«خطة كيوبيد» الرجل والمرأة.. وعبثية العلاقة

«خطة كيوبيد»  الرجل والمرأة.. وعبثية العلاقة

العدد 839 صدر بتاريخ 25سبتمبر2023

هل يمكن للتجربة أن تثبت قوة علاقة اجتماعية بين رجل وامرأة؟، وهل من الممكن أن نعمم تجربة وإن حالفها النجاح في وضع صورة متخيلة لعلاقة بين رجل وامرأة؟  
منذ بدأ للخليقة وكانت علاقة الرجل بالمرأة علاقة عبثية غير مبررة فقد قتل قابيل اخاه هابيل من أجل الزواج من زوجته، وأنقذ عنترة بن شداد قبيلته من الهلاك رغم نبذهم له ونكرانهم نسبه لأجل عبلة، وانتحر روميو حزنا علي جوليت التي ظن انها انتحرت، وبين الحقيقة والأسطورة الكثير من الحكايات بين الحب والانتقام كان سببها علاقة الرجل بالمرأة، تلك العلاقة العبثية التي تجعل من زوجين يتصارعان في بداية الليل ينتهي بهما الامر علي الأريكة يشاهدان فيلماً رومانسياً ويقهقهان من الفرح. 
يمكن أن يكون عرض خطة كيوبيد تأليف عبدالله الشاعر وإخراج أحمد فؤاد أن ينجح في تسليط الضوء علي تلك العلاقة الاجتماعية الشائكة فيما يمكن تصنيفه (تراجيدي-كوميدي) فالمسرحية تدور في إطار كوميدي المستنبط من واقع مؤلم نلامس جوانبه في مجتمعنا تلك الأيام، فالرجل متخوف من المسئولية والمرأة ترسم صورة خيالية للعلاقة الزوجية ولتصرف الرجل، ليصبح الرابط بين علاقة إنسانية تحدث علي أرض الواقع صورة خيالية مجسدة وسط مخاوف إنسانية، ليتحول الأمر من قصص الحب التي خلقت أبطالا إلي رجال مذبذبة ومرأة غير ناضجة، وهذا ما حول عرض خطة كويبيد أن يسلط الضوء عليها من خلال وضع شاب وفتاه يحبان بعضهما في تجربة التكرار لنفس اليوم إرضاءً للأب والذي تعاونه الأم أمله أن تنجح التجربة ويدرج الشاب والفتاة المغزى الحقيقي من الزواج، وهذا ما يدركه الشاب والفتاة في نهاية التجربة. 
حاول العرض أن يركز علي المشكلة الأساسية التي تواجه الشباب هذه الأيام من رسم صورة خيالية مبالغ فيها من قبل الفتاة حول شكل العلاقة الزوجية وكيف يعامل الشاب حبيبته بعد الزواج صورة تحاكي بعض الصور المنتشرة علي مواقع التواصل الأجتماعي لتصدم بواقع شاب يكافح من أجل العيش ويصارع وسط ظروف المعيشة القاسية مما سبب له خوفاً من المسئولية، فيكون القرار هو الانسحاب من العلاقة. 
يحسب للعرض أنه قام بلفت النظر إلى التفاصيل الصغيرة التي يمكن أن تنقذ العلاقة، ففي وسط قرار الانسحاب والتراشق اللفظي الذي يكون بداية لنهاية أقوى العلاقات جعل النقاش هو الحل فجعل من الشاب يذكر اهتمام حبيبته خلال المشهد المتكرر ليوم الزوجية أنه في كل مرة وعلى الرغم من التدهور في العلاقة إلا أن الفتاة تتذكر دوائه، لتنتبه الفتاه إلي أن كل ما يمران به ما هو إلا محاكاة ليوم من أيام الزوجية وأنه وعلي الرغم من سخافة التجربة إلا ان الشاب لا يزال مستمراً في الاختبار رغم تضيق الأب الخناق عليه. 
ووسط حالة من الكوميديا مغلفة لبعض المواقف التراجيدية التي تصور التحولات النفسية للفتاة التي تنساق وراء الشاب متخلية عن هويته في محاولة للحفاظ على قصة حب توهمت جديتها، مسلطة الضوء على النموذج الذكوري الذي يتلذذ في تدمير الفتاة وتغيرها وتدمير هويتها. 
