ما بعد دراسات الأداء المسرحي: الأداء الوسائطي وما بعد الإنسان (1-2)

ما بعد دراسات الأداء المسرحي: الأداء الوسائطي وما بعد الإنسان (1-2)

العدد 695 صدر بتاريخ 21ديسمبر2020

نبذة مختصرة :
لا يهدف مشروعي إلى ابتكار نموذج للأداء بين الوسائطي، بل بالأحرى وضع الخطاب حوله في سياق أوسع . ونظرا للتنوع الغني للعروض التي يتم توسيطها، فان فكرة وجود فعل محدد وقابل للتعريف للأداء يتطلب تدقيقا منهجيا لأن فرع التخصص في دراسات الأداء لم يجد منهجا متماسكا لنوع الأداء الذي لا يقوم علي وجود الجسم . وأقترح أن الرؤية التي تربط الأداء بالواسطة الإنسانية الفردية، وبالمؤدي وجسم المؤدي هي مسئولية في دراسات الأداء الوسائطي، ولكنها أيضا، وربما بشكل متناقض، تحليل الأداء الوسائطي يسمح لنا، بمجرد استبعاد التحيز البشري، بإعادة تقييم بعض التصنيفات الإنسانية التي تبدو قديمة من خلال تبني مفهوم ما بعد الإنسانية Posthumanism . وبمناقشة عدد من أمثلة الأداء الوسائطي، ومن ضمنها الفيديو، والصور الرقمية الرمزية، والصور الناتجة عن الكمبيوتر CGI، تفترض الدراسة أن تحليل الأداء يجب أن يعزز النزعة بعد الإنسانية ونماذج الوعي كوسيلة للوصول الي توافق مع نظرية الآلة Machine Theory لنماذج الأداء الرقمي الافتراضي .
انتعاش نظرية الآلة :
 لعل أصعب التحديات التي تفرضها أنظمة الأداء علي الأكاديمية ليست تحديات جمالية أو أيديولوجية، بل إنها تحديات منهجية . والآن تسير التطورات في الأداء المضطرب، وبيئات الواقع الافتراضي الغامرة، والحضور التليفزيوني، وعلم الجمال العصبي ..الخ، بسرعة مذهلة في ممارسات عدد كبير من المؤدين ومبدعي المحتوى لدرجة أنهم يبذلون كل جهدهم لرسم خريطة لوصفها وتنظيمها وتفسيرها . وبشكل مشابه في بعض النواحي للحيوية غير المقيدة للطليعة بعد الكلاسيكية من الخمسينيات إلى السبعينيات من القرن الماضي، فلم يُعرف عن الطليعة الوسائطية وما بعد الوسائطية أنها تنتظر بصبر التحليل الأكاديمي، الذي لا يزال مقيدا الى حد كبير، وطقوس النصية والنشر غير الفعالة الى حد كبير .
 ومن خلال الإشارة إلى التشابهات العديدة والشاملة بين المسرح الحداثي وممارسة الأداء الرقمي، يوضح ستيفن ديكسون في كتابه « الأداء الرقمي Digital Performance” أن الكثير مما هو ممكن تقنيا الآن قد تم وضعه نظريا في بدايات القرن العشرين علي الرغم من أن الممارسة كانت متأخرة غالبا . ورغم ذلك، ففي مجال الأداء الوسائطي والرقمي اليوم، لم تكن النظرية سابقة علي الممارسة أو لاحقة لها، بل ظهرت بالأحرى من التسارع المستمر، فقد شوهدت حركة التغذية الاسترجاعية المستمرة للنظرية والممارسة، والانقسام، وإعادة دمج الاستراتيجيات التمثيلية . وليس من المستغرب، أن الفنانين الذين تمكنوا بسهولة أكبر من الانتقال الى هذه النظرية/الممارسة هم راقصون، لديهم القليل من الارتباط بميتافيزيقا النص (أو النقد النصي) أو شاعريته، لأنهم اعتادوا علي التفكير في الأجسام ماديا وحيويا وحركيا وتدوينه، وليس باعتباره مجالا ماديا لوجود نفسي منفصل . لقد أصبح الأداء الرقمي والأداء ألوسائطي في تجلياته وكمجال نوعا من آلة النظرية Theory machine . وبالتالي، فان الكتابة عن الأداء الوسائطي ( وسوف أتبنى هذا المصطلح باعتباره مصطلحا إجماليا)، وان لم يكن مصطلحا وصفيا، فانه بالضرورة ينخرط في الخطاب النظري الشارح meta-theoritical discourse، الذي يقر بأن التمزق في الممارسات التمثيلية تستدعي كوكبة من الاستراتيجيات النقدية . وحجتي هي أن نظرية الأداء، بسبب قوتها النموذجية تظل النظرية الشارحة السائدة .
