النقد السياسي للتطبيع.. في «شرخ» سعيد نصر سليم

النقد السياسي للتطبيع.. في «شرخ» سعيد نصر سليم

العدد 730 صدر بتاريخ 23أغسطس2021

تمهيد حتى لا ننسى
كان آخر لقائي مع المخرج والفنان المسرحي والتلفزيوني والناقد الأكاديمي والشاعر والسيناريست الدكتور سعيد نصر سليم في مدينة مستغانم بالجزائر وذلك بمناسبة تنظيم المهرجان الوطني لمسرح الهواة في دورته (50) في الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية ـ وزارة الثقافة من 13 إلى 19 يوليوز 2017 وشاركت في لجنة التحكيم الخاصة بهذه الدورة.
شارك هذا الفنان الذي ولد في 14 يناير 1950 في حلوان/القاهرة في تجارب مسرحية كثيرة في التمثيل، وفي الإخراج كانت تقدم نوعية علاقته مع رواد الفن المسرحي في مصر أمثال الكتاب والفنانين محمود دياب، وعبد الغفار عودة، وعبد الرحمن أبوزهرة، ومحمد صبحي، وصلاح عبد الصبور وغيرهم كثير.
إضافة إلى التمثيل كانت له إسهامات كثيرة في كتابة الشعر، كما كتب المسرحية مثل (حورية الجزائرية)، ومسرحية (الشـَّـــــرْخ : فرعون يغرقُ مِن ْ جديد). مثّل في العديد من المسلسلات التلفزيونية، ومثّل في مسرحية (المشوشين)، ومسرحية (الحلاج) و(الأميرة تنتظر) لصلاح عبد الصبور، ومسرحية (هاملت) تأليف وليام شكسبير، ترجمة جبرا إبراهيم جبرا، ومثّل في مسرحية (فيدر) تأليف راسين، ومثّل أيضا في مسرحية (الأمير العاشق) لفاروق جويدة....
رحل إلى الجزائر ليستقر به المقام هناك ليشتغل أستاذا لفن الإلقاء المسرحي في المعهد العالي لمهن فنون العرض البصري ببرج كيفان بالعاصمة الجزائرية، فساهم بشكل ملحوظ في التكوين الفني، وشارك في العديد من المهرجانات، والندوات، وألقى العديد من المحاضرات عن فن الإلقاء المسرحي، وتعامل مع العديد من الفرق المسرحية في المحافظات الجزائرية مساهما في إخراج العديد من عروضها التجريبية.
وبمناسبة هذا اللقاء في مستغانم قدم لي مسرحيته السياسية الجريئة (الشـَّـــــرْخ ـ فرعون يغرقُ مِن ْ جديد). وطلب مني تقديم رأيي في هذا العمل ليكون مقدمة خاصة لهذا العمل المسرحي السياسي الذي فيه ينتقد مرحلة سياسية لها علاقة بمراحل التجربة السياسية في مصر موظفا شخصيات حقيقية في البناء الدرامي محتفظا لها بسماتها وفكرها وموقفها من الأحداث التي وقعت في مصر.
 كتبت المقدمة لكن وفاته في 2 ديسمبر سنة 2019 طوى حلمه ولم تظهر المسرحية إلى الآن وظلت المقدمة حبيسة الأوراق الباردة والنسيان، فارتأيت بعد تفكير طويل في نشرها تكريما لهذا الفنان الذي عشق وطنه برؤيته القومية، وظل يدافع على ثوابت المكونات التي تكون الهوية العربية، لهاذا فضلت نشرحها في جريدة مسرحنا لنذكّر الأجيال ببعض الأسماء التي عاشت الغربة لكنها لم تنس الوطن وقضاياه، وتحولاته.

