النقد الأدبي والمسرحي عند فريدة النقاش (2-2)

النقد الأدبي والمسرحي   عند فريدة النقاش (2-2)

العدد 788 صدر بتاريخ 3أكتوبر2022

تعرضت النقاش للاعتقال عام 1979 بتهمة ترويج مواد أدبية معادية للصهيونية، وقد سجلت تجربة المعتقل المريرة في كتابين: السجن دمعتان ووردة ويوميات المدن المفتوحة، فالكاتبة التي امتلكت التمرد ويقين الحلم، امتلكت جسارة المواجهة، ورغم كثرة همومها الخاصة في فترة السجن، ومنها تركها ابنيها «رشا وجاسر» اللذين لم يتجاوزا سن الطفولة وقتها، فقد وجدت نفسها أمام خيارين، كلاهما صعب وقاسٍ، الأول موقفها الوطني والثقافي والسياسي الرافض لكل سياسات التطبيع والانفتاح والاستلاب، والثاني موقفها كأم تعشق أطفالها، ولذلك نراها تقول في أحد عناوين المقالات التي يضمها كتاب يوميات المدن المفتوحة- أنا لا أخون أمومتي، لكنها تؤكد أن الاتهام وجه إليها من أصدقائها وصديقاتها  -أنها تفضل السياسة على أولادها وكانت ترد على ذلك بقولها:  إنني اخترت أمومة اجتماعية أكثر رحابة، وحول ملابسات تلك الفترة تقول فريدة: كانت جريدة الأهالي، قد صدرت عام 1978 بعد تأسيس حزب التجمع بعامين وكتبت فيها كثيراً، لكنني وقعت بعدة أسماء مستعارة، لأن التعليمات كانت تقضي بفصل من يكتب في صحف المعارضة إذا كان يعمل في صحيفة حكومية.
وتشير فريدة النقاش إلى أنها تعلمت طوال حياتها في مهنة الكتابة قيمتين أساسيتين: الصدق وإتقان المعارف الجديدة في ميدان تخصصها، ومواكبتها، وهذا وفر لها على حسب تعبيرها: «الاحتفاظ بالمسافة بين السياسة المباشرة التي انغمست فيها تماماً، وعبرت كتابة عن مواقفي وبين الأدب والنقد، وأدين بذلك لأستاذي الناقد الراحل د. علي الراعي، وأظن أن هاتين القيمتين قد انعكستا في مجلة «أدب ونقد»، التي ترأست تحريرها منذ عام 1987 وحتى عام 2007 وهي تفتح الباب للمغامرات الإبداعية مهما كان تمردها، طالما حلمت لأدب ونقد بالدور الذي لعبته في ثقافتنا الرسالة لأحمد حسن الزيات، والكاتب المصري لطه حسين، والطريق، والآداب، والثقافة الوطنية، على استلهام الحياة الشعبية كمنبع ثري للخلق الفني والإطلال على نقاط النور فيها على حد تعبير بهاء طاهر، حيث تضامن البشر يعصمهم من الانهيار.
أما عن الدور النقدي لفريدة النقاش فيتسم بعدة سمات:
أولها: القراءة الجادة للعمل الأدبي وسبر أغواره والبحث عن مكامن الخصوصية.
ثانيا: الخلفية الفكرية التي تتشابك مع مفردات العمل الأدبي، كجزء من حركة التفاعل الحي بين الثقافات.
ثالثاً: سيطرة العقلية النقدية التقدمية والتي تنتج خطاباً نقدياً يوسف آليات الحداثة وما بعدها لكشف تجليات النص الأدبي.
رابعا : مناقشة الظواهر الأدبية والثقافية عبر منظومة متكاملة من الفكر والنقد المقارن.
خامساً: اعتماد أسلوب واضح في ثقافة المقاومة والانحياز إلي تجلياتها المختلفة حيث تؤكد علي أن “التشوه الحاصل في المجتمع علي المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية  عطل انفتاح الثقافة الجديدة النقدية والتقدمية والعقلانية والديمقراطية، وزادت المسافة اتساعاً بين النخبة المباشرة بالعقلانية والديمقراطية والمنهج النقدي وبين القاعدة الشعبية.