 لقد دفعت الطليعة المسرحية، التي ظهرت في أواخر القرن العشرين الي ظهور المسرح الحي أو جماعة الأداء أو ووستر جروب، إلى الإطاحة بأساليب التحليل المسرحي القديمة، وفتحت الباب لما أصبح يسمى بشكل مؤسسي في الأكاديمية بعد ذلك « دراسات الأداء « . وليس من الضروري أن نعرض هذا التاريخ هنا ؛ فأنا أحتاج فقط إلى الإشارة إلى دراسة مارفن كارلسون التأسيسية في المجال . وكانت الفضيلة الكبرى لدراسات الأداء هي مرونتها النظرية أو ما سماه ريتشارد شيشنر «دراستها البينية « . وبوضعها المتوازن في المساحة الحدية بين التصنيفات، يمكنها أن تستوعب التحولات الجذرية في طبيعة ممارسة الأداء وتعيد تشكيلها . وأصبحت الآلة النظرية للأداء . ولكن ابتليت نظرية الأداء بمشكلتين علي الأقل : أولا، كلما اتسع نطاقها المرجعي، أصبحا قدرتها محدودة، وعلي نحو متناقض، قدرتها على الاستجابة بمهارة لتجليات الأداء الجديدة، ولاسيما إذا كانت وسائطية بمعنى ما . فهناك مشكلة في لفتة الشمولية المحتملة في أي نموذج توضيحي ؛ وفي هذه الحالة يظهر السؤال، إذا كان أي شيء هو الأداء، أو علي الأقل هو كذلك من خلال الميل الأدائي، فأين هو النموذج المحدد للأداء في أي حدث بعينه ؟ .
 ومشكلة نظرية الأداء الثانية، علي الرغم من تأثرها بشكل كبير بالنقد بعد البنيوي للحضور والتجسيد، أنها حافظت علي ارتباط معرفي ومؤسسي للأنثروبولوجيا وتحليل الأداء الثقافي، ووجهة نظر يمكن أن نسميها بشكل متحفظ «وجهة نظر إنسانية” . ويصف كارلسون الأداء بإيجاز بأنه:
 الأداء حدث معين يتم تقديمه بطبيعته الحدية الاختيارية ..... يقدمه المؤدون ويحضـره الجمهــور، وكلاهمـا يعتبر أن التجربة تتكون من مادة يجب تفسيرها وتأملها والمشاركة فيها، عاطفيا وذهنيا، وربما جسديا .
لا أريد أن أعترض كثيرا علي تعريف كارلسون، الذي لا يزال يميز بوضوح نوعا معينا من التفاعل الأدائي، كما أنه يوسعه، لأنه يبدو لي ليس لديه سوى القليل بشأن الطبيعة المحددة للأداء في أغلب الأحداث الوسائطية، من تكامل تقنية الفيديو، مرورا بالامتداد الفعال للجسم المؤدي عبر الانترنت  أو الصور الرقمية الرمزية، وصولا إلى العروض المركبة للإنسان الافتراضي والصور التي تنشأ بواسطة الكمبيوتر . وعلي الرغم من المحاولات التي بُذلت لتنظير الصيغة المتطورة للهوية الأدائية، إلا أنني لست مقتنعا بأن الأداء الوسائطي أو بين الوسائطي يمكن تطويقه بسهولة في مصطلحات مستقرة، وهذا الانزلاق في مواجهة الممارسات الوسائطية المتعددة، أو إعادة تنظيرها الذاتي الدائم هو بمعنى ما الفضيلة الأساسية للأداء المعاصر . وفي الخطاب بين الوسائطي، بينما نفهم بشكل متزايد كيف تعيد الوسائط تعريف بعضها البعض، فإننا لا نفهم جيدا كيف تعيد تعريف المؤدي والأداء نفسه .
