الناقد العفريت يرد على ناقد مدرسة طنطا

الناقد العفريت يرد على ناقد مدرسة طنطا

العدد 780 صدر بتاريخ 8أغسطس2022

في المقالة السابقة تحدثنا عن أول نقد - أو انتقاد - منشور في جريدة طنطا كتبه أحد طلاب مدرسة طنطا الثانوية تحت اسم مستعار «العفريت»! والذي كشف شخصيته كونه طالباً في المدرسة، طالب آخر هو «عبد الحليم ناصف» الذي رد على العفريت بمقالة نشرتها الجريدة!! ومن الواضح أن العفريت لم يصمت على كلام طالب المدرسة، فكتب رداً جديداً، وقامت الجريدة بنشره، كونها سعيدة بهذه المعركة النقدية، كونها أول معركة نقدية مسرحية تحدث في طنطا وفي جريدة محلية!! والرد الجديد نشرته الجريدة يوم 13 مايو 1928 تحت عنوان «الحفلة التمثيلية بالمدرسة الثانوية»، وفيه قال العفريت:
 حضرة المحترم رئيس تحرير جريدة طنطا الغراء: أرجو نشر هذه الكلمة رداً لرد حضرة عبد الحليم ناصف، وذلك لأدافع عن وجهة نظري في الرواية ولكم الشكر سلفاً!! لقد استغربت جداً حين قرأت ردك لم أندهش من الرد ولكني اندهشت جداً من الاسم «عبد الحليم ناصف» أين سمعنا هذا الاسم؟ أهو ناقد أم هو رسول؟ سيتضح لكم الحقيقة أيها القراء الأعزاء!! حقاً لك أن تكتب كل هذا وتثور غضباً من اعتداء شخص ضعيف على الأستاذ العبقري!! تقول إنك قابلت عبد الرحمن أفندي سعد الممثل الأول بالفرقة الملم بالفن وأصوله، فمرحاً لكما أيها الصديقان هذه ليست الحقيقة أيها العزيز، الحقيقة هي أنه استدعاك وأملى عليك هذا الرد حرفاً ونصاً، وعندي البراهين على ذلك، وهي براهين قوية. ألا تلاحظ أيها القارئ الكريم أن كلمة «الممثل الأول» وخصوصاً أنه من أدرى الطلبة بالرواية والتمثيل، ومن أكثرهم إلماماً بذلك هي بعينها الجملة التي كتبت في جريدة الحرية لحديث لسي عبد الرحمن. إذن بالله عليكما دعا التمويه وقولا بصراحة تامة إنكما تريدان عمل بروباجندا لكما مجاناً على صفحات هذه الجريدة الغراء. بأي وجه ترد وبأي حق تجادل والعبارة (على المكشوف خالص وكل واحد عارف اللي فيها) تقول كتر خيره لأنه أمكنه أن يخرج لنا رواية (إيه اللي زنقه يا روحي)!! أَهَلْ المدرسة اضطرته لأن يؤلف لأن جمعيتها لا تمثل إلا الرواية التي يخرجها حضرته! بالله عليك دعني من هذه السفاسف التي تقول إنك تدافع عنها!! أنك بتعرضك هذا تجعلني مضطراً للإفاضة لك بسيئاتها التي لا تعد ولا تحصى! أعلم أيها المنتقد المحترم أن من عادتي أن أبحث كل رواية وأوجزها وأنقبها لاستخراج سيئاتها وحسناتها وأحاسب عليها المؤلف، ولكن أستاذك عكس لي في هذه النظرية، جعلني أنقب في الرواية لا لاستخراج سيئاتها بل لاستخراج ما يمكن أن يكون فيها من حسنات يستحق أن يُشكر عليها. نعرف أن المؤلف قبل أن يعزم على تأليف رواية لا بد أن تكون فكرتها قد اختمرت في رأسه ولا ينقصه إلا أن يسطرها، ولكن أية فكرة اختمرت برأس صاحبنا فأخرج لنا رواية. أكاد أجزم أن الفكرة الوحيدة التي خامرته هي أن يكون (مؤلف وبس) وأنه حين جلس إلى مكتبه ليكتب هذه الرواية لم يدر كيف يبدأ ولا كيف ينتهي. ليس التأليف بالسهولة التي تتصورها، إذ لا يكفي أن يكون الإنسان كاتباً أدبياً أو ناقداً فنياً أو حاملاً لإحدى الشهادات أو مدرساً