العدد 803 صدر بتاريخ 16يناير2023
ما زلنا مستمرين في ذكر مواضيع مسرحيات فوزي منيب التي قدمها في كازينو ليلاس بروض الفرج عام 1929، والتي جاءت في تقارير الرقباء! ومنها موضوع مسرحية «وراه ليتجوز»، الذي قال عنه الرقيب: تتلخص المسرحية في أن محسن بك ظل متصلاً بجميلة هانم مدة أربع سنوات، ثم أراد الزواج ولكنه خشى أن تفسد جميلة هانم عليه الأمر، فأرسل إليها أن ينتظرها في مدخل الأوبرا. ولما خرجت من بيتها دخل هو وصديق له يبحثان في أوراقها علهما يجدان ما يستندان إليه لقطع العلاقات، ولكن عبثاً كانت المحاولة. وفي هذه الأثناء ترجع جميلة فيختبئ الصديق عثمان أفندي في غرفة. ويحصل عتاب بين جميلة ومحسن ويتهمها محسن بعدم الإخلاص ويؤكد لها وجود رجل أجنبي مختبئ عندها، ثم يخرج عثمان ويظن محسن أنه تخلص منها بهذه الحيلة، ولكن بطاقة عثمان تقع فتلتقطها جميلة وتفهم الحيلة وتؤنب محسن عليها فيخبرها عزمه على الزواج، وتعرف منه اسم صهره ومسكنه ثم تغلق الغرفة عليهما وترمي بالمفتاح إلى النافذة، فيتصنع محسن المرض وتسعى هي لتحضر له بعض الإسعافات وفي هذه اللحظة يدخل عثمان فيرقده محسن مكانه ويهرب لعقد الخطوبة. وتأتي جميلة فتكتشف الأمر فتطرد عثمان ويذهب محسن وعثمان إلى بيت الصهر رضوان بك ويعتذر عثمان عن تأخير صديقه بمرض أصابه، وهو ورم في الأسنان بينما محسن أخبره أن يقول إن عنده روماتيزم ثم يحضر محسن فيضع ليمونة في فمه ثم يبدأ بعقد الخطوبة، ولكن جميلة تحضر مدعية أنها أخت العريس ثم تدعي الجنون وبذلك تفرق الزواج فيأخذها محسن بك ويدخلها في مستشفى المجاذيب في إسكندرية، ثم يرجع إلى صهره في طنطا ليتمم الزواج ولكن جميلة تهرب أيضاً وتسوقها الصدفة إلى طنطا وتتهم محسن بالقتل وتحول بينه وبين زواجه مرة أخرى. وأخيراً يتزوجها جميل ويتزوج عثمان من نعمات خطيبته محسن.
وفي أغسطس 1929 كتب الرقيب تقريراً حول مسرحية «موسى الخضري» أو «أما لبخة» - التي سيمثلها فوزي منيب في كازينو ليلاس - قال فيه: تتلخص أحداثها أن سليمان معلم الرقص متزوج من روز، ولكن أمها تنغص عليه عيشته، وهو يريد أن يبيع بيته فيدخل عثمان ومعه ابنته سوزان بحجة شراء البيت. والحقيقة إنهما يريدان الاستراحة للاحتماء من المطر فيحب سليمان سوزان ويطلق زوجته ويتخلص من حماته، ولكن عثمان يسافر إلى الإسكندرية ويتعرف بروز ويتزوجها وبذلك يعود مع الحما إلى منزل سليمان صهره مرة أخرى، فيحدث ذلك استياء في العائلة، ولكن لا يلبث عثمان هو الآخر أن يطلق امرأته تخلصاً من حماته، وينتهي الحال بروز أن تتزوج من رشدي بيه الذي كان يحبها أولاً وتذهب أمها مع أبيها بعيداً عنها.
