جولة في شارع المسرح الأمريكى المسرح الآسيوي يزدهر أيضا بسبب «الغيرة الفنية»

جولة في شارع المسرح الأمريكى المسرح الآسيوي يزدهر أيضا بسبب «الغيرة الفنية»

العدد 555 صدر بتاريخ 16أبريل2018

نوع من الغيرة الفنية بدأت تنتشر في شارع المسرح الأمريكي. بعد ازدهار مسرح السود في الولايات المتحدة.. سواء ما يعالج مشكلات وحياة السود في الولايات المتحدة أو ما تدور أحداثه في البلاد التي جاء منها أجدادهم في القارة السمراء.. بدأ المسرح الآسيوي أيضا يزدهر في الولايات المتحدة.

بدأت المسارح الأمريكية تشهد مجموعة من العروض الآسيوية التي تعبر عن حياة المهاجرين من آسيا في الولايات المتحدة أو عن بلادهم الأصلية التي جاءوا منها. بتنا نشهد مسرحيات فيتنامية وكورية ويابانية وفلبينية وهندية وصينية وغيرها. وعادة ما يقدم معظمها باللغة الإنجليزية لتجذب جميع المقيمين في الولايات المتحدة، وإن كان ذلك لا يمنع من تقديمها في أحيان قليلة باللغات الأصلية لمن لا يزال يفهمها من الأجيال الجديدة. ويحدث ذلك بشكل خاص مع المسرحيات الفيتنامية.
وأحدث العروض الآسيوية التي يشهدها حاليا شارع المسرح الأمريكي هي مسرحية «فرقة الروك الكمبودية». المسرحية من تأليف الكاتبة المسرحية الأمريكية «لورين يي» على مسرح ساوث كوست في لوس أنجليس. وهي كاتبة مسرحية شابة من مواليد الولايات المتحدة وترجع أصولها إلى الصين. وتعد هذه المسرحية أول مسرحية موسيقية لها. وهي أيضا كاتبة سيناريو لأفلام سنيمائية وتلفزيونية. تم تقديم العرض باللغة الإنجليزية مع استخدام بعض مفردات اللغة الكمبودية التي ذكرت وتم شرح معانيها بالإنجليزية في كتيب كان يوزع مع كل تذكرة.
موهبة مبكرة
و»لورين يي» خريجة جامعة ييل الأمريكية الشهيرة التي درست فيها الأدب الأمريكي والمسرح. وكتبت أولى مسرحياتها وهي في سن الخامسة عشرة. كانت وقتها تشارك في مسابقة أعلنت عنها فرقة المسرح الأمريكي الآسيوي لاختيار مسرحية لتقدمها تعالج حياة المهاجرين القادمين من آسيا في الولايات المتحدة. ولم تفز المسرحية وقتها بالجائزة الأولى ولم تعرض على المسرح بل عرضت بعد ذلك بسنوات بعد إدخال تعديلات عليها.
تدور أحداث المسرحية حول معاناة الشعب الكمبودي خلال سنوات الحكم الشيوعي في سبعينات وثمانينات القرن الماضي. وهي تروي المعاناة من خلال فرقة موسيقية كمبودية كانت تقدم حفلات لموسيقى الروك في العاصمة الكمبودية «بنوم بنة» عندما استولى الشيوعيون على الحكم في تلك الدولة الآسيوية. وسعى قائد الفرقة إلى مغادرة كمبوديا بعد أن واجهته مشكلات كثيرة من جانب النظام الشيوعي الجديد. وأخيرا يتمكن من الهروب من كمبوديا ويصل إلى الولايات المتحدة. وهناك ينجب طفلة تتشبع بحب كمبوديا وتقرر العودة إليها لتقدم فنها للشعب الكمبودي وتشارك في حملات تطالب بمعاقبة قادة الخمير الحمر. ويقوم ببطولة المسرحية ممثل أمريكي من أصل كمبودي هو «جوي نجو» في دور قائد الفرقة الموسيقية. وتقول «يي» إن اختيار جوي نجو – الذي شارك في كتابة المسرحية معها - كان موفقا إلى حد كبير رغم أنه لم يزر مسقط رأس آبائه في كمبوديا بعد. لكنه تشبع بحكايات أمه عن معاناتها في كمبوديا في ظل نظام الخمير الحمر قبل أن تنجح في الهروب إلى الولايات المتحدة. وجعله ذلك يشعر بعمق مأساة شعبه في السنوات القليلة لحكم الخمير ويعبر عن موقفه بصدق في أدائه المسرحي.
وتقول الناقدة المسرحية للوس أنجليس تايمز إنها مسرحية قوية تخاطب القلب والعقل معا عن مأساة عاشها الشعب الكمبودي حيث قتل نحو مليوني كمبودي في سنوات حكم الخمير الحمر القصيرة سواء بالقتل المباشر أو هلكوا من الجوع. وأعجبها بشكل خاص بعض اللمحات الكوميدية التي تضمنتها المسرحية رغم طابعها المأساوي ربما للتخفيف من حدة هذا الطابع. وهذا الاتجاه بات ينتشر بوضوح في المسرح الأمريكي ولا بأس به.
وهي عادة تعالج الموضوعات الأسرية في مسرحياتها في إطار كوميدي أحيانا كما حدث العام الماضي في مسرحيتها «ملك الييز» التي ناقشت فيها بشكل كوميدي تخلي المهاجرين القادمين من آسيا عن تقاليد بلادهم التي جاءوا منها. وعالجت نفس الموضوع بشكل مختلف في مسرحية «القفزة الكبرى».
