حكاية مهرجان المسرح الحر الأول .. كيف بدأت تجربة الفرق المستقلة؟

حكاية مهرجان المسرح الحر الأول ..  كيف بدأت تجربة الفرق المستقلة؟

العدد 721 صدر بتاريخ 21يونيو2021

جاءت فكرة إقامة «المهرجان الحر الأول» كبديل عن المهرجان التجريبي عام 1990 بعد إلغائه في دورته الثالثة بسبب حرب الخليج الأولى، وقد أقيم المهرجان في الفترة من 1 إلى 10 أكتوبر 1990.
حيث رأى مجموعة من الفنانين ـ أصحاب الفرق الحرة ـ أن هناك مجموعة من العروض غير التابعة للمؤسسة ويمكن عرضها في إطار من العمل الجماعي فبدأت هذه المجموعة بإقامة عدة اجتماعات في نقابة المهن التمثيلية التي كان يرأسها المخرج السيد راضي، وقد وقف مجموعة من النقاد مؤازرين للتجربة باعتبارها تشكل تيارا جديدا خارج إطار المؤسسة الرسمية منهم د. نهاد صليحة ومنحة البطراوي وحازم شحاتة والشاعر الراحل عمر نجم ومايسة زكي.
وتم تكوين لجنة عمل انبثقت منها عدة لجان فرعية كان أهمها لجنة الدعاية والنشر برئاسة منحة البطراوي وطارق سعيد وكان مهمتها الأساسية التنسيق مع البيت الفني للمسرح الذي كان رأسه ـ في ذلك الوقت ـ المخرج الراحل كرم مطاوع من أجل تخصيص مكان للعروض المسرحية وكذلك التنسيق في نفس الجانب مع دار الأوبرا المصرية وهيئة الكتاب لطباعة بوستر المهرجان، الذي شاركت فيه فرقة «الضوء» بعرض «العابرون» و»العرض الأخير» إخراج طارق سعيد، وفرقة «لقاء» بعرض «لغة الجبل» إخراج خالد جلال وكانت العروض بمثابة تعريف بهذه الفرق بدون أن تكون هناك لجنة تحكيم أو جوائز.
ومن فوائد المهرجان الأول اشتراك أكثر من عشرين فرقة قدمت عروضها المسرحية على مدار عشرة أيام من خلال تقديم ثلاثة عروض يوميا وزعت بين مسرح العرائس ومسرح محمد فريد ومسرح الأوبرا الصغير والمكشوف ومسرح الغرفة، بالإضافة إلى وجود نشرة يومية اختير لها مسمى «لقاء» وقد دعمت نقابة الممثلين المهرجان.
وفي حفل الختام الذي حضره فاروق حسني وزير الثقافة، قام أحد مديري الفرق عارضا مطالبها على الوزير منها تخصيص مسرح خاص بهذه الفرق تمارس من خلاله نشاطها، فرد عليه الوزير بأن هذه المسارح الموجودة هي للمحترفين أما المسرح الحر فلا وجود له.
فقامت الناقدة فريدة النقاش معترضة على كلام الوزير موضحة أن مسارح قصور الثقافة ومراكز الشباب التي يتكلم عنها الوزير تختلف أنشطتها وخطابها عن المسرح الحر لأنها تسير في نظام حكومي لا يتوافق تماما مع منهج المسرح الحر المتعارف عليه.