وآخر تقرير وجدناه كان عن مسرحية «بريه من حماتي» تأليف فوزي منيب لفرقته بكازينو ليلاس بروض الفرج، كتبه الرقيب في سبتمبر 1929، قال فيه: عثمان موعود من صهره بمبلغ من المال يأخذه بعد ستة أشهر من زواجه إذا استقام في حياته الزوجية. وحدث أن زوجته سافرت لمدة أسبوعين فكان عثمان يسهر إلى أوقات متأخرة من الليل، ولما عادت زوجته وعرفت الأمر أخبرها بأنه كان عضواً في جمعية الماسون، ولكن صهره كذب هذه الكذبة أيضاً ليبرر سهره في الخارج. فظل كل منهما يظن أن الآخر ماسوني ويخاف افتضاح أمره، ثم حضرت خليلة عثمان إلى البيت فقدمها على أنها عضوة في الجمعية، فطلبت كل من زوجته وحماته الالتحاق بالجمعية، فأخذت الخليلة «ليلى» بتعلمهم حركات كاذبة. حدث بعد ذلك أن خادم ألواج التياترو وحيث كان يمضي عثمان حضر ليعطي عثمان محفظة ضاعت منه، ولما لم يعط عثمان مكافأة له باح بسره إلى كركور بك الصهر فوقع عثمان في ورطة انتشلها منه صديقه «هيبت» بأنه أوعز إليه أنه يذكر لصهره اسم خليلة قديمة له وهنا يرتبك الصهر أيضاً ثم يرسلون إلى الصهر مع ليلى خطاباً إلى كركور بك على لسان الخليلة القديمة بأنها ابنته ثم يحضر أحد أفراد جمعية الماسون بإيعاز الخادم الذي شك في أمر سيدين وهنا ينكشف أمرهما ثم يصطلحا.
باقي المواسم
هذا الكم الكبير من تقارير الرقابة، التي عرفنا منها أسماء مسرحيات فرقة فوزي منيب ومواضيعها التي عرضها في كازينو ليلاس بروض الفرج، كانت مناسبة للإعلانات التي نُشرت في الصحف بعد ذلك، والتي تؤكد على أن فوزي منيب سيقدم كل ليلة مسرحية جديدة، وسيقوم فيها بدور البربري عثمان، وهي الشخصية الأساسية في جميع موضوعات المسرحيات التي قرأنا عنها في التقارير السابقة! ومثال على ذلك ما أعلنت عنه «جريدة الأفكار» في مارس 1930 تحت عنوان ««كازينو ليلاس بروض الفرج فرقة فوزي منيب»: كل يوم رواية جديدة، بالاشتراك مع مجموعة ممثلين وممثلات. يقوم بدور «البربري» الممثل النابغ الأستاذ فوزي منيب».
وأعلنت «المجلة الفنية» في إبريل 1930 عن «كازينو ليلاس»، قائلة: «يمثل فيه الأستاذ فوزي أفندي منيب «البربري المحبوب» بفرقته التي يديرها الأستاذ محمد أفندي شكري ومطربة الفرقة هي السيدة نرجس شوقي، فقد مثلت الفرقة في يوم الأحد الماضي رواية «غرايب الدنيا» فأجاد الجميع في أدوارهم إجادة تامة، وقد طربنا من المطرب المحبوب محمد أفندي إدريس، وأعجبنا بما رأيناه من اهتمام حضرات الممثلين والممثلات في إخراج أدوارهم جميعاً».
ومسرحية «غرائب الدنيا» مرّت علينا في التقارير السابقة، وهذا أمر متوقع! أما غير المتوقع أن نجد الفرقة تمثل مسرحيات لم ترد في التقارير – رغم كثرتها – وأظن أنها وردت في التقارير باسم آخر!! وهذا ما كان يفعله فوزي منيب – وغيره – بأن يأخذ التصريح باسم المسرحية، ثم يغيّر اسمها، لا سيما لو كانت مُثلت من قبل أو أن تكون بقلم آخر غير فوزي منيب!! ومثال على ذلك مسرحية «مجلس الأمن» التي لم تُذكر في التقارير، وقالت عنها «المجلة الفنية» في مايو 1930: «مثلت فرقة الأستاذ فوزي منيب في يوم الأحد المذكور رواية «مجلس الأمن»، فأبدع الأستاذ فوزي في تمثيل دور البطل، وكذلك المطربة الشهيرة السيدة نرجس شوقي. فقد قامت بدورها خير قيام، وقام الشيخ العراقي بدور الباشا فأجاد، وأخرج الممثلون أدوارهم بهمتهم المعهودة».
