونسي معز القديري إلى أن أهم الإشكاليات التي تقابل المسرحيين المستقلين هي غياب الدراية والرؤية الشاملة عبر عدم طرح الأشكاليات الأساسية والمتعلقة بالدعم المادي.
كما أثار الكثير من التساؤلات حول الوقوف على حركة المسرح بشكل عام وهي لماذا المسرح اليوم؟ وما هي الضرورة من الفعل المسرحي وأهدافه؟ وكيف الوصول لاستقطاب الجمهور؟ وأي خطاب يتم توجيهه له؟ وكيف للمسرح أن يجدد خطابه في عمق المضمون؟ والجمالية في عصر الميديا وتأثيرها السلبي؟ وبالوقوف على كل تلك التساؤلات سنعرف ماذا نقدم وماذا نفعل من أجل النهوض بالحركة المسرحية، وتجديد آلياتها وكسر عزلة القاعات والخروج إلى الشارع لاستقطاب المشاهد.
أضاف أن الإشكالية الحقيقية ليست في الدعم المادي، المشكلة الرئيسية تكمن في الخوف من التجربة، فأنا صاحب تجربة مستقلة وحققت نجاحا دون الاعتماد على أي دعم، والشباب اليوم قد ورثوا الجبن تاريخيا، ورثوه من هزائم الشعوب، فأصبح عاجزا عن تحدي حاجز الخوف الوهمي، فإذا وضع الفنان لا سيما المستقل في إحدى المؤسسات تُقتل موهبته.
تابع: على الشباب أن يعمل ويصنع منهجه ولا يقلد التجارب السابقة، فعندما اخترت أن تكون مسرحيّا، يعني أن لديك رؤية نقدية للأشياء تتطلب أدوات، والمسرح فيه كل الذي تبحث عنه للتعبير شرط أن تمحي الخوف، فمن السهل جدا أن تقوم بإنجاز مسرحي ولكن من الصعب جدا أن تكون صاحب رؤية، وكما يقول جلال الدين الرومي «كل ما تبحث عنه يبحث عنك.. فقط أصغي لنفسك». استطرد: من يخاف يجب أن يتوقف عن فعل المسرح، وألا ينتظر حلولا من الآخر، وإذا نظرنا إلى التجارب الأمريكية، مسرح برودواي بهوليوود على سبيل المثال، فنجد أن الفنان هو الذي يصنع الثقافة وليست وزارات الثقافة.

شباك تذاكر.. والتقاء الأجيال
فيما اتفقت الفنانة والمخرجة أسماء مصطفى مع بقية المسرحيين على أن أهم الإشكاليات التي تقابل المسرحيين المستقلين هي عدم وجود دعم مادي، وهذا لا يعني أن الفنان المستقل لا يقدم أعمالا دون المستوى بل على العكس هناك الكثير من الأعمال ذات جودة وقيمة فنية عالية، وهو الشيء الذي يجعل بعض المهرجانات تقبل على استقبال هذه الوعية من العروض.
وتابعت مصطفى: إن أصعب ما يواجهه المسرحي المستقل في البلدان التي تفتقر إلى بنية أساسية للمسرح، هو عدم وجود شباك للتذاكر، فلو كان هناك شباك تذاكر حقيقي في تلك البلدان العربية لكان باستطاعة المسرحيين المستقلين الشعور بالأمان، وإنه سيكون لديه الفرصة في تقديم منجزه الفني، وفكره، ورؤيته التي يجب أن يقدمها.
وأضافت أن أكثر الإشكاليات التي تقابلنا هي الاعتماد على المجهود الفردي والذاتي في وصول الأعمال الفنية إلى الدول المختلفة، ففي أحيان كثيرة تقوم بعض المهرجانات بمراسلة الجهات الرسمية كوزارة الثقافة وغيرها، لترشيح الأعمال المشاركة، وبالتالي تقوم بإرسال الأعمال الخاصة بها وبفرقها وإنتاجاتهم، وهنا يعتمد المسرحي المستقل على جهده الفردي في وصول منتجه الفني لتلك المهرجانات، وإن حدث تقابله إشكالية أخرى وهي توفير ثمن تذاكر السفر والمصاريف وذلك لعدم انتمائه لأي من الجهات الداعمة التي تقف خلفه.
وطالبت مصطفى بضرورة وجود تمكين حقيقي للمسرحيين المستقلين لا سيما الشباب منهم، كما أن هناك ضرورة في استدعاء هؤلاء الشباب إلى المهرجانات الدولية، حتى يستطيعوا اكتساب الخبرات من الأجيال الكبيرة ويكون هناك تبادل حقيقي في الأفكار بين هؤلاء الرواد والذين أسهموا في إثراء الحركة المسرحية وشباب المسرحيين.
تابعت: تعلمنا من الرواد سواء في الندوات والمحاور الفكرية أو ورش العمل فهذا الالتقاء بين الجيلين سيغني الحركة المسرحية، كما أنه لا بد وأن تكون هناك أجندة أو خارطة لكل مهرجان والبحث عن الفرق والفنانين المستقلين الذين لا ينتمون لجهات، والذين يعملون بجهدهم في بلدانهم ولا يتم تقديم أي دعم لهم، لأن الحركة المسرحية لن تتطور إلا بالتقاء الجيلين ونحن بحاجة مُلحة إلى تمكين حقيقي لهؤلاء الشباب لا سيما الفرق المستقلة.