المهرجان الثاني
أما المهرجان الثاني فقد أقيم في الفترة ما بين 17 إلى 25 ديسمبر 1991 وكانت تيمته الرئيسية الاتكاء على أعمال الأديب يوسف إدريس من خلال إقامة مسابقتين اشتركت فيهما خمس عشر فرقة، قدمت ثمانية وعشرين عرضا.
الأول: خاصة بأعمال «إدريس» المسرحية بالإضافة إلى ست ندوات خاصة عن الكاتب الراحل.
الثانية: قدمت فيها أعمال أخرى.
وقدمت في الفرع الأول من المسابقة عدة عروض استلهمت التراث المسرحي لعميد القصة القصيرة في الوطن العربي منها «المخططين» لفرقة «لقاء» إخراج خالد جلال، و»إنصاف الثائرين» لفرقة الضوء إخراج طارق سعيد وكذلك تم تقديم مسرحية «فرجة عربية» لفرقة «احتجاج» التي حاولت تقديم وجهة نظر يوسف إدريس في التحرر من تقليدية الرؤية المسرحية الشرقية.
أما الفرع الثاني للمسابقة: فقد قدمت من خلاله عدة عروض منها «العميان» لفرقة الشظية والاقتراب إخراج محمد أبو السعود، و»أشباح مصرية» إخراج عبير علي لفرقة «المسحراتي» «حوار السيد والعبد» و»إلى أين» وميلاد إنسان» وغيرها.
وقد فازت «فرقة الضوء بالجائزة الأولى في عرضها «أنصاف الثائرين».
ويقول الناقد نبيل بدران في مقاله المنشور بمجلة «آخر ساعة» في عددها الصادر في أول يناير 1992 عن العرض «,كنا نتوقع مبادرة تكريم د. يوسف إدريس من البيت الفني للمسرح ـ ولو بإعادة تقديم إحدى مسرحياته ـ لكن الوفاء جاء من شباب المسرح الذي يكفيه شرفا تقديم العرض المفرح المدهش «أنصاف الثائرين» الذي أعده وأخرجه طارق سعيد ـ واستحق بإجماع الآراء الفوز بالمركز الأول، اختار طارق سعيد قصصا ليوسف إدريس من مجموعاته القصصية «أرخص ليالي» و»النداهة» ربط بينها بشخصية الإنسان المصري الذي تكمن قوته في بساطته وصدقه»
وقد قام ببطولة العرض سيد الرومي وإيهاب صبحي وجيهان فاضل وسها سمير وأسامة منير.
وتقول الناقدة منحة البطراوي في مقالها المنشور بجريدة «الأهرام» تحت عنوان «أنصاف الثائرين الأبطال» بتاريخ 10/1/1992.
إن مسرحية «أنصاف الثائرين» قد نالت إعجاب الجميع لا بسبب فهم طارق سعيد لروح قصص يوسف إدريس القصيرة وإحكامه للبناء الدرامي ولا بسبب أسفنجة الممثلين الذين تركوا أنفسهم للشخصيات تتخللهم لتخرج مشحونة بحيوية المؤدين وطاقتهم وذكائهم وإحساسهم فحسب، بل جاء النجاح نتيجة لالتقاء هذه الأسباب، ويضاف لها تركيز المخرج ـ طارق سعيد ـ على الجوهر سواء في الحوار أو الحركات أو الضوء فكل شيء في مكانه المناسب والقدر المناسب.
وأكثر ما أدهشنا في هذا العرض هو احترام المخرج: المعد والممثلين للفن المسرحي والمتفرج على حد سواء، فلم يستخدم الفن المسرحي كوسيلة إيضاحية عبر الرموز والدلالات.
وقال الناقد حازم شحاتة عن العرض: «لقد استطاعت فرقة الضوء أن تقترب كثيرا من حالة التمسرح بتحرير عقل المتفرج، وهو فعل ثوري بكل معاني الكلمة، فكسر الإكليشيه، وكسر القاعدة الدرامية السائدة والبحث المسرحي داخل مادة أدبية، كلها أفعال مسرحية ثورية أنجزها عرض «أنصاف الثائرين» كما استطاع أن يقدم لنا مجموعة موهوبة من الممثلين.
وها هو عرض تجريبي حقيقي ومصري وأصيل يطل علينا من وسط ركام الزيف والادعاء، نستطيع جميعا أن نفخر به وأن نقدمه للجماهير في أي مكان دون الشعور بالخجل.
وتقول الناقدة فريدة النقاش عن العرض في حوار أجري معها للنشرة اليومية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب يناير 1992: «هناك عرض رائع هو أنصاف الثائرين استطاع برغم قصر مدته أن يتوغل إلى الروح الحقيقية لأدب يوسف إدريس بل وإن يلتقط ما هو مسرحي في قصصه القصيرة، وأن هذا المسرح هو ما يميز إبداع يوسف إدريس في تعرفه العميق على الخصائص الشخصية خاصة المهمشين والمسحوقين، واستطاع الممثل الذي أدى دور الفرفور «سيد الرومي» أن يقدم إضافة لفن الأداء.