النقد السياسي للتطبيع في مسرحية (الشرخ)
للمخرج سعيد نصر سليم
تعطينا قراءة مسرحية (الشرخ) للكاتب المصري سعيد نصر سليم الإحساس بنسطالجيا غامرة تردنا إلى الكتابات المسرحية، والشعرية، والروائية المصرية التي ارتبطت بالمدّ القومي بكل اختياراته العروبية، وبكل علاقته بالصراع العربي الإسرائيلي، والتطلع إلى تحرير الأرض، وتحرير الإنسان من كل هيمنة صهيونية توسعية، كما أنها تكشف عن موضوع التطبيع، تارة بالتصريح، وتارة أخرى بالتلميح فتجعله يتكلم في قرارة البنية العميقة للكتابة الأدبية بالرفض لكل تنازل أو تخاذل يتلاعب بكل موقف يمس جوهر الوجودي المصري.
هذا المد القومي صار ـ بكل تأكيد ـ اختيارا استراتيجيا ثابتا عند كل المثقفين العرب الذين بلوروا بها التزاما واضحا وهم يقدمون كتابات مُسيّسة صارت مضامينها، ومواقفها، ورؤاها لعالم العربي،  ارتباطا عضويا بطبيعة كل الصراعات الكاشفة عن العلاقة الضدية مع العدو الصهيوني، من جهة، ومن جهة أخرى كانت كتابات تقوي وجودها بصوت الجماهير التي ظلت واقفة بجانب نصرة الحق قولا وفعلا كان معها المسرح منخرطا في المدّ الاشتراكي يمجّد خطواته بنظرة مستقبلية تتنبأ بما سيصير عليه العالم العربي إذا تمّ هذا التطبيع، وفي الوقت ذاته كان يرصد تشكلات المجتمع المصري، ويسلّط الأضواء على مآسي الناس (اللي تحت) مقابل حقائق الناس (اللي فوق)، وكان يرصد واقعيا التشكل الطبقي الجديد في مصر بعد تخطي الزمن الاقطاعي والدخول في زمن سياسي جديد بعد ثورة يونيو التي قادها الضباط الأحرار.
 تعيد هذه النوسطالجيا إلى الذاكرة كل الكتابات المسرحية المصرية التي عبّرت عن وفائها للقضية القومية، ورسّخت الخطاب السياسي القومي في البنية الدرامية، وجعلت المسرح داعما للقضية الوطنية، منتقدة كل تهافت على السياسي الذي أراد أن يتخلى عن الاختيار التاريخي للسيادة الوطنية ليجعل التطبيع أوراقا ملتبسة مهيأة للمزايدات والمفاوضات أثناء تلميع السياسي المستسلم على حساب القومي المتماسك. 
ويقدّم الكاتب والمخرج سعيد نصر سليم صورة هذا التهافت في المحركات الموضوعية، والذاتية التي جعلته يكتب هذه المسرحية منتقدا زمن الرئيس أنوار السادات بكلامه ككاتب، وبكلام الصحافيين، وبكلام المعارضة الذي تمّ إدماجه في كلام بعض شخصيات المسرحية. يقول:
( إلى نفسي العربية .. هوية ً، وروحا ً.. 
 وجدانا ً، وجسدا ً، ودما ً.. خلايا، ونسيجا ً، وكيانا ...
 إلى ذاتي العربية، بكل سلبياتها، وتناقضاته، وتمزّقها ...
 إلى ذاتي.. بكل تخلفها، وجهلها، وتَرَدِّيها، وضياعها، وانكساراتها..
 وأخطائها، وخطاياها.. وتشظيها، وانسحاقها ...
  أ ُهديك ِ نفسي موقفي من القضية)  
الذات هنا تمثل الذات الجمعية التي مثلتها الكتابة المسرحية المصرية أثناء الاشتغال على الصراع المصري الإسرائيلي، فتوحّدت في  موقف واحد يرفض التطبيع لأن التطبيع استسلام لما يريده  المستفيد الأول من هذا التنازل وهي إسرائيل، وأمريكا، هذه الكتابة التي تمثّل قاعدة عامة كلها تجمّعت في خندق إبداعي واحد لم تعرف إلا استثناءات قليلة خارج الصف كانت تدعو إلى تلميع سياسة التطبيع، و التنازل عن الالتزام بقضايا وأبعاد القومي، وهذا يعني أن  طبيعة التنويع الكتابي في تجريب التعامل مع التناقضات الداخلية، والمفارقات الخارجية في الصراع الإقليمي كان وراء اختيار البنية المناسبة في مسرحية (الشرخ) لنقل الواقع المادي، والاجتماعي، والسياسي، إلى فضاء النص الذي ضمّ مسرحة الوثائق، ومسرحة التاريخ، ومسرحة الصراع، والاستفادة من الكتب، وما كتبته الصحافة التي تناولت المرحلة، لإدماج تجريب كتابة هذه المسرحية ضمن سيرورة الواقع المصري ليكون مناسبا للظرفية التاريخية التي وجدت تجلياتها، واشتغالها الدرامي في الكتابة المسرحية.
