سيدات الأداء التمثيلي.. في المسرح العربي (2-3)

سيدات الأداء التمثيلي.. في المسرح العربي (2-3)

العدد 891 صدر بتاريخ 23سبتمبر2024

ومن رائدات الجيل الثاني الفنانة سميحة أيوب وهي ممثلة مصرية، ولدت في حي شبرا بمدينة القاهرة. تخرجت من المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1953، و الذي تتملذت فيه على يد الفنان المسرحي زكي طليمات.  وقد بلغ رصيدها على المسرح على مدار مشوارها الفني ما يقرب من 170 مسرحية(1)، منها (رابعة العدوية، سكة السلامة، دماء على أستار الكعبة، أغا ممنون، دائرة الطباشير القوقازية). رغم سيطرة الأعمال المسرحية على غالبية مساحة أعمالها الفنية، إلا أنها كان لها مشاركات عديدة في السينما والتلفزيون، ففي السينما تميزت من خلال أفلام عدة منها (أرض النفاق، فجر الاسلام، مع السعادة، بين الأطلال)، وفي التليفزيون قدمت العديد من الأعمال البارزة من أهمها (الضوء الشارد، أوان الورد، أميرة في عابدين، المصراوية). نالت العديد من التكريمات من عدة رؤساء منهم جمال عبد الناصر وأنور السادات، وأيضا الرئيس السوري حافظ الأسد والفرنسي جيسكار ديستان.
بداية احتراف الفنانة سميحة أيوب كانت من خلال أستاذها زكي طليمات الذي ضمها إلي فرقة «المسرح المصري الحديث» التي أسسها عام 1950، وفي أول عمل فني قدمته وهو أوبريت «عذراء الربيع» غيرت اسمها بناء علي طلب أسرتها واختارت لنفسها اسما هو «سميحة سامي»، ولكن عندما أذيع الأوبريت وأشاد به النقاد ووجدت استحسانا غضبت من نفسها وشعرت بالندم لرضوخها لرغبة أهلها وقبولها تغيير اسم  عائلتها، فقررت التمرد علي العائلة وعادت مرة أخري لتقديم جميع أعمالها الفنية باسمها الحقيقي «سميحة أيوب».
وقد أجادت في أداء  كل أدوارها وعملت على تطوير هذا الأداء، عبر قفزات نوعية تقوم على الخبرة والممارسة وحب الفن.
وقامت الفنانة سميحة أيوب بإخراج 5 أعمال مسرحية، وكانت التجربة الأولى “مقالب عطيات” التي كان من المقرر أن يخرجها الفنان عبدالرحمن أبوزهرة.
يقول عنها الروائي الراحل خيري شلبي: “لاشك أن سميحة أيوب من أصدق من وقفن على خشبة المسرح، ومن أصدق الممثلات بوجه عام. ولهذا فهي مؤثرة، قادرة على السيطرة، وامتلاك أنفاس الصالة برمتها مهما احتشدت بالجماهير”(2)
أما لطيفة ملتقى فهي ممثلة لبنانية ومن أولى المخرجات المسرحيات العربيات، وتعد من أوائل الممثلات اللبنانيات اللاتي ظهرن على الشاشة كان ذلك في صيف 1959حيث اختارها المخرج اللبناني منير أبو دبس لتشارك في مجموعة من الأعمال التليفزيونية، كان من أولها مسرحية “ماكبث” لشكسبير التي أعدها أنطون ملتقى، ثم توالت أعمالها المسرحية – بعد ذلك – ممثلة ومخرجة ومنها”وصية كلب” و”ضاعت الطاسة” و”البزاقة” و”حرب في الطابق الثالث”، وأعدت وأخرجت – أيضا – أعمال “عشرة عبيد صغار” عن نص لأجاثا كريستي، لكن أهم ما قدمته تجربتها الرائدة مع زوجها المخرج أنطوان ملتقى في تكوين “حلقة المسرح اللبناني” و”المحترف لتدريب الممثل” عام1972، و “المسرح الاختباري” عام 1967، و “مسرح مارون النقاش/ الخشبة الدائرية” عام 1981.
وكلها محاولات للوصول إلى صيغة مسرحية تقترب من تقتنيات وروح المسرح الشعبي، وربما كانت تجربة “حلقة المسرح اللبناني” التي اجتذبت إليها عددا كبيرا من المثقفين اللبنانيين – وقت تأسيسها – أمثال ريمون جبارة وإلياس إلياس ومادونا غازي، وسعد الدين مخللاتي وأندريه جدعون، وموريس معلوف، وسمير قماطي، وبهيج حجيج، وجوزيف أبو شاهين، وفرانسو خوري.
ربما كانت هذه المجموعة بداية حقيقية للمسرح اللبناني الجديد، حيث فكرت هذه المجموعة أن تقيم مهرجانا صيفيا للمسرح في بلدة “راشالنا”، حيث قدم النحات “ميشال بصبوص” مكانا ملائما في الهواء الطلق، كانت تقدم عليه العروض لعدة سنوات، وهي عروض كانت تنتمي إلى المدرسة الكلاسيكية أحيانا- وقدمت في الفترة مابين 1962 حتى 1965، وفي فصل الصيف كانت تنتقل هذه العروض إلى المسارح المغلقة في بيروت.