 وهنا لا يهدف مشروعي إلى ابتكار نموذج لتحليل الأداء بين الوسائطي، ولكن لوضع الخطاب حوله في سياق أكبر إلى حد ما . وأريد أن أقترح أن الرؤية التي تربط الأداء بالواسطة الإنسانية الفردية وبالأداء، وبالمؤدي وجسم المؤدي، هي مسئولية في دراسة الأداء الوسائطي، ولكن أيضا، وربما بشكل ظاهري، يسمح لنا تحليل الأداء الوسائطي، بمجرد استبعاد التحيز البشري، أن نعيد تقييم بعض التصنيفات البشرية التي عفا عليه الزمن ن خلال تبني فكرة “ ما بعد الإنسانية Posthumanism” . وأريد أن أنسق هنا بين مجموعة واسعة من العروض الوسائطية قبل أن أعود الى هذه الفكرة .
 لقد أدى وضع طبقات من الأشكال الوسائطية المعاصرة في كثير من أشكال الأداء المعاصر إلى ظهور مشكلة في النظرية، وهي بالمنى الحرفي، التعامل مع تجلياتها . فالخطاب النظري مهدد بالتضخم الذاتي في المصطلحات المتعلقة بالوسائطي . ونستشهد بما تقوله جابريللا جياناتشي كمثال:
 يجب أن نتذكر أن الوسيط نفسه يعاد توسيطه دائما . وبالنسبة لتحليل المسرح والأداء الافتراضيين، فهذا يعني أن المســرح ليس فقط عرضة لعملية التوسيط، بل عرضـة لعمليـة اعــادة التوسيط أيضا . وهذا يعني استخدام درجة معينة من التناص، ولكن أيضا درجة من بين الوسائطية والوسائطيـة الشارحة .
 بمعنى أن وســيط المســرح الافتراضي هو دائمــا مضـمونه
 وهذا المضمون هو دائمــا شامــل لوسيط آخــر . إنها دائمــا الاستطرادية الشارحة فيما يتعلق بالوسيط الآخر الذي يسمح للعمل أن يكون وسائطي شارح – للوسيط .
في الوقت الذي تكون فيه ملاحظات جياناتشي كلها صحيحة، إلا أنها تخلت عن أي قوة تفسيرية محددة . فمن وجهة النظر الاستفهامية، إن أي أداء حتى أكثرها تقليدية هو أداء وسائطي شارح metamedial . ولا أحتاج أن أهاجم الفكرة . فالمسرح، بالطبع، باعتباره « مكان للإيهام الآني A space of illusory immediacy” كان دائما عرضة للتوسيط وجزء مما أشارت إليه أنجا كلوك بأنه « الوسيط المفاهيمي المسبق لكل الممارسات التمثيلية« . وتقول “في النموذج الوسائطي القبلي لم يعد الجسم يتميز بأنه مكان الطبيعة . ولا يمكن افتراض وجود فورية – لواقع غير وسائطي – خارج المسرح . وقد فكرت السلالة الإنسانية لنظرية الأداء والتي كانت مدينة منهجيا إلى موريس ميرلو بونتي، في إنقاذ نوع من الجسد النقي الذي كانت ميزته البارزة، ظاهريا، تحرره من الممارسات الدلالية، اذ أنه، ظاهراتيا، « في العالم « . واكتسب نوعا من المكانة التصنيفية التي تميزت في مقال محدد باسم « الجسم « . هذا الجسم المحتفى به بشكل قاطع، في وجوده الكامل، قد تم تعديله الي دلالة الأداء المستمر متعدد الأشكال، ولاسيما إذا كان ينطوي علي طريقة ما لتغذية الجسم الحي استرجاعيا من خلال