لقد مثّلت هذه القاعدة في التنوع المسرحي أثناء الكتابة عن القضية القومية في رفض التطبيع أسلوب العمل المسرحي السياسي حول الصراع العربي الصهيوني، والصراع الطبقي، والتشكل الاجتماعي الجديد، ونقد الحاكم المتسلّط، والكشف عن سياسته الأنانية، واللجوء إلى قناع التراث ليساعد الرؤية المسرحية على بلوغ غاياتها في ملء كل المساحات الواقعية والمتخيّلة بما يتلاءم والخطاب النقدي، وهو ما احتضنته رؤى الكاتب، ومواقفه من التطبيع، فجاءت كتاباته تسجيلية ـ أحيانا ـ وكوميدية ـ أحيانا أخرى ـ وفي تجارب مخالفة جاءت واقعية بأسلوب مكتوب بما هو موجود استمدّ رؤيته من الأحداث الكبرى التي عرفتها مصر من العدوان الثلاثي، إلى نكسة حزيران، إلى حرب أكتوبر، إلى زمن التطبيع، ثم زمن الانفتاح الذي قاده الرئيس أنور السادات.
هذه الأحداث الكبرى بكل مداراتها، وإشكالاتها السياسية العربية والدولية صارت بالضرورة محركا قويا فاعلا في الكتابة الدرامية عند من انتقدوا المرحلة، وخالفوا اختياراتها، وتوجهاتها، وفضحوا مكتسباتها الوقتية الزائلة وهو ما عاد إليه الكاتب المسرحي الدكتور سعيد نصر سليم ليعيد كتابة زمن حكم أنور السادات بحس نقدي تسجيلي مُوثّق لم يغادر فيه بعض الحقائق التاريخية التي عرفتها مصر بعد ما مرّت بالعديد من الأزمات التي خلفتها الحروب السابقة، وخلفها التخلي على الاختيارات الاشتراكية بسياسة الانفتاح الذي قاد إلى زعزعة القيم والتماسك بين أوصال المجتمع المصري، فظهرت طبقات طفيلية في السياسية، والاقتصاد، والاستثمار، والتصدير والاستيراد، وصناعة الذهنيات والظلام الفكري عند بعض الجماعات المتأسلمة.
في البرولوج الذي وضعه الكاتب سعيد نصر سليم لمسرحية (الشرخ) كأسئلة تبحث عن أجوبة في النص يتبيّن مدى وعيه بكل مكونات الصراع، وخلفياته، ومن هم الذين يعادون وحدة مصر ووحدة العالم العربي، ومن هم الذين يقدمون الغالي والنفيس من أجل أن تبقى مرفوعة الرأس، لا تخنع، ولا تركع، ولا تقبل التساوم، في هذا البرولوج يلجأ الكاتب إلى تجسيد خصوصيات البطل، نفسيا، وسياسيا، وتسلطا. جاء فيه:
( بيجين، ويّا  جولدا
 مَن فينا يكسب الرهان؟
 مَن فينا يخسر الرهان؟
 متر هنا.. شبر هنا
 إحنا في النهاية لبعضنا
 أحنا جيران..
 ليه الخصومة..
 ده احنا أبناء عمومة
 من زمان..
 ليه الخصام؟..
