العدد 802 صدر بتاريخ 9يناير2023
أعلم عزيزي القارئ بأنك شعرت بالملل من إطالة الكلام حول موضوعات مسرحيات «فوزي منيب» التي مثلها على مسارح كازينوهات روض الفرج!! وأرجو أن تتحمل الاستمرار في عرض الموضوعات في هذه المقالة – وربما في جزء من المقالة التالية أيضاً – كما تحملت المقالتين السابقتين!! وما سيجعلك تتحمل هذه المعاناة عدة أسباب منها: أنك ستقرأ عن موضوعات كانت تُمثل في روض الفرج، ولن تجدها في أي مكان آخر!! هذا بالإضافة إلى أنك ستقرأ ما هو موجود في وثائق عمرها 94 سنة لأنها مؤرخة في عام 1929. وهناك ميزة بحثية في هذه الموضوعات، تتمثل في أن هذه الموضوعات الكوميدية البسيطة، مفككة الأحداث، بسيطة الحبكة – إن وجدت – التي تدور في زمن ألف ليلة وليلة وأشخاصها خارج نطاق الواقع .. إلخ، كل هذا يعكس لك عزيزي القارئ أهمية – أو عدم أهمية – ما تقدمه الفرق المسرحية في روض الفرج، وتستطيع أيضاً أن تعرف وتخمن نوعية الجمهور الذي يحضر ويشاهد هذه المسرحيات؟؟
وبالعودة إلى موضوعات المسرحيات الموجودة في التقارير الرقابية، سنجد الرقيب «حسن حسين» يكتب تقريراً يوم 10/6/1929 حول مسرحية «ليالي الأنس» التي سيقدمها فوزي منيب في كازينو ليلاس بروض الفرج، ولأول مرة نجد اعتراضاً سياسياً على أحد نصوص فوزي منيب!! وبعد مراقبة النص، قال الرقيب: حضرة صاحب العزة مدير المطبوعات: قرأت رواية «ليالي الأنس» تأليف فوزي منيب أفندي وتتلخص في: يقع حوار ويقع شجار بين «أم أحمد» وهي من سكان قلعة الكبش، و«منيرة» وهي من أهالي «طبلون». يقع هذا من أجل زوج منيرة «حسين أفندي» وهو موسيقار يعيش من تعليم البيانو لهواته – وممن يعلمهم هذا المعلم – صغار في بيت خادمته أم أحمد – وإنما يظهر هذا الأستاذ بمظهر غير لائق بمكانة مثله فيغازل ويناوش الفتيات اللائي يعهد إليه في أمر تعليمهن. أما أم أحمد فتأخذها الغيرة ويملكها الغضب – وتنتظر الرجل وتتجهم عليه – ثم تعود فتقول لزوجته بما كان من أمره – وتخبئها وتظهرها على مغازلاته. أما منيرة فتعمد إلى الانتقام وتأخذ في مغازلة ومناوشة غير زوجها من الرجال بعلم زوجها – لتستثير في نفسه عوامل الغيرة – وتحضر حفلة أنس وتدافع عمن تقف وإياهم موقف الغزل والمناوشة. ومداد اللائمة المستقر المذمة في هذه أن تظهر زوجة بشكل تمرد وخروج على رابط الزوجية ومداعبة مع الغير على عين زوجها. وليس هذا كل ما فيها من معايب، وإنما الغريب في أمرها أن تحوي غير ذلك من المغامز السياسية تلميحاً وتلويحاً في الفصل الأخير، وقد أجريت القلم الأحمر على الظاهر من هذه المثالب في الصفحات ... وإني أقترح أن يكون الرأي للجنة الموقرة في المنع أو التصريح بهذه الرواية.