في إحدى المدارس حتى يستطيع أن يؤلف رواية. وفي أوروبا يعدون التأليف موهبة كموهبة الصوت الجميل، ولكي يكون الإنسان قادراً على أن يؤلف رواية مسرحية يعجب بها الكل يجب أن تتوافر فيه شروط محفوظة ومزايا كثيرة فمنها أن يكون قادراً على خلق الشخصيات وإيجاد الحبكة المسرحية وارتباط الفصول ببعضها، وانتقاء الكلمات التي يقبلها الجمهور .. إلخ. فهل استطاع حضرة الأستاذ أن يرينا شيئاً من ذلك .. كلا إذن فلا تجادل أيها العزيز فليست لك القوة على المناقشة والمجادلة وخصوصاً فأنت أمام خصم قوي بيديه براهين تظهر لك الحقيقة ناصعة كالشمس. تريد أن تنكر الحقيقة لمجرد الرغبة في المناقشة والمجادلة، ولكن معلهش فسأتسامح وأرد عليك فأنت لسه راجل في المقدر جديد. سأذكر لك بعضاً من الأغلاط الأخرى للرواية لأبرهن لك على عدم فائدة المجادلة والمناقشة، ولأريك أن المجال أمامي واسع جداً لأن أنتقد! أَهل تنكر أن الرواية كانت كلها ديالوجات مملة ومنلوجات طويلة في كل فصولها وأن صاحبك «عبد الرحمن» كان ممن نالهم الشيء الكثير منها. ثم أَهَلْ يعقل أن وزيراً عظيماً يناجي كاتبه كما يناجي الإنسان امرأته ذاكراً له همومه، ثم لنفرض أنه كان يضع فيه غالي الثقة فهل من حصافة الرأي أن يطرده شر طرده، ويصم آذانه عن سماع شكايته فيقيله جزاء هفوة صغيرة هفاها، وهي عدم غلق باب المكتب أَفهل هذه حياة تريد أن يصورها لنا حضرة المؤلف؟ ومع ذلك تناقش وتجادل! تصور أيضاً سيدي القارئ ولدين صغيرين هما ولدي الوزير يقضيان أوقاتهما في المذاكرة والدرس وعندهم طباخ فاسد الأخلاق، استطاع أن يؤثر عليهما ويجعلهما يسرقان نقوداً من والديهما وكل ذلك بكلمتين، فهل هذا بالله عليك معقول! ومع ذلك تجادل وتناقش!! ثم تصور بعد ذلك ببرهة وجيزة لا تزيد عن الثانية يدخل والدهم متهماً ابن كاتبه بأنه سرق، وقد انتهى من التفتيش والتحقيق وقد حجزه في البيت إلى أن ينتهي كاتبه من دفن زوجته! ثم دعني من ذلك كله لأريك شيئاً أغرب من ذلك كله! دخل حضرة صديق المفند إلى المسرح سليماً معافاً يملأ الدنيا ضجيجاً وصراخاً ثم بعد برهة يسقط ميتاً، كيف مات؟ العلم عند الله! وعند سيدي المؤلف مؤلف الحياة، ولكن هي الحياة. لقد أخرج لنا من هذا القبيل موقفين وإن شئت فقل مهزلتين فرنزو في الفصل الثالث وجاكوب في الفصل الرابع، ثم أن نسينا فلا ننسى أيضاً إخراجه الفني! تصور بالله عليك! أَهلْ يوجد شيء يضحك أكثر من أنك ترى جاكوب وأولاده في الفصل الثاني مجتمعين يتسامرون بكلمات تبين أنهم في غاية الصغر لا يزيد أكبرهم عن السادسة عشرة من العمر. ثم بعد ذلك نراهم وقد ظهروا جميعهم في الفصل الرابع مع والدهم أيضاً وأكثر الجمل التي قيلت في الفصل الثاني قيلت في الفصل الرابع. فمثلاً خذ كلمة (أليس كذلك باب) التي قالها بولو في الفصل الثاني هي بنفسها التي قالها (أليس كذلك يا والدي) بنفس اللهجة والنغمة وبنفس الدلع كأنهم لا يزالون صغاراً بدون أي مكياج زيادة إلا ما وضع للتجمل والتحلي. فهل توجد مهزلة أكثر من هذه ولكنك تناقش وتجادل وتقول في ردك إن ليس لي الحق أن أنتقد الجلابية فهل ذلك قد اخترع (استعمل) البرنس قبل البيجامة، وأنهم يلبسون البرنس والعباءة