كمبوديا.. لماذا
وتقول إنها اختارت كمبوديا التي لم تكن تعرف شيئا عنها حتى أشار عليها عدد من الكمبوديين المهاجرين إلى الولايات المتحدة بكتابة مسرحية تصور مأساة شعبهم وقدموا إليها معلومات وافية عن بلادهم.
وتقول «يي» إنها اختارت أن تدور أحداث المسرحية في إطار عائلي لأنها أصلا تهتم بالأسرة في كتاباتها. واختارت أيضا أن تعالج المشكلة في إطار موسيقي لأن الموسيقى فن راق تحاربه النظم التسلطية عادة مع كل الفنون لأنه يمكن أن يفعل الكثير.
وتؤكد «يي» أنها مستعدة لمعالجة موضوعات آسيوية أخرى في أعمالها المسرحية لأن حياة هذه الشعوب تستحق ذلك. وفي المرات القادمة سوف تسافر إلى البلاد التي تكتب عنها حتى تكون مسرحياتها أكثر واقعية.
بين المسرح والسنيما
على مسرح ديزني في لوس أنجليس بدأ عرض المسرحية الغنائية «أغنية الأرض» التي تقدمها باللغة الإسبانية فرقة تياترو سنيما الشيلية. والفرقة كما يبدو من اسمها فرقة تأسست في ثمانينات القرن الماضي، وهي تجمع بين فن المسرح والسنيما، وتقول عن نفسها إنها تجمع بين أحدث تقنيات الفن المسرحي والسنيمائي مثل البعد الثنائي والبعد الثلاثي لتقدم لمشاهديها تجارب مسرحية تعيش معه طيلة أعمارهم. وهذه التجارب المسرحية تتناول موضوعات تهم الإنسانية بوجه عام. ولعل هذا ما حافظ على وجودها وجنبها أي إجراءات من جانب نظام بينوشيه مع بداية ظهورها في ثمانينات القرن الماضي.
ويجسد الشخصيات في المسرحية عدد من الممثلين – والمغنين في الوقت نفسه الأمريكيين العاديين المتمكنين في اللغة الإسبانية وأصحاب الأصول الإسبانية مثل راسيل توماس وتمارا مامفورد. هذا فضلا عن عدد من أبناء شيلي.
وليس الجديد في هذا العرض اأن يقدم باللغة الإسبانية. فهناك عروض كثيرة تقدم بالإسبانية وهناك صحف ومحطات إذاعية وقنوات تلفزيونية تبث إرسالها بالإسبانية. وهناك مهرجانات كثيرة بالإسبانية. فلا يمكن تجاهل أن 53 مليون أمريكي قادرون على التحدث بها وفهمها فضلا عن أن عدة ملايين منهم لا يتحدثون سواها ولا يجيدون الإنجليزية.
مؤثرات وخدع
لكن الجديد هنا هو المؤثرات والخدع البصرية التي تم استخدامها في هذا العرض. فلبعض الوقت يمكن أن يظهر أبطال العرض وكأنهم يتحدثون داخل زجاجة، ويمكن أن يرى المشاهدون أمطارا حمراء تسقط على المسرح أو الممثلين وهم يجلسون في أعلى سفينة، إلى آخر مجموعة من الخدع التي استمتع بها مشاهدو المسرحية التي صممها فريق من خبراء الجرافيك بالفرقة. ويتم عرض معظم هذه الخدع البصرية بالاعتماد على شاشتين يقف بينهما أبطال العرض ولا يراهما المشاهدون في مقاعدهم لتظهر الخدع ثلاثية الأبعاد.
وفي الوقت نفسه تمكنت الفرقة من تحقيق المعادلة الصعبة، فقد حققت التوازن كما يقول المدير الفني للفرقة كارلوس زاجال بين هذا الإبهار البصري والنص المسرحي والموسيقي الذي تميز بالبساطة والتعبير؛ بحيث لم يسمح لأي من العناصر الثلاثة بالطغيان على العنصرين الآخرين. ويؤكد على نفس المعنى ألبرتو أربيلو المخرج الفنزويلي للعرض.
والطريف في هذه الشركة أنها تقدم نفس العروض بالمؤثرات البصرية وتخصص يوما في الأسبوع لتقديمها بدون تلك المؤثرات، وتطبق الفرقة هذا النظام في عروضها في شيلي وسوف تطبقه خلال زيارتها للولايات المتحدة.
وسبق للفرقة أن قدمت في الولايات المتحدة عرضا آخر قبل عامين بعنوان «تاريخ الحب» لم يحقق نجاحا كبيرا رغم المؤثرات البصرية التي استخدمها، وكان عرضا يعالج أهمية الحب كقيمة في حياة الإنسان من خلال رؤية بوليسية ساهمت المؤثرات البصرية في تعميقها والتعبير عنها، لكن يبدو أن العرض لم يحصل على حقه في الدعاية الكافية فلم يحقق النجاح المأمول. وهذا ما تم تلافيه هذه المرة.
ونعود إلى المسرحية فنجدها مأخوذة عن مسرحية أخرى للشاعر النمسوي جوستاف ميلر وتعتمد على مجموعة من الأشعار الصينية التي تتناول الحياة والموت والتي قراها ميلر مترجمة إلى الألمانية.


ترجمة هشام عبد الرءوف