أما مسرحية «خاتم الملك» فكتب الرقيب تقريراً عنها في 24/6/1929، قال فيه: حضرة صاحب العزة مدير المطبوعات: طالعت رواية «خاتم الملك» تأليف فوزي منيب وهي تتلخص في ما يأتي: عثمان رجل فقير معوز يعيش من كسب يده ويمتهن مهنة الإسكاف، وله زوجة اسمها فطومة وابنته اسمها فاطمة، وهو من سكان الدرب الأحمر بمصر القاهرة، وله جار اسمه أحمد ميسور الحال موفق في تجارته يعيش في بلد سحيق. ويكون من أمر أحمد هذا أنه يزين لعثمان بأنه يرحل إلى حيث يعيش ويدعي أنه من كبار تجار اليمن، فينتحل عثمان هذه الصفة ويهبط البلد الذي يعيش فيه أحمد مدعياً أنه من كبار التجار – فينعم عليه السلطان بلقب الإمارة ويتوثب لتزويجه من ابنته الأميرة كندهار. ويأتي النخاس للسلطان بجارية اسمها زمردة وهي في الحقيقة فاطمة بنت عثمان تهجر دار والدها من سوء معاملة خالتها – زوجة أبيها – لها وتحمل فاطمة هذه خاتم الملك وتأمر خادم الخاتم بما تريده فيصدع بالأمر ويقابل عثمان ابنته ويستخدم الخاتم. أما وزير السلطان فيوشي بعثمان عند سيده وسلطانه ويكشف له عن حقيقة الرجل ويقول له إنه ليس من تجار اليمن ولكنه من همج الدرب الأحمر. ويشير عليه بإسكار عثمان حتى إذا غاب عن حسه، ظهرت حقيقته، ويكون السلطان قد حكم على عثمان بالإعدام حتى إذا حان وقت التنفيذ أذن هو في المدينة ونادى ناس من جند وغير جند بعثمان سلطانا، ويعدل السلطان عن رأيه في الحكم على عثمان ويعمل بمشورة وزيره ويكون عثمان مخموراً فيعترف بأنه إسكافي وأنه يملك خاتماً يستطيع به إنفاذ أمره وما يشاء. ويحاول الوزير استخدام خادم الخاتم في إبعاد عثمان فتسارع فاطمة وتأمر الخادم بإبعاد الوزير فنفذ الخادم أمرها. ويصدر السلطان عفواً شاملاً عن عثمان ويستوزره ثم يطلب أحمد إلى السلطان أن يأمر بزواجه من فاطمة فيتم ذلك. والرواية على هذا الشكل من أساطير ألف ليلة، وما أرى ما يمنع تمثيلها بعد حذف المحذوف في الصفحات.
ولكن التصريح لم يصدر بتمثيلها في روض الفرج لأن أحدهم أبلغ الرقابة بأن هذه المسرحية، هي نفسها مسرحية «إيدك على جيبك» التي كتبها أمين صدقي، ومثلتها فرقة علي الكسار عام 1924! لذلك قام رقيب آخر – وهو حسن حسين – بمقارنة النصين، وكتب في تقريره: «راجعت رواية «خاتم الملك» على رواية «إيدك على جيبك» فلم أستطع التوفيق بينهما، بل وجدت أن كل رواية منهما تختلف كل الاختلاف عن الأخرى». وبذلك تم التصريح بالتمثيل في أكتوبر 1929.
ومسرحية «لوكاندة الحظ» كتب عنها الرقيب حسن حسين تقريراً في 27/6/1929، قال فيه: حضرة صاحب العزة مدير المطبوعات: قرأت رواية «لوكاندة الحظ» المقدمة من جوقة فوزي منيب أفندي، وهي تتلخص في ما يأتي: حورية بنت سعيد بك فتاة فتانة يهيم بها حباً محسن أفندي، ويريد أن يطلب يدها من أبيها، بيد أن أباها يشيح بوجهه عنه ويأبى ذلك لأن خصومة واقعة بينه وبين والد محسن أفندي للتنافس التجاري – وهو أي – سعيد بك يريد أن يزوجها من بهلول بك. ويلجأ محسن إلى عثمان وهو رئيس فرقة تمثيلية فيدبر حيلة ويتفق معه نجيب وهو من رجال فرقته ليمثل دور بهلول بك منتحلاً شخصيته، ومع حافظ وهو من رجاله أيضاً ليمثل دور سعيد، هم يزيفون هذين الشخصيتين لإنجاح خطتهم، ويزيفون «لوكاندة الحظ» بأن يسرقوا يافطة «لوكاندة الحظ» ويعلقوها على باب دار أحدهم لإيهام من يريدون إيهامهم بأن هذه الدار لوكاندة. ولأن سعيد بك قد اعتاد هبوط لوكاندة الحظ مع ابنته فيهبطها مع ابنته ويمثل دور الخادم في الفندق «محسن» ويوهم «عثمان» بهلوك بك أن حورية لها موقف غرام مع شابين، وأنها حملت منهما سفاحاً وأنها لها منهما ولدان فيكرهها ويشيح بوجهه عنها، ويعدل عن التزوج منها ثم تظهر الحقيقة لوالدها ويظهره عليها «عثمان»، ويدله على ما كان من أمر تمثيله مع فرقته هذا الدور العام. ثم يطلب إليه أن يزوجها من محسن لأنهما يحب أحدهما الآخر فيقبل ذلك. وقد أجريت القلم الأحمر على مستهجني التعبيرات وفاحش اللفظ في صفحات ... وما أرى ما يمنع تمثيلها بعد حذف المحذوف في الصفحات المذكورة. [توقيع] حسن حسين.
