الأميرة تنتظر.. والبحث عن الحرية

الأميرة تنتظر.. والبحث عن الحرية

العدد 681 صدر بتاريخ 14سبتمبر2020

 «الأميرة تنتظر» هي المسرحية الشعرية الثالثة في تجربة صلاح عبد الصبور بعد «مأسأة الحلاج» و«مسافر ليل»، وتنتمي هذه المسرحية إلى مسرحية الفصل الواحد، ومسرحية الفصل الواحد هي « تمثيلية قصيرة الطول ـ في العادة ـ وتتميز بحبكة فردية، أو حوادث مركزة، وبتفاصيل قليلة، وحوار حي، وشخصيات محدودة العدد، وذروة قريبة من نقطة النهاية، وعندما يخرج نص التمثيلية ذات الفصل الواحد في المسرح، لا يحتاج إلى استراحة، أو تغير كثير من الديكور، كما يتميز النص ـ وهذا شئ هام ـ بوحدة الأثر العام، وخصائص المسرحية ذات الفصل الواحد بالنسبة للمسرحية الطويلة، أشبه بخصائص القصة القصيرة بالنسبة للرواية الطويلة»(1).
 وقد وصلت الكتابة المسرحية لدى «صلاح عبد الصبور» في هذه المسرحية إلى حالة من النضج الفني، على مستوى الكتابة، وعلى مستوى الرؤية، وتأتي أهمية هذه المسرحية في كونها شديدة الرمزية، عبر كتابه مكثفة، ربما لا تبوح بدلالتها لأول وهلة، بل تحتاج إلى أكثر من قراءة، لسبر أغوار الشخصيات الموجودة بها .
 كما تتميز هذه المسرحية بحبكتها الدرامية، «والحبكة هي العنصر المعماري العام للدراما، إنها عبارة عن ترتيب الأساس وتنظيمه، وبدونها لا يعرف الكاتب المسرحي ماهو المطلوب من الشخصيات لمسرحيته، ولا يعرف الأفكار التي يجب أن تعبر عنها الشخصيات، ولا الكلمات التي يجب أن يؤلفها لتعبيراتها، وبهذا المعنى، تعتبر الحبكة الأساس الأول للبناء، وبمعنى آخر تعد الحبكة الغاية التي يجاهد الشاعر ـ نشاطه الخلاق ـ أن يصوغها»(2)
اعتمد صلاح عبد الصبور في «الأميرة تنتظر» على شكل مسرحي وهو «المسرح داخل المسرح» وهذا الشكل الذي يعرفه د. إبراهيم حمادة قائلا: «هو عرض مسرحي يقدم ـ جزئياً أو كلياً ـ داخل المسرحية المعروضة، إنه مسرح تجري أحداثه داخل المسرح، والمثال على ذلك وارد في مسرحية هاملت لوليم شكسبير، حيث نجد في المنظر الثاني، بالفصل الثالث، فرقة مسرحية تؤدي مشهداً تمثيلياً مقصوراً، كما ان مسألة المسرح يمكن أن تتمثل في ثلاثية لويجي برانديللو المسرحية : «ست شخصيات تبحث عن مؤلف ـ 1921، «وكل على طريقته» 1924، و«الليلة نرتجل التمثيل» «1929» (3)
 وتعد تيمة « المسرح داخل المسرح «الميتاتياترو» جزءاً مهماً من نظرية المسرح الحديث، حيث تعتمد على تكوين صورة فنية درامية من خلال تقديم عرض مسرحي جديد داخل العرض المسرحي الأساسي .
 وقد أراد صلاح عبد الصبور باستخدامه لتلك التقنية الفنية أن يكشف عيوب وأخطاء الأميرة، بحبها وعشقها للسمندل قاتل والدها «الملك» .
 بإيراد مشاهد من حادثة اغتيال الأب من قبل «السمندل» تقوم بهذه المشاهد الوصيفات «بإرتدائهن لأقنعة تمثل وجوه «السمندل» «والأب» حتى تقع الاميرة على الحقيقة المريرة، وهي أنها وقعت في غرام قاتل ومجرم محترف طامع في السلطة، أناني لا يري إلا نفسه، ولا يبحث في الحياة إلا عن إشباع رغباته السلطوية والجنسية، وليس عاشقاً حقيقياً .
 وهنا تبرز سمة أساسية من سمات « المسرح داخل المسرح «وهي» أنه إذا كان الإنسان لا يعي أفعاله فيمكن لهذا المسرح أن يكشف عيوبه ويخلع عنه الأقنعة التي يخفي تحتها مظهره الحقيقي، والشخصي ذو النفس المراوغة لاتجد نفسه الحقيقة إلا في عيون الآخرين، وعلى حد تعبير «بيراندللو» فإن الإنسان يؤدي عدة أدوار في الحياة، فالشخص يبني شخصيته من عدة أنواع من الأدوار يٌطلب منه أن يلعبها» (4) .