المهرجان الثالث 1993
أما المهرجان الثالث فقد بدأ في 27 مارس واستغرق خمسة أيام ـ فقد ـ وقدمت عروضه على مسرح الهناجر وشاركت فيه عدة فرق منها «فرقة الحاوي» بعرض «هذا هو أنقى» إخراج نادر صلاح الدين وبطولة خالد صلاح وفرقة «لقاء» بعرض «مشاجرة رباعية» إخراج هاني عبد المعتمد، وبطولة مصطفى شعبان وأحمد عبد الحي، وفرقة «الضوء» بعرض «البيانو» بطولة وتأليف طارق سعيد وإخراج داليا بسيوني، وفرقة «القافلة» بعرض «مشاهد حياتية» إخراج عفت يحيى، وفرقة «الورشة» بعرض «حكي شعبي» إخراج حسن الجريتلي وقد فاز بالجائزة الأولى في هذا المهرجان عرض «البيانو» لفرقة «الضوء» وقد سافر لتمثيل مصر في مهرجان «ربيع المسرح العربي في المغرب».
وظهرت في هذا العام بوادر تكوين اتحاد فني خاص بين الفرق الحرة من خلال عقد اجتماع تحضيري بمركز الهناجر تم في مناقشة عدة أمور خاصة بتكوين اتحاد يكون له استقلالية تامة عن المؤسسات الثقافية ومنها:
1 ـ إنهاء التفويضات السابقة.
2 ـ تاريخ حركة المسرح الحر.
3 ـ مناقشة أي خطر يواجه الاتحاد.
4 ـ إصدار بيان خاص بالفرقة الحرة الحقيقية.
5 ـ تحديد اشتراك شهري تدفعه كمل فرقة.
6 ـ تحديد موعد ثابت للاجتماعات.
7 ـ انتخاب لجان نوعية لتنظيم شئون الفرق.
فتم تكوين لجنة مالية ولجنة قانونية ولجنة تثقيف وتدريب ولجنة اتصال وعلاقات عامة ولجنة للنشرات ولجنة نظام ومتابعة ولجنة خاصة بالتحضير للمهرجان الحر.
وتم تفويض اللجنة القانونية للبحث عن صيغ قانونية يتم من خلالها تجميع الفرق تحت مسمى «جمعية» طبقا لقانون وزارة الشؤون الاجتماعية، لكن وقفت عقبة الضرائب والإجراءات التجارية حائلا دون دخول هذا الاتحاد حيز التنفيذ القانوني.
فتمت الاستعاضة عن هذه الفكرة بتكوين اتحاد اعتباري بعيدا عن الأشكال الرسمية وصدر أول بيان له في سبتمبر 1993، وأثناء المهرجان التجريبي للمسرح الخامس، رحب فيه «الاتحاد» بالوفود العربية والأجنبية ويعلن فيه عن وجود حركة للمسرح الحر في مصر وأنها تقدم عروضها بعيدا عن المؤسسة الرسمية.
وفي بداية شهر أكتوبر من نفس العام تم تقديم دعوة لجميع الفرق لحضور لقاء مفتوح يوم 17/10/1993، تم خلاله تقديم طلب إلى إدارة الهناجر برئاسة د. هدى وصفي بتخصيص «هنجر» لعمل بروفات خاصة للفرق الحرة بالإضافة لأن تكون الأولوية لعروض المسرح الحر على خشبة الهناجر، وبالفعل كان هناك وعد بتخصيص مسرح مستقل في ذلك «الهنجر» لكن ذلك تحول غلى مجرد وعد ولم يخرج إلى حيز التنفيذ خاصة بعد المهرجان الحر الرابع.

المهرجان الرابع
أقيم في الفترة ما بين 13 يناير وحتى 23 يناير 1994 تحت شعار «اتحاد حركة المسرح الحر.
واشتركت فيه ما يقرب من خمسين فرقة بستين عرضا، كان أبرزها فرقة «أتيليه المسرح» بعرض «قلة نقط» إخراج محمد عبد الخالق وفرقة المسحراتي بعرض «جحا وحرمه» إخراج عبير علي، وفرقة «الغجر» بعرض «ليلة القتلة» إخراج وتمثيل عزة الحسيني ثم فرقة «باب» بعرض «المدينة».


عيد عبد الحليم