ووجدت تقريراً لمسرحية «دولة الحظ» التي سبق وتحدثنا عنها لفرق أخرى غير فوزي منيب!! ولكن التقرير الذي بين يدي عن هذه المسرحية باسمها ولها اسم آخر هو «مملكة الباباظ»! وكما جاء في الوثائق المرفقة للنص أنها تأليف أمين صدقي ومُقدمة للرقابة باسم فرقة فوزي منيب بكازينو ليلاس بروض الفرج عام 1929. وكتب الرقيب في تقريره: خلاصة المسرحية أن أمير مملكة الباباظ اعتزم الزواج من أميرة فارسية تدعى «شمس»، وقد جاءت صحبة سفير وزوجته لعقد حفلة الزواج، وقد رأى هذا السفير من حسن الياقة أن يقدم هذه العروس في كل مناسبة تعرض بصفتها زوجته. وصادف أن رأت شمس شاباً من العامة يدعى زقزوق، فأحبها ثم آلمه ما عرف فيما بعد أنها زوجة السفير فشكا أمره إلى عثمان صديقه ومربيه، وكان رجل فلكي قد شاهد لها على الأمير باباظ، فقال له إن حياته مرتبطة بحياة رجل أسود يدعى عثمان إلا أنه يموت بعده بمدة 24 ساعة. فساء ذلك الأمير واستحضر عثمان وأخذ يكرم مثواه ويعتني به عناية فائقة محافظة على صحته من التلف، ولما أدرك عثمان هذا السر صمم أن يلعب دوره، ذلك بأنه أدعى الحزن قلما تنبأ له باباظ عن سبب ذلك أجابه بأنه يرغب في تزويج زقزوق من زوجة السفير وإلا فإنه يخشى إذا زقزوق لم ينل أمنيته أن ينتحر، وفي ذلك ما يدعو عثمان إلى اقتفاء أثره – فما كان من باباظ إلا أن أمر بالقبض على السفير وحبسه لكي يخلو الجو لزقزوق وشمس سبيل الهرب، ثم تظهر زوجة السفير الحقيقية ويعلم باباظ أن شمس خطيبته فيحنق لما أتاه من الحمق. لكن رجال البوليس يدخلون ويطلبون إليه أن يطمئن إذا أنهم قد أطلقوا النار على الفارين ومن بينهم عثمان فيصعق باباظ عند سماع ذلك ويهلع ويوقن بأن منيته قد حانت، ويظل في حزن حتى يبقى على الموعد الذي قرره له الفلكي ساعتان فيعتزم إذ ذلك أن يتزوج شمس فيأخذ قسطه من المتعة قبل أن يموت وفي هذه اللحظة يبدو له عثمان متخفياً في شكل شبح ويقول له بأنه مستعد لأن يرد إليه حياته إذا تنازل عن زواجه من شمس وسمح لزقزوق بالاقتران بها وقد كان ذلك فتم زفافهما.