التمثيل الرقمي . ويبدو لي أنه من المنطقي أن أقترح أن التعارض الثنائي بين حضور الأداء ودلالته، مادام الأداء هو المعني، ينهار داخل حلقة إدراكية، حيث يتم تمييز الدلالة دائما بإحساس صريح بالحضور، كما أن الحضور لا يقتصر أبدا علي ذاته أو من أجل ذاته، بل هو دائما دلالة حضور أيضا . واليوم، وحتى بدون العنصر الرقمي، يشير الجسم الظاهري في فعل الأداء إلى ظاهراتيته الخاصة، وبالتالي يصبح وسائطيا، ولكنه لا يكون كذلك في ذاته إلى حد كبير، إلا أنه يتلاقى مع وعي الجمهور الذي أصبح إطاره الإدراكي الآن بشكل غير قابل للاختزال في إطار الوساطة . وأعتقد أن سياق الأداء المعاصر يمكن تعريفه، في الواقع، من خلال هذا الانهيار في التوسيط . وهذا بالمناسبة، ليس نفس الجدال، كما قال فيليب أوسلاندر في كتابه « الحيوية : الأداء في ثقافة وسائطية Liveness : Performance in a Mediatized Culture”، انه لا يوجد فرق أنطولوجي ذا مغزى بين الأداء الحي والأداء الوسائطي . فالوسائطية تغير المفهوم فقط، وليس المكانة الأنطولوجية للجسم . ومع ذلك تبدو الرغبة في إنقاذ الحضور من نقاده شبه متعمدة، من خلال اقتراح العودة إلى صيغة أقل عبئا من المفهوم كما فعل جون اريكسون . فالحضور في الأداء، من وجهة نظر اريكسون، يتكون من « توجيه المشاهد وتركيز انتباهه بأكبر قدر ممكن من القوة، والبقاء حاضرا قدر الإمكان في تركيزه ووجوده “ . ويمكننا أن نشير، من بين الاعتراضات النظرية الأخرى، إلى طبيعة الحشو في هذا التعريف . ولكن أكبر مشكلة في هذه الأفعال أنه لا يبدو أن جسم المؤدي ولا جسم المتفرج، وهما المقومان الضروريان لمثل هذا الحضور، موجودان تماما كما كانا من قبل . وكما أوضح درو ليدر في كتابه « الجسم الغائب The Absent Body”، في الحياة اليومية يميل الجسم “ باعتباره موضوعا للتجربة “ إلى الاختفاء، والجسم الحي «يشكل دائما نقطة فارغة في العالم الذي نعيش فيه «، ويخضع للأشياء التي يدركها، وبالتالي يتلاشى من نظرته الخاصة . وقد استخدمت مايك بليكر مصطلح « التجسيد الصعب dys-emodiment لكي تعكس ما تراه « حالة من عدم الواقعية نشأت في التجارب التي تشير إلى مشاركة أجسامنا في تكوين العالم كما نراه « . وتقول « لا يتولد هذا الإحساس بعدم الواقعية بواسطة الوعي المفاجئ لأجسامنا، بل بالأحرى من الوعي باختفائها أو عدم الإحساس بمشاركتها . وإذا دخلنا إلى ما يسميه روي أسكوت « العصر بعد البيولوجي postbiological era” عندئذ لم تعد الأجسام تمثل فقط النقطة الطبيعية الثابتة للواقع، بل علي العكس من ذلك تمثل المكان (أو المشهد) الذي يتراجع فيه الواقع : موقع التحول الاليكتروني الذي يمكننا أن نعيد فيه تكوين أنفسنا ونعيد تعريف معنى أن نكون بشرا « .