 ليه الخصام؟
 الحرب لعبة
 والحرب خدعة 
 والأصعب منها السلام)
وتوحي قراءة مسرحية (الشرخ) بوجود إجابات عن هذه الأسئلة مدعومة بالعديد من الدلالات التاريخية في بنية المشاهد، والأحداث التي أعاد الكاتب إدماجها في بنية الكتابة الدرامية مُقدّما نصا سياسيا تاريخيا مضمونه ينتمي إلى التاريخ المصري المعاصر، ورؤيته التراجيدية تنتمي إلى التاريخ المسرحي المصري المسيّس بتناقضات المرحلة، وخطاباته غارقة في تناقضات المرحلة التي اختار بها الكاتب الشخصيات التي أدخلها في دائرة الصراع الذي كان محوره الرئيس أنور السادات صاحب مشروع (الأرض مقابل السلام)، أما الرافضون لهذا السلام فهم المعبرون عن صوت الجماهير كما مثله  موقفان متكاملان لكل من نيافة الأنبا شنوده، والشيخ الشعراوي. 
ومن هذه الإجابات تكثّفت دلالات الدعوة إلى قبول السلام، و تقوّت بالمقابل مواقف الرفض لهذا القبول، لتتداخل بعد ذلك معاني الموقف والموقف المضاد وهي تقارب بين الرمز والرمز، وتضع المسافات بين العلامة السياسية مع أنور السادات، والعلامة الدينية مع الشيخ الشعرواي، ونيافة الأنبا شنوده، لتكون أكثر وقعا على عمق الرؤية الوطنية خصوصا الدلالات المتعلقة بالتشوير إلى الغايات التي تسير صوبها رؤية النص، وهي الدلالة الموزعة على العنوان الأصلي للمسرحية (الشرخ)، ثم إكمال معنى العنوان بآخر فرعي هو (فرعون يغرق من جديد).
وعلى الرغم من أن العنوان يحمل عدة معان لا تستقيم مع رؤية النص، ولا تتأكد إيحاءاتها إلا بعد قراءة مضمون النص المسرحي وتبيّن القصد من رموزه التي تقف في نهاية المطاف على معنى (الشق والانكسار) فإن المعنى الآخر للشرخ يبقى مستترا بين المعنى والمعنى، الدال على (الأصل)، والدال على (العرق)، والدال على (شرخ الشباب)، أي (أوله ونضارته)، والدال ـ أيضا ـ على الانشقاق (في العظم أو الحائط) نقول (شرخ الصبي شروخا بلغ أول شبه).
أين تمكن صورة هذا الشرخ، وأين يتمظهر هذا الغرق، وهذا الانشقاق في زمن النص الذي حدّده الكاتب ما بين (76 و81)؟
هل هو انكسار سياسة صارت بزمانها إلى حتفها؟
هل هو غرق وطن في متاهات سياسية ظالمة ظلمت الوطن، وظلمت شهداءه، وجارت على عمقه الإنساني؟
هل هو إطفاء لنضارة شباب أوقفت الخيانة حيويته حتى لا تكتمل نضارته؟
أسئلة لا نجد لها أجوبة إلا بفهم مكونات العلاقة بين الشخصيات المسرحية التي هي شخصيات واقعية، منها الشخصيات السياسية، ومنها الرموز الدينية المسيحية، والإسلامية الحاضرة والرافضة لزمن التمهيد إلى تطبيع العلاقة بين مصر وإسرائيل، وبين تقديم مشروع التطبيع ورفضه، يكون توجه الأحداث وصناعتها مرتبطا برغبة الرئيس أنوار السادات في تحقيق حلمه وسياسته بالترغيب والترهيب. 
هنا ستصل قراءتنا لنص(الشرخ) إلى مواضيع سياسية يدير خيوطها الرئيس السادات، لكن المعيقات الموضوعية الوطنية التي تريد أن تحول دون تحقيق حلمه هي مواقف كل من الشيخ الشعراوي، والأب شنودة، وشيوخ الأزهر، الشيخ الأكبر.. والشيخ الأصغر.. ووزير الخارجية.. الرافضون الذهاب إلى إسرائيل. وهي المواضيع التي حكمتها مجموع من الخطابات السياسية التي يواجه بعضها بعضا حيث كل خطاب إلا ويدافع من وجهة نظر خاصة عن موقفه الوطني حتى لا ينزلق إلى قبول التطبيع، هذه الخطابات تمّ بناؤها في نص (الشرخ) على غايات مختلفة كلها تعكس صورة المؤسسة التي تنتمي إليها.