تناقض جريدة
واضح أن فوزي منيب تألق تألقاً كبيراً في صيف 1930، جعل جريدة «المضمار الرياضي» تكتب كلمة فيها إشادة بفوزي وتأتي بمعلومات مهمة عن بداياته، وأشادت أيضاً بأعضاء فرقته قائلة: الأستاذ فوزي منيب كان طالباً بالمدرسة الخديوية وتركها سنة 1916، لأنه كان غاوياً فن التمثيل. وقد ألقى أول منولوج له وهو «تم تم»، الذي نال شهرة واسعة. وبعد ذلك انضم لفرقة الريحاني، ثم اشتغل مع أمين عطا الله، وبعد ذلك ألف فرقة بالإسكندرية باسمه، ومثّل رواية سينمائية. وهو يجيد شخصية البربري حق الإجادة، وله ظل خفيف على المسرح. ومطربة الفرقة فهي السيدة «نرجس شوقي» وهي مطربة ذات صوت عذب تجيد الغناء، ولها شغف كثير بالموسيقى. وقد تقدمت كثيراً وذلك بفضل الأستاذ فوزي منيب. ولا يفوتنا أن نذكر صديقنا الأستاذ محمد أفندي شكري مدير الإدارة، فقد كان رئيساً لتحرير مجلة التياترو. والآن مديراً لمسرح الإجبسيانة والماجسيتك. وله في التأليف آثار قلمية عظيمة، نالت نجاحاً باهراً.
هذا المديح قلّ – أو انقلب بعد شهر واحد إلى النقيض - عندما نشرت الجريدة نفسها في يونية 1930 مقالة حول مشاهدة أحدهم مسرحية لفوزي منيب، قال عنها تفصيلاً الآتي: نزلت من الترام فابتدرني موزع الإعلانات وقذفني بإعلان طويل عريض حوى وجوه خليط من الرجال والنساء، قيل عنهم وعنهن إنهم وإنهن ممثلون وممثلات، يُركب منهم ومنهن فرقة الأستاذ فوزي منيب. أستاذ نعم لأن كلمة أستاذ أصبحت «تتلطع» بجانب كل اسم، وبذلك أصبحت هذه الدرجة العلمية التي لا يصل إليها الإنسان إلا بعد أن يقضي الشطر الأكبر من حياته في الدراسة والتحبير مباحاً لكل إنسان. ففوزي منيب أستاذ بالرغم من كل الأساتذة وبالرغم من وزارة المعارف. خضعنا للقب وتقبلناه، وولجنا مسرحه لنرى أستاذيته على المسرح وبراعته في الفن فماذا رأينا؟! رأينا وابتسم معي أن رواية «الباشا البخيل» تأليف الأستاذ فوزي منيب، ما هي إلا رواية «عصفور في القفص» تأليف الأستاذ حقاً «محمد تيمور» اللهم إذا استثنينا ما حُشر فيها حشراً من منولوجات غاية في السخافة، الشيء الذي أضاع بهجة قلم الأستاذ تيمور بك. وليس لنا في موضوع النقل أو التقليد والتزييف أي دخل لأن هذا من حق الأستاذ المؤلف الأصيل. ولكنا نريد أن نعرف هل هذه الرواية مرت على إدارة المطبوعات وصرح بها أم لا؟ وإذا كانت قد رُوقبت فكيف صرح بها مع علم الإدارة بالطبع أنها تأليف تيمور بك وليس من تأليف أستاذ زمانه فوزي منيب. الإعلان يقول مناظر رائعة وملابس ثمينة باهرة وأثاث فاخر وتمثيل راق. أما أنا كما رأيت وكما شاهدت لم أر من كل الذي ذكر في الإعلان شيئاً، كما أيقنت أن هذه الإعلانات ما هي إلا لتغرير الجمهور. والإنسان بعد أن «يكع» الأجر يصيح لا حيلة له إلا أن يرغم على أن يصرف وقته بأي شكل. وإني أرى أن من واجب الأستاذ فوزي منيب أن يعمل على إصلاح حال فرقته، ويدأب على إدخال الإصلاحات اللازمة وأن يجهد نفسه في اختيار رواياته خدمة للفن. ويضحكني آخر الليل أن أسمع جلبة ونواح من وراء الستارة. سمعت عبد العزيز الممثل ينادي «منديل حرير أحمر بكنار أبيض تايه! يا ولاد الحلال اللي لأه له الحلاوة يا عدوي»! وسمعت سيدة من سيدات المسرح بدورها «شنطة يد! بها تسعة قروش ونصف وأدوات التوالت كاملة زايغة! يا ولاد الحلال! من ممثلين وممثلات! اللي لأها له الحلاوة يا عَدَوي!». فقلت في نفسي إذا كان الأمر كذلك فالأبحث جيداً «جيوبي» والحمد لله لم يضع مني شيئاً لأني كنت منفض وأنظف من الصيني بعد غسيله. ومن رأيي محافظة على ثياب الممثلين والممثلات وأدواتهم الخاصة أن يستأجر فوزي منيب أحد العساكر ليكون ديدبانه في المسرح.