 وفي مشهد دال نجد الأميرة تحاول أن تزيح الأقنعة عن حياتها السابقة التي عاشتها قبل خمسة عشر عاماً، حين كانت «صبية» في مقتبل الحياة وأغراها أحد الحراس « فوقعت في غرامة، من خلال استخدامه المعسول الكلام، وبعد أن يقتل الأب، ويستولي، هذا العاشق الغاصب على السلطة، تخرج «الأميرة» مع وصيفاتها لتعيش في كوخ صغير فقير على أطراف المملكة .
 وحين تقوم الوصيفات « بتمثيل حادثة قتل الأب»
 تتذكر الأميرة حيرتها القاتلة، في ذلك اليوم المشئوم وكيف أن هذا الحبيب القاتل أراد منها أن تنسى أنه قاتل والدها وأن تبارك استيلائه على السلطة :
 الأميرة : ويلاه أقتلت أبي وسلبت الخاتم، حتى ترفعه في وجه الناس .. وتحكم به ماذا أفعل أنت حبيبي وعمادي، وقتلت أبي وعمادي أشير إليك، وأدعو : هذا قاتل مولاي أم أطوي كفي، أغرق سري في دمعة المكتوم احكم أم أصمت أوجع من هذا كله أ أحبك . أم أبغضك .
 بعد ذلك نجد المسرحية تعود إلى إطارها الواقعي، حيث يجئ «السمندل« بشخصيته الحقيقية، المراوغة، فلم يأت به الحب الذي يدعيه ـ دائماً ـ ليبرر جرائمه.
 بل جاء ليأخذ الاميرة، بعد أن ثار ضده الشعب الذي عانى من الظلم والقهر والتسلط الذي مارسه ضد أفراده، فالأميرة هي الوحيدة التي تملك «حق شرعية الحكم»، جاء «السمندل« ليردد نفس العبارات ـ السابقة، التي أغواها بها في الماضي، لكنها ـ بعد هذا الزمن الطويل، ترى أن الكلمات لا تحمل أي معنى للحب :
 الأميرة : هذا ما أعددت من الكلمات لتلقاني تنفخ في كلماتك كالفقاعات حتى تصير فارغة براقة
 السمندل : ماهذا صوتي، بل صوت الحب الاميرة :     أرجوك .. لا .. لا     لا تفسدها وتؤكد الاميرة ـ بعد ذلك ـ على أنه «كاذب» ومع ذلك تعترف بان العشق مازال يتملكها، رغم ما فعل من جرائم وتطلب منه أن يكون صادقاً ولو للحظة.
الأميرة :     هاهو ذا يأتي متشحاً بالكذب كما اعتاد قد عامت في شفتيه الألفاظ لامعة ومراوغة كالزيت وا أسفاه مازالت كما أنت أوه، أذهب عني .. لا .. لا أغفر لك كل خطاياك إلا أن تفسد لحظة صدق على الجانب الآخر نجد شخصية «القرندل»، والذي يجسد شخصية الثائر/ أو الوطن، الذي يحمل بداخله «أغنية» لم تكتمل بعد، وهو يبحث عن اكتمالها، هذه الأغنية هي «الحرية» .
 وشخصية «القرندل» تحمل في معناها سمات عامة للمواطنين فحين يسأله السمندل «ماذا تعمل، يرد عليه «القرندل» بعبارة دالة قائلاً : لا أعمل شيئاً أحياناً أتأمل في الشمس إلى ان تغرب أو في الليل إلى أن تشرق أرقص أحياناً في أفراح الخلان أحيانا أكتب
 السمندل: ماذا تكتب
 القرندل : مايحدث
 السمندل :  هل تسكن في هذا الكوخ بل عندي عمل سأؤوديه فالليلة أنا مدعو أن ألقي أغنيتي وتكتمل الأغنية بان يقتل «القرندل» السمندل، لكن هذا الاكتمال لأغنية الحرية التي ينشدها الشعب، لن يكتمل إلا إذا تحررت الأميرة نهائياً من هذا العشق الزائف والقاتل من ذكراه،لن يتحقق هذا لاكتمال إلا إذا سمت شخصيتها وتحققت فيها عناصر القوة، فهي الأميرة، التي يجب أن تكون «سيدة» في كل تصرفاتها.
فنرى القرندل : قبل أن يخرج من باب الكوخ يتجه إلى الأميرة
قائلاً لها   آه لا يحمل بي أن أنسى هذا تذييل لا تكمل أغنيتي دونه يا امرأة وأميرة كوني سيدة وأميرة لا تثني ركبتك النورانية في استخذاء في حقوق رجل من طين أيا ما كان وغدا أو شهماً.

1 – د. إبراهيم حمادة: معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية ـ دار المعارف ـ القاهرة 1985 ـ ص240
2 – د. إبراهيم حمادة : مقالات في النقد الأدبي ـ دار المعارف ـ القاهرة 1982 ـ ص117
3 – د. إبراهيم حمادة : المصطلحات الدرامية والمسرحية ـ دار المعارف 1985 ص233 .
4 – لويجي بيراندللو: ست شخصيات تبحث عن مؤلف ـ ترجمة محمد إسماعيل محمد، ثلاثية المسرح داخل المسرح ـ المجل الوطني للثقافة والفنون ـ الكويت 2012 ص 13 .


عيد عبد الحليم