استخدم المخرج اداوته ببراعة حيث تمكن من تجسيد العرض والذي صمم من أجل قاعة يوسف إدريس في مسرح السلام علي خشبة مسرح السلام الكبيرة بنفس الديكور حيث استخدم ستار المسرح لتغلق ربع عمق المسرح يمين ويسار ليسهل عليه وضع ديكوره في منتصف المسرح الكبير مقللا من مساحة المسرح ليعرض على نص مساحته تقريباً، وهذا يدل على براعة وذكاء المخرج في تعامله مع الديكور، مم سهل عليه مستقبل إخراج العرض علي خشبة يختلف تصميمها كليا عن القاعة التي عرض فيها العرض في البداية. 
حيث جاء ديكور أحمد أمين منساباً لحالة العرض فالعرض يجسد خطة صنعها إله الحب عند الرومان كيوبيد بالاتفاق مع زوجته هيرا ليدخلا ابنتهما سيلين في تجربة الحياة الزوجية مع إبن عمها هيليوس ليدركا المغزى الحقيقي للحياة الزوجية ، فنلاحظ أن اللون اللبني هو الغالب علي الديكور وهو لون مبهج يناسب طبيعة العرض وفكرته. وساهمت اضاءة أبو بكر الشريف في تصوير المشاهد التراجيدية والكاسرة لحالة العرض الكوميدية ببراعة شديدة فكانت تفصل الممثل في حالة التأثر عن سينوغرافيا العرض صانعه حالة تناسب المشهد. 
يضاف إلى براعة المخرج اختيار الممثلين واستخدام ملكاتهم في أفضل صورة فالعرض من بطولة وبطولة عبد المنعم رياض، كريم الحسيني، نوال سمير، أمنية حسن، لنجد أن الممثلين يشكلون ثنائيات متناغمة علي خشبة المسرح حيث استخدم قدرة كريم الحسيني وأمنية حسن في الغناء بشكل رائع في إعطاء لمحة من الغناء المباشر علي خشبة المسرح مستعيناً بعازفين تامر عبد المجيد (كمانجا) و احمد تامر عبد المجيد (بركشن) متواجدين علي خشبة المسرح مستترين خلف أحد قطع الديكور في جانب المسرح الأيمن «بانوه»، وهذا أعطا حالة ممتعة للعرض، هذا بالإضافة إلي الحس الكوميدي والتناغم في الأداء من جانب عبد المنعم رياض ونوال سمير واللذان يجسدان دور الأب والأم للفتاة سيلين، وكان لهذه الثنائيات الناجحة بين الكوميديا والغناء من قبل ممثلين العرض دورا هاما في جذب انتباه المشاهدين فلم يقتصر العرض علي الإضحاك وإنما مزج الضحك مع البكاء في تصوير دراما اجتماعية عن الحب وظاهرة الانفصال السريع وأسبابه وتأثيره السلبي. 
هذا بالإضافة إلي الموسيقى والمؤثرات التي تناسبت مع العرض بشكل كبير وهي من إعداد محمد عبد الله. 
وجدير بالذكر ان تنفيذ العرض جاء منضبطا فلم حيث كان تحويل قطع الديكور بين المشاهد بسيطا. والعرض من تنفيذ نور محي فهمي وساعدها دعاء حسين و ياسمين على. 
وإن اختلفت مع فكرة العرض الرئيسية في أن أدخال الحبيبان في تجربة يوم متكرر من الحياة الزوجية قد تكون تجربة ناجحة علي أرض الواقع وأنه لا يمكن تعميم تجربه وإن حالفها الحظ والنجاح علي ثنائي لتنجح مع جميع الثنائيات.
فالتجربة في حد ذاته تختلف نتائجه من شخص لأخر ودائما ما يصل المارون بالتجربة إلي نتائج يظنون انها الحقيقة المطلقة ولكنها تبقي مطلقة من وجهة نظرة، كمن يكتب الرقم سته باللغة الإنجليزية علي ورقة وينظر للورقة شخصان من جهتان مختلفتان ويصر كل منهما علي أنه يقرأ الرقم بشكل صحي لنخرج بنتيجتين لنفس التجربة ويوقن صاحبها أن ما رأه هي الحقيقة. 
فالحياة الاجتماعية في حد ذاتها بسيطة لدرجة العبث فلا يمكن أن تدركها بالمنطق أو التجربة، والحل الأمثل والذي وضعه العرض واتفق معه تمام الاتفاق هو النقاش والتركيز علي التفاصيل الصغيرة التي تصنع الفارق وسط الأيام المتكررة.  


محمد أحمد كامل