مشكلات المسرح السعودي
فيما قال الفنان سامي زهران رئيس فرقة مسرح الطائف، إن أهم الإشكاليات التي تقابل المسرحيين المستقلين في المسرح السعودي هي عدم وضوح المنهجية والرؤية والرسالة، وهو ما جعلنا نقدم على إقامة ورشة العمل المسرحي والتي أنشئت وفق رؤية ورسالة ووضع أسس ممنهجة تعمل من خلالها لبناء العمل المسرحي.
وتابع زهران أنه تم الاستفادة من الورش المسرحية على مستوى العالم العربي والعالمي، والتي ساهمت في خروج الكثير من الفرق المستقلة وأعضاء مسرحيين لهم ثقافة كبيرة وأسهموا في مسيرة المسرح السعودي، والحصول على الكثير من الجوائز.
كما أن من أهم الإشكاليات الأخرى التي تقابل المسرحيين في السعودية هي العائد المادي، التي استطعنا التغلب عليها من خلال فريق العمل بإنشاء صندوق للفرقة والخروج من ذلك المأزق، وهو ما ساعد بشكل كبير على خروج الكثير من الأعمال المسرحية وتكاليف إنتاجها، وذلك من خلال التبرعات التي استطعنا الحصول عليها من قبل بعض المؤسسات التي تهتم بالفعل المسرحي، وهو ما ساهم في الاستمرار في العمل وتقديم إنتاجات مسرحية، وبالإضافة إلى العائد المادي هناك إشكالية مهمة وأساسية تواجه المسرحيين بالمملكة وهي وجود الشرعية أو مظلة رسمية لعمل تلك الفرق من حيث إصدار التصاريح والعضويات، وهو الأمر الذي كانت تقوم به الجمعية العربية السعودية للثقافة والمنوطة بإصدار التصاريح الخاصة بإقامة العروض المسرحية إعطاء مظلة أو شرعية لتلك الفرق التي تقلص دورها في الفترة الأخيرة، ما تسبب في غلق الكثير من الفرق المسرحية وعدم قدرتها على استكمال مسيرتها.
تابع: كما أن توافر الأماكن والبينية التحية تُعد أحد العوائق التي تقف في مواجهة المسرحيين المستقلين، من حيث توفر أماكن العرض المجهزة أو صالات التدريب وتكوين الكوادر البشرية، ما أسهم في إعاقة استمرار هذه الفرق، كما أن هناك الكثير من الفرق المسرحية لم تستطع أن تواصل مسيرتها المسرحية بسبب العائق المادي وشرعية وجودها، هذا بالإضافة إلى عدم وجود أكاديمية تعني بالمسرح وهو ما جعل المملكة العربية السعودية تعتمد على المسرحيين المستقلين.
وعن دور الهيئات الدولية التي تعني بالمسرح، أشاد زهران بدور الهيئة العربية للمسرح وما فعلته في الحراك المسرحي العربي، حيث قال: إن الهيئة العربية للمسرح اتخذت على عاتقها وأكتافها هموم المسرحيين المستقلين في جميع أنحاء الوطن العربي حيث أقامت الكثير من الورش المسرحية في مختلف فنون المسرح من أداء وسينوغرافيا وجميع مفردات العمل المسرحي، كما أن الهيئة أقامت الكثير من المهرجانات الدولية والمسابقات التي تستهدف الشباب، وهي تقوم بهذا الدور بشكل رائع وممنهج وبخطة ورؤى واضحة وشفافة ولا يمكن لأي مسرحي أن يغفل دور الهيئة العربية للمسرح ودعمها للفرق المسرحية المستقلة وهذا يعتبر نجاحا.
وعما إذا كان هناك تمكين حقيقي للشباب، قال: إن التمكين الحقيقي للشباب المسرحي يكمن في تمثيلهم في المحافل الدولية والمناصب والدعوات، وأن هذا لا يتأتي إلا من خلال النتاج المسرحي الراقي وأن يكون الشاب له دور كبير جدا في رفد المسرح العربي بالتجارب الإبداعية الجديدة سواء من خلال النصوص المؤلفة أو الأعمال المسرحية، وأن من يطالب بالوجود في تلك المهرجانات والمشاركة يجب أن يكون على المستوى المطلوب، ووقتها ستسعى تلك المهرجانات وتلك المناصب إليه.


سمية أحمد