والجلابية! أَهلْ تريد أن تريهم أن عندكم ملابس كثيرة أو ما رأيك في ذلك؟! كما أنك تقول إن نبيه الميهي قد أخطأ في الفصل الثالث في الجملة (تبكي وتضحك)! هذه الجملة لم يكن لها محل من (الوجود) في الفصل الثالث بالمرة. والظاهر أن عبد الرحمن لم يعرف يقولها لك (زي الناس)! إذن فلتسكت أحسن، ودع المناقشة والمجادلة لغيرك، ولتعرف مع ذلك أن لدي الكثير مما يكون مفكهاً للقراء، ولتعلم أن الناقد لا يقول كلمة إلا وله الحجج والبراهين فلا تمشي أيها العزيز في الطريق الوعر الشائك، ولا تدع نفسك تقاوم التيار، فالتيار شديد يجرف كل من أمامه فلا أقوى في الوجود من الحق ولتعرف أن الذي أمامك «عفريت» مطلع على كل شيء، فالأحرى لكم السكوت لحسن يطلع عليكم عفريتي! [توقيع] المخلص العفريت.
لويس الحادي عشر
مهما يكن من أمر قضية العفريت الناقد، إلا أنها كانت قضية نقدية غير مسبوقة في مدارس طنطا، مما يعني أن فرقة مدرسة طنطا الثانوية المسرحية، كانت فرقة متميزة ولها شأن كببر حينذاك! ولكن مهما كانت قيمتها الفنية والمسرحية، إلا أنها لن تصل إلى مصاف الفرق المسرحية المحلية الهاوية! الغريب أن وصلت إلى أكثر من ذلك في حادثة غير مسبوقة أيضاً، عندما قررت تمثيل مسرحية «لويس الحادي عشر»، وهي المسرحية المفضلة لجورج أبيض وفرقته. والغريب أن الفرقة لم تمثل المسرحية على مسرح مدرسة طنطا الثانوية، أو في أي مكان آخر داخل المدرسة، بل مثلتها ولأول مرة على مسرح بلدية مدينة طنطا، مثلها مثل أية فرقة محترفة شهيرة من الفرق التي زارت طنطا أمثال يوسف وهبي ومنيرة المهدية والريحاني والكسار .. إلخ!! ولأهمية هذا الحدث نقلته لنا الصحف الكبرى بالقاهرة، والمجلات الفنية المتخصصة!! فقد قالت جريدة «الأخبار» في منتصف فبراير 1930، تحت عنوان «حفلة تمثيلية»: 
«أرسل إلينا حضرة «م . س» بطنطا أن فرقة مدرسة طنطا الثانوية التمثيلية مثلت رواية «لويس الحادي عشر» على مسرح بلدية المدينة، وكانت هذه أول مرة تعتلي الفرقة فيها خشبة المسرح، وقد شهدها الكثيرون من كبار القوم، وأجاد بعض الطلاب إجادة لا بأس بها في تمثيل أدوارهم».
أما مجلة «الصباح» فنشرت كلمة تحت عنوان «على مسرح البلدية بطنطا» في أوائل مارس 1930، جاء فيها: «قامت فرقة التمثيل بمدرسة طنطا الثانوية بتمثيل رواية «لويس الحادي عشر» يوم الخميس الأسبق على مسرح البلدية بطنطا، وقام بدور لويس الحادي عشر «محمد الميهي». وعلى ما سمعت أنه رئيس الفرقة وقام بدوره خير قيام. وقام بدور «أحمد» فريد أبو شادي، ولوحظ أنه سريع الإلقاء، وكان في بعض النقط المحزنة لا يظهر الحزن، وهو سريع الحركة. وقام بدور «كومين» محمود مختار، فسقط فيه سقوطاً شنيعاً إلا أنه نجح في دور «مارسيل» فنهنئه. وقام بدور «ماري» إبراهيم مصطفى حمودة، فأداه على ما يرام، إلا أنه لم يظهر الحزن عند موت حبيبها. وقام بدور ولي العهد «أنور أحمد» فأجاد في دوره. وقام بدور «كوانيه» أحمد كمال يونس، فسقط في دوره سقوطاً مريعاً، وكأنه ظن أن كل من وقف على المسرح أصبح ممثلاً. وقام بدور «فرنسوا» حسين شليب، فسقط فيه. وعلى العموم نهنئ الفرقة ورئيسها ومراقبها وحضرة ناظر المدرسة «عليان محمد».