وفي أواخر يوليو 1929 كتب الرقيب تقريراً عن مسرحية «مملكة العجائب» أو «بلاد السند والهند» - لأمين صدقي لتمثلها فرقة فوزي منيب بكازينو ليلاس - قال فيه: خلاصة هذه الرواية أن أحد الأمراء رزق ولداً غير شرعي فألقى به وهو ابن يومين بالقرب من بعض المساجد ويدعى «جامع الأخضرين». فأخذته أميرة لتربيه بدل ولد لها مات صغيراً. وأسمته «حسن». وكبر حتى بلغ من العمر 25 سنة فأحب ابنة أمير فارسي أسمها «نور الصباح» وأحبته هي أيضاً. على أن والدها اشترط في عريس ابنته أن يكون ذا جاه وألقاب. وفي ذلك الوقت عرف أنه ابن غير شرعي وأن من كان يحسبها أمه ليست إلا مربية له فحزن لذلك وانصرف من حضرة نور الصباح يوم ذهب في طلب يدها .. وبعد أيام بدأ البحث عن ابن ذلك الأمير المفقود لأن الأمير قد أشرف على الموت فهو يريد أن يرى ولده ويكتب باسمه الميراث. فتقدم من بين من تقدم مدعياً بأنه هو ذلك الشاب الضائع عثمان البربري ونازع حسناً البنوة .. وكان شخص صيني يدعي «سن سن بن جان» قد جاء إليهما بإيعاز من ابن أخ الأمير ويدعي زياد يريد التغرير بهما وتعطيلهما عن السفر حتى يموت الأمير فيرث زياد .. فنصب لهما الحبائل العديدة منها أن أحرق مرتين السفينة التي أقلتهما .. ثم أوعز إلى جماعة من أهل الصين إخفاءهما .. إلى غير ذلك لكنهما تخلصا حتى وصلا إلى دار الأمير .. وهناك حاول زياد وسن سن قتلهما فوقف على السر طبيب الأمير فألقيا به في النهر لكنه نجا وحضر في الساعة الأخيرة يقصّ على الأمير أمر هذين الخائنين .. وعرف حسن بأنه الولد الحقيقي .. أما عثمان فاعتبر أخاه نظراً لما قاسمه إياه من الشدة في حياته .. وأما الخائنان فقد أعفي عنهما. وهذه الرواية بريئة لا أرى مانعاً من تمثيلهما.
وفي 30/7/1929 كتب الرقيب تقريراً عن مسرحية «كوهين وكيلي» لفرقة فوزي منيب بكازينو ليلاس، قال فيه: طالعت رواية «كوهين وكيلي» اقتباس فوزي منيب وتتلخص موضوعها أن «كوهين» متزوج من سيدة بيضاء اللون رزق منها بابنة اسمها «كيتي». وكوهين هذا تاجر برانيط ولكنه غير موفق في تجارته وله ولع وله غرام بالملاكمة يعالج أمرها كلما سنحت له سانحة. ويكون أن أحد رجال الشرطة واسمه «بولي» وله ولد اسمه «نوحي» يهيم حباً وشغفاً بكيتي وتبادله الحب. أما كوهين فما يقع نظره على «نوحي» هذا إلا ويلاكمه ويفتك به فتكاً ذريعاً فيحنق «بولي» ويغضب من أجل إهانة ولده ويأخذ بثأره ويفتك بكوهين فتكاً. وينكب كوهين في تجارته ويحضر المحضر سلفات لتوقيع الحجز على متجره أما كوهين فيخلص من هذه الورطة بأن يفكر بنفسه مدعياً أن صاحب المتجر غائب في الهند – ويعدد سلفات المحضر بعد قليل من الزمن وينشر كوهين بأن أحد أقربائه مات في الهند وأنه هو وارثه الوحيد. ثم لا يلبث لأن يعود إليه مرة أخرى ويقول له إنه أخطأ الفهم وأن مستر فوكوش الذي مات في الهند والذي كان متزوجاً من خالته، هو خال «تومي» وأن تومي هذا أحق بالميراث من كل من عداه. وتختم الرواية بزواج تومي من كيتي حبيبته. وما أرى ما يمنع تمثليها بعد حذف المحذوف في الصفحات.