كيف بنى الكاتب هذه الخطابات؟
وكيف نجح في تمرير خطابه وموقفه من التطبيع حين كان يتبنى خفية أو صراحة رفضه لهذا التطبيع مقدما الخطاب الاقناعي الذي كان يقنع به الرئيس السادات من يحثهم على أن يكونوا ضمن الوفد الرسمي؟ 
ما هو هذا الخطاب؟ 
لقد بنى الكاتب سعيد نصر سليم هذه المسرحية على الخطاب الاقناعي الذي كوّن كلام الرئيس أنوار السادات، وبالمقابل هناك الخطاب الذي لا يريد بناء موقف خاطئ على إيديولوجية خاطئة تقود الوطن إلى الخراب، لا سيما ما يتعلق بالسلام مع إسرائيل، وما سيتركه من شروخ في جسد الأمة. 
لقد ارتبط موضوع (السلام) في الشرق الأوسط كما عرضته المسرحية ـ ارتباطا قويا بالنزاع حول فلسطين، وحضور أطراف هامة في الصراع من بينها فلسطين، والأردن، وسورية، ومصر، وكان التوجه نحو (إيجاد حل دائم و عادل ) بين هذه الأطراف مبنيا على دولة فلسطين كأولوية بآعتبارها أساس ومحور كل حديث كانت تحضر فيه المصالح الأمريكية، والوجود السوفياتي بشكل يتخذ من المصالح الاستراتيجية لكل طرف قوة تتحرك ضمن ما يتعلق بالأرض، والتحالفات، وما يفرضه الأمر الواقع على أرض الصراع، وما يراد به وضع خارطة طريق جديدة تراعي مستقبل المنطقة.
وعندما تبني الرئيس أنور السادات مسألة العودة إلى القضية الفلسطينية، وسيناء، والتطبيع، والتخطيط لزيارة الكنسيت الإسرائيلي، والتمهيد لاتفاقية كامب ديفيد فإنه كان يفضل أن يضع لذلك خطة داخلية بعيدة عن كل الأطراف العربية على أساس أن يوحّد الصف المصري الداخلي حتى يبعد عنه أي معارضة، أو نقد سياسي يمكن أن يجهض مشروعه، فاختار التشاور المبني على تسويق خطابه الاقناعي الذي به يمكن أن يستدرج المؤسسات الدينية إلى الاتفاق، والسند.
الخطاب الاقناعي للسادات كان يعارضه موقف الشيخ، ونيافة الأنبا شنوده، المتشبثين بدورهما في الدفاع عن مصر دون التخلي عن الوطن، ومع معارضة الشيخ شعراوي، ونيافة الأنبا شنوده لمطالب السادات تحول إلى متعصب لرأيه يعطي الأوامر الصارمة كرئيس دولة لأنه صار يرتاب من الشيخ شعراوي، وهيكل، ورجال الأزهر، وهو ما صرح به لزوجه جيهان قائلا:   
(السادات : هذا الشيخ المُعمم الذي لا يملأ  عينك .. أصبح ينافسني شهرة داخل البلاد، وخارجها .. من يدري.. ربما ينازعني مكانتى أيضا ً
الزوجة    : أراك تتمادى في مزاحك .. (ضاحكة ً) غير معقول.. لا أصدق ما تقول.. إلى هذا الحد؟
السادات:  الغير معقول.. أن ينصرف شعبي عن متابعة حديثى، ليتابع أحاديث الشعراوي..)
وحين يكون الشيخ الشعرواي حاضرا في حضرة الرئيس يبدأ الاختلاف والخلاف بينها حول الشهرة، والمكانة، والعلم، وحبّ الناس، وما يبقى مهما هو الدفاع عن كرامة النفس، وعزة الوطن:
الشعراوي: أخجلتمونا  بكريم ثنائكم  فخامة الرئيس . ما أنا إلا عبد ٌ ضعيف.. وما أوتيت ُ من العلم إلا قليلا ..