السنوات الأخيرة
من يتتبع تاريخ فرقة فوزي منيب في روض الفرج بعد عام 1930 وحتى عام 1937 لن يجد له أخباراً تتناسب مع الأخبار السابقة!! فعلى سبيل المثال نجد مجلة «الصباح» تنشر إعلاناً بعنوان «افتتاح الموسم التمثيلي الصيفي بكازينو ليلاس بروض الفرج فرقة الأستاذ فوزي منيب»، وتحدد يوم الخميس 9 إبريل سنة 1931 والأيام التالية حيث تقدم الفرقة كل يوم رواية جديدة لم يسبق تمثيلها، حيث إن الفرقة استعدت هذا العام استعداداً عظيماً، وأجرت تصليحات جديدة بالكازينو تضمن راحة المشرفين كذلك أنشأت ألواجاً للعائلات: مشروبات نقية، هواء عليل، مناظر جميلة .. إلخ! وبعد ذلك لا نجد أية أخبار عن هذا الموسم!!
وفي الموسم التالي عام 1932، نقرأ إعلاناً نشرته مجلة «الصباح» تحت عنوان «الافتتاح الهائل العظيم بكازينو سان أستفانو بروض الفرج .. فرقة الأستاذ فوزي منيب»، قالت فيه: ابتداء من يوم الخميس 4 أغسطس الساعة 6 ونصف مساء والأيام التالية رواية «لص بغداد» فوزي منيب، نرجس شوقي، المطرب محمد إدريس، فرقة راقصات شرقيات، فرقة راقصات أفرنجيات، موزيكهول عظيم، منولوجات شيقة من كبار المنولوجست، كازينو سان أستفانو هو أحسن مكان ممتاز لمصيف العائلات في روض الفرج». وغير هذا الإعلان لم نجد!!
والمواسم من 1933 إلى 1936 لم نجد أي نشاط للفرقة في روض الفرج – فيما بين أيدينا من وثائق ومقالات – حتى وجدنا خبراً منشوراً عام 1937، قالت فيه مجلة «الصباح» تحت عنوان «فرقة فوزي منيب»: «بدأت فرقة فوزي منيب عملها بمصيف روض الفرج من يوم الأحد الماضي، وقد تم الاتفاق مع السيدة «لطفية نظمي» لتقوم بالدور الأول. كما تم الاتفاق أيضاً مع المطرب حسن أفندي سلامة أثر عودته من الأقطار الشقيقة ليقوم بأدوار «الجان بريمييه»! ومن بين أفراد الفرقة أيضاً المنولوجست المعروف سيد سليمان والمنولوجست نعيمة ولعة وزوجها وبعض الراقصات». وبعد تسع سنوات نقرأ إعلاناً في مجلة الصباح عام 1946 عن فرقة فوزي منيب مع فتحية محمود وأحمد صبرة في كازينو ليلاس!
وهذا الاختفاء أو قلة النشاط لفرقة فوزي منيب في روض الفرج ليس معناه أن الفرقة ضعفت أو بدأت نهايتها .. بل العكس كان صحيحاً!! ففرقة فوزي منيب لم تظهر في روض الفرج، لأنها كانت متألقة ومتجولة ولها أماكنها العديدة في القاهرة وأقاليم مصر!! فالفرقة كانت تعرض في «تياترو ديانا» بمحطة الرمل بالإسكندرية، أو مشتركة مع فرقة «فتحية محمود» في كازينو نيرفانا بالإسكندرية، أو كانت تعرض في كازينو «كوت دازور» بكامب شيزار، أو أن فوزي منيب أصبح عضواً في فرقة «دنيا الفن» التي تعرض في مسرح هوليود بشارع عماد الدين عام 1946.
وفي يناير 1948 قرأت آخر خبر عن فوزي منيب، نشرته مجلة «الصباح» قائلة: «قدمت نقابة ممثلي المسرح والسينما مبلغ عشرة جنيهات كإعانة لزوجة المرحوم الأستاذ «فوزي منيب» عقب وفاته»!!