جولة فى مسارح العالم

جولة فى مسارح العالم

العدد 748 صدر بتاريخ 27ديسمبر2021

شهد مسرح “نوتارا” الشهير فى العاصمة الرومانية بوخارست المهرجان المسرحي الذي يقام هناك سنويا. ويعتبر أي ممثل مسرحي هناك نفسه من المحظوظين إذا شارك في عمل مسرحي على هذا المسرح التاريخي الذي يعد من المعالم الأساسية للحياة الثقافية والفنية في فرنسا.
 المثير في هذا المهرجان المعروف اختصارا باسم “مولتيارت” انه من تنظيم مصلحة السجون الرومانية وأن أبطال المسرحيات المعروضة يكونون جميعا من المساجين. وليس من الضرورى أن تكون النصوص المسرحية المقدمة رومانية بل غالبا ما تكون من عيون الأدب المسرحي العالمى مثل مسرحية “حالة حصار“ للأدب الفرنسى ألبير كامو التى تتحدث عن انتشار الطاعون في أسبانيا في مطلع وكيف أدث إلى ظهور نظام دكتاتورى. وهناك أيضا مسرحية “كل شخص يمكن أن يرتكب الخطأ” للكاتب والممثل المسرحي الرومانى الشاب ميرسيا روتارو. وهى من إخراج المخرج الرومانى الشهير “فيزينيل بالان”. ولا بأس من تقديم أعمال كتبها المساجين أنفسهم. ويتم إسناد الإخراج عادة لمخرجين محترفين. 
ويقول المسئولون في المصلحة أن الهدف من تنظيم المهرجان هو تسهيل الاندماج مع المجتمع على المساجين عندما تنتهى أحكامهم. وليكون المسرح بمثابة تهذيب لطباعهم. 

شروط
ويشير احدهم إلى أن أى مسجون يطلب الاشتراك في هذا النشاط الفنى تم إبلاغه بالشرط الأساسي وهو أن مشاركته في العمل المسرحي لا تضمن تخفيف مدة حكمه ولا أي ميزة أخرى مثل زيادة مرات الزيارة المسموح بها لأقاربه.
والأمر في النهاية متروك لإدارة السجن. وكل ما يحصل عليه رسميا استخدام الهاتف المحمول والقلم أثناء البروفات والعرض وهما محظوران في السجون الرومانية. ويسمح لأقاربه بحضور البروفات. ويمكن أن يحصل السجين على مكافأة مالية إذا رأت إدارة المهرجان ذلك. 
 لذلك يتقدم كثيرون من نزلاء السجون للمشاركة في النشاط المسرحي بشكل يفوق الحاجة مما يستدعى إجراء اختبارات لهم للتحقق من صلاحيتهم واستعدادهم. ويراعى أيضا سلوك السجين داخل السجن ويتم استبعاده إذا لم يكن سلوكه منضبطا.
ويقول المخرج المسرحي المعروف “لوليان جليتا” أن فعاليات المهرجان الذي بدأ عام 2009 ويجرى تحت شعار “التحرر من خلال الثقافة”. وظل يقام سنويا كل خريف باستثناء 2020 بسبب قيود كورونا. وحتى الآن قدم المهرجان أكثر من 70 مسرحية شارك فيها أكثر من 700 من نزلاء السجون. 
 ويواصل الحديث قائلا أنه قبل المشاركة في المهرجان لاقتناعه بأن المسجون إنسان طبيعى ولابد أن يعود إلى المجتمع ليعيش فيه بشكل طبيعى. وكان المهرجان من بنات أفكار “دانا سينوسا” التى كانت المتحدثة باسم مصلحة السجون وتوفيت عام 2015. 

خطوات
ويمضى قائلا أن الإعداد للعمل المسرحي الواحد يحتاج فترة قد تصل إلى ستة شهور. وتبدأ باختيار الممثلين. وتبدأ بعد ذلك مرحلة البروفات والتى لابد أن تجرى في سجون صغيرة في مدن صغيرة لمنع الممثلين من الهروب. 
ويقول احد هؤلاء المساجين وهو مارين فلورين انه متحمس للمشاركة في الدورة الحالية في مسرحية “كل شخص يمكن أن يرتكب الخطأ “ بعد أن شارك في عدة دورات سابقة. ويضيف قائلا أن مشاركة السجين في عملية نحو ستة شهور بين البروفات والعرض تحدث تغييرا جوهريا نفسيا لديه ا ويصبح شخصا جديدا. ويؤمن على قوله المخرج “لوليان جليتا” فيقول أن الهدف الرئيسى من هذا المهرجان هو أن يساعد السجين على الإقلاع عن عاداته السابقة التى قادته إلى السجن. وهى لا تجعله كذلك بشكل تلقائى بل أن هناك دورا أساسيا للسجين نفسه. 
وتكون العروض كلها مجانية وتتم في حراسة مشددة خوفا من أن يحاول المسجون الهروب. ولحسن الحظ لم يحاول أي مجون الهروب خلال عروض المهرجان منذ بدايته. وتقتصر المشاركة فقط على الرجال. وعادة ما يشيد النقاد بالعروض لكنها لم تكن سببا لشهرة المساجين ولم تؤد إلى اكتشاف وجوه جديدة .