 السادات: وأنا لا أخشى إلا من هذا العبد الضعيف .
الشعراوي: مِنِّي أنا .. تخشاني أنا؟
السادات: أخشى من شعبيتك الطاغية .. لقد أحتللت قلوب الشعب كله.. وأخشى ألا تترك لي مكانا يتسع لكلينا في قلوب ذلك الشعب   الطيب المسكين)
اللقاء بالشعراوي ابن الأزهر لا يتعلق بالمناصب بقدر ما يتعلق الأمر بالوطن، فهو (بعيد عن السلطة، ولا يهواها، ولا يتقرب إليها، ولا يقترب منها، ولا يسعى نحوها، فهو (يكره العيش في جو يزدحم بالمؤامرات)، وفي اللقاء مع الرئيس يطلب منه أن يصلي معه في بيت المقدس، لكن رأي الشعراوي وموقفه من زيارة إسرائيل وتوقيع اتفاقية السلام يرفضها لأنها ستجر الويلات على مصر:
(الشعراوي  :      تريث سيدي الرئيس .. لا تُعَقِّد الأمور.. المعاهدة تدمير للوطن وتسليم الوطن لأعداء الوطن ..) 
ويتابع الرئيس نفس الخطة الترغيبية التي وضعها كي يضم الشيخ الشعراوي إلى وفده لزيارة إسرائيل وذلك باستدراج نيافة الأنبا شنوده كي يبارك زيارته للإسرائيل وينضم إلى المؤيدين لمشروع السلام، لكن موقفه الصريح أوقف كل محاولة الإقناع التي أراد أن يركب عليها السادات لإدخال الكنيسة في متاهات الاعتراف بالعدو، لأن نيافة الأنبا شنوده لا يريد أن يسعى للنزاعات، لا يريد أن تكون لغير للرب، وليس للعبد، والصلاة تكون للإله وليس للرئيس، وفي حديثه مع الرئيس ذكّره أن حرق الكنائس لم تحدث إلا في عهده، وأنه لن يصلي في القدس مادامت نجمة داوود تعلو الهلال وتحجب الصليب، يقول:
(شنودة: عذرا ً فخامة الرئيس .. لقد حرّمت ُ على أقباط مصر الصلاة في بيت المقدس، وبيت لحم، مادامت تحت الاحتلال الصهيوني.. وذلك من حِس ٍ وطني، وليس ديني.. ولن أ ُبارك قبطيٌّ يدخل بيت المقدس بتأشيرة إسرائيلية، و لن أ ُناقض نفسي،  فأُحِـل ّ لنفسي ما حرّمته على رعيتي .) 
 وفي سياق حديثه مع الرئيس يقدم مطالب تخص المسيحيين ليكونوا متمتعين بحقوق المواطنة مثل المسلمين قائلا:
(شنوده   :     أن ْ تتوفر الفرص لأبنائنا ، مثل إخوانهم  المسلمين بالالتحاق بالكليات العسكرية ، والشرطة .. وأن ْ يكون منهم وُلاة، وقُضاة ...)
 ويبقى سؤال الكتابة المسرحية التي قدمها الكاتب سعيد نصر سليم في مسرحية (الشرخ) يمثل ذروة التوتر ما بين المسلمين واليهود عبر العصور، وهو السؤال الذي مهّد به كتابة النص ليجيب عنه في الخطابات الواردة في حوارات كل من الشيخ الشعراوي، ونيافة الأنبا شنوده. يقول الكاتب الدكتور سعيد:
(هل يحترم اليهود وعودهم، وتعهداتهم، واتفاقياتهم مع محمـد أنور السادات، بينما نقضوا  عهودهم  مع محمـد بن عبد الله ، عليه الصلاة ، عليه السلام ؟ !! ) ..
 ويُلِح ُ السؤال:
 يُتعِبُني السؤال:
(هل ينجح محمـد أنور السادات مع اليهود، فيما فشل فيه الأنبياء .. كل ّالأنبياء؟ !! ...)