وفي منتصف مارس 1930 أرسل «فتحي أحمد» رسالة إلى رئيس تحرير مجلة «الصباح»، في صورة ردّ نقدي – غير مباشر - على ما جاء في الكلمة السابقة، وفجّر فيها مفاجأة كبيرة بأن ملابس ومناظر المسرحية التي عرضها طلاب المدرسة، أرسلها لهم جورج أبيض بنفسه، وهي المناظر والملابس الخاصة بعرض المسرحية لفرقة جرج أبيض! كما أن الرسالة تحمل معلومات أخرى!! فقامت المجلة بنشر الرسالة تحت عنوان «حفلة مدرسة طنطا الثانوية»، جاء فيها الآتي: 
«رئيس تحرير مجلة الصباح .. ساءني أن أقرأ في العدد الأخير من مجلة الصباح الغراء نقد رواية لويس الحادي عشر، التي مثلتها فرقة التمثيل بمدرسة طنطا الثانوية. وقد ساءني أن أقرأ عن تمثيل الفرقة نقداً مغرضاً، في حين أن الصحف المحلية في طنطا، التي شاهد مندوبوها الرواية قد أثنوا على أفرادها الثناء المستطاب. فقد جاء في جريدة «العدل» أن أحمد فريد أبو شادي نجح في دور الدوق دي تيمور نجاحاً يغبط عليه. وقام أحمد كمال يونس بدور الطبيب «كوتيه» فمثله بإتقان، وقام حسن أبو شليب بدور الكاهن فأجاده إجادة كبيرة! وقد أرسل الأستاذ الكبير جورج أبيض مناظر الرواية وملابسها للفرقة، وهذه حسنة نذكرها له بالشكر. وكفى الفرقة فخراً شهادة مدير الغربية ونوابها. [توقيع] فتحي أحمد».
وفي عدد المجلة نفسه كتب الطالب «حسين عبد الرحمن» الطالب بالمدرسة، رداً أو نقداً مباشراً لما نشرته المجلة بتوقيع عليان محمد، قال فيه: «صاحب مجلة الصباح، منذ ظهرت جريدة الصباح الغراء، ونحن نراها مع الحق، ومبدؤها حرية النشر. لقد بُهتنا لتلك الكلمة التي كُتبت بقلم «عليان محمد» بخصوص رواية «لويس الحادي عشر» مع أن الذين حضروا الحفلة أثنوا على أفراد الفرقة، وخصوصاً سعادة المدير الذي كلف ناظر المدرسة إبلاغ تقديره إلى جميع الطلبة الممثلين. وقد جاء في جريدة طنطا بقلم مندوبها الفني إنه لم ير أفضل من حسين شليب للقيام بدور الكاهن. ولا يسعني إلا أن أهنئ ناظر المدرسة ومراقب الفرقة وجميع أعضائها فرداً فرداً، ونتمنى لهم نجاحاً مطرداً. [توقيع] «حسين عبد الرحمن» طالب بالقسم العلمي».
وفي ختام هذه المقالة أطرح ملاحظة، تتمثل في أن جميع المقالات السابقة تحدثت فيها عن عروض مسرحية تمت في طنطا منذ أواخر القرن التاسع عشر، ولكن أغلب هذه العروض غير مستديمة ولا تستمر سوى يوم أو يومين كل فترة زمنية، حيث إن الفرق التمثيلية كانت زائرة وعابرة!! وهذا الأمر يثير سؤالاً: ألا توجد فرقة مسرحية عرضت في طنطا لمدة أسبوع أو عدة أسابيع، مما يجعلنا نتابع تاريخ المسرح في طنطا فترة طويلة بدلاً من الزيارات الخاطفة؟! هذا السؤال إجابته ستكون مجموعة المقالات القادمة .. فإلى الأسبوع القادم بمشيئة الله!!


سيد علي إسماعيل