وكان العمل في الفرقة في مراحلها التالية يقوم على فكرة “الورشة المسرحية” وإن اتسمت الأعمال – في بداياتها – بالاقتباس من الأعمال العالمية وكان يقوم بهذا الاقتباس والإعداد كدراماتورج أنطوان ملتقى، باللغة الفصحى، ثم حدث تطوير في عملية اللغة فقام إدوار البستاني بأول ترجمة باللهجة العامية اللبنانية من خلال مسرحية “ضاعت الطاسة” المستوحاة من مسرحية “الجرة المكسورة” للكاتب الألماني “كلاسيت” فكانت أول مسرحية تقدم باللهجة اليومية القريبة من الجمهور.
ومن خلال إطار “المختبر المسرحي” عملت الفرقة على تطوير طرق الأداء التمثيلي من خلال الانفتاح على المدارس المختلفة في ذلك كمدرسة “ستانسيلافسكي”و “بريخت” و”جروتوفسكي” لدرجة أن أعضاء الفرقة بدأوا يطورون في الأداء الحركي فتعلم معظمهم  زمارس – أيضا – رياضة “اليوجا” من أجل اكتساب فعل المرونة على خشبة المسرح.
وتطوير الأداء الحركي يساعد في نواحي ثلاث هي: التنفس والاسترخاء والتركيز، لما لها من تأثير على تحرير الجسم والصوت والشعور. غير أن أهم ما كان يشغل بال “لطيفة” و”أنطوان ملتقى” ورفاقهما هو الخروج على نمط المسرح التقليدي/ مسرح العلبة الإيطالية، وتقديم مسرح شعبي من خلال حيز مسرحي قادر على اختراق التفاصيل وتحويلها إلى بؤرة مشعة داخل العروض. وعلى حد تعبير “لطيفة ملتقى” في شهادة عن تجربتها تقول فيها: “بما أن هدفنا الأساسي كان الوصول إلى مسرح شعبي عريض واللقاء مع أكبر عدد من الجمهور، فوجدنا أن المسرح الطلياني ليس مثاليا بالنسبة لنا، فهو عندما يستوعب جمهورا كبيرا يصبح التواصل بين الخشبة والجمهور صعب المنال، فبعد سابع أو ثامن صف يصبح المتفرج بعيدا لا يسمع ولا يرى ما يجري على الخشبة وتصبح المشاركة أصعب. فقلنا: لماذا لا نقرب المشاهد من الخشبة؟، وهكذا نشأت فكرة “المسرح الاختباري”، استحوذنا على بيت لبناني قديم في زقاق المدق البلاط يخص ورثة الشهيد الشيخ محمد طبارة وحولناه إلى مسرح مبتكر، وضعنا خشبة المسرح في الوسط والجمهور من جهتين متقابلتين وأطلقنا على هذا المسرح اسم “المسرح الاختباري”. (مجلة الطريق- العدد الثالث 1997).(3)
وتضيف لطيفة: “ وكان يهمنا رأي المتفرج فابتكرنا فكرة المناقشة. كنا نقدم النبيذ والبطاطا المقلية للجمهور بعد كل عرض مفسحين المجال لإعطاء الآراء. وكنا نوزع على الجمهور أيضا استمارات تساعده على إعطاء رأيه خطيا بعناصر العرض المختلفة: اللغة، الملابس، الإضاءة، التمثيل، شكل المسرح...إلخ”.
وأرى أن تجربة “المسرح الاختباري”  من خلال هذا الشكل قد تكون قريبة من “مسرح الخبز والدمية” لبيتر شومان، فهي تتماس معها في بعض الرؤى الفنية.
ولم يكتف أعضاء الفرقة بذلك بل قاموا بصناعة خشبة متنقلة، كانوا يحملونها في فصل الصيف ويطوفون بها القرى ليقدموا عروضهم، واستمر ذلك حتى عام 1975.
ومع اندلاع الحرب في لبنان ضاعت الكثير من الوثائق والصور والأزياء الخاصة بالفرقة، وتلاشت عروضها، وتوقف نشاطها حتى عام 1981، حيث عرض عليهم “المطران مار زيادة” أن يقدموا عروضهم ويقيموا تدريباتهم في كنيسة “مار ميخائيل” القديمة الكائنة في حي “مار مخايل”لتوبل بهوها إلى صالة مسرح. فتم تحويله إلى مسرح مفتوح على جهتين، وأكثر من ذلك تم تقسيمه إلى أشكال أخرى فتم إقامة شكل مسرحي أسموه “المسرح البانورامي”، وفيه يجري العرض على الجهات الأربع، بحيث يجلس الجمهور في الوسط على مقاعد تدور على نفسها لمتابعة المشاهد من الزوايا الملائمة.
وقدمت في هذا المسرح عدة أعمال من التراث العالمي منها: “زيارة السيدة العجوز”، إخراج أنطوان ملتقى، وبطولة لطيفة ملتقى، و”ضاعت الطاسة” و”حرب الطابق الثالث” و”البزاقة” وكلها من إخراج لطيفة ملتقى.
الهوامش:
الأمير أباظة: سميحة أيوب طريق المجد والأشواك- إصدارات المهرجان القومي للمسرح الدورة السابعة عشر 2024م- ص20.
 خيري شلبي: الساحرة- مجلة الإذاعة والتليفزيون- 7 إبريل 1998م.
مجلة الطريق- العدد الثالث-  بيروت- 1997م.


عيد عبد الحليم