وجهة نظر.. حتى لا نفقد تميزنا

وجهة نظر.. حتى لا نفقد تميزنا

العدد 679 صدر بتاريخ 31أغسطس2020

عندما يولد الكائن الحي (بشر أم حيوان) بناء على تكوين ما ظاهر وواضح في جسده.. يصنف هذا الكائن بأنه ذكر أو أنثى.. وهو أمر لم يتغير منذ بدء الخلق حتى أذهى عصور التكنولوجيا المعاصرة.
هكذا يصنف كثير من النشاطات الجماعية أو الفردية بصفات عامة ثابتة مميزة لها.. وبالتالي عندما ترى إنسانا يمثل أو يؤدي مباشرة في حضور مباشر لإنسان آخر.. يصنف ذلك أنه “مسرح”.. إذا غاب أي طرف منهم أو فقد الحضور المباشر بينهم أو كان الأداء والعرض كله منقول بواسطة كاميرا للمتلقين عن بعد.. فلذلك تصنيف آخر لا يوصف أبدا أنه مسرح مهما تطورت التكنولوجيا أو الفلسفة أو حدثت أزمات.
هذا هو الدرس الأول الذي يتعلمه أي مسرحي.. وكما يكون الكائن البشري (ذكر أم أنثى) مختلف شكلا سواء أشقر أو أسمر – رفيع أم سمين – طويل أو قصير وهكذا.. ويختلف مضمونا سواء طيب أو شرير – صادق أو كاذب وهكذا.. تختلف تقديم الأساليب الفنية في المسرح شكلا ومضمونا دون تغيير أساس جوهره.
أحيانا بعض المسرحيات في العالم تصور فيديو للتوثيق أو للعرض التلفزيوني.. هي مجرد محاولة فقط لأخذ فكرة عن بعض من شكل العرض ومضمونه.. فأي مسرحي واع تماما أنه برغم كل التقدم التكنولوجي في تقنيات التصوير فإنها لا تستطيع نقل الحالة الشعورية التي يستمتع باستقبالها الجمهور الحاضر في المسرح فعليا وحريته في أن يتنقل ببصره كيفما يشاء داخل فضاء العرض المسرحي وتشكيلاته دون حصرها في كادر معين مختار له من وجهة نظر الناقل التلفزيوني للعرض.
المسرح حضور وروح متبادلة في نفس اللحظة بين المؤدي والمتلقي, إنصات الجماهير وضحكهم وتصفيقهم وشهقتهم وانبهارهم وحتى صمتهم.. هي الروح التي يتبادلها الجمهور مع المؤدين وكل مبدعي العرض ومنهم حتى المصممين وخاصة مصممي الديكور، لما نجده أحيانا من تغيير ديكور ضخم من مكان لمكان آخر مختلف في ثوانٍ أو بديكورات تعبيرية يكمن تعبيريتها في أن تراها كاملة دون اختصار لجزء منها في كادر يفقد معناها التشكيلي والدرامي, والمسرحي الحق يهاب ويخشى هذا الحضور المباشر للجماهير.. فلا توقف أو إعادة للتجويد كما يحدث في الفيديو أو السينما.
حتى في وقت الأزمة الراهنة للحظر بسبب التخوف من الإصابة بكوفيد-19 أجلت كثير من المهرجانات الدولية المسرحية ولا توجد أي فرقة مسرحية كبرى أو أي فرقة احترافية في العالم أقدمت على أن تقدم عروض مسرحية لمجرد إذاعتها تلفزيونيا بدون جمهور.. لأن هذا موضوع متصل بأصل فهم المهنية المسرحية وأصولها ولا يستطيع أي مسرحي حقيقي خيانة عهد المسرح وسحره وقوته - ومصدر قوة وسحر مبدعيه - واستباحته فقط كمنتج دون حضور أحد أركانه (الجمهور) الذي بغيابه فقد المسرح هويته وفقد مبدعوه ما يميزهم، مع كامل التفهم للمحاولات الاستثنائية وقت الأزمات.
 صحيح قد نجد بعض الهواة في العالم مارسوا فقرات تمثيلية وأحيانا ربطوا هذا الأداء بسيناريو ما أو حوار مسرحي وبثوها على صفحات الإنترنت.. وهو أمر لا غبار عليه ومرحب به في حدود حجمه وحدود توصيفه.. وكان وسيطهم في ذلك الكاميرا (فيديو أرت).. ولا أعرف حقيقة كيف للبعض أن يسمي هذا مسرحا؟!
كيف لمشاهد أدائية - أيا كان الحوار المستخدم بها أو طريقة الأداء – منقولة للجماهير عن بعد من خلال وسيط الفيديو أن تسمى مسرح؟!.. وسأعود مرة ثانية للممثل الذي استخدمته سابقا للذكر والأنثى.. بأن داخل كل ذكر قدرا من الهرمونات الأنثوية، والعكس صحيح.. ولكن إذا زادت هذه الهرمونات عن نسبها الطبيعية، فإننا أمام حالة شاذة وليست حالة طبيعية أبدا, ولا يمكن اعتبار ذلك تطورا للجنس البشري, وهكذا المسرح يستفيد وأحيانا يستخدم تقنيات سينمائية داخل عروضه (والعكس صحيح)، ولكن بمهارة وداخل قالبه السائد المسيطر.. ولكن أن يصل الحال أن يوصف أداء بدون حضور جمهور منقول بكاميرا بأنه مسرح.. فهذا هو الشذوذ بعينه.
وبالتالي عن نفسي لا أستطيع تفهم وصف التجارب المصورة عن بعد التي تقدمت للمسابقة التي سميت “مسرح الحظر” بأنها مسرح.. ولكن أستطيع أن أشجعها وأتفهما في حدود أنها تجارب تصوير فيديو بشكل فني يعبر بها الشباب عن شوقهم إلى ممارسة فنون الأداء، مستغلين التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الإجتماعي للتواصل وعرض تجاربهم إلى أصدقائهم وأهلهم وبعض ممن يستطيع المتابعة في محاولة للتعبير الفني وقت الحظر.
ويمكن أيضا أن أتفهم أن يقيم المهرجان التجريبي مسابقة لهذه التجارب.. ويعين لها لجان اختيار تختار أفضلها شكلا ومضمونا، الأهم أن هذه العروض (المتقدمة للتسابق) أن تكون بالفعل حققت هدفها وأوصلوا إبداعهم الفني إلى الجماهير المحظورة في منازلها.. واستطاعوا كسر هذا القيد.. ولكن ما فوجئت به عندما أعلنت إدارة المهرجان العروض التسعة المختارة للتسابق في مسابقة مسرح الحظر.. أن (نموذج) العروض المصرية لم تعرض نهائيا قبل تقدمها للمهرجان على أي من الوسائل أو أي من صفحات الأنترنت، ولا يوجد أي أخبار صحفية أو نقدية عنها.. وحتى ليس لها أي أثر على صفحات مبدعيها.. وبالتالي فهذه العروض بعدم عرضها لم تحقق الشرط الأساسي الذي يفهم من عنوان مسابقة مسرح الحظر، ولكن يبدو أن مبدعيها فصلوها تفصيلا بشكل مخصوص على المعايير التقنية لشروط المهرجان وتناسوا الشرط الأساسي وهو كسر الحظر.. وهنا يمكنني أن ألتمس العذر لمبدعي تلك العروض، ولكن لا أستطيع أن أفهم كيف قبلت إدارة المهرجان هذه العروض دون سابق عرضها (بأي وسيلة) هذه الظاهرة لم تحدث نهائيا في أي من مهرجانات مصر الاحترافية في السابق.


حازم شبل