سادساً: صلابة الموقف الفكري والنقدي والسياسي أيضاً، حيث المواجهة وثقافة الحسم والحزم، مع دقة الموقف. واتخاذ مواقف واضحة تتمير بالثبات.
سابعآً: الحس الاشتراكي الدائم، والذي تؤكد عليه في كثير من مقالاتها، والذي وصفته في كتابها “دافعت عن قيثارتي” قائلة: أما الخطاب الاشتراكي فإنه معزول ومحاصر بحكم القيود علي الحريات الديمقراطية واستهدافه الدائم من قبل جماعات الإسلام السياسي كخصم رئيسي لها”.
لذا تعمل علي إحياء هذا الجانب في مشروعها النقدي.
كتاباتها النقدية المسرحية اتسمت بالتنوع والمتابعة الدقيقة، وتشجيع الشباب وقد كتبت عدد كبير من المقالات التي تابعت فيها عروضي فرق الأقاليم المسرحية، وعدد آخر من الدراسات حول الحركة المسرحية الجديدة بتياراتها المختلفة وكتبت كثيراً عن تطور الحركة المسرحية  عبر أكثر من أربعين عامآً. وقد جمعت هذه المقالات في كتاب تحت عنوان “بستان المسرح”.
ومنها كتابات عن تجارب للفرق المسرحية المستقلة فكتبت عن خالد الصاوي وفرقة الحركة ويعد مقالها عن مسرحية “اللعب في الدماغ” من أهم المقالات التي كتبت عن ذلك العرضي.
كما كتبت من خلال مقالاتها النقدية في الأخبار والأهالي عن الأجيال المختلفة من المخرجين أمثال أحمد إسماعيل وناصر عبد المنعم وسلامة حسين ونبيل الألفي وأحمد عبد الحليم ونورا أمين.
كما كتبت فريدة النقاش عشرات الدراسات حول المسرح العالمي، خاصة المسرح الانجليزي، وقد ساعدها علي ذلك عشقها لذلك المسرح منذ فترة دراساتها في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة القاهرة في فترة الستينيات من القرن الماضي.
وقرأت النصوص في لغتها الأصلية ، مما قربها من روح النص.
ومن أهم الكتاب الذين تحاورت مع نصوصهم شكسبير وهنريك إبسن الذي تقول عنه في كتابها “دافعت عن قيثاراتى”:
“أصبحت نصوص الكاتب المسرحي “هنريك إبسن شأنها شأن نصوص المرسحي الإنجليزي “وليم شكسبير” موجودة بصفة دائمة في مقدمة عروض المسارح في العالم كبيرها وصغيرها التقليدي منها والتجريبي ويندر أن يزور إنسان بلدا. ما دون أن يجد عرضاً “لإبسن” علي واحد من مسارحها.
ومن أهم التجارب النقدية المسرحية التي قدمتها فريدة النقاش تجربة الكاتب المسرحي الراحل “سعد الله ونوس” وهي من أوائل النقاد المصريين الذين اهتموا بتجربته الثرية، وتقديمها للقارئ المصري والعربي.
كما نشرت في مجلة  أدب ونقد مجموعة من نصوصه المسرحية النادرة.
كما اهتمت كتابات فريدة النقاش بالتأكيد علي فكرة الهوية والخصوصية المصرية في شتي مناحي الفكر والفن، لذلك نجد لها دراسات ومقالات متنوعة ومتعددة عن التراث النوبي وعن الأبعاد  الثقافية للأقاليم ،كما أنها تشارك بفعاليته في المؤتمرات الثقافية في محافظات مصر المختلفة.
وعلي حسب قولها: فإن “الخصوصيات والهويات الثقافية تتعدد علي نطاق عالمي في زمن العولمة كرد ثقافي لا يملك الضعفاء والمهمشون سواه – ضد توحيد الرأسمالية المتسارع  الإيقاع للعالم، وفتح الأسواق ونشر مفردات الحضارة الرأسمالية التي تصل إلي أفقر كوخ في إفريقيا عن طريق البضائع والصور التي تحملها الأقمار الصناعية مخترقة العالم أجمع دون قيد أو شرط.


عيد عبد الحليم