المضاعفة الرقمية والشك الرقمي :
 إذا كان الحضور والجسم فعلا في نوع من المأزق النظري، فما الذي يحدث لمكان للأداء عندما يتم تقديم الفيديو ويتضاعف المؤدي بطبقة أخرى من التوسيط ؟ أقترح أنه ليس من السهل استيعاب هذه النقلة بواسطة نظرية الأداء . بينما في الأداء الثقافي ( وهو المعنى الذي يقصده كارلسون) يمكن تحديد موقع الأداء في معالجة خطية بسيطة بين المؤدي والمشاهد، وإعادة تعيين موضع الفيديو في الهامش البيني، حيث يجاور إحدى الصيغ الوسائطية ويخلق توترا مع وسيط آخر . ولذلك، كما يقول جافن كارفر وكولن بيردون في كتابهما « رؤى جديدة في الأداء New Visions in Performance) :
 ورغم ذلك، في الأداء الوسائطي، يتم تخريب العلاقات التي تبـدو  واضحة علي ما يبدو بين المؤدي والجمهور، إذ تبدو التسلســلات الهرمية المسرحية غير متوازنة في تلك المساحة، ويهيمن الصوت والصورة مثل المؤدي، الذي لا يكون موجودا في بعض الحالات .
بالنسبة للمجال ما قبل الاليكتروني، جادل مايك فاجنر بأن جسم الدمية يؤدي بشكل أساسي نفس وظيفة التمزق من خلال تحوله إلى مثير للمشاكل لمفاهيم متماسكة ظاهريا للأجسام الحية المؤدية مقابل الجسم الوسائطي وعن طريق تحريك هوامش ما يمكن اداركه . هذا صحيح ويفسر ما يفهم البعض أنه غرابة الدمية . ولكن بالمقارنة مع جسم الدمية، أعتقد أن الجسم في الفيديو، بنعومته المرآوية يتطلب نوعية مختلفة من الاهتمام . فمثلا ميز جوناثان كراري مجازا ثقافيا مهما للحداثة في عمله حول ثقافة الصورة في القرن التاسع عشر واعدة تشكيل المتفرج لتحويله إلى مراقب منفصل . وقد لاحظ كثير من الفنانين الذين استخدموا الفيديو، مثل نام جون بيك، وفيتو أكونسي، مبكرا جاذبيته للانتباه، وخاصية تغيير الأداء . وينسب نيك كاي الفضل إلى هؤلاء الفنانين في إنشاء وتوضيح قواعد العروض متعددة الوسائط « التي تؤكد علي عمليات المضاعفة « التي لا تزال غالبا أساس عمل الجماعات المسرحية المعاصرة مثل Builders Association، الذين فجروا في عروضهم الأخيرة، مثل « علاء الدين « 2003 المكان المتزامن للمؤدين في في أماكن مختلفة في مختلف أماكن الوسائط الحية . وتعليقا علي عمل أكونسي قبل ثلاثين سنة « اللحن الرئيس Theme Song “، يربط كاي محاولة الفنان أن يؤدي ضد التوسيط وأن يصبح حاضرا في الزمن والمكان الخاص بلقاء المشاهد . في حين أن مثل هذا البناء بالوجود المفرط يبدو لطيفا وممتعا، وقد شعر بعض النقاد أنه من الضروري تضمين مضاعفة المؤدي عن طريق الفيديو التناظري أو الرقمي كنوع من الآخر المهدد في الاقتصاد النفسي.
 ويلخص ستيف ديكسون هذا التناول عندما يقول إن « المضاعفة الرقمية هي الشكل الغامض» الذي يمثل الشبيه المظلم الهوية، والوعي المنقسم، والذات الفصامية، ويستحضر المعتقدات القديمة لسحر الصورة التي تلقي ظلالا شريرة علي المضاعفة الرقمية وافتتاننا بالانعكاسات الوسائطية . فهو يردد ( تضاعيف) وجهة نظر ماثيو كوزي الشديدة الوضوح بأن عرض المؤدي علي الشاشة هو علامة علي الغرابة التقنية، التي تحدث مثل هذا التمزق التليفزيوني، هو نوع من طقس تمزيق البقرة في عبادة ديونيسيوس، أو معالجة منفصلة، وقد قال كوزي : ان التحول الوجودي من العضوي إلى التكنولوجي، والرقمي هو أمر مأساوي .