يوم تاريخى في حياة المؤلف 
سكوت استعد للعرض في ساعات لم يملك رفضا أو قبولا
سوف يكون الرابع والعشرون من ديسمبر 2021 يوما تاريخيا في حياة الكاتب المسرحي الأمريكي الأسود “كينان سكوت” أو كينان سكوت الثانى كما يطلق على نفسه . ولا يرجع الأمر هنا فقط إلى أنه اليوم الأول لعرض مسرحيته ”أفكار رجل ملون” التى كتبها منذ 15 سنة عندما كان طالبا في الجامعة على مسرح جولدن في برودواى عاصمة المسرح الأمريكي. وسبق أن عرضت في مدينتى سيراكيوز وبالتيمور بشكل تجريبى وكانت من إخراجه . ولا يرجع الأمر أيضا إلى أنها أول مسرحية في تاريخ برودواى يكون كاتبها ومخرجها من السود. 
السبب الأساسي هو انه تحول بالصدفة في هذا اليوم من كاتب ومخرج مسرحي إلى ممثل مسرحي أيضا بسبب جائحة كورونا أو أوميكرون. وكان لذلك التحول قصة طريفة. 
في ظهر نفس يوم الافتتاح كان سكوت في طريقه إلى بيته حيث أنه اعتاد الغياب عن حضور افتتاح مسرحياته لأنه يخشى مواجهة الجماهير. وفوجئ سكوت بالمخرج يتصل به ويطلب منه الحضور على الفور إلى مسرح جولدن لأمر عاجل لا يحتمل الانتظار. 

مفاجأة
وتوجه سكوت إلى المسرح ليفاجأ بالمخرج يقوم بتجربة ملابس أحد أبطال العرض على جسمه ليتأكد من ملاءمة مقاساتها عليه. وكذلك جاء أحد العاملين بحذاء وأخذ يجربه على قدمه. وعندما استفسر عن السبب قال المخرج أن أحد أبطال العرض أصيب بفيروس كورونا ولن يمكنه المشاركة في العرض رغم أن الأعراض لم تظهر عليه بعد. وقال أنه رفض تأجيل العرض مثلما فعلت فرق أخرى بسبب أوميكرون خاصة بعد أن نفدت التذاكر. وفكر المخرج أن يجسد الشخصية بنفسه لكنه وجد أن افضل من يجسد الشخصية هو مؤلف النص المسرحي وليكن لعدة أيام حتى يتم اختيار ممثل آخر. واتخذ قرارا فوريا بذلك وقال أن سكوت لا يملك الاعتراض عليه.
وبدوره قبل سكوت القرار ولم يعترض عليه. وقال مبتسما أنه يشعر بالتفاؤل وقدرته على قبول التحدى بعد أن ناسب الحذاء مقاس قدميه ..فراحة الجسم تبدأ من القدمين. كما احتاجت الملابس قدرا بسيطا من التعديل لتصبح مناسبة له. وقام ببعض بروفات سريعة مع أبطال العرض وتبادل المزاح معهم وقال نحن أسرة واحدة وأنه يعتبرهم أخوة له وانه سعيد بإنقاذ العرض لأنه يقدر إقبال الجمهور على شراء التذاكر والجهد الذي يبذله للوصول إلى المسرح ولابد من حصولهم على ما يستحقون. وبعد خمس دقائق من نهاية البروفات كان ستيوارت يقف على المسرح ليجسد شخصية الرجل العجوز «ويزدوم» (الحكمة) البالغ من العمر65 عاما مما احتاج إلى وضع الماكياج ليبدو في هذه السن.

التحدى
وتدور أحداث المسرحية حول سبعة رجال من السود يلتقون في بروكلين ويتناقشون في بعض الأمور مثل توفير حياة لائقة للسود والعنف الذي يجتاح الولايات المتحدة وقضايا الهوية العرقية والجنسية. وتتنوع أعمار السبعة وأكبرهم ويزدوم الذي يجسده ستيوارت. ورغم أن ستيوارت جسد بعضا من الشخصيات في المسرحية في عروض تجريبية بسيطة منذ كتب المسرحية لكنه لم يجسد شخصية ويزدوم من قبل.
ويتحدث سكوت عن هذه التجربة المفاجئة فيقول أن التحدى كان صعبا حتى أن المخرج لم يعطه فرصة للرفض أو القبول. والأصل أن الممثل يحتاج بعض الوقت للتعايش مع الشخصية التى سيجسدها تصل في المتوسط إلى شهر. لكنه كان تحديا عظيما. وكان بداخله ممثل يريد أن ينطلق فجاءته الفرصة . ويمضى قائلا أنه يشعر بالأسف لإلغاء عروض لمسرحيات مهمة مثل «هاملتون» و«علاء الدين» و«مستر داوت فاير» و«هارى بوتر» و«الطفل الملعون» وكلها إعادات لعروض ناجحة بسبب أوميكرون لأن الأوضاع الحالية لا تسمح بالمخاطرة بإنتاج عروض جديدة. 
وقد سألته زوجته بعد العودة إلى بيته...هل أنت فخور بما فعلت الليلة فقال لها..بالتاكيد لأنى أسعدت الجمهور وأقمت علاقة ودية مع الممثلين بأسرع ما يمكن.


ترجمة هشام عبد الرءوف