أما الجواب عن هذه الأسئلة فتتضمنه إجابات مؤسستين دينيتين لهما رمزيتهما، ودورهما في تراص المجتمع المصري، ولهما موقفهما من القضايا المصيرية التي لها علاقة قوية بالشأن الديني، وبالشأن الوحدوي للمجتمع المصري خارج كل عصبية مدمّرة، ولهما علاقة بأمن واستقرار المجتمع، يجيب الشيخ الشعراوي عن هذه الأسئلة قائلا:
الشعراوي: (يشير على شنودة بالصمت) سيدي الرئيس .. منذ متى احترمت إسرائيل نفسها، واحترمت مواقفها، ومواثيقها؟.. بل منذ متى احترم اليهود عهودهم ومعاهداتهم؟ ...).
أما نيافة الأنبا شنوده فيعود إلى النص الديني والتاريخي مستعرضا ما فعله اليهود بيسوع، و يعود إلى ما وقع للرسول محمد في التاريخ الإسلامي، وهو ما وصفه بالصفحة السوداء التي لا تشجع على توقيع سلام مع من ينكث بالعهد، يقول نيافة الأنبا شنوده: 
شنوده: مافعله اليهود بنا ، وبيسوع ، سيبقى صفحة سوداء ولو غفرته لهم روما ، فأقباط  مصر لن يغفروه لليهود . أو نسيتم  بسهولة مافعله اليهود بنبيكم الأمين؟  فخامة الرئيس .. أنت بهذا تريد قبر مصر ...)
 في الكتابة الكلاسيكية يكون البطل المتعجرف المتكبر المعتدّ بنفسه، وبهيمنته على محيطه مدار الأحداث، يصنعها بتكبر، وبثقة مطلقة بالنفس، لكن عندما يرتكب الخطأ القاتل يكون هذا سبب في سقوطه، بعد أن تتحول الأمور لتنقلب ضده، وهو ما حدث للبطل التراجيدي أنوار السادات الذي طحنته الآلة التي صنعها فصنعت موته. ولإنهاء مسرحية (الشرخ) فضل الكاتب الدكتور سعيد نصر سليم الرجوع إلى واقعة المنصة ليستعرض بالوثيقة ما حدث وما جرى لتقديم مصير من أراد أن يصنع مصير أمة على هواه فقتله لبس الزمن الذي تعامل معه. يقول الإبيلوغ:
(صوت مسجل:  يعجز لساني ، وقد اختنق بما تموج به مشاعري أن
أنعي إلى الأمة ، رئيس الدولة ، فخامة رئيس الجمهورية .
تعليق مع تيترات تنزل على الشاشة وسط الظلام التام :
ــ  لم يشارك في الجنازة زعيم عربي واحد ، ماعدا الرئيس السوداني جعفر نميري .
ــ  كانت الجنازة أمريكية ، ممثلة في ثلاث ٍ من الرؤساء الأمريكيين ، ومستشار الأمن القومي ، اليهودي الأمريكي هنري كيسنجر ، ووزير الدفاع الأمريكي 
ــ  بالإضافة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجين .. على أنغام المارش الجنائزي لفريدريك شوبان .
هكذا  كانت النهاية .. ويالها من نهاية .)
أن يبتعد المصري عن مصر فهو لا ولن ينسى جروح الوطن، وقضايا الوطن، لأن خاطره، وذاكرته، وقلبه، ووعيه بمجريات الأحداث تجعله يكتب، وينتقد، ويبني رؤيته لتاريخ بلده، وهو ما ترك الفنان الدكتور سعيد نصر سليم يترجم خبرته في الإخراج، وتخصصه في الإلقاء المسرحي، في كتابة هذا النص المسرحي سنة 2014 وهو يعيش في الجزائر أستاذا بالمعهد العالي للفنون الدرامية أستاذا لفن الإلقاء في برج كيفان بالعاصمة الجزائر معلنا أنه سيبقى مصريا بروحه العربية بمسرحية وسمها بـ(الشرخ)،  
 


عبد الرحمن بن زيدان