 يبدو لي أن هذا التسلسل الأرسطي النيتشوي (المنسوب إلى نيتشه)، والإشارات الفرويدية يشير إلى الارتباط بخطاب قديم في نظرية الأداء . بينما يمكن الاعتراف بأن إدخال الفيديو والوسائط الأخرى يهز استقرار موقف الأداء، إلا أن هناك عنصرا رجعيا ومثيرا للقلق في بعض الانتقادات الأخيرة، حتى في الوضع الذي يسعي فيه ظاهريا إلى فتح خطاب جديد . ولذلك يقدم هانز سيز ليمان في كتابه «المسرح بعد الدرامي» 2006، وهو كتاب محوري في المناقشات النظرية الحالية، نقدا لسحر الصورة الاليكترونية التي، علي حد تعبيره، تغري من خلال الفراغ « . ويتراجع في النص الى أبعد من ذلك بقليل الى أرضية استطرادية مألوفة : « المسرح أولا وقبل كل شيء أنثروبولوجي، أسم السلوك، وثانيا هو موقف، وعندئذ فقط أخيرا المسرح هو التمثيل . فصور الوسائط – أولا وأخيرا – ليست سوى تمثيلات . هذا التناقض الزائف للمسرح الأنثروبولوجي من ناحية، والوسائط الاليكرونية الملوثة بتحولها الى سلعة لصور تجارية فارغة وإعلانات من ناحية أخرى، ليست سوى ثنائية، تميز الواقعي المفترض لخشبة المسرح علي الوسيط الاليكتروني غير الواقعي أو المزيف، الذي يستند علي مجموعة من الأحكام القيمية الدخيلة . ولاحقا في تحول ميتافيزيقي غير مبرر، يجادل ليمان بأن الصور الأليكترونية هي تمثيل فضلا عن أنها قابلية للتمثيل، ويؤكد أن المصير هو الكلمة المرادفة للتمثيل، وبالتالي فان الصور هي تأكيد دائم علي اللاقدرية . وهنا نواجه نقدا ثقافيا لانتشار الصور الاليكترونية الذي يفترض، بدرجة ما، أن التوسيط يختزل دائما الواسطة الإنسانية أو تتنازل عنها في الأداء . وعلي الرغم من صحة أن مضاعفة الفيديو للمؤدي يمكن أن يرتبط بشكل فكري بالاغتراب والغريب، فلا يكفي إخضاع التكنولوجيا نفسها إلى لائحة اتهام قاطعة.
 وإذا كان مجرد المضاعفة بالفيديو أمرا غريبا ومأساويا ( وفي هذه الحالة، من المفارقات أنه أقل قدرية )، فماذا يحدث إذا قلت الواسطة الإنسانية بشكل أكبر، وقد تحكم النظام الحاسوبي أو السبرانطيقي في الأداء ؟ . وفي أعماله الحديثة، قام فنان الأداء الاسترالي ستيلارك، في أعماله « جسد متكسر Fractal Flesh” و «هيكل عظمي خارجي Exoskeleton” بتسليم جسمه لحيل التحكم فيه عن بعد عبر الانترنت، وفي بعض الحالات يصبح هو نفسه رمزا لنظام فوضوي مشتت في كثير من الأحيان، و منظم ذاتيا في بعض الأحيان . ويختلف النموذج الناتج عن هذه العروض، كما يقول يوها برينجر، عن أداء الدور الذي درسه علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية، لأن الأداء هنا يُفهم علي أنه يحدث في علاقة مع تصميم النظام الذي يرافق غالبا المؤدي والسطح المشترك داخل عرض جسدي يمكن عبوره، أو في بيئة غامرة . ويخلق مثل هذا التحول إعادة توجيه رائعة لافتراضاتنا المجسمة حول الأداء والوساطة . فمن الواضح أن إعادة توجيه من هذا القبيل تمتد إلى حد كبير مع تقديم الصورة الرمزية المتغيرة، إلى محاكاة الإنسان المصممة للاستجابة لمحفزات العالم الحقيقي، ولاسيما التي تستدعي فكرة الفاعلية والإرادة، وبالتالي فان طبيعة الأداء نفسه موضع تساؤل .
................................................................................
• رالف ريمزهارت يعمل أستاذا للمسرح في كليلة الفنون بجامعة فلوريدا ومن أبرز كتبه  “ الغريب في الأداء  The Grotesque in Performance “

 


ترجمة أحمد عبد الفتاح